ماثيو بان | موقع “ديفينس نيوز”
لا يخفى على أحد التوترات الهائلة التي تشهدها منطقة الخليج بعد تصاعد حدة الصدام بين الولايات المتحدة وإيران، بداية من اتهام “طهران” بالهجوم على ناقلات النفط في خليج عمان وحتى إعلان الحرس الثوري الإيراني إسقاط طائرة أمريكية بدون طيار حاولت اختراق المجال الجوي الإيراني. وفي الوقت الذي تتصاعد فيه حدة اللهجة بين الجانبين، يرى البروفيسور ماثيو بان الأستاذ بكلية “هارفارد كينيدي” الأمريكية، أنه يجب الوصول إلى نقطة ما تبعد الطرفين عن شفا الحفرة التي يبدو تماما أنهما لا يريدان خوض حربا فيها.
يقول “بان”، في مقاله بموقع “ديفينس نيوز” الأمريكي المهتم بالشؤون الأمنية والدفاعية، إنه بينما تتهم إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إيران بمهاجمة ناقلات النفط في خليج عمان، فإن التوترات المتزايدة تخلق خطرًا حقيقيًا بالتعثر في حرب كارثية لا يريدها أي من الطرفين، وقد حان الوقت للابتعاد عن حافة الهاوية.
تخوض إيران والولايات المتحدة معضلة أمنية: كل ما يفعله كل طرف لتعزيز دفاعاته يبدو بالنسبة إلى الجانب الآخر مثل الاستعداد للهجوم. يؤدي العداء المتبادل وانعدام الثقة بين الحكومتين كل طرف إلى زيادة التهديدات إلى أقصى قدر ممكن أكبر من التهديدات التي يمثلها الطرف الآخرز كذلك، الشرارات المحتملة التي يمكن أن تشعل النار في كل مكان، مع ازدحام حركة السفن في الخليج؛ القتال المستمر في اليمن وسوريا وأفغانستان؛ التوتر بين الفصائل المدعومة من الولايات المتحدة والمدعومة من إيران في العراق؛ والجماعات المدعومة من إيران تهدد إسرائيل.
تجدر الإشارة إلى أنه مع ارتفاع التوتر إلى هذه الدرجة ووجود العديد من الأمور على المحك، فإن حوادث كثيرة تحدث دون أن يتم التوجيه بها من قبل أي زعيم وطني. في عام 1988، في لحظة توتر أخرى، أخطأت السفينة الحربية الأمريكية “فينسينز” بطائرة إيرانية مدنية واعتبرتها طائرة حربية مهاجمة وأسقطتها، ما أسفر عن مقتل 290 شخصًا كانوا على متنها. في أزمة الصواريخ الكوبية، لم يطلب أحد من طائرة تجسس أمريكية أن تحلق في المجال الجوي السوفيتي، لكن أحدهم فعل ذلك عن طريق الصدفة. لم يرغب القادة السوفييت في إسقاط قواتهم طائرات التجسس الأمريكية على كوبا، لكنهم أسقطوا طائرة واحدة على أي حال. لم يكن الرئيس الأسبق جون كينيدي ووزير الدفاع روبرت ماكنمارا يعلمان حتى أن البحرية، في فرضها “الحصار” حول كوبا، كانت تلقي المتفجرات على الغواصات السوفيتية المسلحة نووياً، ما تسبب في إطلاق واحدة منها أسلحتها النووية. إذا كان أي من الطرفين قد نفذ مرة أخرى بعد واحدة من هذه الحوادث، فلن يكون هناك الكثير من الحضارة الحديثة.
إن قدرة القادة على السيطرة على الأحداث في الخليج أسوأ، حيث لا إيران ولا الولايات المتحدة لهما السيطرة الكاملة على جميع القوى التي يدعمونها. الوحدات المدعومة من الولايات المتحدة من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والقوات الإسرائيلية، والميليشيات التي تدعمها إيران والجماعات المسلحة مثل “حزب الله”، ومع وجود ترسانة من أكثر من 100000 صاروخ وصاروخ موجه إلى إسرائيل، وكثير منها الآن موجه بدقة، كل هؤلاء لهم قادتهم المتهورون ومصالحهم الخاصة للدفاع.
قال بعض القادة، بمن فيهم مستشار الأمن القومي جون بولتون، إن العمل العسكري ضد إيران ضروري لتدمير البرنامج النووي الإيراني، وربما الإطاحة بنظامها الإسلامي. لا شيء يمكن أن يكون أكثر تضليلا من تلك التصريحات. تبلغ مساحة إيران وعدد سكانها عدة أضعاف مساحة العراق، إلا أن حرب العراق استمرت لمدة 16 عامًا بتكلفة الآلاف من الأرواح الأمريكية، ومئات الآلاف من العراقيين، وتريليونات الدولارات من أموال دافعي الضرائب الأمريكيين، مما ساهم في وضع جزء كبير من منطقة الشرق الأوسط على شفا حفرة من النار. رداً على ضربة أمريكية، يمكن للميليشيات المدعومة من إيران في جميع أنحاء الشرق الأوسط مهاجمة القوات الأمريكية وحلفائها بصواريخ إيران وصواريخ حزب الله، وقد تفرض أضراراً فادحة على إسرائيل، ويمكن لإيران أن ترعى أو تشجع الهجمات الإرهابية في جميع أنحاء العالم لسنوات طويلة قادمة.
وفي حين أن الضربات الأمريكية قد تعرقل البرنامج النووي الإيراني لبضع سنوات، فإنه يمكن لإيران طرد المفتشين الدوليين وإعادة البناء في مواقع سرية. قد تجد الولايات المتحدة أو إسرائيل هذه المواقع وتضربها، لكن ذلك قد يثير المزيد من الانتقام، ما قد يؤدي إلى حرب قد تستمر لسنوات. في النهاية، من المحتمل أن يزيد الهجوم الأمريكي، وليس يقلل، من فرصة اختيار إيران لصنع أسلحة نووية.
ما الذي يجب إنجازه؟ أولاً، يجب على الرئيس “ترامب” أن يخبر إيران بشكل واضح: إذا لم تهاجم أو ترعى الهجمات على قواتنا أو حلفائنا، ولا تقترب من قدرة السلاح النووي، فلا داعٍ للخوف من الولايات المتحدة. ثانياً، يجب على الرئيس “ترامب” إصدار أوامر واضحة للقوات الأمريكية بعدم ضرب إيران أو قواتها دون أوامره المباشرة. الوضع خطير للغاية بحيث لا تترك القرارات لمستويات القيادة المنخفضة. ثالثًا، يجب على الرئيس “ترامب” أن يوضح للحلفاء الأمريكيين في المنطقة أن الولايات المتحدة لن تقف وراءهم إذا اتخذوا إجراءات ترقى إلى مستوى الصراع دون مناقشة تلك الخطوات مع الولايات المتحدة والموافقة عليها مسبقًا. رابعًا، يجب على الجانبين إعلان أنهما سيتصرفان كما لو كان هناك اتفاق “حوادث في عرض البحر” بينهما، وهو ميثاق يمنع الاقتراب الشديد الخطير من جانب السفن والطائرات. في حالة حدوث مثل هذه الحوادث، يجب عليهما البحث عن مناقشات، بدلاً من الرد عليها بسرعة.
على نطاق أوسع، يحتاج الجانبان إلى البحث عن طرق للعودة من حافة الهاوية – للاستفادة، على سبيل المثال، من جهود الوساطة التي بذلها رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي للتوصل إلى “قواعد رئيسية” لنزاعهم المستمر. بمجرد أن تبرد درجة الحرارة، فإنهم بحاجة إلى إيجاد طريق لتجديد الصفقة بشأن ضبط النفس النووي ورفع العقوبات. المشكلة في حافة الهاوية هي أنك أحيانًا تنزلق من فوق حافة الهاوية لتسقط فيها دون رجعة.