د. لقمان كولدفي
الدكتور توماس شميدنيجر هو أستاذ السياسة وعلم الاجتماع في جامعة فيينا. يعتبر من الباحثين الشباب المختصين في الشرق الأوسط وكردستان، ويتميز شميدنيجر إلى جانب أبحاثه الرصينة بدفاعه عن حقوق الإنسان والشعوب المضطهدة. أجريت معه هذا الحور للتوقف على ظاهرة “داعش” عقب التطورات الأخيرة وتأثير هذه المنظمة على مجمل الأوضاع في الشرق الأوسط.
– هل ظهور “داعش” بهذه القوة وانتشاره الكبير في مساحات واسعة من العراق وسوريا، هل كان هذا مفاجئا؟ أجاب الدكتور شميدنيجر قائلا: كنت أتحسب لحركة احتجاجية واسعة من قبل السنة الذين احتجوا سابقا على شكل إضرابات ضد سياسة رئيس الوزراء نوري المالكي، وكنت انتظر تمردا سنيا في الوسط قد يتخذ الشكل العسكري المنظم، مدعوما طبعا بتنظيم “داعش” الموجود هناك منذ زمن، وبقايا تنظيمات النظام العراقي السابق وحزب “البعث”.
وأضاف الدكتور شميدنيجر بأن “داعش” لا تمتلك القوة ولا القدرة في الانتشار وتغطية هذه المساحات الواسعة لوحدها، وان هناك الكثير من العشائر العربية السنية وبقايا النظام السابق متحالفون معها ويتقاطعون معها بالأهداف. لكنه لم يكن يظن أن يفر الجيش العراقي من ساحة المعركة بهذا الشكل المخزي وان يترك سلاحه وكل مخازن الذخيرة والآليات الثقيلة لتنظيم “داعش” ويترك مواجهته.فشل الاستخبارات الأميركية.
وتابع الدكتور شميدنيجر بأن الأمر الثاني المثير للاستغراب والمفاجأة هو فشل الولايات المتحدة الاميركية وأجهزة استخباراتها في قراءة التطورات في العراق وبشكل خاص في مناطق السنة.وأضاف أن وكالة الاستخبارات الأميركية في العراق فشلت تماما في قراءة التطورات والأحداث ولم يعد لها مصداقية بعد الذي جرى هناك. الحقيقة التي ظهرت هي بان وكالة الاستخبارات الأميركية بدت عاجزة أمام الكم الكبير من المعلومات التي كانت تحصل عليها من مناطق الصراع. لم تنجح في التعامل مع هذه المعلومات والإفادة منها لخلق تصور واستراتيجية واضحة للتعامل مع الأحداث والتطورات، وهذا هو الفشل بعينه.
إقليم جنوب كردستان: وفيما يخص قضية استقلال كردستان وإعلان الدولة الكردية، أوضح الدكتور شميدنيجر بأنه شخصيا يرى بأن السيناريو الأفضل لحل القضية الكردية في عموم منطقة الشرق الأوسط هو في إعلان مشروع الإدارة الذاتية الديمقراطية مع عدم تغيير الحدود الجغرافية الحالية، بل خلق صيغة كونفيدرالية موسعة تضمن حقوق الكرد ودمقرطة الدول التي تشارك الكرد في الجغرافيا والسياسة. وأوضح بان عراقيل قيام دولة كردية ديمقراطية هي في الدول القومية الحالية في المنطقة وعدم توحد القوى السياسية الكردية واختلاف برامجها وسياساتها. وفيما يخص الوضع في العراق تابع الباحث السياسي النمساوي الدكتور توماس شميدنجر بان العراق عمليا مقسم إلى 3 مناطق، موضحا بان “داعش” لن تستطيع التمدد اكثر في المناطق العراقية الأخرى، سيما ذات الغالبية الكردية والشيعية، بينما لن تنجح القوات العراقية بإعادة سيطرة الدولة على مناطق الوسط وطرد تنظيم “داعش” من هناك.
وفي خضم هذا الواقع من المستبعد أن تستمر الولايات المتحدة الأميركية والمجتمع الدولي في مطالبة الكرد بالبقاء ضمن بلد ممزق ويشهد كل هذه الحروب المذهبية والفوضى مثل العراق، اعتقد أن الوضع سيستمر أسابيع واشهر أخرى. وسوف يستغل مسعود البرزاني رئيس الإقليم هذا الواقع من اجل الإعلان عن الدولة الكردية. ولكن هذا الإعلان لن يحل القضية الكردية بشكل شامل، حيث أن المناطق التي استقطعت من الإقليم ستكون بؤرة جديدة للاضطرابات والمواجهات العرقية. ستكون مناطق التركمان والمسيحيين وقضية الكرد الفيليين وشنكال من تلك المواضيع التي تحدث الخلافات والمواجهات بين الأطراف المختلفة.
هذا ناهيك عن وجود “داعش” كجار في مناطق السنة، حيث المواجهات معه ستكون مستمرة. وفيما يخص المواقف الإقليمية من قضية استقلال كردستان، قال شميدنيجر بان إيران تعلن منذ زمن طويل بأنها ضد وجود دولة كردستان المستقلة، بينما تركيا تبث إشارات ومواقف متناقضة. قد يفكر رجب طيب اردوغان بان كردستان المستقلة ستكون حاجزا طبيعيا بين بلاده وبين مناطق حكم وسيطرة تنظيم “داعش”. ربما لهذا الموقف المرن علاقة بالتعاون الحاصل بين البرزاني واردوغان، ولكن لنتذكر بان اردوغان كان يتمتع بعلاقات “وثيقة” مع الرئيس السوري بشار الأسد أيضا. قد تضع تركيا شروطا أخرى لقبولها بالدولة التركية مثل ضمان وحدة إدارية وحكم لا ذاتي للمكون التركماني في إقليم كردستان. داعش سترتد على تركيا حتماوفيما يخص العلاقة بين أنقرة وتنظيم “داعش” و”النصرة” قال شميدنيجر بان الدولة التركية غضت الطرف عن المساعدات التي كانت تصل لهذين التنظيمين من دول الخليج والعالم، وكذلك سهلت مرور آلاف المقاتلين من أراضيها الى سوريا. وهذا التعاون سينتهي عاجلا وسوف تجد تركيا “داعش” في مواجهتها قريبا وستعاني كثيرا من السياسة الخاطئة التي مارستها مع الأزمة في سوريا. الدولة التركية تعادي مشروع الإدارة الذاتية في غرب كردستان وترفض وجود المقاطعات الحرة على حدودها، لذلك فهي لكي تضعف حزب الاتحاد الديمقراطي، الذي تعتبره شقيقا لحزب العمال الكردستاني، تساعد “داعش” وتستخدمه رأس حربة ضد هذا الواقع الكردي الجديد. رغم عملية السلام مع حزب العمال الكردستاني والكرد في شمال كردستان إلا أن تركيا لا ترغب في توطيد واقع حكم ذاتي ديمقراطي في غرب كردستان يؤثر على شمال كردستان أيضا. أنا أرى انه لو تقدمت عملية السلام بين أنقرة وحزب العمال الكردستاني ووصلت لمراحل جيدة، قد تفكر انقرة في تغيير مواقفها والتوقف عن دعم “داعش”.
التفرقة تضع قوى غربي كردستان: أوضح الدكتور شميدنيجر بان العلاقات المضطربة بين كل المجلس الوطني الكردي ومجلس غربي كردستان واختلاف التوجهات والفهم للواقع والتطورات والتنافس الواضح بينهما يؤثر سلبا على قدرة وقوة العامل الكردي في سوريا وعموم المنطقة. كما ودعا الدكتور شميدنيجر إلى وضع صيغة تفاهم بين المجلسين على أساس المصلحة الكردية ومصلحة عموم المكونات والقوى الديمقراطية وتوطيد المشاركة والحرية والأساس القانوني. كذلك أعرب الباحث النمساوي عن قلقه من اعتماد إقليم جنوب كردستان على سياسة الاقتصاد المفتوح والليبرالية الجديدة في تسيير شؤون الاقتصاد والمال، موضحا بان هذه السياسة تسفر الآن عن بروز طبقتين في الإقليم: طبقة الأثرياء المتخمين بالأموال والسلطة والموجودين في المدينة وأحيائها الراقية، وبين طبقة عامة الشعب من القرويين والمهمشين والبسطاء من أهل القرى والريف والاحياء الفقيرة على هامش المدن الكبيرة. ان هذا الفرز يحدث بشكل سريع بحيث يشكل خطرا حقيقيا على السلم الاجتماعي والأهلي في كردستان. وفيما يخص الوضع الاقتصادي في مقاطعات غرب كردستان أوضح الدكتور شميدنيجر بان الواضح بان هناك سياسة اقتصادية مستقلة لدى غرب كردستان، لكنه في إحدى مقابلاته مع أحد المسؤولين في الإدارة الذاتية لم يتلمس وجود منهج وخطة واضحة لتوطيد الاقتصاد الاشتراكي القائم على خدمة المواطن والحفاظ على التوازن ودعم الطبقة المتوسطة والنهوض بها. وانتقد شميدنيجر هذا الأمر وطالب بوضوح الرؤية في الجانب الاقتصادي وتشكيل منهج اقتصادي واضح والسير وفقه.
* صحيفة ( يني أوزغور بولتيكا)