مقاومة عفرين بين المصريين والمعارضة السورية

د. محمود زايد

إن الصورة التي ترسمها عفرين حاليا في دفاعها وتضحيتها وجسارتها ضد العدواني التركي ومن يتعاون معه أو يستخدمه تجاه أرض الشمال السوري أصبحت حاضرة بشكل ملحوظ في الشارع المصري، ليس فقط في وسائل الإعلام المختلفة، بل في الندوات والنقاشات والمنتديات، سواء في المراكز المستقلة أم في المقرات الحزبية وغيرها.

وتكريسًا لهذه الحالة العفرينية النضالية النموذجية في منطقة الشرق الأوسط، عقد حزب التجمع المصري ندوةً ومعرضًا للصور في مقره بالقاهرة القريب من ضفاف نهر النيل الخالد، وذلك مساء السبت 10 فبراير/شباط 2018م؛ لمناقشة العدوان التركي على عفرين تحت عنوان: “مقاومة عفرين دعوة لوحدة كل السوريين ضد العدوان التركي”، حضرها عدد من المثقفين المصريين، وعدد من كُرد الشمال السوري وإقليم كوردستان العراق، وأطياف مختلفة من هيئة التنسيق والمعارضة السورية، إضافة إلى بعض العراقيين وغيرهم.في مشاركات ومداخلات الحاضرين لم يفاجئني رفض المصريين للعدوان التركي وغيره من قوى الإرهاب، ودعمهم للمقاومة ليس في عفرين فحسب، وإنما في كل الأراضي السورية بما يضمن وحدة سوريا وحق شعبها في حكم أنفسهم بأنفسهم؛ فهذا أمر طبيعي في المجتمع المصري حاليًا، الذي يرفض أي عدوان من دولة على أخرى، ويرى أن الحوار والمفاوضات السلمية أنجع وسيلة لتسوية أية خلافات أو نزاعات.في مقابل ذلك، فإن ما بدى من بعض السوريين “العرب” المشاركين ومعهم بعض العراقيين والفلسطينيين نقلَنا ذهنيًّا من القاهرة إلى قلب النزاع السوري/السوري أو العربي/العربي، في درعا والغوطة وحلب وإدلب وغيرها، حيث انحرفوا عن العنوان الرئيسي للندوة، محاولين تمييعها وإفراغ مضمونها لتنتهي إلى لا شيء كما حال الاجتماعات الدولية الكبرى في جنيف وآستانة وسوتشي، فكل واحد منهم عمل على تحويل مجرى الحديث إلى ما يمثله وما يرنو إليه، مبديًا أن رؤية فصيله هي الصحيحة لا غيرها، وأنه يجب على الآخرين الدخول تحت لوائها ودعمها بما معهم من إمكانات ومقدرات. ولم يكن توزيع الاتهامات والخيانات هنا وهناك بعيدًا عن ألسنتهم، فهذا يتهم فصيلا بأنه هو الذي انسحب أو انشق عن المسار، ويتهم آخر  بتبنيه أجندات خارجية، أو يعمل لولاءات أمريكية أو روسية أو إسرائيلية…إلخ.في ظل إنصات تعجبيّ منا “نحن المصريين” لما يثار من هؤلاء، وفي ظل صمت ببسمة مقصودة من الحضور الكردي العفريني بعد أن أُفتتحت الندوة بكلمته الموجزة والهادفة.. فإننا نتسائل: هل يُقبل منطقيًّا أنه بعد مرور سبع سنوات دموية على سوريا لا تزال هذه حالة المعارضة السورية “في الخارج”؟! تركز على أسباب الخلافات، وتوزيع الاتهامات، ولا حديث عما يجمع ويوحد الصف فعليًّا وميدانيًّا للمصالحة العامة للمستقبل السوري؟!إن النتيجة الطبيعية لهذه الحالة الصخبوية المكلمية الهُلامية السورية ألا شيء إيجابيًّا، بل مزيدًا من الفرقة والنزاع، مع أني أعتقد أن بعض من يتحدث منهم ويحاول فرض رؤيته على الآخرين، ربما لا يملك حتى تسيير أمور بيته! فما بالك وهو يتحدث عن مصير دولة هُدّمت مقدراتها، وشعب قُطّعت أوصاله، متفرقًا في أنحاء عديدة من دول العالم!إن هذه الوضعية أحزنتنا وآلمتنا كثيرًا، وجعلتنا نتأسف أكثر على الحالة التي وصلت إليها سوريا العزيزة على قلب كل مصري. كما جعلتنا نوقن أكثر أن ما آلت إليه سوريا حاليا يتحمله الكثير من المتصارعين السوريين أولا، ولا يُعقل أبدًا أن أُعلق فشلي على شماعة الغرب أو إسرائيل “أصحاب نظرية المؤامرة الدولية” – وأنا المعول الرئيس في هدم نفسي بنفسي.فهل سنرى يومًا يجتمع فيه كل السوريين مع كل السوريين، ويتوصلون إلى حل توافقي عليه بما يضمن حقوق الجميع في ظل نظام ديمقراطي تشاركي لكل المكونات، يحقق الأمن النفسي، والاعتبار الذاتي، والاستقرار الحياتي، والرخاء المعيشي؟د. محمود زايد .. أكاديمي مصري مختص بالشأن الكردي

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد