“إنسايدر”: خيانة “ترامب” للكرد “هدية استخباراتية” لـ”موسكو”

فيكتور ماديرا | موقع إنسايدر

في مكالمة هاتفية واحدة مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الشهر الماضي، تخلص الرئيس دونالد ترامب من الجهود التي قادتها الولايات المتحدة ضد “داعش” في دقائق معدودة، بعد أن وافق “ترامب” بشكل غير متوقع على سحب القوات الأمريكية من مناطق على طول الحدود السورية مع تركيا. لقد أثار هذا الوجود غضب “أنقرة” لفترة طويلة، فمن هذه المناطق، كان يجري تدريب القوات السورية المتحالفة مع “واشنطن” على أيدي قوات العمليات الخاصة الأمريكية لمدة خمس سنوات، إلى جانب أن تلك المنطقة كانت تشهد وجود مواقع لما يقال إنها جماعات تابعة لحزب العمال الكردستاني.

لقد ناضل حزب العمال الكردستاني منذ زمن طويل من أجل إقامة دولة كردية تتمتع بالحكم الذاتي في المنطقة، مما دفع أنقرة وواشنطن وغيرهما إلى تسمية الحزب “جماعة إرهابية” قبل سنوات، لكن الكرد كانوا أفضل المقاتلين الحلفاء في مواجهة “داعش” بدعم غربي، وكذلك كانت قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الكرد، حيث كلفهم النصر غالياً: 11000 قتيل (مقابل 6 ضحايا أمريكيين فقط).

بعد وقت قصير من تلك المكالمة الهاتفية في 6 أكتوبر/تشرين الأول، تخلت القوات الأمريكية عن قواعدها السورية. وفي المقابل، اقتحمت القوات التركية والميليشيات الموالية لتركيا في سوريا المناطق الخاضعة للسيطرة الكردية، وسرعان ما ظهرت بسرعة أدلة على التطهير العرقي وجرائم الحرب ضد الكرد.

موظفو الإدارة الحاليون والسابقون في الولايات المتحدة “محزونون” وغاضبون من خيانة “ترامب” للحلفاء الكرد، الذين يتم ذبحهم الآن من قبل القوات التركية ووكلائهم. لقد حقق قرار “ترامب” سابقة نادرة في “واشنطن” هذه الأيام، وهي توافق الحزبين على إدانة القرار، حيث وصف كبار الجمهوريين الانسحاب بأنه “وصمة عار في سجلات التاريخ الأمريكي” و”خطأ استراتيجي خطير”.

لكن هناك نقطة أخرى، وهي أن هذا الانسحاب ترك أطنان من المعلومات الاستخباراتية في أيدي الروس. ومع ذلك، وباستثناء مقال واحد، لم يُكتب إلا القليل عن الآثار الاستخباراتية (المترتبة على الانسحاب) على المدى الطويل. لا تخطئوا، فهذا الانسحاب يمثل “هدية استخباراتية (ودعاية) لخصوم الغرب”، خاصة روسيا.

في غضون أيام من إجلاء الأمريكيين لقواعدهم، كان “المراسلون” من القناة التلفزيونية التابعة لوزارة الدفاع الروسية وغيرها من المنافذ المؤيدة لـ”الكرملين” يبثون من هناك، تزامنا مع سيطرة القوات الروسية على نفس القواعد التي انسحبت منها القوات الأمريكية. لكن، ما لن يتم الإعلان عنه هو التفتيش الدقيق للمنشآت من قِبل مسؤولي المخابرات الروس وغيرهم من المسؤولين الاستخباراتيين العدائيين، الذين يبحثون عن رؤى ثاقبة تمنحهم نظرة على ما تفعله الاستخبارات الغربية.

تظهر اللقطات الروسية التي بثها التلفزيون الروسي الكثير مما ستدرسه “موسكو” وآخرون بعناية، وتأمل أن تتعلم منه: على سبيل المثال، البنية التحتية للاتصالات؛ مواد البناء والتقنيات، والمعدات الطبية في ساحة المعركة. كما ستعمل روسيا على استخلاص كل معرفة جديدة تساعد على تحسين فهمهم لأساليب القوات الخاصة الأمريكية وتقنياتها وعملياتها، ما يمكّن خصوم الغرب من تطوير تدابير مضادة محتملة للنزاعات المستقبلية.

وسيتم الآن استهداف الكرد من قبل “موسكو” وإيران للحصول على معلومات. وتأتي أكبر المخاوف من تعرض الكرد الذين أُجبروا الآن على البحث عن الحماية السورية والروسية، وتعرض جميع المقاتلين -وخاصة وحدات النخبة الكردية لمكافحة الإرهاب- للضغوط من نوع أو آخر.

لمدة خمس سنوات، عملت هذه الوحدات جنبًا إلى جنب مع القوات الخاصة الأمريكية والبريطانية والفرنسية ضد “داعش”، حيث تعلمت الكثير عن التكتيكات والمعدات والمصادر والأساليب الغربية. وبمرور الوقت، سيقوم ضباط المخابرات الروس والإيرانيين والسوريين باستخلاص معلومات عن المقاتلين الكرد، بينما يتطلعون أيضًا إلى تجنيد عملاء طويلي الأجل قد يتم تنشيطهم سراً عند العمل مع القوات الغربية مرة أخرى، على سبيل المثال.

ستريد أجهزة الاستخبارات العدائية أيضًا استغلال جميع المعلومات المتعلقة بأي أجهزة إلكترونية كردية يمكنها الوصول إليها: الرسائل والصور وقوائم جهات الاتصال والموقع الجغرافي وبيانات التعريف الأخرى سوف ترسم تدريجياً “صورة إلكترونية” أوسع للعمليات الكردية الغربية المشتركة.

وصول الروس إلى شبكات الاتصالات الإقليمية ومقدمي الخدمات (إما بمفردها أو بالتعاون السوري والإيراني و/أو التركي)، سوف يسرع من عمل المخابرات الشرعي الذي سيستمر لعدة أشهر.

كان أمام “موسكو” و”طهران” و”دمشق” عام كامل للتحضير لكل هذا وأكثر، بعد أن فتح الكرد سرا قناة خلفية معهم، خوفًا من مجزرة تركية إذا غادرت الولايات المتحدة سوريا. ولدى الكرد شكوك بالفعل في أن روسيا وسوريا وتركيا يخططون لتقسيم الأراضي الكردية فيما بينها. لكن، قلل بعض المسؤولين الأمريكيين من قيمة المعلومات الاستخباراتية التي يمكن أن يكون المقاتلون الكرد على علم بها، معللين ذلك بـ”الأمن التنفيذي الأمريكي” الذي يتم تحديثه بمرور الوقت.

وفي حين أن هناك بعض الحقيقة في هذا، فإنه يكشف أيضًا عن ضعف غربي دائم: إساءة فهم عقلية الأنظمة الاستبدادية؛ والموارد الضخمة مثل الوقت والأفراد والمال، والتي هم على استعداد لاستخدامها لتحقيق مكسب ما، قد يبدو للمراقبين الغربيين ميزة بسيطة فقط.

ستستغرق خيانة “ترامب” للكرد عقودا من الزمن كي ينساها العالم. وستتغلب تركيا في النهاية عليه؛ لكن في الوقت الحالي، يبدو أنها مصممة على إحياء “داعش” من خلال إطلاق سراح سجناء التنظيم، ما يمثل استهزءًا بحياة عشرات الآلاف من الأشخاص الذين لقوا حتفهم إما في قتال هؤلاء المتطرفين أو كضحايا لهم.

يواجه الكرد الآن الإبادة الجماعية، أو على الأقل النزوح القسري الجماعي، ويبدو أن روسيا تملأ الفراغ الذي خلفته الولايات المتحدة في جميع أنحاء العالم، لكن التأثير الأكثر مباشرة لأعمال “ترامب” كان بالفعل على مكانة أمريكا الدولية كحليف موثوق به وعلى وصول “واشنطن” المفقود إلى الاستخبارات البشرية من المنطقة الحيوية لأمن الولايات المتحدة القومي. في النهاية، كانت خيانة ترامب للكرد بمثابة هدية استخباراتية لخصوم الغرب. ما حجمها؟ سنكتشف قريبًا.

——

للاطلاع على النص الأصلي باللغة الإنجليزية.. اضغط هنا

ترجمة: أمنية زهران

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد