الإخوان المسلمين في سوريا.. الصراع آتٍ لا محالة

سلطان الكنج | تشاثام هاوس

لقد نجت جماعة الإخوان المسلمين في سوريا بسبب التفاهم الذي توصلت إليه مع الإرهابيين التابعين لـ”جبهة تحرير الشام” وأسلافها، وسوف ينهار هذا التفاهم عندما تدرك المجموعات أنها تتنافس على مستقبل سوريا السياسي.

تعتبر جماعة الإخوان المسلمين في سوريا واحدة من أقدم المنظمات وأكثرها تنظيماً وانتشاراً، والتي عارضت أنظمة الدولة الاستبدادية المتعاقبة. لكن عندما بدأ الربيع العربي عام 2011، انتهى “الإخوان” على الهامش -كانت المظاهرات عفوية وغير أيديولوجية ، ولم تتمكن أي جماعة معارضة من ادعاء الفضل فيها. ومع تطور الثورة السورية إلى انتفاضة مسلحة، كان للإخوان تأثيرا محدودا مماثلا. على الرغم من أن بعض الجماعات المسلحة منتسبة إلى جماعة الإخوان المسلمين بالاسم، فإن معظمها لم يتفاعل مع الجماعة من الناحية العملية، ولم يكن مهتمًا بأيديولوجيتها أو أي عقلية أيديولوجية محددة.

هذا الفراغ سمح للجماعات الجهادية مثل سلف جماعة تحرير الشام -جبهة النصرة- بالسيطرة على الفصائل المسلحة المتوافقة مع الإخوان المسلمين، والمعارضة المعتدلة بشكل عام. تحرك الإخوان للتركيز على أعمال الإغاثة المتمركزة على أراضي حليفتها، تركيا، مكنها من اختراق بعض قطاعات المجتمع السوري للاجئين هناك من خلال توفير الإغاثة والدعم اللوجستي.

لكن عندما بدأ الإرهابيون يتحولون ضد بعضهم البعض، كان لدى الإخوان فرصة لاستعادة النفوذ. وبينما هاجمت جبهة النصرة وفككت جماعات متمردة أخرى، رحبت جماعة الإخوان بالأفراد السابقين لهذه الجماعات تحت لواء ذراعها العسكرية، فيلق الشام.

والأهم من ذلك، أن جماعة الإخوان وقعت هدنة مع جبهة النصرة ، التي لم تعتبر الذراع العسكري لجماعة الإخوان بمثابة تهديد كبير لها. ونقلت الأسلحة وقدمت الدعم للإغاثة لأعضاء فيلق الشام. في المقابل، وافقت جماعة الإخوان المسلمين على عدم الترويج لنشاطها الأيديولوجي أو الديني في الجمعيات أو المؤسسات الدينية أو المساجد التي تديرها جبهة النصرة، أو ما عُرف لاحقا باسم جبهة تحرير الشام.

وقد أتاح هذا التحالف الملائم لجماعة الإخوان، الاحتفاظ بوجودها في سوريا في حين تم القضاء على جماعات معارضة أخرى، وهو ما وضعها في مصاف واحد مع واحدة من أشد تيارات الفكر الإيديولوجي المهيمنة.

وحمل هذا الاتفاق منافع أيضا لجبهة تحرير الشام، فقد حصلت جبهة النصرة على دعم الإخوان في حربها ضد الجماعات الجهادية التي عارضت جبهة تحرير الشام، مثل جند الأقصى وداعش، وضمنت حياد الإخوان في صراعها مع الفصائل الثورية الأخرى، بما في ذلك درع الفرات وأحرار الشام وحركة نور الدين الزنكي.

لكن مع ذلك، لا يرى الإخوان أي مستقبل سياسي للجهاديين في سوريا. في الواقع، يرى الإخوان أنفسهم قائدا سياسيا وإيديولوجيا للمستقبل. وعندما يدرك كل طرف منهما أن الآخر الذي تحالف معه هو في الأساس عدو له، سوف تتعطل هذه الهدنة.

هذا الصراع المؤجل يلوح في الأفق، لا سيما بعد الاتفاق الروسي التركي بشأن إدلب، الذي يدعو إلى حل الجماعات الجهادية، وعلى رأسها جبهة تحرير الشام. لقد أصبح هذا المطلب الدولي والإقليمي، الموكل إلى تركيا، وسيلة للإخوان للضغط على الجهاديين.

قد ينتهي الحال بالإخوان المسلمون لقيادة الحملة الرامية إلى حل جبهة تحرير الشام، بما في ذلك على المستوى العسكري. من غير المحتمل أن تتورط تركيا مباشرة في الصراع مع الجهاديين بسبب المخاطر الداخلية عليها وعلى مواقفها في سوريا. وبناء على ذلك، قد تدفع تركيا إلى صدام فصائلي ضد الجهاديين، بقيادة حلفاء الإخوان في تركيا. ومثل هذا الاشتباك، سيكون داميًا على الأرجح.

وبالمثل، بدأت حملة إعلامية ضد الجهاديين من قبل الأفراد المتعاطفين مع جماعة الإخوان المسلمين، الذين يدافعون عن نشاط التبشير في المساجد وفي الشارع الثوري لإضعاف جبهة تحرير الشام وتدمير شرعيتها.

لا يمكن القول ما إذا كانت المواجهات المباشرة بين الجانبين قد بدأت بالفعل بسبب المفاوضات بين تركيا وجبهة تحرير الشام، لإقناع الأخيرة بضرورة حلها. تركيا لا تريد أن تذهب بعيدا جدا وسريعا جدا فيما يتعلق بالتعامل مع جبهة تحرير الشام، خوفا من أن يتحول معظم أعضائها وقادتها للانتماء إلى تنظيم “حراس الدين”، وهي جماعة موالية لتنظيم القاعدة تم إنشاؤها عندما أعلنت جبهة تحرير الشام انفصالها عن تنظيم القاعدة، وهي جماعة معادية لـ”أنقرة”.

كذلك لا تريد تركيا أن تفوت فرصة استخدام جبهة تحرير الشام للمساعدة في مواجهة الأكراد والسيطرة على حدودها مع إدلب، وكذلك لإبقاء نفوذ الجبهة لاستخدامها كأداة سياسية فعالة يمكن لتركيا استغلالها في منافستها مع روسيا. وحتى هذه اللحظة، الصراع ليس مطروحا على الطاولة.

لكن في غضون ذلك، يسعى الإخوان المسلمون إلى إنشاء موطئ قدم قوي لهم في شمال سوريا من خلال تشكيل الجبهة الوطنية للتحرير، التي يقدر عدد أعضائها بنحو 30 ألف. لقد بدأت في القيام بأنشطة التبشير عبر تحريك الشارع إلى التظاهر ضد النظام، وقد تستخدم مثل هذه المظاهرات ضد الجهاديين في المستقبل. كما أن جماعة الإخوان تستولي على شحنات أسلحة من تركيا.

في هذه الأثناء، تقوم الجماعة بتعزيز تأثيرها الكبير على كيانات المعارضة السياسية خارج سوريا -وخاصة تلك الموجودة في تركيا- وذلك من خلال المكاسب التي تحصل عليها من دعم تركيا وقطر. كل هذا يعني أن الصراع بين الإخوان والجهاديين آتٍ على الأغلب.

—-ترجمة: المركز الكردي للدراسات

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد