الصراعُ على منبج: اختبارٌ للعلاقات التركية الأمريكية الروسية

بدرخان علي

حفِلَ يوم الجمعة الماضي (28/12/2018)، بتغييرات متسارعة حول مدينة منبج، تلك المدينة الصغيرة الواقعة شمال شرق مدينة حلب حوالي 80 كلم، غرب نهر الفرات 30 كلم، والتي تبعد عن الحدود التركية حوالي 45 كلم، فقد أعلنت القيادة العامة للجيش النظامي السوري دخوله إلى مدينة “منبج” ورفع العلم السوري فيها عبر بيان رسمي متلفز، وهو أمر نادر الحدوث في حالة الجيش السوري الذي لا يُعرَف له ناطقين ولا يَعقِد مؤتمرات صحفية  ولا يَنشر، نصّاً أم متلفزاً، بيانات أو بلاغات عن عملياته العسكرية.

جاء هذا الإعلان الرسمي بالتزامن مع بيان للقيادة العامة لوحدات حماية الشعب YPG، يقول فيه (… بعد أن انسحبنا من منطقة منبج، تفرغنا للحرب ضد “داعش” والمجموعات الإرهابية الأخرى في شرق الفرات ومناطق أخرى، لهذا ندعو الدولة السورية التي ننتمي إليها أرضاً وشعباً وحدوداً إلى إرسال قواتها المسلحة لاستلام هذه النقاط وحماية منطقة منبج أمام التهديدات التركية).

وجاء هذا التنسيق بعد مفاوضات، برعاية روسيّة، بين ممثلين عن الجيش النظامي وبين قوات سوريا الديمقراطية “قسد” التي تسيطر على مدينة “منبج” والجزء الأكبر من محيطها.

بيان الجيش النظامي السوري قال إنه دخل منبج “استجابة لنداء الأهالي في منطقة منبج”. وهذا مفهوم، إذ لا تعترف الحكومة السورية رسمياً بوحدات الحماية وقوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية، كي تشير لمبادرتها والترتيبات معها. وجاء في الإعلان الرسمي السوري: “انطلاقاً من الالتزام الكامل للجيش والقوات المسلحة بتحمل مسؤولياته الوطنية في فرض سيادة الدولة على كل شبر من أراضي الجمهورية العربية السورية… وأهمية تضافر جهود جميع أبناء الوطن في صون السيادة الوطنية، وتجدد تأكيدها وإصرارها على سحق الإرهاب، ودحر كل الغزاة والمحتلين عن تراب سوريا الطاهر”.

استياءٌ ورفض تركي، وترحيبٌ روسي وإيراني، وتكذيبٌ وتحذيرٌ أمريكي:

قوبل هذا الإعلان السوري الرسمي لدخول “منبج” باستياء تركي واضح كما هو متوقع، فوزارة الدفاع التركية قالت إن “ي ب ك/ بي كا كا الذي يسيطر على المنطقة بقوة السلاح ليس لديه الحق والصلاحية للحديث باسم أهالي المنطقة ودعوة عناصر أخرى إليها”. و”حذّرت كافة الأطراف في سوريا بخصوص ضرورة الابتعاد عن التصرفات والخطابات الاستفزازية التي من شأنها مفاقمة غياب الاستقرار في المنطقة”. وأكدت أنها “تتابع هذا الموضوع عن كثب” . أما  الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، فقال إن النظام السوري يقوم بـ”عملية نفسية” في “منبج” شمالي سوريا، موضحا أن لا شيء مؤكد حتى اللحظة حول ذلك على الأرض. وأضاف “أردوغان”: “تواصلت مع أصدقائنا ومع جهاز الاستخبارات، نعلم أن هناك شيئا من قبيل رفع علم (النظام) هناك، لكن لم يحدث أي شيء مؤكد بعد، والجهات الرسمية الروسية تؤكد الأمر نفسه”. (وكالة الأناضول، 28/12/2018).

أما حليفتا تركيا في مسار “أستانة”، روسيا وإيران، فقد رحبتا سريعاً بدخول الجيش السوري لمدينة “منبج” فور إذاعة الإعلان السوري الرسمي. وجاء الترحيب الروسي مرتين منفصلتين بنفس اليوم. مرة على لسان المتحدث باسم الكرملين ديميتري بيسكوف، في تصريح صحفي،  إذ شدد على أن “دخول القوات الحكومية إلى منبج ورفع العلم الوطني السوري فيها يمثل، من دون أدنى شك، خطوة إيجابية ستسهم في استعادة استقرار الوضع في البلاد”. وأعرب “بيسكوف” عن ارتياح موسكو إزاء توسيع قوات الحكومة السورية مناطق سيطرتها”. وفي وقت لاحق بعد هذا التصريح، قال المتحدث نفسه إن “تطورات الأحداث في منبج كانت بين المسائل المطروحة على أجندة الاجتماع الذي عقده اليوم الرئيس فلاديمير بوتين مع أعضاء مجلس الأمن القومي الروسي، حيث قيموا إيجابا استمرار القوات المسلحة السورية في استعادة السيطرة على أراضي البلاد، وأشاروا إلى أهمية هذه العملية بالنسبة للتسوية السياسية في سوريا”. ( روسيا اليوم، 28/12/2018).

وجاء الترحيب الإيراني على لسان المتحدث باسم الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي، في بيان يوم الجمعة: “دعم متحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية دخول الحكومة السورية إلى مدينة منبج لمواجهة الهجوم المحتمل من قبل الجيش التركي. الجمهورية الإسلامية الإيرانية تؤكد على ضرورة احترام السيادة السورية على أراضيها وتؤكد بأن رفع العلم السوري في مدينة منبج خطوة مهمة لتعزيز نشر السلطة الشرعية السورية على جميع أراضيها وخطوة جديدة لحل الأزمة السورية . وإيران تؤيد هذه الخطوة”. (روسيا اليوم، 28/12/2018).

أما التحالف الدولي، فقال عبر صفحته على “تويتر” بعد كل الإعلانات والمواقف السابقة: “على الرغم من عدم صحة المعلومات المتعلقة بالتغييرات التي طرأت على القوات العسكرية في مدينة منبج في سوريا، فإن قوات التحالف لم تر أي مؤشر على صحة هذه الادعاءات. ندعو الجميع إلى احترام مدينة منبج وسلامة مواطنيها”.

تركيا وتفضيل “داعش” على الأكراد.. في كل مكان:

تشكل تجربة “منبج” في الإدارة الذاتية مثالاً مقبولاً، ضمن الظروف المحيطة وحالة الحرب، لإدارة المدينة بعد تحريرها من احتلال “داعش” في آب/أغسطس 2016؛ ففيها نشاط اقتصادي كبير وفرص عمل وأمان نسبي ملحوظ، ولهذه الأسباب استقطبت المدينة الكثير من النازحين من مناطق سورية أخرى، رغم محاولات خلايا “داعش” والمعارضة السورية المدعومة من أنقرة توتير الوضع القائم بالعبوات الناسفة والاغتيالات ضد الإداريين والعسكريين في المدينة وبالهجمات عبر الخط الفاصل بين مجلس منبج العسكري و”درع الفرات/تركيا”. يقرّ الكثيرون من سكان “منبج” بحالة الأمان والاستقرار النسبي المتوفرة، بخلاف مناطق عربية أخرى تحت سيطرة ” قسد”. وباعتبارها صلة وصل بين مناطق شرق الفرات من جهة ومدينة حلب وريفها الخاضع لسيطرة الحكومة السورية من جهة أخرى، أصبحت مدينة “منبج” مركز تبادل تجاري مزدهر بين منطقتي السيطرة المشار إليهما أعلاه، وفي بعض الأحيان مع الجبهة المعادية، كتصدير المحروقات إلى المناطق الخاضعة لسيطرة” درع الفرات/تركيا” (وهذا ليس بالأمر الشاذ في الحروب الأهلية والداخلية).

إلا أن الحكومة التركية لا ترتضي هذا الوضع القائم، ولا تكفّ عن المطالبة باحتلال مدينة “منبج” منذ اللحظة الأولى لتحرير المدينة من “داعش”، التي كانت جارة طيّبة لتركيا على مدى عامين ونصف( بين يناير/كانون الثاني 2014، وحتى أغسطس/آب 2016)، دون أن تطلق تركيا تهديدات ضدها، ولا تبرّمت من جيرتها مع “داعش”. وكانت مدينة “منبج” بالنسبة لـ”الدولة الإسلامية/داعش” مركزاً مهماً لاستقبال الدواعش من أنحاء العالم عبر الحدود التركية. وقد وصفت جريدة “صنداي تليغراف” البريطانية مدينة “منبج” بأنها “لندن المصغرة” لكثرة الدواعش البريطانيين فيها بالنسبة للدواعش الأجانب. (راجع ملخص التقرير في “بي.بي.سي” عربي على هذا الرابط)

وبعد تحرير “منبج” من “داعش”، أعلنت  وحدات حماية الشعب YPG  انسحابها من المدينة على مراحل، بعد استكمال هياكل السلطة المحلية فيها وتدريب العسكريين والقوات الأمنية بالتعاون مع التحالف الدولي، وتسليم إدارة المدينة وحمايتها الأمنية إلى إداريين وعسكريين من أبناء منطقة “منبج” متحالفين مع وحدات الحماية (مجلس منبج العسكري).

إلا أن تركيا ترفض الواقع القائم في منبج بشكل مطلق، ولا تقبل إلا بسحق أية مجموعة تحالفت مع وحدات حماية الشعب في حربها ضد “داعش”، كردية كانت أم عربية أم سريانية، بتهمة الإرهاب الفضفاضة، وليس فقط الوحدات الكردية. وعلى هذا الأساس، تصرّ على اقتحام المدينة ونسف الإدارة القائمة وتنصيب موالين لها مكانها تحت سيطرة الجيش التركي، وتحت العَلَم التركي.

تركيا ترى مدينة “منبج” من( حقّها) سواء بموجب الذريعة التركية الدائمة (حماية أمنها القومي)  التي تمتد إلى ما يشاء حكّام أنقرة، أو بموجب اتفاقها مع الولايات المتحدة حول “منبج” في يونيو/حزيران الماضي، أو ما عرف بـ”خارطة طريق منبج”. كان من المفترض، وفق التفسير التركي للاتفاق، أن تصبح “منبج” ضمن منطقة النفوذ التركي وحلفائها من المعارضة المسلحة وإخراج كل ما له صلة بالإدارة الذاتية القائمة من إدارة وقوات عسكرية-أمنية، ووضعها تحت إدارة الجيش التركي وفصائل موالية لأنقرة، كما في باقي مناطق النفوذ والاحتلال التركي في شمال سوريا. ورغم عدم تحقق شيء كثير من اتفاقية “منبج”، خصوصاً كما تشتهي تركيا، بل حصلت مماطلة واضحة من الجانب الأمريكي وتسويف كثير، إلا أن تفاهماً جديداً عُقد من جديد بين الولايات المتحدة وتركيا، بعد عودة الدفء للعلاقات الأمريكية التركية إثر الإفراج عن القس الأمريكي آندرو برانسون الذي كان مُحتجزا في تركيا، يقتضي تفعيل الصفقة بين الدولتين حول “منبج”، وضرورة تنفيذها قبل نهاية العام الجاري، وتبعاً لذلك تعتبر تركيا أمر “منبج” منتهياً بالنسبة لها، أي من (حصتها).

توزّع السيطرة:

بُعيد ساعات من تلك الإعلانات المتضاربة يوم الجمعة، تبيّن من خلال الناشطين والإعلاميين في الداخل أن قوات الجيش السوري لم تدخل مدينة “منبج”، إنما وصلت إلى بلدة العريمة، حوالي 15-20 كلم جنوب غرب “منبج”، لكن من المحتمل أن تدخل مدينة “منبج”، بتنسيق مع إدارة منبج و”قسد”، في وقت لاحق. وكانت “العريمة” بمثابة الحد الفاصل بين منطقة” قسد” والجيش النظامي من قبل، وبها مركز تنسيق عسكري روسي-سوري من قبل، وتم تفعيله قبل أيام وتعزيزه البارحة بقوات حكومية سورية وروسية أيضاً ربما، ما يدل على دور روسي محوري في هذا الانتشار والإعلان عنه.

 خارطة السيطرة العسكرية حتى ساعات الانتهاء من كتابة هذا المقال، صباح الاثنين (31/12/2018)، هي كالتالي: مدينة “منبج” وجانبها الشرقي حتى نهر الفرات، وشمالها حتى نهر الساجور الفاصل بين “منبج” و”جرابلس” (المحتلة من قبل تركيا)، تحت سيطرة “مجلس منبج العسكري” المنضوي تحت إطار “قسد”.  دوريات “التحالف الدولي” تجري على طول نهر الساجور، وتشغل الخط الفاصل  بين “قسد”  والجبهة المعادية لها “درع الفرات” والجيش التركي، اللذان عزّزا تواجدهما في الأيام الماضية. لا يزال التحالف الدولي على تواجده وانتشاره، والقاعدة العسكرية التابعة له في جنوب شرق المدينة تعمل كما كانت قبل إعلان الرئيس الأمريكي “ترامب” الانسحاب من سوريا. الجيش النظامي السوري عزّز وجوده في بلدة العريمة، جنوب غرب مدينة “منبج” بحوالي 15-20 كلم، وكذلك في قرى فاصلة بين مناطق انتشار (قسد) و(درع الفرات/الجيش التركي) في غربي “منبج” وشمالها الغربي (ثمة أنباء غير مؤكدة اليوم أن الجيش النظامي انسحب من هذه المناطق القريبة من انتشار التحالف الدولي، واكتفى بوجوده في  بلدة العريمة).

السباق نحو منبج: أسئلة كثيرة وصراع معقد!

إعلان الجيش النظامي السوري دخوله “منبج”، بينما هو على أطرافها فعلياً حتى الآن، وسواء استكمل الانتشار إلى المدينة أم لا، يبعث في الحالتين رسالة سياسية واضحة (من روسيا؟)  وراء هذا الإعلان، مفادها: ليست الولايات المتحدة وتركيا من تقرر مستقبل المدينة، خصوصاً مع الدعم الروسي والإيراني الواضح للإعلان عن عملية تقدم الجيش النظامي نحو مدينة “منبج”.

التحالف الدولي متواجد في المدينة وعلى أطرافها، الآلاف من مسلحي المعارضة السورية المدعومة من “أنقرة” مع الجيش التركي متأهبون للانقضاض على مدينة “منبج”، وقد أعلن قادة المعارضة السورية التابعة لـ”أنقرة” منذ أيام قرب موعد الهجوم على “منبج”، في حين لم تعلن تركيا عن ساعة الهجوم مع استمرار تدفق الحشود العسكرية التركية مع معداتها العسكرية إلى حدود المنطقة.. لمن سيسمح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بدخول مدينة “منبج”؟ للأتراك “حلفاء المصلحة” أم للجيش النظامي السوري “حلفاءه المبدئيين”؟ ترحيب “موسكو وطهران” بدخول الجيش السوري لـ”منبج” بُعيد الإعلان الرسمي السوري بقليل، يوحي بافتراق بين ثلاثي أستانة (تركيا، روسيا، إيران) في أزمة “منبج”، ويضع عقبات كبيرة أمام مخطط الهجوم التركي.  اللقاءات التركية الروسية رفيعة المستوى، ذات الطابع العسكري الأمني السياسي التي عقدت  في “موسكو” يوم السبت 29/12، لم تفصح عن شيء محدد وخرجت بتصريحات عامة وروتينية عن أهمية التنسيق الروسي التركي في سوريا. وستتضح  جدية الموقف الروسي من أزمة “منبج” الحالية قريباً. وربما يحتاج الأمر إلى زيارة الرئيس التركي بنفسه إلى “موسكو” للقاء الرئيس الروسي “بوتين”. وسنعرف ما هو الثمن الذي ينبغي أن تدفعه تركيا لروسيا مقابل السماح لها بالهجوم على “منبج”، وهل سيكون هناك ما يتعلق بملف “إدلب”؟ لكن روسيا ليست العامل الوحيد في قضية “منبج”، فالمدينة تدخل في نطاق النفوذ الأمريكي بالأساس. وهناك قوات أمريكية فرنسية في “منبج” كما سبق الإشارة. إذاً، تركيا بحاجة إلى موافقة اللاعبين الكبيرين (الولايات المتحدة وروسيا) في ملف “منبج”، وهو ما لن يتوفر بسهولة كما نُرجح.

هل ستسمح قوات التحالف الدولي للجيش النظامي السوري بدخول مدينة “منبج”، من دون تفاهم أمريكي روسي، لو أرادت حلفائها “قسد” ذلك وعقدت تفاهمات مع “دمشق”؟ بيان التحالف الدولي عن تطورات الوضع في منطقة “منبج”، يوم الجمعة، فيه رسالة للنظام، بتكذيب إعلان الجيش النظامي دخوله لمدينة “منبج”، ما قد يعني أيضاً عدم السماح له بذلك، وبنفس الوقت تحذير مبطن لتركيا والمعارضة المسلحة المدعومة منها، بإشارة البيان إلى ضرورة “احترام  الجميع سلامة مدينة منبج وسلامة مواطنيها”.

هل يلجأ “أردوغان” إلى فتح جبهة شرق الفرات، سيما خط كوباني (عين العرب) تل أبيض- رأس العين (سري كانيه)، استباقاً لسيناريو مشابه لسيناريو “منبج”، بُعيد الانسحاب الأمريكي المفترض، إذا أُقفل الطريق إلى “منبج” في وجهه تماماً، أي استباقاً لتوافق بين “قسد” والنظام وترتيب روسي بنشر وحدات من الجيش النظامي في تلك المناطق التي هي على رأس أهداف الهجوم التركي المرتقب-المؤجل على شرق الفرات؟ ولا يزال التحالف الدولي متواجداً في تلك المناطق المذكورة، كما أن الانسحاب الأمريكي “المطوّل” لم يبدأ بعد و”أردوغان” بنفسه أعلن تأجيل الهجوم على شرق الفرات، ما يعني عدم وجود ضوء أخضر لهجوم تركي في شرقي الفرات راهناً؟

اختبارٌ لعلاقات تركيا المركّبة مع الولايات المتحدة وروسيا:

تبدو حالة مدينة “منبج” تكثيفاً للصراع في، وعلى، سوريا بين جميع الأطراف الخارجية والداخلية المنخرطة في النزاع العسكري في سوريا، وبين مشاريع سياسية وصراعات نفوذ متعددة. وعلى ضوء حسم هذا الصراع، إنْ حُسم قريباً، يمكننا استشراف موازين القوى في الأزمة السورية في المرحلة المقبلة، ومستقبل ملفات شائكة وملتهبة (شرق الفرات، إدلب وجميع مناطق الاحتلال التركي في شمالي سوريا..)  في أعقاب الانسحاب الأمريكي المُفَترض من سوريا.

أزمة “منبج” الحالية اختبارٌ للعلاقة المعقدة بين اللاعبين الخارجيين (الولايات المتحدة، روسيا، تركيا، إيران). وعلى نحو خاص للعلاقة التركية الأمريكية من جهة، والتركية الروسية من جهة أخرى. وكذلك مدى التفاهمات بين الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية في مرحلة” نوايا” الانسحاب الأمريكي المفترض من سوريا.

الأسئلة كثيرة بقدر تعقيد الحالة السورية وتشابكها، في حين أن جلّ أماني أهل “منبج” هي عدم تعرضهم لحرب جديدة ونزوح جديد، بعد اختبارهم الويلات مرتين، أثناء حكم “داعش” الاحتلالي، وأثناء معركة تحريرهم من “داعش”.

من سيطلق الرصاصة الأولى في منبج؟ أم سيبقى الوضع المتوتر على حاله، كلٌّ إصبعه على الزناد حابساً أنفاسه، بانتظار المساومة بين اللاعبين الخارجيين الكبار حول هذه المدينة السورية الصغيرة، التي جعلت تركيا منها “مسألة أمن قومي” بالنسبة لها؟

—-

*كاتب كردي سوري. عضو هيئة تحرير مجلة “الحوار” الثقافية التي تصدر باللغة العربية وتهتم بالشؤون الكردية وتهدف لتنشيط الحوار الكردي-العربي.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد