بابرا لوير | أستاذة وباحثة بجامعة باريس الثامنة
الاختلاف بين أيف لاكوست وباربارا لوير هو أن لاكوست استخدم الخرائط بشكل كبير للتفكير جيدا وعميقا بالفضاء الجغرافي، بينما لم تعتمد عليها باربارا لاكوست.إن كتاب باربارا لوير هو عبارة عن دراسة شاملة للجغرافية السياسية الداخلية لإسبانيا، ويعطي أهمية كبيرة للعلاقات بين المناطق والتجمعات السكانية الكبرى والحكومة المركزية.
هذه الجغرافية السياسية الإسبانية تأخذ بعدا عالميا وتكرس المؤلفة فصلين لها في آخر الكتاب (الهجرة وموقع إسبانيا في العالم). تحاول المؤلفة من خلال بحثها الاخذ بعين الاعتبار المكونات المختلفة للمجتمع الإسباني المعاصر، وتدرس النموذج الأفضل والقابل للتطبيق الذي من شأنه الجمع بين الإيديولوجية “وحدة إسبانيا” والمكونات الإقليمية في هذا البلد.تقوم باربارا لوير بوضع تقييم لثلاثين عاما من التحول والإصلاح في إسبانيا، تقييم يبين أن التحولات المؤسساتية الأخيرة فيها مسائل لم يتم التفكير فيها أو تم إغفالها، أهمها ” الأمة” حيث أن تعريفها معقد جدا بسبب الربط المتكرر بين المركزية والديكتاتورية من جهة والإقليمية والديمقراطية من جهة أخرى. وإذا كانت الإصلاحات المتعاقبة تعطي الانطباع بوجود توازن محفوف بالمخاطر إلا أن هذا التوازن تم الحفاظ عليه.يتكون الكتاب من جزأين كبيرين. الأول وهو الأطول (200 صفحة) وقد تم تكريسه لدراسة المجموعات الجيوسياسية الكبرى في إسبانيا. الثاني، (70 صفحة) وهو بعنوان ” المصير المشترك”.
يتعامل الكتاب مع الإشكاليات المطروحة على المجتمع الإسباني: التضامن، التقاسم والمصالح الإقليمية. قامت الكاتبة بهذا الترتيب والتوزيع لدراستها لدعم فكرة الأمة، حيث الوحدة ستكون، وباستمرار، من أجل الوجود والبناء في مواجهة القوة الجديدة المعاكسة.من تنوع إسبانيا إلى وحدتهاهل مازالت القومية الإسبانية موجودة؟ لقد تم التعبير الأخير القوي عنها مع نظام فرانكو، والذي كان معارضا شرسا للانفصاليين واعتبر أي طموح قومي آخر بأنه “انحراف”.
بين ” الحقوق التاريخية”: استخدام لغتين، جنسيتين، حكم ذاتي أو اتحادي أو كونفدرالي، من الصعب جدا أن نرى بوضوح كما تقول المؤلفة. لقد تطورت إسبانيا باتجاه نظام فيدرالي، إن كان بشكل عملي أو على الصعيد القانوني. جاء الهيكل أو الشكل الإقليمي من خلال مفاوضات وتنازلات متتالية أكثر مما هي ردة فعل أو انعكاس لردة فعل جاءت دفعة واحدة. لا يعرّف دستور المملكة الاسبانية بشكل دقيق ومحدد ما هو أو معنى ” حكم ذاتي”.تقدم باربارا لوير في الفصل الأول من الكتاب عرضا مفصلا عن ” مشكلة الباسك”. تعتبر أن هذه المشكلة هي من أكثر المشاكل حدة لا سيما أن أطرافها منقسمون بشكل كبير.
تقدم الباحثة جدولا من المبررات “التاريخية” لأنصار “أمة الباسك” وتناقش الشكل الذي اندمج فيه إقليم الباسك الفرنسي مع الدولة الفرنسية، على الاختلاف من الحالة الإسبانية. كما تتطرق الباحثة إلى منظمة ” إيتا” الانفصالية وبشكل مطوّل جدا، متحدثة عن أصولها منذ حكم فرانكو وتراجعها وانحسارها في عام 2003 مرورا بعمليات الاغتيال التي قامت بها منذ عام 1970 و1980 ثم استراتيجية ” نشر الألم” في سنوات التسعينات.ووفق نفس النموذج، تقوم الكاتبة بدراسة كاتالونيا التي تسميها ” الحلقة الأضعف في إسبانيا”، وغيرها من المناطق “ثنائية اللغة” ( الفلنسية، الغالية، وجزر البليار)، الإقليمية في مقاطعة الأندلس (تركيبتها المحيطية الزراعية، وأسباب تأخرها في النمو)، والمناطق الإسبانية ذات الكثافة المنخفضة (حيث عدد قليل من الناخبين والنواب)، مدريد (إقليم العاصمة)، وأخيرا الأقاليم الخارجية (جزر الكناري، سبتة ومليلة).
في الفصل الثامن من الكتاب، والذي كرسته الباحثة للنموذج الإقليمي، يتوضح لدينا في نفس الوقت أنه لا يوجد وكالة إحصاء وطنية خاصة بتوفير البيانات الموحدة. من هنا فإن نرى العديد من الخلافات حول تمويل بعض الإحصائيات المشكوك فيها.
أما الفصل السابع فيتناول مسألة أساسية هي الماء وتقاسمه. اعتبرت السياسات الهيدروليكية، ولمدة قرن كامل، كأولوية لأنها كانت تستهدف الوصول إلى الازدهار ولكن أيضا “تجديد الأمة”. منذ عام 1930، تم وضع المخططات الأولى لنقل المياه من حوض إلى آخر.ويوضح الفصل التالي أن اسبانيا تعاني بشكل أقل من الهجرة بشكل عام (باستثناء الهجرة غير الشرعية)، لا سيما القادمة من أمريكا اللاتينية، مقارنة بالهجرة القادمة من بلاد مسلمة. ازداد عدد المظاهرات، بشكل خاص أثناء، على سبيل المثال، بناء مسجد إشبيلية.
يدرس الفصل العاشر من الكتاب المسائل الكبرى التي تواجه اسبانيا على الصعيد الدولية، باعتبارها الموطن الأصلي للإسبانية وفعلا في بناء الاتحاد الأوربي الذي تتعلق به اسبانيا بشكل كبير، بما في ذلك، لأسباب مالية، وهي الأقرب لمراكز التوتر في حوض البحر المتوسط.كتاب في غاية الأهمية لا سيما للدول التي تتشابه في تركيبتها السكانية مع إسبانيا، وتؤكد الكاتبة في نهايته أنه ستستكمل مستقبلا دراستين حول الجغرافيا الاقتصادية والاجتماعية لإسبانيا من أجل إعطاء رؤية عن التحولات العميقة التي تعيش هذه البلاد اليوم.
عرض الكتاب: صلاح نيوف
المؤلفة: باربارا لوير
دار النشر: أرمون كولان ـ باريس