جميل باييك
تركيا التي ترفض حل القضية الكردية تمضي قدما في تحوير الحقائق. وطالما هي تعادي الكرد، فسوف تبقى تحرّف الحقائق والوقائع الدامغة. تركيا، كذلك، تقود حربا نفسية على قاعدة العداء التام للشعب الكردي ولحقوقه، وهو ما يجر عليها المشاكل الكثيرة. السياسة التركية المتبعة حيال سوريا أدخلت أنقرة في متاهات كثيرة. تركيا تدعم “داعش” للنيل من ثورة روج آفا، والهدف النهائي هو تحسين الظروف وخلق الجو المناسب.
هي تبث الأكاذيب من قبيل أن ثورة روج آفا متحالفة مع نظام بشار الأسد. لكن في الحقيقة فإن ثورة روج آفا هي الدافع والمحفز الأكبر للديمقراطية في عموم سوريا.
الواقع يقول بأن السياسات التركية والإشكاليات التي خلقتها، هي التي ساعدت النظام السوري لكي يبقى صامدا حتى الآن. الدولة التركية لم تدعم القوى الديمقراطية المناهضة للنظام السوري، بل دعمت القوى الشمولية التي لا تحترم الديمقراطية والتعددية، ولكنها تهدف للحيلولة مكان الأسد وبناء نظام شمولي إقصائي لا يختلف عن النظام السوري الحالي في شيء.
القوى التي تدعمها تركيا تتفق كلها في رفض الاعتراف بالشعب الكردي وبحقوقه. والقوى التي لا تقبل حقوق الكرد لا يمكن وسمها بالديمقراطية أبدا. عمدت تركيا منذ البداية على دعم القوى المعارضة التي تخطط لإبقاء الكرد دون حقوق، والمضي قدما في إقصائهم وتهميشهم. لكن ما حدث بان النظام السوري بقي على سدة الحكم، بينما فشلت القوى الممولة من تركيا في الحلول محله على كرسي السلطة. وضمن هذا المشهد، ظهرت ثورة روج آفا، وأعلن الكرد عن تأسيس مقاطعات ذات إدارات ديمقراطية تشاركية. كان المطلوب من اجل التخلص من نظام الأسد وبناء نظام ديمقراطي في سوريا، هو ظهور قوى ديمقراطية وطنية ترفض العمل تحت وصاية تركيا أو أي جهة أخرى.
الشعب السوري ومنذ البداية خرج يطالب بالديمقراطية والحرية، ولكن تركيا تدخلت ومنعت تصدر المد الديمقراطي ودعمت القوى الشمولية المناوئة للديمقراطية والتعددية والاختلاف السياسي. دعمت المرتزقة الذين احلوا الدمار والخراب في كل مكان، للنيل من الكرد ولمنعهم من التمتع بحقوقهم في سوريا تعددية ديمقراطية. حركة التحرر الكردستانية دعت الدولة التركية منذ البداية إلى التخلي عن هذه السياسة والتوقف عن دعم القوى الشمولية المتطرفة، بل دعم القوى التي تنشد التحول الديمقراطي، ودعم التغيير الحقيقي والمشاركة الواعدة في مقاطعات روج آفا.
لكن الدولة التركية صمّت الآذان، وتابعت دعمها للمجموعات المرتزقة مثل “جبهة النصرة” و”أحرار الشام” و”داعش”. لقد دعمت تركيا وقوّت المجموعات المسلحة ذات التوجه الفاشي الإجرامي، وهو ما صب المياه في طاحونة بشار الأسد ونظامه، وساهم في تثبيت أقدام النظام على كرسي السلطة في دمشق. نظام بشار الأسد قال بأنه يقاتل ضد الإرهاب والإرهابيين.
نظام الأسد قال إنه يقاوم أشخاصا يأكلون أكباد البشر ويقطعون الرؤوس، وشرّعن لنفسه ممارسة المزيد من القصف والتخريب والتدمير، مستغلا الصمت واللامبالاة الدوليين. العالم صمت لأنه بات يعرف بان من يقاتل الأسد هم أكثر همجية منه. وساهمت الأعمال الإجرامية في حق الأقليات مثل المسيحيين في توطيد هذا الصمت، وتعميق حالة اللامبالاة حيال الوضع في سوريا. الدعم التركي على أساس مذهبي للمجموعات الفاشية التوجه مثل “جبهة النصرة” و”داعش” هو الذي مدّ طوق النجاة لنظام بشار الأسد وساهم في بقاءه كل هذه المدة.
ولكي تتهرب تركيا من المسؤولية عن هذه الحالة، فهي الآن تتهم ثورة روج آفا بالتحالف مع النظام السوري ومع الأسد، علما بان ثورة روج آفا هي الوحيدة التي نجحت في بناء واقع ديمقراطي حقيقي في كل سوريا.
ولو اعتمدت قوى المعارضة نموذج ثورة روج آفا أساسا لها، لكان النظام السوري قد سقط منذ زمن طويل، أو عمد إلى التخلي عن عقلية الهيمنة وقبل بالحل والمشاركة السياسية مع قوى المعارضة.تركيا وعبر دعم وتمويل المجموعات الفاشية المسلحة تريد تخريب تجربة روج آفا والمقاطعات، والنيل من الحقوق الكردية هناك.
وهي كذلك تركيا إشعال حزب العمال الكردستاني وإنهاكه وإضعافه. ورغم أن كل من وحدات حماية الشعب وقوات الدفاع الشعبي الكردستاني يحاربان مرتزقة “داعش” منذ أكثر من عامين، يأتي تصريح يالجين آكدوغان مستشار رئاسة الجمهورية، ليطالب حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب ب” ضرورة مقاومة داعش، بدل توجيه الاتهامات واللوم لتركيا!”. وهذا الكلام يظهر الغرض الحقيقي من دعم تركيا طيلة الفترة السابقة للمجموعات الإجرامية الفاشية مثل “جبهة النصرة” و”داعش”، والتي كان هدفها هو فقط محاربة الشعب الكردي ومنعه من تحقيق أي مكسب.
الآن تهدف تركيا لنقل المعركة ضد الكرد إلى مرحلة أخرى متقدمة، وهي هنا تأسيس “المنطقة العازلة”. لكن تركيا ترتكب خطأ كبيرا، الشعب الكردي سيواصل النضال ضدها وضد هذه المجموعات الإجرامية الفاشية. وحركة التحرر الكردستاني هي من ستقود هذا النضال، وبقوة اكثر وإصرار أكبر على النصر.
*صحيفة (Azadiya Welat).