أمجد شاكلي
لا أحد يستطيع أن ينكر بأن القضية الكردية في الأعوام الأخيرة قد خطت خطوات كبيرة للأمام، وذلك عن طريق الاعتماد على النفس والإمكانات الذاتية. هناك جزء من جنوب كردستان منذ عام 1991 يٌدار عبر أهله وبشكل مستقل تقريبا عن المركز العراقي. وفي شمال كردستان هناك عملية سياسية الآن، والشعور القومي الكردي في أوجه وفي تصاعد مستمر، أما الحكومة التركية فقد وصلت إلى قناعة تفيد بأن مواصلة الحرب والرهان على الحل العسكري لن يفيد في قمع الكرد والنيل من تطلعاتهم القومية.
وفي غربي كردستان، ورغم الحرب الأهلية المستمرة في سوريا، إلا أن الكرد هناك وبقيادة حزب الاتحاد الديمقراطي قد استطاعوا تشكيل إدارة ذاتية يحكمون أنفسهم بشكل حر ومستقل من خلالها ويمنعون الخراب عن أرضهم. وفي شرق كردستان حقق الكرد مكاسب لا بأس بها بعيد ثورة الشعوب الإيرانية عام 1979 ومن ثم تأسيس الجمهورية الإسلامية في إيران، حيث زاد الشعور القومي وعمّ التنظيم بين صفوف الشعب الكردي، لكن المستوى العام الذي حققه الوعي الكردي والمنجزات ما زالت غير كافية، وما زال الحراك راكدا نوعا ما. والشعب الكردي الذي لا يملك دولة مستقلة بعد، وعندما ينجح جزء منه في أي بقعة من أرض كردستان في تشكيل واقع سياسي حر ومستقل، فإن هذا الشعب يعد الإنجاز ملكا له ويعمل في سبيل توطيده وتقويته وضمان أن يكون منيعا في وجه أي تهديد. فثورة الشيخ محمود الحفيد، وثورات البرزانيين منذ أعوام 1940 ودولة كردستان في مهاباد، وثورة 1961ـ1975 وثورة شرق كردستان 1979 وثورة شمال كردستان 1984 ومن ثم ثورة غربي كردستان والواقع الحر الموجود حاليا، كلها مكتسبات لعموم الأمة الكردية، وكل الكرد معنيون بالحفاظ عليها والدفاع عنها.
اليوم في غرب كردستان هناك جزء من أرض كردستان محررة، وثمة سلطة كردية هناك وواقع حر يٌدير فيه الكرد أنفسهم بعيدا عن سطوة أخرى، وهذه المنجزات يقودها حزب طليعي هو حزب الاتحاد الديمقراطي، أقوى الأحزاب الكردية في غربي كردستان. وفي الوقت الذي ينتظر فيه الجميع من كل القوى الكردستانية دعما واضحا ومؤثرا لهذه التجربة، فإن هناك مجموعة من الناس الذين يحتمون بسلطة إقليم جنوب كردستان ينفون وجود ثورة في هذا الجزء، كما ويعادون هذه التجربة ويحاربونها مسوقين بعض “الحجج” التي تقول بأن غربي كردستان ما كانت لتتحرر لولا “مساعدة نظام الرئيس بشار الأسد”!. وإن هذه السلطة “متعاونة” مع نظام الأسد!. ففي بيان أصدره الحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة مسعود البرزاني، في 14 نوفمبر 2013 يقول فيه” يتحدثون عن وجود ثورة وتحرير مناطق في غربي كردستان، أي ثورة هذه وأي تحرير؟. إن كل ما حصل هو أنهم استلموا المناطق من النظام السوري”.
طبعا المقصود هنا ب”هم” هو: حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب. الحقيقة إن ما يحدث في غربي كردستان هو ثورة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى. ثورة تشترك فيها أغلبية القوى وأغلبية الأحزاب ضد نظام شوفيني طاغية. ثورة استطاعت أن تؤسس سلطة تحل محل النظام المنسحب وتمنع الفوضى وتقيم واقعا سياسيا مستقرا وتؤمن للناس احتياجاتهم اليومية وتضمن لهم الأمن والآمان.ولا ننسى إنه في عام 1991 حدث شيء مشابه في جنوب كردستان، حيث انسحبت قوات النظام العراقي من محافظات كردستان، التي تسمى الآن بإقليم كردستان، فسارعت الأحزاب الكردستانية ومن بينها الحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة مسعود البرزاني، إلى ملئ الفراغ وسد احتياجات الناس وإدارة المنطقة وضبط الأوضاع، وكان هذا الحراك سٌمي حينها بالثورة. ورغم إن هناك استقلالية عن النظام المركزي في بغداد منذ عام 1991 وحتى انهيار النظام البعثي عام 2003 إلا أن الحياة السياسية في إقليم جنوب كردستان لم تنجح في التخلص من الكثير من قاموس البعث، فحتى الآن بعض القوانين والأفكار والمناهج السائدة، وربما طرق التفكير، تعود إلى الحقبة البعثية.
إن ما فعله حزب الاتحاد الديمقراطي في غربي كردستان هو عين الشيء الذي فعلته الأحزاب الكردستانية في جنوب كردستان عام 1991، فلماذا يكون ما فعلوه هو ثورة، بينما يكون التحرير الذي قام به الاتحاد الديمقراطي “شيئا آخرا” غير الثورة؟. لقد كانت القيادة السياسية في جنوب كردستان حتى الساعات الأخيرة من عمر نظام صدام حسين في اتصالات مستمرة معه. لقد كان المسؤولون الكرد موجودين في بغداد أياما وشهورا يخوضون في المفاوضات مع الحكومة المركزية. ولو لم يكن صدام قد أحتل الكويت، لما هوجم وتم أضعافه، ومن ثم قررت أميركا وحلفائها تشكيل المنطقة المحمية شمال الخط 36، ولما تأسس برلمان كردستان وحكومتها. ما حصل في غرب كردستان هو أن الشعب انتفض وتحرر وطرد السلطات السورية بمفرده في ثورة شعبية دون دعم أميركي أو “انتفاض” الجحوش على النظام، أو وجود غباء يشبه غباء صدام حسين!. بالرغم من كل المثالب التي تؤخذ على نظام الأسد، إلا إنه محسوب على الأقلية العلوية، وهي أقلية تشعر بنفسها قريبة من الكرد والسريان/الآشوريين والأرمن والتركمان، ولا تكن ودا للأكثرية السنية.
وإذا كان حزب الاتحاد الديمقراطي يحتفظ ب”شعرة معاوية” مع النظام في دمشق، وضمّن من خلال هذه العلاقات عدم الاعتداء على الشعب الكردي ومناطق غرب كردستان، والتفرغ لبناء إدارة ذاتية في هذا الجزء الكردستاني، فإني أرى هذه السياسة صائبة وفي محلها، وأنا هنا أؤيدها تماما. التعاون مع المجموعات المسلحة المعارضة مثل “داعش” و”جبهة النصرة” وغيرها من الجماعات الإسلامية السنيّة من تلك التي تحارب نظام الأسد، لا يمكن تصوره. هذه المجموعات معادية بطبيعتها للشعب الكردي وتهدف للنيل منه، وهي معادية للتعددية وتريد بناء نموذج متخلف ومرعب تكون هي القانون والآمر الناهي فيه. كما إن قوى المعارضة السورية الأخرى تهدف لبناء دولة مركزية، وهي تعادي الكرد وترفض الاعتراف بخصوصيتهم القومية، وبشيء اسمه كردستان، وهي لما تزل في الخارج، فكيف بها وهي على كرسي الحكم؟
إني أرى بان نظام الأسد، رغم كل الأهوال التي أرتكبها، أفضل بكثير من هذه التي تسمي نفسها معارضة.بعد اندلاع ما يسمى ب”ثورات الربيع العربي” وتداعي بعض الأنظمة العربية، عمت الفوضى وباتت بعض الشعوب تحن إلى أيام الديكتاتوريات السابقة، حنقا وغضبا على السلطات الجديدة. البعض الآن يحن لأيام صدام حسين، زين العابدين بن علي، معمر القذافي، حسني مبارك، وبشار الأسد. هذه الأنظمة ربما كانت افضل ما أنظمة “الثورات” وربما هي أفضل من “المعارضة السورية” الحالية التي تريد أن تحكم. إن تصوير حزب الاتحاد الديمقراطي كطرف وحيد مسيطر، ومن ثم رفض وجود ثورة في غرب كردستان، وذلك كله بسبب أن بعض الأحزاب الصغيرة القريبة من الحزب الديمقراطي الكردستاني لم تشارك في هذه الإدارة الذاتية، هو أمر غير مقبول.
إن حزب الاتحاد الديمقراطي هو أكبر وأقوى حزب ويمثل القطاع الأكبر من كرد غرب كردستان، وهو حزب منظم ويعمل بقوة وقادر على حماية الشعب. إن هذه الأحزاب الكردية القريبة من البرزاني صغيرة وضعيفة، وهي غير قادرة على توحيد صفوفها ولا تمثل أي ثقل في شارع غرب كردستان. هذه أحزاب فندقية تعودت على الموائد والمناسبات والكلام المنمق. هي أحزاب غير قادرة على قيادة ثورة وتشكيل سلطة والدفاع عنها. إذا كان كلامي في غير محله، فهذا هو ميدان العمل السياسي والنضال، فليتفضلوا إذن!
إن من مهام الإدارة الذاتية في غرب كردستان الآن حماية جميع المواطنين وتقديم الخدمات لهم والحفاظ على الاستقرار، وكذلك محو وإزالة آثار “الحزام العربي” الذي وضعه النظام السوري بغية تعريب المناطق الكردية وطرد أهلها. يجب حل هذه القضية وإعادة الحقوق لأصحابها. لا يجب إهمال القضية مثلما أهملت سلطات جنوب كردستان قضية المناطق الكردية في الموصل وديالى ونستها تماما. إن معاداة حزب الاتحاد الديمقراطي وشحن الأطراف الكردية الصغيرة ضده وتحريضها عليه، يخلق مخاوف جدية من تشكيل سلطتين وإدارتين وتشتت الإمكانات وربما الصدام لاحقا كما حدث في جنوب كردستان. إن المضي قدما في عدم الاعتراف بوجود ثورة في غرب كردستان والعمل على إضعاف حزب الاتحاد الديمقراطي لهو إجراء يضعف نضال الشعب الكردي في هذا الجزء ويضعف عموم النضال الكردستاني ومقاومة الأمة الكردية.
* كاتب كردي، المقالة من موقع (Dengekan)ترجمة: المركز الكردي للدراسات