في المقام الأول، ولأسباب تاريخية وسياسية “حتى هذا اليوم، لا يوجد أية أداة عالمية لها صفة الكونية تناقش مسألة الأقليات كما هي، أيضا العديد من النصوص تعترف بحقوق للأقليات أو تدعوا الدول للتصرف بشكل ما نحوها” [ شوتل ـ تينكهوف 2000، 17]. بالتأكيد ومن الواضح، ضمن نطاق الأمم المتحدة وكنتاج، بشكل أساسي، لرغبة الدول في حماية سيادتها الوطنية، فإن حماية الأقليات تعود لمجال حقوق الإنسان.
في المقام الثاني، من الواضح أن المفهوم ذاته، مفهوم الأقليات، ليس واضحا. بداية، إن تعدد الجماعات التي يمكن أن تعتبر ” كأقليات” هو مفاجئ ومدهش، أيضا الحاجة إلى دقة التصنيفات المستخدمة فيما يتعلق بالخصائص: أقليات وطنية، عرقية، دينية، ثقافية، لغوية لا بل حتى السكان الأصليين. أيضا، يكفي التذكير بأن تعريف مصطلح “أقلية”، إن كان في القانون الدولي أو في مجالات أخرى في العلوم الاجتماعية، هو بعيد عن خلق إجماع حوله، لدرجة أنه أصبح ” مهمة مستحيلة” [ ريغو 1997].
بشكل عام، إن التعاريف المقترحة من قبل خبراء القانون تأخذ بعين الاعتبار الجوانب ” الموضوعية” لمسألة الأقليات. كذلك، وفق ” كابوتورتي”، الأقلية هي ” مجموعة أقل، عدديا، من باقي السكان في دولة ما، في وضع غير مهيمن، وحيث أن أعضاءها ـ مواطنين في الدولة ـ يمتلكون من وجهة نظر عرقية، دينية أو لغوية صفاتا وخصائصا والتي تختلف عن باقي السكان وتظهر بشكل ضمني شعورا بالتضامن، من أجل حماية ثقافتها، تقاليدها، عقيدتها أو لغتها”. [ كابوتورتي 1977، 568].
يشير العديد من الكتاب إلى أن تعريف الفعل الأقلوي يعتمد، على الأقل في جزء منه، على شروط اجتماعية/تاريخية خاصة في منطقة أو إقليم محدد، كالشرق الأوسط مثلا [ كوماراسوامي 2003]. ولكن، أبعد من التكوينات المحلية، لا بد من التذكير بأن المفهوم الحديث ” للأقلية” مرتبط بشكل عميق بظهور الدولة ـ الأمة، وهي شكل للتنظيم السياسي أصبح “عالميا” بشكل سريع. من أجل اقتراح تعريف أكثر شمولا، وبالرغم من قيمته التحليلية الضعيفة، سوف يتبنى هذا الكتابالتعريف الذي اقترحه ” بيير جورج”: ” الأقليات هي مجموعات قاصرة من الناحية القانونية والسوسيولوجية، والتي تعيش حقيقة نظام نوعي ومختلف وظروفا من التبعية أو يمكن الشعور بها كتبعية”. [ جورج 1984، 5].
يمكن لهذا التعريف أن يساعدنا في فهم لماذا، في نظام قانوني معين، منح العديد من الحقوق العرقية و/أو الدينية لسكان في دولة ما، علاقات الهيمنة و/أو التصورات داخل هذه المجموعات يمكنها تحديد إذا كنا أمام حالة تتعلق “بالأقليات” أو لا.
يوجد شعور حقيقي لدى عدد مهم من الأكراد بعدم تكوين “أقلية” عرقية أو قومية، بل الانتماء إلى “أمة” كاملة حرمت من دولة بسبب المصالح الجيوسياسية للقوى الأوربية. إذن، الوضع الحالي هو نتاج لظلم تاريخي ـ لاسيما اتفاقية لوزان 1923 ـ أدى لتقسيم سياسي من قبل أسياد العالم الجدد. مهما يكن، فإن علاقات الهيمنة وعملية التحويل ” لأقليات”، رغم الفوارق الضرورية، حددت ظروف الأكراد في الشرق الأوسط، ولهذا السبب سوف يعتبر الكتاب الأكراد “كأقلية”.
مع ذلك، يشكل الأكراد ” مجموعة” ـ مع التعددية الدينية الاجتماعية واللغوية ـ معترف بها منذ بدايات التأريخ العربي (القرن الرابع والخامس). في الواقع، تشير المصادر العربية والفارسية في القرون الوسطى إلى المجموعات الكردية الرئيسية المنتشرة بين إيران وأعالي بلاد الرافدين، من الشرق إلى الغرب، و بين جورجيا والإقليم الإيراني خوزستان، من الشمال إلى الجنوب. في القرن السابع، عاقب الإمبراطور السلجوقي سنجار [1084ـ1157] دور الأكراد الصاعد في قلب إمبراطوريته من خلال إنشاء إقليم إداري سماه “كردستان”. من هنا نرى تشكل إمارات تقودها عائلات كردية والتي ستترك أسماء كبيرة عبر التاريخ مثل صلاح الدين.
في عام 1514، قادت الصراعات الإقليمية بين العثمانيين والصفويين، قادت العثمانيين إلى عقد تحالف سياسي ـ عسكري مع 16 إمارة كردية. مقابل هذه المساعدات العسكرية التي تلقاها العثمانيون، اعترفوا بشرعية العائلات الكردية الحاكمة وحكمها الذاتي، المحدود على الأقاليم التي توجد فيها. لكل هذه الأسباب، سوف يتم استخدام مصطلحي “الأكراد” و “كردستان” في الصفحات التالية من خلال الاعتراف بقيمتهما التاريخية المحدودة. عموما، يقصد هنا إيجاد توازن بين الضرورات المعرفية اللازمة في دراسة “المجموعات ” العرقية أو القومية ـ لا سيما تجنب إعطاء صفة جوهري “للجماعات”ـ ودراسة تطور الهوية أو بالأحرى الهويات الكردية، التي برزت من خلال مختلف الحركات الكردية، وذلك بواسطة المد والجزر للصراع الكردي على مر القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين.
ترجمة: د. صلاح نيوف