لكي تجد الدبلوماسية طريقاً لها يجب أن تعي إيران ألا تمشي عكس التيار

دينيس روس

لقد تم رفعُ العقوبات عن إيران في الحادي عشر من نيسان/إبريل الأمر الذي يُخفف من الريبة لدى إيران ويبعثُ برسائل طمأنينة ٍ لها. ويرى البعض أن العملَ التخريبي الذي قامت به إسرائيل في نطنز، أضخم موقع لتخصيب اليورانيوم الإيراني، سيكون مسوغاً للانسحاب من المحادثات في فيينا. لكن الإيرانيون واصلوا العمل المشترك مع البريطانيين، الفرنسيين، الألمان، الروس، والصينيين، الذين لعبوا دور الوسيط بين الجمهوريّة الإسلامية والولايات المتحدة.

وهدُفتْ المُحادثاتِ على حضِّ الولايات المتحدة وإيران للإمتثال لخُطةِ العملِ المُشتركة والشاملة التي لم تشهد أيُّ فُتورٍ. عِوضاً عن ذلك، باشرت كلٌّ من مجموعتي العملِ المُوكلِ إليهما التفاوضَ لوضع خـارطـةِ طـريـق للولايات المتحدة لرفع العقوبات المُتعلقةِ بالأنشطة النووية بالمقابل تكُفُّ إيران عن القيام بخُطواتٍ من شأنها انتهاك لخُطة العمل المشتركة والشاملة.

بكُلّ تأكيد، وفي ردةِ فعلٍ منها على العمل التخريبي، أخذت إيران بتخصيب اليورانيوم إلى ما نسبته ٦٠٪، وأصبحت قاب قوسين أو أدنى في قادرة على إنتاجِ المواد الانشطارية الصالحة لصُنع الأسلحة.

كانت هذه الخُطوة تتماشى والسياسية الإيرانية الرامية لتسريع وتيرة برنامجها النووي وتخفيض وقت الاختراق. وكما صرّح البريطانيون والفرنسيون والألمان بأن “تخصيب إيران لليورانيوم لهذه الدرجة ليس بمحضِ حاجتها المدنيّة الماسة”.

وعليه، ما المُسوغُ من وراء هذا العمل الذي ليس مبنيّاً على قاعدةٍ مدنيّةٍ شرعيّةٍ؟ ولانصياعها بشأن التزامها بخطة العمل المشتركة والشاملة، تقومُ إيران بمُمارسة الضغط على إدارة بايدن لرفع العقوبات المُتعلقة بالأنشطة النووية بما يفوق ما هو مطلوب من الولايات المتحدة.

يُمارس الإيرانيون الضغط لرفع جميع أنواع العقوبات المفروضة ِعليهم منذُ العام ٢٠١٥، مُتضمنةً التسميات والعقوبات التي فرضتها إدارة ترامب لتورط الإيرانيين بالإرهاب.

وفي حقيقة الأمر، يقولها الإيرانيون صراحةً: “إذا ما تمّ فرض أيّة عقوباتٍ علينا تتعلق بالإرهاب وحقوق الإنسان فإننا سنلجأ للابتزازِ النووي”.

وكلّ ذلك لا يفِي بالغرض من وجهة نظر القائد الإيراني، آيةُ الله علي خامنئي، الذي أكدّ التزام بلاده بخطة العمل المشتركة والشاملة حالَ قيام الولايات المتحدة برفع العقوبات على أرض الواقع بما يُمكّن إيران من بيع نِفطها وإمكانية الوصول لحساباتها المُجمّدة وممارسة الأنشطة التجارية.

وبمعنى آخر، يجب على الولايات المتحدة أن تقوم بما يفوق ما هو منوط منها لكي تنصاع إيران أولا ً لخطة العمل المشتركة والشاملة، حينها سيقوم الإيرانيون بالالتزام بما هو مطلوب منهم. وبرغم كلّ ذلك، إن ما اكتسبه الإيرانيون من حنكةٍ وخبرةٍ مع أجهزة الطرد المركزي المتطّورة لا يُمكن محقها.

على أقلّ تقدير، أمران جوهريّان ينبغيا أن يُرشِدا إدارة بايدن في كيفيّة التعامُل على ما يقوم به الإيرانيون. الأمر الأول، من الضروري اعتبار تخصيب نحو ٦٠٪ أمرٌ غير قانوني، والعمل مع شُركائنا الأوروبيين وآخرين، حيث يجب إيضاحُ التناقض بين ادعاءات إيران بأن برنامجها النووي للأغراض السلمية وذي أهدافٍ مدنيّةٍ. ولكن ما تقوم به من أعمال تخصيب لليورانيوم تجعلُها إمّا دولة نوويّة أو دولة شِبه مُؤهّلة للحصول على السلاح النووي.الأمرُ الثاني، تنظر إيران بأن إدارة بايدن تخشى في حال عدم قُدرتها على إقناع إيران بالعودة إلى خطة العمل المشتركة والشاملة وكذلك برنامجها النووي قيد التقدّم، فإن الحرب هي الحلّ الوحيد لإبطال هذا البرنامج، وذلك إمّا عبر تدخُل عسكري إسرائيلي أو إفشال الولايات المتحدة التقدم للحصول على السلاح النووي.

ذلك قلقٌ مُتفهّم، بيد أن الإيرانيين استوعبوا الأمر حيث بدأوا يُلّوحون بالتهديد ببرنامجهم النووي غير المُقيّد لإجبار الولايات المتحدة على تقديم تنازُلات. إن لم يكُن هناك شيءٌ آخر، ينبغي على إدارة بايدن أن تُظهر قوتها الكافية في المجال الدبلوماسي، ويجب في مقابل ذلك أن تفي إيران بالتزاماتها، وإذا ما قُوِضَتْ الدبلوماسية، ستلجأُ الولايات المتحدة إلى طُرقٍ أُخرى لضمان أن لا تمتلك إيران للسلاح النووي، كما قال بايدن.

على هذا المنوال، فإنّ ما تمّ الحديث عنه بشأن قيام إسرائيل بعملٍ تخريبي في نطنز ليس بالضرورة أن يكون ذو عواقِب وخيمةٍ. فمن ناحية، إنه مكسب للوقت، وسيُمكّن إدارة بايدن بعدم الهرولة لعقد تفاهم مع الإيرانيين. ومن ناحية أخرى، إذا ما أدرك الإيرانيون بأن الولايات المتحدة على دِرايةٍ به ولم تُحركْ ساكناً لتجميده، فأن ذلك يبعث رسالة لهم بأن أمريكت ستجعل الإيرانيين يدفعون ثمن ما يقومون به، وستقوم بتجميده بطريقة مُباشرة أو غيرُ مباشرة.

إن هذا الموقف العام الذي لا يستبعِدُ إسرائيل له دورٌ في إعادة ردع الإيرانيين. وإذا ما أصبح الإيرانيون لا يخشون الولايات المتحدة، فإن دبلوماسيّة الأخيرة بهذا الصدد ستُصبح بالحضيض، وحسب التقديرات المحتملة، فأنها تسعى لعدم إشعال حرب وأن الضغط المُتزايدَ عليها بخصوص الملف النووي وفي تصرّفاتهم الإقليمية ستُحقق نتائجها المرجوة.

إن استراتيجية الخامنئي قائمة بشكل مُستدام على العداوة مع الولايات المتحدة، لكنه بالوقت ذاته يُدرك خُطورة هذا الأمر، حيث ينبغي عليه أن يعي أنّ إيران في حال عدم التزامها بما هو منوط إليها، سيُعرّض برنامجها النووي بشكل كامل للخطر.

ترجمة: المركز الكردي للدراسات

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد