“بروكينغز”: كيف يمكن إنقاذ سوريا وحماية الجيش الأمريكي؟

مايكل أوهانلون | معهد بروكينغز للدراسات والأبحاث

ليست تلك هي المرة الأولى منذ اندلاع الحرب الأهلية في سوريا عام 2011، التي تكون فيها السياسة الأمريكية تجاه سوريا في حالة من الفوضى، ففي العام الماضي، وعد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بسحب 2000 جندي من القوات الأمريكية أو نحو ذلك من القوات الموجودة في الشمال الشرقي للبلاد -بعد هزيمة تنظيم “داعش” الإرهابي-  ليعيد النظر في قراره بعد استقالة وزير الدفاع آنذاك جيمس ماتيس، في أعقاب قرار سحب القوات المفاجئ.

وفي وقت سابق من هذا خريف هذا العام، أعلن “ترامب” مرة أخرى أن القوات الأمريكية -التي يبلغ عددها حوالي 1000جندي- ستغادر قريبًا، وسحب على الفور أعدادًا محدودة من مواقعها على طول الحدود السورية التركية. وسرعان ما خطط الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، للقيام بعملية عسكرية ضد نفس الكرد الذين ساعدوا الولايات المتحدة في هزيمة  التنظيم الإرهابي “داعش”.

واستمرارًا لحالة تأرجح القرارات، قرر “ترامب” بعد ذلك أنه سيُبقي 600 جندي أمريكي في البلاد، مدعومًا بحوالي 5000 جندي في العراق، وهو نفس عدد الجنود في قاعدة العديد الجوية في قطر، والقوات الأمريكية في الكويت وتركيا والبحرين.

ومع دوام  حالة الارتباك، بالإضافة إلى حقيقة أن “ترامب” يبدو غير قادر على أن يحدد رأيه بشأن البقاء أو مغادرة الأراضي السورية، حيث إن المهمة اليومية للقوات الأمريكية داخل سوريا وبالقرب من الأراضي السورية، تعدغير واضحة، حيث أشار “ترامب” إلى أن وجود القوات الأمريكية “للحفاظ على النفط” الذي تنتجه سوريا في شرقها.

وعلى النقيض من ذلك، يؤكد قادته العسكريون على معايير مهمة الجيش الأمريكي، تلك المعايير المناهضة لـ”داعش”، لذا فإن العديد من إرهابيي “داعش” ما زالوا في سوريا، محتجزون من قبل الكرد أوأًطلق سراحهم، أما القاعدة الأمريكية في التنف بالقرب من الحدود الأردنية، فهي تساعد في التحقق من الطموحات الإيرانية في المنطقة، والتي من المفترض أن تكون مهمة لإدارة “ترامب” على  نفس المستوى أيضًا.

من غير الواضح بشكل أساسي كيف يرتبط أي مما سبق ذكره بالتحدي الأوسع المتمثل في إنهاء الحرب الأهلية السوري، والتي قد يتم نسيانها وتجاهلها إلى حد كبير في الولايات المتحدة، ومع ذلك فإن هذه الحرب بعيدة كل البعد عن نهايتها. ولا يزال مصير شمال شرق البلاد في حالة تغير مستمر، بما في ذلك ما إذا كان سيتمتع السكان هناك بأي حكم ذاتي.

ويبدو أن الرئيس السوري بشار الأسد، إلى جانب حزب الله وحلفائه الإيرانيين والروس، غير متأكدين من كيفية التعامل مع محافظة إدلب الشمالية الغربية، ومع سكانها البالغ عددهم 3 مليون نسمة، بما في ذلك السكان المحليون والنازحون داخليًا، إلى جانب عدد من المقاتلين الجهاديين السلفيين أيضًا. قد لا يهتم “ترامب” كثيراً بهذه القضية، لكن الحرب لديها القدرة على الاشتعال وتعريض حلفاء الولايات المتحدة والقوات الأمريكية لخطر جديد.

وفي حين أن الرئيس “ترامب” ليس أول رئيس أمريكي يقوض ويتعارض مع سياسته الخاصة تجاه سوريا، إلا أن الولايات المتحدة تُدين بالشكر للقوات الأمريكية التي  ترتدي الزي العسكري هناك على أساس القيام بمهمة واضحة. ويعد عدم اليقين بشأن التزام “واشنطن” بالمهمة، جنبًا إلى جنب مع عدم اليقين حول المواقع الأمريكية داخل البلاد، سببًا يدعو إلى فشل الردع، حيث يُمكن لإيران أو أحد العسكريين المؤيدين لروسيا مثل مجموعة فاجنر-المنظمة الروسية شبه العسكرية-  مهاجمة المواقع الأمريكية على أمل أن يقع ضحايا ثم تتخلى عن المهمة بأكملها، بنفس الطريقة التي غادرت حينها القوات الأمريكية لبنان بعد تفجير مواقع المارينز المأساوية عام 1983، أو بنفس الطريقة التي انسحبت بها الوحدات الأمريكية خارج الصومال بعد مأساة سقوط الصقر الأسود عام 1993.

وعلى الرغم من أنه من غير المحتمل أن تهاجم القوات السورية أو الروسية أو التركية المواقع الأمريكية مباشرة وتخاطر بحدوث أزمة أوسع، فإن عدم اليقين بشأن المكان الذي تنوي القوات الأمريكية البقاء فيه قد يؤدي إلى احتكاك غير متعمد مع احتمال التصعيد.

في حقيقة الأمر، يعد الجزء الأول من القرارات التصحيحية  اللازمة لسياسة الولايات المتحدة غير معقد. ومع ذلك، فإنه من المؤسف أن الرئيس “ترامب” اعترف بتسليم جزء من شمال شرق سوريا لـ”أردوغان” وتركيا، كما إنه خلق أيضًا فرصًا لروسيا وقوات “الأسد” السورية للانتقال إلى مناطق لم يسيطروا عليها من قبل.

ويمكن أن يحد التهديد بفرض عقوبات أمريكية كبرى على تركيا من نطاق أي عمليات تطهير عرقية ترتكبها تركيا، كما أن الوجود الأمريكي المستمر في أجزاء أخرى من الشمال الشرقي يمكن ألا يشجع تركيا على القدوم إلى أقصى الجنوب. وفي الوقت نفسه، لا تزال المهام الثلاث الرئيسية التي حددتها الولايات المتحدة في الأشهر الأخيرة للبقاء في الشمال الشرقي للبلاد صالحة للتنفيذ: وهذه المهام  هي قمع “داعش”، وتقييد فرص إيران، وحماية النفط “بعائدات تعود للسوريين، وليس واشنطن”.

ولكي نكون أكثر اتساقًا في إعلان أن هذه الأهداف الثلاثة جميعها شرعية، فإن القوات الأمريكية ستبقى في سوريا في المستقبل القريب. لا يزال بإمكان الرئيس “ترامب” يدّعي أنه ينفذ وعوده الأصلية لسوريا التي تعود إلى أيام حملته الرئاسية عام 2016، فقد تلاشت خلافة “داعش” بفضل الاستراتيجية التي اتبعها “ترامب” والرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، وتم تخفيض القوات الأمريكية بمقدار الثلثين حينما دخل ترامب إلى البيت الأبيض.

ولكن ماذا عن استراتيجية أوسع لإنهاء الحرب، وإعادة اللاجئين السوريين إلى وطنهم – قدر الإمكان- من تركيا والأردن ولبنان على وجه الخصوص، وعمل ما يكفي لتحقيق الاستقرار في سوريا، خاصة أن البلاد تواجه الفقر المدقع والبؤس في البلاد؟

بالطبع، لن يكون هناك خيار متاح في مرحلة الحرب، فقد سادت أهداف “الأسد” وحلفاؤه بوضوح، ولم تجد الولايات المتحدة بقيادة رئيسين –سابق وحالي- إرادة ولا شركاء محليين قادرين على تغيير تلك الحقيقة الأساسية. وعلى الرغم من أن اغتيال “الأسد” أو الانقلاب عليه يظلان خيارين دائمًا بعيدين، إلا أنه لن يتم هزيمة “الأسد” في ساحة المعركة، ولن يتم إقناعه من خلال أي مبادرة من الأمم المتحدة للتفاوض لصالح حكومة منتخبة ديمقراطيًا. هذا الهدف الأخير كان دائمًا غير واقعي، خاصة منذ انضمام روسيا إلى الحرب في عام 2015، وأصبح الآن مجرد هدف عبثي يجب التخلي عنه، بحكم القانون وكذلك بحكم الواقع.

ومع ذلك، لا تزال الولايات المتحدة وحلفاؤها يتمتعون ببعض النفوذ. إنهم يتحكمون في وصول الأموال إلى سوريا –الأموال التي تكون في شكل مساعدات أمريكية وأوروبية ويابانية ودول خليجية ومن البنك العالمي  بالإضافة إلى رأس المال الخاص- التي ستحتاج إليها المدن السورية بعشرات المليارات من الدولارات، لإعادة بناء البلاد و إعادة بناء اقتصادها.

أما روسيا، بإمكانها أن تقدم القليل من المساعدة، لكنها مثل إيران تعاني من العقوبات الغربية، ولا يمكن أن تكون بديلاً عن الدول والمؤسسات التي تملك الأموال الكبيرة. ومن ناحية أخرى، فإن ترامب  يتحكم في الوصول إلى نفط سوريا في الوقت الحالي أيضًا.

وعند التفكير في عقد صفقة، فإن الجزء الأول قد يبدو من هذه الصفقة هكذا وربما قد يحدث سريعًا إلى حد ما، أولاً يجب المطالبة بدرجة من الحكم الذاتي للكرد وغيرهم في الشمال الشرقي للبلاد، حيث يمكننا المساعدة في تمويل عملية إعادة بناء كبيرة على الفور، فضلاً عن الحماية الأساسية للمعارضين السياسيين لـ”الأسد” في جميع أنحاء البلاد، ولا مزيد من التفجيرات أو غيرها من الهجمات العشوائية ضد المدنيين.

كما أنه يمكن  الاتفاق أيضًا على بعض التعاون السوري والروسي والتركي والأمريكي غير الرسمي في ملاحقة فلول “داعش” وغيرهم من الجهاديين،  ويمكن بعد ذلك السماح لـ”الأسد” بالوصول إلى معظم عائدات بلاده النفطية للإنفاق على الاحتياجات الإنسانية الأساسية لشعبه. كما هو الحال مع برنامج “النفط في مقابل الغذاء” العراقي في التسعينيات. كما يمكن لـ”الأسد” أيضًا الحصول على المساعدات الإنسانية الأساسية، ولكن ليس بعد المساعدة في إعادة الإعمار  بالتعاون مع  العالم الخارجي.

الجزء الثاني من الاتفاقية يشمل شرطية رغبة سوريا في الوصول إلى مبالغ أكبر لإعادة الإعمار والانتعاش الاقتصادي، فسيتعين على “الأسد” في النهاية أن يتنحى. تشهد دماء يديه على أنه لا يصلح أن يكون قائدا موثوقا وعادلاً لجميع شعب بلده في المستقبل أو حتى أن يكون متلقيًا صالحًا لمبالغ كبيرة من المساعدات الدولية. ولكن بدلاً من توقع  تنحيه لصالح حكومة خليفة منتخبة ديمقراطيًا،”ومن المؤكد أنها حكومة سنية تقريبًا” -وهي قصة خيالية- يجب أن  يتم السماح له -في حدود المعقول- باختيار خليفته، شريطة أن يكون ذلك الشخص أن يكون أقل تورطًا  في جرائم الحرب وأكثر تكنوقراطية، حيث يجب تمثيل مختلف الجماعات العرقية والطائفية في سوريا في حكومة جديدة مع قيادة مستقبلية للقوات المسلحة، لكن علينا  القبول بحقيقة أن “الأسد” لن يتخل عن إخوانه “العلويين” أو غيرهم من الأقليات والحلفاء لصالح حكومة ستكون أغلبيتها منتخبة، ومن المحتمل لهذه الحكومة أن تنتقم من تلك الجماعات نفسها. لذا يمكن لـ”الأسد” أن يختار البقاء في البلاد أو يطلب رحيله، أيما اختار.

ومن المحتمل ألا يفضل “الأسد” فكرة الجزء الثاني من الصفقة، ففي الواقع يمكن للجزء الأول من السياسة أن يتوقف تطبيقها، على الأقل لبعض الوقت، حتى من دون صفقة إضافية. لكن العلويين وغيرهم من  الحلفاء بما في ذلك روسيا، ربما يريدون الجزء الثاني من الاتفاقية، حيث يمكنهم تعزيز انتصارهم في الحرب والحصول على المساعدة في إعادة بناء البلاد.

وسيتعين على الولايات المتحدة أن تبقى ساكنة للأسف بعد ثماني سنوات من العبث، ويجب أن توفر استراتيجية الأمل في الاستقرار الداخلي والإقليمي، وكذلك فإن وضع حد للمعاناة الإنسانية المرتبطة بالصراع  الذي أودى بحياة نصف مليون شخص ونزوح 12 مليون شخص منزله، يجب أن يكون هو الأولوية.

مثل هذه النتيجة بالنسبة لسوريا قد لا تؤهلها لنيل جائزة نوبل للسلام ولكن سوف تكون بمثابة عمل صفقة مع الشيطان حرفيًا، كما ستكون ريشة على رأس أي شخص يمكن أن يساعد في تحقيقها، بالنظر إلى البدائل الواقعية وإلى التاريخ المأساوي لسوريا من عام 2011 حتى الآن، فما هي الوضع سوى حالة من الفوضى.

—-

للاطلاع على النص الأصلي باللغة الإنجليزية.. اضغط هنا

ترجمة: رنا ياسر

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد