بدرخان علي*
منذ بدء الغزوات التركية المباشرة للأراضي السورية (“درع الفرات” 2016، و”غصن الزيتون” 2018)، وأخيراً عدوان نبع الإرهاب (التي تسميها تركيا وأتباعها بـ “نبع السلام”) ضد شمال شرق سوريا، جرى تسمية الجماعات المسلحة السورية العاملة بإمرة الاحتلال التركي بـ”الجيش الوطني السوري”، تلك التسمية التي اخترعتها تركيا والائتلاف السوري المعارض- وأذرع شبكة الإخوان المسلمين المختلفة وفضائية الجزيرة القطرية وملحقاتها لتلك الميليشيات “السورية”.
يتكون “الجيش الوطني السوري” من خلفيات إخوانية أو سلفيّة جهاديّة (جيش الإسلام، فيلق الشام، أحرار الشام، أحفاد الرسول، شهداء بدر، جيش المجاهدين، لواء التوحيد، الجبهة الشامية، جيش النصر….) أو فصائل تركمانية تأسست بدعم وتمويل مباشر من تركيا تُكنّى بأسماء السلاطين العثمانيين أو زعماء أتراك لهم مكانة بارزة في الوعي التركي (لواء السلطان مراد، حركة نور الدين الزنكي – لها مكونين مندمجين: سلفي جهادي وآخر إثنيّ تركمانيّ- ولواء السلطان سليمان شاه، لواء سمرقند، ورموز عثمانية /تركية أخرى)، بالإضافة إلى عناصر من بقايا تنظيم داعش المهزوم أو القاعدة بمسميات جديدة.
عناصر داعش الذين كانوا في جرابلس انضموا إلى هذا “الجيش الوطني” بعد احتلال الجيش التركي لجرابلس – دون إطلاق طلقة رصاص واحدة – وكذلك عناصر داعش في تل أبيض ومنبج الذين فرّوا إلى تركيا أثناء تحرير هذه المناطق من داعش على يد قوات سورية الديمقراطية، صاروا ” ثواراً” تحت مسميات جديدة في خدمة الأجندات التركية. يضم هذا الجيش أيضاً تنظيمات ذات هوى صدّامي (نسبة للطاغية العراقي صدام حسين) مثل “أحرار الشرقية” وهي مجموعة مُوغلة في الإجرام والإرهاب، وكذلك بقايا لما عُرف في وقت سابق بـ«الجيش الحر» وكذلك من تم تجنيدهم من مخيمات اللاجئين في تركيا تحت إشراف الجيش التركي والاستخبارات التركية.
وفي الواقع هناك صعوبة في إيجاد خطوط فاصلة واضحة بين هذه المجموعات، إلا أنها تجتمع على هدف الولاء لتركيا والعداء للأكراد كقومية ولقوات سوريا الديمقراطية كقوة عسكرية تضم مكونات قومية عديدة، كرد وعرب وسريان وتركمان، حاربت الإرهاب الداعشي والقاعدي والإخواني، وهذا كاف بالنسبة لمشغّليهم الأتراك.
ويتلقى عناصر هذا الجيش “الوطني” رواتب شهرية من الحكومة التركية وكذلك حوافز مادية في المعارك بالنسبة لمن يُقتَل أو يُصاب، مثل وعود بالجنسية التركية لعوائل القتلى مع رواتب شهرية. ويضع عناصر هذا الجيش “الوطني” المزعوم العلم التركي على كافة مقرّاته وبزّاته العسكرية إلى جانب علم خاص بالمتمردين يختلف عن علم الدولة السورية المعتمد، ويهتفون بحياة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. يجدر التنويه أنه ليس كل مكونات هذا الجيش “الوطني” جهادية وإسلامية.
في الواقع، هناك مجموعات أشبه بقطاع طرق من دون أن تحمل إيديولوجيا جهادية، وتمارس الجريمة المنظمة بحق المحكومين وليس لدوافع دينيّة بالضرورة .بعد أن أشبعوا كراهية وتحريضاً ضد المكون الكردي تارةً بوصف الأكراد بـ”ملاحدة وكفار وخنازير” وتارةً بوصفهم “إنفصاليين” وقد شاهدنا ممارسات وحشية بحق السكان المدنيين في عفرين الواقعة تحت احتلال الجيش التركي، وهذه المجموعات التي تسمى بـ” الجيش الوطني السوري”.
ونشاهد ممارسات شبيهة بها في مناطق الجزيرة السورية (شرق الفرات) التي تَمَكن الجيش التركي من احتلال شريط منها. دون أن تقتصر هذه الممارسات والانتهاكات على المكون الكردي فقط، فالعرب والسريان أيضاً يعانون من وطأة هذه المجموعات المنفلتة من كل القيم الوطنية والأخلاقية والإنسانية.
لقد تَمَكنت المخابرات التركية من وضع يدها على كامل الفصائل المسلحة في شمال سوريا، وقامت بجمع كل المسلَّحين المهزومين أمام النظام السوري من مناطق أخرى في الداخل السوري (ريف دمشق، حمص…) ووجهتها نحو عدوٍ جديد لها، هو “قوات سورية الديمقراطية”، بعد الاستسلام أمام عدوهم الأساسي الذي حملوا السلاح ضده أساساً وكان مبرر وجودهم، وهو النظام السوري. وبنفس الوقت تستخدم تركيا عوائل هؤلاء المسلحين كنواة أساسية لمشروع التوطين في مناطق تختارها تركيا لهم، وأبرز مثال على هذه الخطة التركية هو ما جرى ويجري في منطقة عفرين الكردية السورية شمال غرب حلب، حيث جرى توطين المئات من عوائل المسلحين في منازل سكان عفرين الأصليين المهجرين قسراً، وحققت جزءاً كبيراً من مشروعها في التطهير العرقي والتغيير الديمغرافي في منطقة عفرين، وهو ذات المشروع الذي تنوي تركيا تحقيقه في مناطق الجزيرة السورية (شرق الفرات).
وبتوصيف مختصر لهذه الميليشيات التي تسمى في بعض وسائل الإعلام بـ” الجيش الوطني السوري” يمكننا القول باختصار أنه “ميليشيات أردوغان السورية الذي يحارب بها الأكراد وقوات سوريا الديمقراطية، وأداة لاحتلال سوريا”.
* كاتب كردي سوري