“ستراتفور”: المرحلة القادمة من الصراع السوري قد تكون الأكثر خطورة

رامي السيد | معهد “ستراتفور” الأمريكي

مع فوز دمشق وانهيار تنظيم “داعش”، بدأت المعركة بين الحكومة والمتمردين بالتلاشي، ولكن هناك خطر أكبر من وقوع اشتباكات بين الدول المتنازعة تلوح في أفق عام 2019، فعلى سبيل المثال، يمكن أن تتورط الولايات المتحدة وروسيا وتركيا وإيران وإسرائيل في صدام مع إحدى الدول الأخرى المتورطة في سوريا، بينما ستعمل جميع هذه الدول على تقليل فرص تصعيد النزاع بسبب المخاطر الكامنة في حرب أكبر، التي قد يصعب عليها السيطرة على المخاطر بالكامل.

قد لا يتم نسيان الحرب الأهلية في سوريا -على الأقل من قبل الملايين المتضررين من الألم- ولكن الصراع لم يعد يتصدر نشرات الأخبار الدولية كما كان يحدث في السابق. ويرجع هذا إلى حد كبير لأن قوات الحكومة السورية نجحت في السيطرة على معظم المراكز السكانية في البلاد، ولأن معظم خطوط الجبهة المتبقية أصبحت مجمدة نسبياً. ومع ذلك، فحتى في الوقت الذي يصبح فيه النزاع الساخن أقل شيوعًا في البلاد، فإن العام المقبل لا يزال محفوفًا بالمخاطر التي قد تكون أكبر عاصفة نارية حتى الآن: هذه المرة، ليس فقط بين القوات الحكومية والمتمردين، ولكن بين الدول العديدة التي دخلت ساحة النزاع السورية.

على مدار السنوات العديدة الماضية، تقاربت القوى الكبرى والإقليمية على حد سواء في سوريا لتحقيق مجموعة متنوعة من المصالح والأهداف. بعض هذه الأهداف كانت هزيمة تنظيم “داعش” المتطرف (الذي بات الآن في الظل بفضل الجهود الدولية) – وهو هدف يتم الإجماع عليه بشكل مشترك، لكن الكثير منها ليس كذلك. قد لا يكون لدى تركيا وإسرائيل وإيران والولايات المتحدة وروسيا اهتمام كبير بالانخراط في حرب مفتوحة مع بعضها البعض، لكن سعيها لتحقيق أهداف مختلفة، فضلاً عن أن عدم توفر مساحة كافية للمناورة في مسرح مزدحم، يعني أن أي عمليات عسكرية قد  تهدد بوجود خطر الاستفزاز عن غير قصد أو غير قصد، ما يؤدي إلى صدام بين هذه الدول، وقد يكون لهذا الصراع تداعيات عالمية.

ساحة النزاع

يكمن الخطر الأساسي من استمرار رغبة الحكومة السورية وحلفائها، وخاصة إيران، في استعادة المزيد من الأراضي. إضافة إلى عدد قليل من بقايا “داعش” المعزولة التي لا تزال تحاول القوات الموالية القبض عليها، يمكن لـ”دمشق” و”طهران” أن تتوجه باهتمامهما إلى منطقتين رئيسيتين: شمال وشمال غرب سوريا، حيث يسيطر المتمردون المدعومون من تركيا، وشمال شرق وشرق سوريا حيث تهيمن قوات سوريا الديموقراطية المدعومة من الولايات المتحدة على الوضع. في حين أن وجود القوات التركية والأمريكية القريبة، قد يحد من قدرة دمشق وطهران على التقدم إلى هذه المناطق، فمن غير المرجح أن تظل القوات الموالية غير فعالة  تماماً.

كما هو الحال، يبدو أن بعض النشاطات العسكرية حول محافظة “إدلب” لا مفر منها تقريباً، ما يزيد من خطر حدوث صدام مباشر بين القوات الموالية والقوات التركية الموجودة في المنطقة إلى جانب بعض حلفائهم المتمردين. وفي حال قيام “دمشق” بتأمين مساعدة “موسكو” للعمليات العسكرية في “إدلب”، فإن أحتمال حدوث صراع سوري تركي فقط سيزداد. إن أولوية روسيا هي ترك النزاع على حاله (الحفاظ على مكاسبها) مع الحفاظ على علاقات ودية مع تركيا. لكن “موسكو” مستاءة من عدم قدرة “أنقرة” على إحراز تقدم في تفكيك بعض الجماعات المتمردة الأكثر تطرفا في إدلب، مثل تنظيم (جبهة تحرير الشام)، التي استمرت في شن هجمات على القوات الروسية. ولأن دمشق تسعى للحصول على أي عذر لاستئناف العمليات العسكرية، فإن الكرملين المتلهف إلى تسوية النزاع قد يدعم هجومًا إيرانيًا وسوريًا على إدلب، ويخاطرا باندلاع صدام مع تركيا.

في جميع أنحاء البلاد إلى الشرق، تقوم الولايات المتحدة بتجديد أهدافها للحد من مصالح إيران ووجودها. يوجد عدد كبير من القوات الإيرانية بالقرب من مواقع قوات سوريا الديمقراطية في شرق سوريا، وقد خاض الاثنان مسبقاً في عدة مناوشات. إذا زاد الخلاف بين واشنطن وطهران في عام 2019، فإن معركة بين القوات الإيرانية وقوات سوريا الديمقراطية في المنطقة يمكن أن تشعل صراعا أكبر في سوريا بين القوات الأمريكية والإيرانية. علاوة على ذلك، في مثل هذه الحدود المغلقة، من المرجح أن يجذب الصراع القوات السورية وربما الروسية.

تركيا بلد آخر له مصلحة خطيرة في المنطقة، وحرصا على إضعاف وحدات حماية الشعب (YPG) في المنطقة، سعت تركيا في البداية إلى تدعيم الولايات المتحدة قبل التحرك لتحطيم المجموعة الكردية إلى حد كبير في المنطقة، لكن واشنطن أجبرت أنقرة على إعادة التفكير في الاستراتيجية بعد أن أعلنت عن رغبتها في البقاء لفترة أطول في سوريا. ستحرص تركيا بشدة على تجنب الصدام المباشر مع القوات الأمريكية في سوريا (حتى لو لم تعمل مكائدها الإقليمية على تخفيف التوترات بين حلفاء الناتو الاسميين)، لكنها ستبحث باستمرار عن طرق لإضعاف وحدات حماية الشعب في العام المقبل. يمكن للقوات التركية ضرب بعض قادة وحدات حماية الشعب وغيرهم من الأهداف ذات الأهمية، في حين أن أنقرة يمكن أيضا أن تحرض حملة سرية ضد الوحدات من خلال اغتيال أعضاء قياديين وإثارة الثورات بين الأعضاء العرب في قوات سوريا الديمقراطية. بغض النظر عن مسار العمل في تركيا، فإنه لن يبقى على الهامش.

لدى إسرائيل أيضاً أسبابها الخاصة للخوض في هذه الحرب الأهلية: إيران، حيث قامت بضرب إيران عدة مرات داخل سوريا، وأدت في بعض الأحيان إلى الانتقام من طهران  كما حدث في مايو/ أيار. في الوقت نفسه، يمكن أن يتحول النزاع بسهولة إلى قوى أخرى في سوريا. في سبتمبر/أيلول، حاول الجنود الذين يحرسون دفاعات سوريا الجوية مقاومة غارة جوية إسرائيلية فقط لإسقاط طائرة روسية بطريق الخطأ في هذه العملية. بنية تخفيف احتمالات تكرار الحادث، زودت موسكو شركائها السوريين بمعدات دفاع جوي أفضل، في الوقت الذي تهدد فيه أيضاً بإجراءات انتقامية ضد إسرائيل. ومع ذلك، من غير المحتمل أن تدفع جهود روسيا إسرائيل إلى وقف هجماتها بشكل كامل. وبناء على ذلك، ومع وجود مجال ضئيل للخطأ يمكن أن تؤدي الضربات الإسرائيلية المستقبلية ضد الأهداف الإيرانية إلى المواجهة بين القوات الإسرائيلية والروسية أو حرب أوسع مع إيران يمكن أن تنطوي أيضًا على صراع مع حزب الله في لبنان.

الخطر المحتم من اتخاذ أي خطوة

لا تتوق أي من الدول المنخرطة في المستنقع السوري إلى محاربة أي من القوى الأخرى، وهذا يعني أن الجميع سيأخذون أقصى الاحتياطات لتقليل تصعيد النزاع. ولكن مع انتشار القوى الكبرى وانخراطها مع بعضها البعض، جنبا إلى جنب مع مجموعة المصالح المتضاربة والطموحات المتنافسة للاستيلاء على الأراضي، فإن المخاطر التي يمكن أن تشعل شرارة النار هائلة.

—-

* ملاحظة المحرر: هذا التقييم جزء من سلسلة تحليلات تدعم التوقعات السنوية لعام 2019 المتوقعة من شركة ستراتفور (Stratfor) . تم وضع هذه التقييمات لتوفير مزيد من السياق والتحليل المتعمق حول التطورات الرئيسية في العام المقبل.

ترجمة: المركز الكردي للدراسات

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد