بدرخان علي*
بإسقاطها طائرة “درون” أمريكية يوم الخميس 20/6/2019، نقلت إيران التوتر والتصعيد مع الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة إلى مرحلة تحدي خطيرة تبلغ درجة “حافة الهاوية”. تنطلق إيران من أمرين: الأول تقدير مفاده أن الولايات المتحدة لن تخوض حرباً شاملة ضدها، والثاني: استعداد إيران لخوض المجابهة من مبدأ إبراز أوراق القوة ووسائل الردع المتوفرة لديها لثني الولايات المتحدة عن مخططها الهادف إلى تدمير إيران عبر الحصار الاقتصادي الخانق المفروض عليها وإركاعها، حتى دون عمليات عسكرية واسعة، تتجنبها الولايات المتحدة حتى الأن، حيث لا تملك إيران رفاهية الأنتظار ومشاهدة هذه الاستراتيجية الأمريكية المدمّرة لها مع الوقت.
كما أن وراء تأجيل، أوإلغاء، الرئيس الأمريكي ترامب ضربة انتقامية فورية مقرّرة رداً على الإهانة الإيرانية لهيبتها العسكرية بإسقاط الطائرة المسيرة دون طيار، تكمن المخاوف الأمريكية من عواقب التصعيد العسكري المباشر ضد إيران واحتمال انزلاق الأوضاع إلى نزاع شامل وغير قابل للتحكم به، ووضع المصالح الأمريكية الحيوية وقواتها في المنطقة، مع حليفتها إسرائيل وحلفائها المقتدرين اقتصادياً، في دائرة الاستهداف العسكري المباشر، وتفضيل خيارات أخرى أقل انخراطاً وكلفة عسكرياً وتؤدي في نهاية المطاف إلى إضعاف أوتدمير القدرات الإيرانية.
* خلفيات الأزمة في الخليج:
حفلت الأيام الماضية بتوتر متصاعد في الخليج العربي الإيراني (استهداف ناقلات نفط لعدة مرات، قصف مواقع مدنية وعسكرية أمنية ونفطية داخل أراضي المملكة العربية السعودية بصواريخ وطائرات مسيرة من قبل الحوثيين في اليمن، تهديدات إيرانية بإغلاق مضيق هرمز وضرب حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة..). يعود هذا التصعيد إلى تبعات الإجراءات القسرية أحادية الجانب من قبل الولايات المتحدة ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية، بعد إلغاء الرئيس ترامب في آيار/مايو2018، الاتفاق النووي مع إيران والأنسحاب الأمريكي وحيد الجانب من خطة العمل المشتركة الشاملة (الاتفاق النووي الإيراني) بين إيران ودول الخمسة زائد واحد (الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي وألمانيا) المبرمة في يوليو/تموز 2015 والتي دخلت حيز التنفيذ في 16 كانون الثاني/يناير 2016، بما ترتب على قرار “ترامب” من إعادة العقوبات الاقتصادية على إيران ووقف استفادة إيران من العودة إلى السوق العالمية الاقتصادية والتبادل التجاري مع الخارج، كما كان مقرراً بموجب الاتفاق النووي والتزام إيران به مقابل عدم ذهاب إيران في طريق الحصول على القنبلة النووية.
لقد فرضت الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية هي الأقسى في تاريخ إيران التي سبق وتعرضت لعقوبات قبل إبرام الاتفاق النووي. تهدف العقوبات إلى جعل صادرات النفط والغاز “صفر” (وهوالعصب الأساسي للاقتصاد) وحظر التعامل مع البنك المركزي الإيراني والبنوك الأخرى وحظر بيع الأسلحة لها وتصنيف الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية، بالإضافة إلى مصادر مالية أخرى، وهي في تصاعد بحيث تفرض حصاراً شبه كامل على إيران. لا توافق أوروبا على هذه السياسة (لأسباب اقتصادية ومخاوف أمنية من الهجرة والأسلحة بعيدة المدى التي تمتلكها إيران والعمليات الارهابية وتجارة المخدرات في حال نشوب صراع عسكري بين طهران وواشنطن، كما أن لألمانيا دور أساسي في تطوير البرنامج النووي الإيراني وتصدير تقنياته). وكانت فرنسا وألمانيا خصوصاً اعتقدتا أنهما أمام سوق مغرية للاستثمار في البنية التحتية وقطاع النفط والغاز والطيران بُعيد إبرام الاتفاق النووي، إلا إنهما تلقيتا خسارة كبيرة بسبب إصرار الولايات المتحدة وجدّيتها في معاقبة أي شركات أجنبية تعمل في إيران. أمِل الاتحاد الأوربي إيجاد آلية بديلة لأنقاذ الاتفاق النووي مع إيران بعد انسحاب أمريكا، إلا أنه لم ينجح، وإيران لا ترضى بآلية تلزمها بالاتفاق النووي دون رفع الحصار عنها.
تمضي الولايات المتحدة في سياسة “الضغط الأقصى” على إيران لإجبارها على عقد اتفاق جديد وأوسع من السابق، يشمل بالإضافة إلى النووي البرنامج الصاروخي الباليستي وسياسة إيران في الإقليم ككل. الشروط الاثنى عشر التي وضعتها الولايات المتحدة، على لسان وزير الخارجية مايك بومبيو، تطلب من إيران تغييرات جذرية في سياستها الخارجية في الشرق الأوسط والأنسحاب الكامل من سوريا، فضلاً عن انكشاف جميع مقدراتها العسكرية والأمنية ومنعها من احتمالية الحصول على القنبلة النووية إلى الأبد، وليس لعشر سنوات فقط كما هوفي الاتفاق النووي.
مع تصاعد العقوبات الأمريكية ضد إيران، وإلغاء “ترامب” الإعفاءات المؤقتة الممنوحة لبعض الدول لشراء النفط الإيراني وفشل الجهود الأوربية والصينية والروسية لأنقاذ الاتفاق النووي حتى الأن وإيجاد آلية بديلة، هدد الرئيس الإيراني حسن روحاني، في 8 آيار/مايو2018، بأن إيران ستعاود العمل ببعض عناصر برنامجها النووي (تخصيب اليورانيوم والمياه الثقيلة فوق العتبة المسموح بها في الاتفاق النووي) ومنح الدول الخمسة المشاركة في الاتفاقية 60 يوماً فقط (تنتهي في 7/7/2019، أي بعد بضعة أيام) لإيجاد آلية بديلة بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق تضمن لإيران رفع الحصار الاقتصادي عنها، وإلا ستنسحب إيران من الاتفاقية بشكل كامل، وتعمل على برنامجها النووي كما في السابق.
كذلك هدد عدد من المسؤولين الإيرانيين بإغلاق مضيق هرمز ومنع تصدير النفط منه في حال الاستمرار بمنع تصدير النفط الإيراني. وكذلك مهاجمة المصالح الأمريكية وحلفائها في المنطقة.
اعتبرت الولايات المتحدة هذه التهديدات جدية وحقيقية، وأرسل البنتاغون على وجه السرعة أسلحة ومعدات (برمائية) هجومية ودفاعية (منظومة باترويت ضد المقاتلات الجوية والصواريخ بعيدة المدى) ضخمة وكبيرة وأعداد إضافية من مشاة البحرية الأمريكية إلى أسطولها في الخليج.
* إسقاط الطائرة الأمريكية: رسالة عسكرية وصفعة “تقنية”
إذا كانت إيران قد نفت مسؤوليتها عن حوادث ضرب ناقلات النفط في الخليج ومضيق هرمز، فإنها أعلنت بفخر- كما عبر وزير الخارجية محمد ظريف- عن إسقاط طائرة تجسس مسيرة دون طيار، يوم الخميس 20 يونيو، قالت طهران أنها تجاوزت حدودها الدولية إلى المجال الإيراني (ونفت واشطن عبورها للمجال الإيراني). عرضت طهران مساراً تفصيلياً دقيقاً للطائرة من لحظة إقلاعها من مطار الظفرة في الإمارات (دلالة على دقة الرصد) إلى لحظة إسقاطها، ثم عرضت حطام الطائرة على شاشات التلفزة في أجواء من الاعتزاز والفخر. ووفق بيانات الحرس الثوري الإيراني فقد تم اسقاط الطائرة باستخدام صاروخ من منظومة (خرداد) الصاروخية الإيرانية محلية الصنع. (وهي مطوّرة محلياً عن منظومات مستوردة).
إسقاط طائرة التجسس الأمريكية المسيرة دون طيار لم يكن صفعة “تقنية” وحسب، بل مؤشراً عملياً على قدرات إيران العسكرية المتطورة وعلى امتلاكها مضادات جوية نوعية. فهذه الطائرة، من نوع “آر كيو-4 غلوبال هوك”، تعتبر من فخر الصناعات العسكرية الأمريكية، حيث يمتلك الجيش الأمريكي 4 منها فقط، وهي أغلى ثمناً من أي طائرة مقاتلة أمريكية يزيد ثمنها عن 120 مليون دولار ويبلغ وفق بعض التقارير 200 مليون دولار، وهي مطوّرة عن سابقاتها لميزاتها في التحليق على أرتفاعات شاهقة وقدرتها على الطيران لمدة 30 ساعة متواصلة وقدرتها على التجسس والتصوير في كافة الظروف الجوية. هذه الطائرة مبرمجة للعمل على الأقل من الأن إلى 2050، وتستخدمها وكالة الفضاء الأمريكية، ناسا، أيضاً.
وبهذا التصعيد الإيراني ضد واشنطن وحزم واشنطن في الدفاع عن مجالها الجوي بإسقاط الطائرة تقرر في البيت الأبيض بعد مشاورات مكثفة بين أركان الإدارة بتوجيه ضربة إلى موقع إيراني يتضمن منصة إطلاق صواريخ ورادارات. ألغى الرئيس ترامب الضربة قبل ربع ساعة من تنفيذها بعد الموافقة عليها. متحججاً بأن الضربة كانت ستخلف ضحايا حوالي 150 من الإيرانيين وليست رداً متناسباً مع إسقاط طائرة غير مأهولة بجنود أمريكيين، وكان الرد سيختلف لوكانت الطائرة مأهولة. كما تبرع ترامب في محاولة تخفيف وقع الحادثة المهينة بنسب العملية لخطأ فردي من جنرال ما، متهور وغبي! بينما تبنت القيادات الإيرانية العسكرية والسياسية عملية إسقاط الطائرة على أنها قرار متخذ وسينفذ كلما كرر العدوفعلته !.
استمرّ الإيرانيون في إحراجهم لواشنطن بتقديم تفصيل جديد، لم يذكره الأمريكيون، بتصريح أمير علي حاجي زادة، قائد القوة الجوية بالحرس الثوري لوكالة تسنيم للأنباء: كانت هناك طائرة أمريكية من طراز بي-8 على متنها 35 شخصاً مع الطائرة المسيرة في المنطقة. هذه الطائرة دخلت أيضاً مجالنا الجوي وكان من الممكن أن نسقطها لكننا لم نفعل، لأننا حذرناها فتراجعت وخرجت من الأجواء الإيرانية، بينما لم تفعل الطائرة المسيرة ذلك، فتم إسقاطها، لأن هدفنا من إسقاط الطائرة المسيرة كان توجيه تحذير للإرهابيين الأمريكيين”. وكان رد ترامب هذه المرة بشكره لـ”حكمة” الإيرانيين على عدم اسقاطهم الطائرة العسكرية المأهولة بالجنود الأمريكيين!
هذه الحادثة تذكرنا بحادثة أسر البحرية الإيرانية لعشرة بحّارة عسكريين أمريكيين في المياه الإقليمية الإيرانية على متن زورقين حربيين بينما كانوا في رحلة بين الكويت والبحرين، في12 يناير 2016. يومذاك تواصل وزير الخارجية الأمريكية جون كيري خمس مرات خلال عدة ساعات مع وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف ( كانت تربطهما علاقة عمل جيدة أثناء مفاوضات الاتفاق النووي) الذي لعب دوراً أساسياً في الإفراج عن البحّارة المُحتَجزَين في نفس اليوم (مقابل مماطلة من الحرس الثوري)، من أجل إنقاذ تنفيذ الاتفاق النووي الذي سيبدأ التنفيذ به بعد أيام فقط من هذه الحادثة. أفرج الحرس الثوري عن الجنود الأمريكيين العشرة وقال في بيان رسمي: “بعد التدقيق، تبين أن دخولهم المياه الإقليمية للبلاد لم يكن عن قصد. وبعد تقديمهم الاعتذار، تم إطلاق سراحهم في المياه الدولية. الولايات المتحدة تعهدت عدم تكرار مثل هذه الأخطاء”.
شَكَر جون كيري إيران على تعاونها. إلا أن الحرس الثوري الإيراني صدم الرأي العام الأمريكي بنشر مقطع فيديوللبحارة الأمريكيين المحتجزين بعد أيام قليلة من الإفراج عنهم في مشهد مذلّ للجنود الأمريكيين وإهانة بالغة للقوة الأمريكية، حيث يظهر البحّارة الأمريكيون في الفيديو وهم راكعون وأيديهم مرفوعة على رؤوسهم. و كرّم المرشد الأعلى آية الله علي الخامنئي عناصر الحرس الثوري الإيراني المشاركين في احتجاز البحارة الأمريكيين. عبّر جون كيري عن غضبه الشديد من نشر الفيديو، وقال إن الحرس الثوري، وليس الحكومة، وراء نشر الفيديو. وكان دونالد ترامب آنذاك مرشحاً للرئاسة وعبر عن غضبه من الإهانة التي لحقت بالجنود الأمريكيين أثناء خطاب انتخابي له، قائلاً أن ما وقع للجنود الأمريكيين “إشارة إلى المنحى الذي تتجه إليه البلاد أمام إيران”.
* أسباب داخلية أمريكية وراء التردد:
كان الرئيس الأمريكي ترامب قد وعد في حملته الأنتخابية بالانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران من جهة وسحب الجنود الأمريكيين من العراق وأفغانستان من جهة أخرى، وما زال متمسكاً بالهدفين معاً. ويبدو أن الهدفان لا يسيران في الاتجاه ذاته، فإذا أرادت الإدارة الأمريكية الاستمرار في استرايتجيتها الحالية ضد إيران (الانسحاب من الاتفاق النووي والحصار الاقتصادي الخانق على إيران)، يستلزم منها انخراطاً عسكرياً وميدانياً أكبر وأوسع في المنطقة، مع ما قد يترتب على ذلك من مخاطر اندلاع نزاع شامل في المنطقة وخطورة على أمن حليفتها الأولى إسرائيل وجنودها وقواعدها العسكرية المنتشرة في الخليج.
من المؤكد أنه لا توجد أجواء حرب في واشنطن لشن حرب واسعة ضد إيران أو غزو برّي، ولا مناخ مشابه لما سبق حرب الخليج 2003، بعد الكابوس الأمريكي من درس العراق وأفغانستان، حيث الخسائر البشرية الكبيرة والتكلفة الباهظة بتريليونات الدولارات. بينما وعود ترامب وسياسته الفعلية هي تقليص الإنفاق على الخارج وجلب المزيد من الأموال من الخارج للخزانة الأمريكية وإنعاش الاقتصاد الأمريكي وعدم الدخول في حروب مكلفة وتحديث، ما يسميه ترامب، البنية التحتية المتهالكة في أمريكا! والمؤسسة العسكرية مع موقف ترامب في عدم شن هجوم واسع على إيران، وربما حتى ضربة محدودة. وصقور الإدارة مع ضرب إيران ضربة محدودة فقط. وحتى خصوم ترامب من الحزب الديمقراطي لا يؤيدون توجيه ضربات ضد إيران، على العكس، وجدنا أن جو بايدن، نائب الرئيس السابق أوباما، وهو أبرز المرشحين ضمن انتخابات الحزب الديمقراطي التمهيدية للسباق إلى البيت الأبيض 2020، ينتقد ترامب على انسحابه من الاتفاق النووي وتسبّبه في أزمة وإخفاقه في حماية “مصلحتين أميركيتين حيويتين في الشرق الأوسط، هما منع إيران من الحصول على سلاح نووي وضمان استقرار إمدادات الطاقة عبر مضيق هرمز”، حسب بيانه. كذلك أبدت نانسي بيلوسي وهي زعيمة الأكثرية الديمقراطية بمجلس النواب سعادتها بأن الرئيس “ترامب” ألغى قرار الضربة ضد إيران المقررة رداً على إسقاط إيران للطائرة الأمريكية.
والإدارة الأمريكية، بل النخب الأمريكية والدوائر الفكرية الاستراتيجية في واشنطن منذ عقود وقبل ترامب، عينها على منطقة شرق آسيا، ومستعدة لصرف موارد كبيرة على التحدي القادم من هناك، عوضاً عن الشرق الأوسط. من أولويات الإدارة الأمريكية الراهنة هي مواجهة صعود العملاق الصيني وحلفائه ومنافسة الصين للولايات المتحدة في التجارة والطاقة وبيع الأسلحة، وتشكيل محور مجابه للإمبراطورية الأمريكية، وانتزاع مناطق نفوذ من الأمريكان. والمشروع الصيني الطموح “الحزام والطريق، حزام واحد طريق واحد” القائم على فكرة طريق الحرير القديم يهدف إلى ربط الصين بالعالم، وتوسيع التجارة العالمية من خلال إنشاء شبكات من الطرق والموانئ والمرافق الأخرى والربط بين مناطق وبلدان في قارات آسيا وإفريقيا وأوربا والالتفاف على التهديدات الأمريكية الآتية من القواعد الأمريكية في بحر الصين الجنوبي، هي إحدى المشاريع التي تقلق واشنطن.
* أمن إسرائيل والخليج:
بين الفينة والأخرى تجري طهران استعراض قوّة لترسانتها الصاروخية المتجددة، وقد نفّذت هجمات صاروخية لمناطق بعيدة نسبية (تتواجد فيها قوات أمريكية أيضاً). إحداها حين أطلق الحرس الثوري الإيراني ستة صواريخ من طراز “فاتح-110” يصل مداها إلى 300 كلم تقريباً، ضد قيادات كردية إيرانية لاجئة في كردستان العراق بتاريخ 28/9/ 2018. انطلقت الصواريخ من داخل الأراضي الإيرانية، ترافقها طائرات مسيّرة للتصوير، لنشر فيديو العملية لاحقاً، وأصابت هدفها بدقة تامة، حيث أصابت الغرفة التي كان يُعقد فيها الاجتماع في مبنى للاجئين الكرد الإيرانيين يضم مئات الغرف، وخلّفت ضحايا كثيرة بين قتلى وجرحى.
الهجوم الثاني كان في 1/10/2018، حين أطلق الحرس الثوري الإيراني صواريخ أرض-أرض (من طراز “ذوالفقار” التي يتراوح مداها بين 700-750 كيلومتر وطراز “قيام” التي يتراوح مداها بين 750-800 كيلومتر)، من داخل الأراضي الإيرانية مروراً بالعراقية إلى مواقع لتنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في منطقة دير الزور السورية. رافقت الصواريخ الستة سبع طائرات “شبح” مسلّحة بدون طيار من طراز “الصاعقة “ضربت المواقع نفسها.
يعتقد على نطاق واسع في أوساط الخبراء والمتخصصين أن إيران طورت ترسانتها من الأسلحة خلال السنوات الماضية، من مصادر كورية شمالية وروسية وصينية، وبخبرات محلية وتكلفة قليلة نسبياً. بحيث باتت أقوى بكثير من قبل عشر سنوات على سبيل المثال. ولا تكف الدوائر العسكرية والأمنية في إسرائيل والغرب من إبراز مخاوفها من امتلاك إيران وحزب الله لصواريخ بالستيّة بعيدة المدى ودقيقة الاستهداف، مع هلع من احتمال امتلاكها لرؤوس نووية.
بالطبع ليست القضية هنا هي مقارنات عسكرية وتقنية مجردة بين فارق القوتين العسكريتيين وميزانيات وزارة الدفاع بين الدولتين (الولايات المتحدة وإيران)، فالولايات المتحدة تمتلك قوة عسكرية متطورة كاسحة وماحقة بلا شك وفارق هائل لا يقارن مع ميزانية طهران العسكرية، لكن وسائل الردع والانتقام والإيذاء المتوفرة لدى إيران ليست قليلة أيضاً، والحرب عليها ستكون مكلفة وصعبة ولن تمر دون خسائر أمريكية، أما إسرائيل ودول الخليج الحليفة لواشنطن، والقواعد الأمريكية في العراق وأفغانستان، فهي تحت مرمى النيران الإيرانية أوميليشياتها. هذا عدا عن التبعات اللاحقة للحرب، إذا اندلعت.
* مضيق هرمز وإمدادات الطاقة:
بوضوح يقول المسؤولون الإيرانيون إن الخطة الأمريكية القاضية بجعل صادرات النفط الإيراني “صفر” (مقابل تكفّل المملكة العربية السعودية بتصدير كميات تعوّض غياب الصادرات الإيرانية إلى الدول المستوردة) هي غير ممكنة. من خلال قدرة إيران على تعطيل الملاحة في مضيق هرمز، الذي يجري عبره توريد ثلث إنتاج النفط العالمي.
وسلوك إيران في مضيق “هرمز” يوجه رسالة مفادها: لن نسمح بمرور النفط أمام أنظارنا في مضيق هرمز ونحن ممنوعون من تصدير نفطنا. إذ أن عائدات النفط عائدات تُمثّل 40% من ميزانية الحكومة الإيرانية، ومقابله تحصل حكومة طهران على 90% من مدخول البلاد من العملات الأجنبية التي تشتري بها طهران كل شي تقريباً، من الأساسيات إلى الكماليات.
* الحرب ليست حتمية:
إن هذا التصعيد الخطير في الخليج وبلوغ التوتر إلى حد المواجهة العسكرية المباشرة بين الولايات المتحدة وإيران، لا يعني حتمية الحرب التقليدية، ففي واشنطن؛ ليس هناك أجواء حرب وهناك رئيس لا يرغب في دفع فاتورة حرب مكلفة في الشرق الأوسط وإدارة عينها على الصين وكوريا الشمالية وروسيا بالدرجة الأولى، وفي طهران ساسة جرى اختبارهم مثل الرئيس حسن روحاني ووزير الخارجية محمد جواد ظريف (الذي يعرف واشنطن جيداً وجرّب المباحثات السريّة والعلنية مع إدارتي جورج بوش الابن وأوباما) يعرفون كيفية اجتراح مخارج سياسية بناء على عناصر القوّة التي راكمتها طهران بصعوبة و”صبر استراتيجي” من إمكانات عسكرية ونفوذ إقليمي، وقدرة على التخريب في المنطقة وإيذاء الخصوم والأعداء وإحباط مخططاتهم والاستثمار في العمليات الإرهابية من خطف طائرات ورهائن ثم المساومة على الإفراج عنهم، ولن يعدموا وسائل تجنّب بلادهم عواقب حرب مدمرة وفي نفس الوقت تحقيق مصالح بلادهم من غير استسلام وإهانة كرامتهم الوطنية.
سياسة طهران ليست عَدَميّة وانتحاريّة في نهاية المطاف. وهناك صفحات تعاون سرّي وعلني مع واشنطن وتل أبيب برغم الصراع والعداوة والإيذاء المتبادل، ففي غمرة الشعارات الثورية للنظام الإيراني بعد ثورة 1979م، عن إزالة إسرائيل من الوجود و”الشيطان الأكبر/أمريكا”، حصل تنسيق سريّ بين إيران وإسرائيل والولايات المتحدة، وحصلت “طهران” على شحنات أسلحة من واشنطن وتل أبيب أثناء حربها مع العراق، والتي كشف عنها وافتضح أمرها لاحقاً (ما يعرف بصفقة إيران –غيت أو إيران- كونترا). وأمكن لبعض شحنات النفط الإيراني أن تصل لإسرائيل. وأن تعيد طهران الإسلامية صلاتها مع ضباط الموساد ذوي العلاقة السابقة مع طهران من أيام الشاه. وكانت طهران في مباحثتها السرية مع الأمريكان ترسل رسائل أن اليساريين، وليس رجال الدين، هم الذين يقفون وراء احتجاز الرهائن من السفارة الأمريكية في طهران، وأنهم يعملون على جعل طهران ضمن دائرة الاتحاد السوفياتي لذلك فإن المساعدة الأمريكية ضرورية لطهران، كي لا تقع طهران ضمن دائرة النفوذ السوفييتي.
كما كان لإيران دور حاسم، عسكرياً وسياسياً واقتصادياً، في إنجاح الغزو الأمريكي لأفغانستان وتنصيب حكومة موالية لواشنطن في كابول. وكذلك تعاونها مع واشنطن في احتلال العراق، رغم تغير الموقف لاحقاً حين أدركت طهران أنها باتت محاطة بالجنود الأمريكيين في العراق وأفغانستان.
إن هاجس إيران الأساسي، تصعيداً وتهدئة، ليس المواجهة مع الولايات المتحدة أوإسرائيل، بل نيل الاعتراف منهما بمكانة إيران الإقليمية وسيادتها الوطنية.
أحد المطلعين عن قرب على كواليس السياسة الإيرانية الخارجية في واشنطن، الأكاديمي الإيراني المولد “تريتا بارسي” رئيس المجلس الوطني الإيراني الأمريكي، يورد في كتابه (حلف المصالح المشتركة) تفاصيل مقترحات رسمية، بموافقة المرشد الأعلى، تقّدمت بها طهران لإدارة “بوش” الابن بعد ثلاثة أسابيع من احتلال أمريكا للعراق 2003، تقترح تعاوناً كبيراً بين طهران وواشنطن في ملفات عديدة في المنطقة. ولأهمية الموضوع هنا نقتبس منه مطولاً. يقول “بارسي”: أعدّ الإيرانيون اقتراحاً شاملاً بيّن حدود صفقة ضخمة محتملة بين البلدين تعالج كافة نقاط النزاع بينهما. كتب صادق خرزاي، نجل شقيق وزير الخارجية الإيراني وسفير إيران لدى فرنسا، المسودة الأولى للاقتراح. ثم رفعت المسودة إلى المرشد الأعلى للثورة الإيرانية للمصادقة عليها، والذي طلب بدوره من ظريف-السفير لدى الأمم المتحدة- مراجعتها قبل إرسالها إلى الأمريكيين، ووضع اللمسات الأخيرة عليها. لم يكن على علم بهذا الاقتراح ويشارك في إعداده سوى دائرة مغلقة من صنّاع القرار بطهران؛ وزير الخارجية كمال خرزاي، والرئيس محمد خاتمي، والسفير لدى الأمم المتحدة ظريف، والسفير لدى فرنسا خرزاي، والمرشد الأعلى للثورة علي خامنئي. في حوار حول الاحترام المتبادل، عرض الإيرانيون وقف دعمهم لحماس والجهاد الإسلامي والضغط على المجموعتين لكي توقفا هجماتهما على إسرائيل، ودعم عملية نزع سلاح حزب الله وتحويله إلى حزب سياسي صرف. وفتح البرنامج النووي الإيراني بالكامل أمام عمليات تفتيش غير مقيّدة ومشاركة أمريكية كثيفة في البرنامج كضمانة إضافية وإيماءة على حسن النية، والتعاون الكامل في مواجهة كافة المنظمات الإرهابية، وأهمها القاعدة، والعمل مع الولايات المتحدة على دعم الاستقرار السياسي في العراق، والقبول بخطة السلام العربية مع إسرائيل والاعتراف بحل الدولتين. بالمقابل كان لدى الإيرانيين مطالب تكتيكية وأخرى استراتيجية، على المستوى التكتيكي أرادوا تسلم أعضاء منظمة مجاهدي خلق الإيرانية العاملة في العراق، في مقابل تسليم ناشطين من القاعدة تحتجزهم إيران. على المستوى الاستراتيجي أراد الإيرانيون التوصل إلى تفاهم على المدى الطويل مع الولايات المتحدة عبر وقف كافة التصرفات المعادية التي تقوم بها أمريكا، مثل خطاب محور الشر والتدخل في الشؤون الداخلية الإيرانية، وإنهاء كافة العقوبات الأميركية، واحترام المصالح القومية الإيرانية بالعراق، ودعم مطالب الإيرانيين بالحصول على تعويضات عن الحرب، واحترام حق إيران بالحصول غير المقيّد على التكنولوجيا النووية والبيولوجية والكيميائية، وأخيراً الاعتراف بالمصالح الأمنية المشروعة في المنطقة. كما أوضحت الوثيقة الإجراءات الخاصة بالتفاوض المتدرّج إلى حين التوصل إلى اتفاقية تكون مقبولة لدى الطرفين.. وقبل أسابيع معدودة من تقديم هذه الوثيقة الإيرانية لواشنطن (عن طريق السفير السويسري في طهران) قدم الإيرانيون عرضاً مشابها إلى إسرائيل في أثينا… (تريتا بارسي، حلف المصالح المشتركة/ التعاملات السرية بين إسرائيل وإيران والولايات المتحدة، ترجمة أمين الأيوبي، الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت لبنان، ط1 2008، ص 123-126، نسخة الالكترونية).
غير أنّ إدارة بوش الابن كانت مُنتَشية آنذاك بالنصر المحقق للتوعلى نظام صدام حسين المتهالك وراغبة في تركيع دول محور الشر كما سماها بوش الابن في2002 م ( العراق وإيران وكوريا الشمالية، توسعت القائمة لاحقاً لتضم سوريا وليبيا وكوبا وفنزويلا…)، ولم تبد أدنى اهتمام بالمقترحات الإيرانية التي وُضعت بسبب مخاوف طهران الكبيرة آنذاك من غزو إيران أيضاً. وبعدما قطعت الأمل من واشنطن، تيقنت طهران أنه لا بد من عدم التهاون في ترك بغداد بيد الأمريكان لوحدهم دون نفوذ إيراني كبير، عن طريق مزيج الإيذاء حيناً والتعاون عند الضرورة. وهكذا حصل التفاهم المرير المشوب بالتنافس والصراع والعداء في بغداد، نقطة التقاء المصالح بين الخصمين، إيران وأمريكا، حيث لا يمكن لأحدهما إنهاء الآخر في العراق.
ما الذي يمنع أن تلجأ طهران اليوم مجدداً لمثل هذه الدبلوماسية والمساومات على أوراق نفوذها الإقليمية خصوصاً، وهي في مأزق حرج حالياً، وإن كانت في موقع أقوى إقليمياً الأن وواشنطن في موقع أضعف في الشرق الأوسط وأقل هجومية، بالمقارنة مع الوضع في العام 2003م؟
في شأن السيادة والنفوذ الإقليمي؛ ومع تزايد الشقاق الطائفي المذهبي في العالم العربي والاسلامي منذ عقود، نسبُ السياسة التوسعية الإيرانية في إيران إلى نوايا مذهبية شيعية أومشروع شيعي يسمى أحياناً بـ(الهلال الشيعي) المزعوم والممتد من طهران إلى بغداد إلى دمشق إلى بيروت. وهذا إسقاط مذهبي على سياسات إيران الإقليمية التي تنطلق من مبادئ وطموحات وطنية/قومية أولاً وأساساً، وهي تسبق فترة وصول “الخميني” والنظام الإسلامي على سدة الحكم في طهران. وقد تبلورت الطموحات الإقليمية لطهران في فترة حكم الشاه الذي كان يرى أنّ الكلمة العليا في الخليج والشرق الأوسط كلّه يجب أن تكون لإيران بحكم موقعها الجغرافي المميز على الخليج ومقدرتها على التحكم بصادرات النفط، وتاريخها الامبراطوري الفارسي العريق. صحيحٌ أن التشيّع أصبح بمثابة “دين قومي” للجمهورية الإسلامية في إيران، وأن طهران تسخّر وتستثمر في ميول وولاء قطاعات واسعة من المسلمين الشيعة لإيران، وتستطيع إرسال عشرات الآلاف، معظمهم فقراء، من المسلمين الشيعة من العراق ولبنان وأفغانستان، فضلاً عن الإيرانيين، للقتال في سوريا إلى جانب النظام السوري تحت رايات وصيحات “لبّيك يا حسين” و”زينب لن تسبى مرتين”، إلا أن وراء كل هذا استراتيجية إقليمية توسعيّة لتأمين المصالح الوطنية/القومية أولاً، لا تنفيذاً لتهيّؤات تاريخية مذهبية.
* سيناريو الضربة المحدودة:
بناء على ما سبق، يرجح أن الولايات المتحدة ليست في صدد حرب كبيرة على إيران، ويبقى احتمال توجيه ضربة محدودة انتقامية مدروسة لمواقع حساسة تقضي على مواقع إطلاق صواريخ بالستية متوسطة وبعيدة المدى (أو ضربة استعراضية لمواقع غير حساسة إذا قرر ترامب عدم التصعيد) ودون أضرار كبيرة، وارداً، مع استمرار استراتيجية الضغط الأمريكي على إيران وإضعافها تدريجياً. وقد تأتي الضربة خارج إيران تجنباً لاستفزاز كبير لإيران (والساحة السورية هي أنسب مكان كونها مفتوحة لكل من يريد ضرب خصومه وأعدائه!) حفظاً لماء الوجه داخلياً وخارجياً بالنسبة للإدارة الأمريكية، ودعماً لإسرائيل التي لا تتوقف عن توجيه الضربات على مواقع داخل سورية. حتى في حال عدم شن حرب على إيران، سيكون للجانب الإيراني ردة فعله، ولن تكتف طهران بالصبر على الحصار الاقتصادي إلى ما لأنهاية ولن تنتظر عواقب استراتيجية الحصار عليها في المستقبل القريب وليس البعيد. وكما أعلن المسؤولون الإيرانيون أن العقوبات الاقتصادية عليها هي حرب موصوفة، وليست شيئاً آخر.
وكاحتمال قد تسفر هذه الضغوط والتوترات إلى أن تتوصل إيران إلى هدنة أو حل وسط، من موقع القوة، مع الولايات المتحدة جراء هذه الضغوط، بوساطة أوربية روسية صينية تركية، دون أن تتخلى بسهولة عن سياسة الاستمرار في بناء النفوذ الإقليمي وعوامل الردع، فهي تدرك عواقب التنازل عن تلك العوامل التي قد تعني بداية النهاية للجمهورية الإسلامية الإيرانية ونظام الحكم الحالي. أما إذا قررت الولايات المتحدة الحرب ضد إيران، أوانزلقت إلى حرب دون قصد بسبب ضربة محدودة محتملة أوإجراءات إيرانية عسكرية غير محسوبة، فإن إيران حينذاك ستقوم بتحريك كافة أوراقها في المنطقة من مبدأ “عليّ وعلى أعدائي”. وسيكون لهذا السلوك تبعات خطيرة على مجمل دول وشعوب المنطقة، وعلى رأسها طبعاً إيران وخصومها الإقليميين.
لا شكّ أن صنّاع القرار والنخبة العسكرية والبيروقراطية في الولايات المتحدة، ينظرون بقلق وغضب إلى التحدي الإيراني الكبير لسياسة الهيمنة الامبرطوارية الأمريكية التي تتصرف بازدراء واستصغار مع غيرها من الدول، الحلفاء و الخصوم والأعداء. بيد أنه، وللعوامل المذكورة أعلاه، لا تستطيع الولايات المتحدة توجيه ضربة قاضية لعدوها الأول في المنطقة. ورغم فعالية استراتيجية الحصار التي تتبعها إدارة ترامب ضد طهران، يبقى “ترامب” في مأزق بعد إسقاط الطائرة والتحدي الإيراني المستمر لهيبة واشنطن؛ فسلوكه كسيد للبيت الأبيض وعلى رأس الإمبراطورية الأمريكية وهولا يخفي استعلاءه تجاه الدول الأضعف عسكرياً واقتصادياً. ومن جهة أخرى، يقف متردداً أمام الرد على دولة صغيرة تواجه إمبرطوريته وقوته العسكرية الكاسحة. لا بد من رد عسكري ما، وقد تتغير قرارات واشنطن بعد فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية القادمة، وتحلّله من شعاراته الأنتخابية السابقة، أومجي رئيس آخر، في حال لم يتم التوصل إلى هدنة أو حل سياسي.
* تقديرات واحتمالات:
– من الواضح أن إيران تتصرف في مواجهة الضغوط الهائلة عليها من قبل الولايات المتحدة، من منطلق الثقة والقوة، وحسابات دقيقة لموازين القوى الدولية. ووسط هذه الضغوط المركزة تتعمد إيران الرد العسكري المباشر، وليس السياسي والدبلوماسي فقط، على الولايات المتحدة نفسها ولا تكتفي بتهديد أوضرب حلفائها الإقليميين.
– يكشف التوتر الحالي في منطقة الخليج عن انتقال واشنطن من وضعية كانت تتيح لها لتكون هي المستفيد الأكبر من تأجيج النزاع بين الدول القوية في المنطقة، لضمان طريق ضمان وصول النفط بالكميات المطلوبة والأسعار التي تناسبها وجني مبالغ طائلة من بيع الأسلحة لدول الخليج العربي، إلى وضع باتت مصالحها المباشرة في دائرة الاستهداف في الخليج.
– تريد واشنطن جلب إيران، من موقع العجز واليأس، إلى طاولة المفاوضات واتفاق جديد بينما إيران ستكون مستعدة لمفاوضات من موقع القوة.
– لقد راكمت إيران عوامل قوة ونفوذ وردع خلال العقود الماضية في المنطقة، وإيران الحالية ليست إيران في حربها مع العراق، ولا هي عراق صدام حسين المتهالك، أو سوريا بشار الأسد.
– رغم جميع محاولات إسرائيل الضغط على واشنطن في عهد إدارات أمريكية متعاقبة لضرب إيران، هي تخشى من عواقب الحرب على أمنها في حال اندلاعها.
-إيران جادة في تنفيذ تهديداتها بإشعال المنطقة حين تندلع الحرب ضدها، وهي قادرة.
– العقوبات الاقتصادية مهما كانت قاسية لن تسقط النظام والحكومة في طهران في وقت قريب. مع احتمال إيجاد آليات شبيهة بـ”النفط مقابل الغذاء” في التعامل مع عراق صدام حسين، أو قيام دول مثل الصين وروسيا وتركيا والهند بالتخفيف عن الحصار على إيران بوسائل ما، وأن تقوم أوروبا بتبادل المواد الغذائية والطبية مع إيران وفق الآلية المالية الأوروبية (إينستكس) للتعامل التجاري مع إيران، إذا ما توصل الأوربيون والإيرانيون إلى صيغة ما بخصوص البقاء على بعض الالتزامات الأساسية بخصوص الاتفاق النووي.
– الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي لم يكن موجها ضد إيران فقط، بل ضد تقارب إيران مع الصين وروسيا وضد مصالح فرنسا وألمانيا أيضاً، فضلاً عن كونه استهتاراً بكل هؤلاء الشركاء في اتفاقية مشتركة، وحل الأزمة الراهنة مع إيران يرتبط كذلك بتطور العلاقات الأمريكية مع الصين وروسيا. أما أوروبا فيبدو أن ترامب لا يكنّ لها إلا القليل جداً من الاحترام.
– إذا واصلت واشنطن الضغوط على طهران، ولم تجد طهران مخرجاً لفك الحصار النفطي والتجاري عنها، قد تقدّم إيران، مضطرة في نهاية المطاف، ورقة انسحابها من سوريا، مع حزب الله والميليشيات الأخرى العاملة بإمرة الحرس الثوري الإيراني، وتعهدها بضبط حزب الله ومنعه من القيام بأي عمل عسكري ضد إسرائيل، مقابل تخفيف الضغوط الأمريكية عليها ومبادرة باتجاه حل سياسي لأزمتها مع واشنطن، بوساطة موسكو وضمانها للانسحاب الذي سيحظى بمباركة إسرائيل بالطبع.
– من المحتمل أن تقوم واشنطن بتوجيه ضربة محدودة لإيران، انتقاماً لإسقاط الطائرة الأمريكية، وتحدي إيران المباشر للإمبراطورية الأمريكية. الضربة المحدودة قد توجه عدة رسائل: إعادة الهيبة للقوة الأمريكية التي استهانت بها إيران عبر إسقاط طائرة أمريكية مسيرة دون طيار، ورسالة دعم لحلفاء أمريكا في المنطقة، السعودية والإمارات وإسرائيل.
– رغم أن فرصة إيجاد حل سياسي لأزمة إيران ليست معدومة، إلا أن من المستبعد الوصول إلى حل قريب للأزمة التي قد تطول لسنوات مع استمرار التهديدات والتوترات واستنزاف إيران وخصومها الإقليميين معاً. فنحن أمام صفحة جديدة للصراع في الشرق الأوسط.
—–
*كاتب كردي سوري. عضو هيئة تحرير مجلة “الحوار” الثقافية التي تصدر باللغة العربية وتهتم بالشؤون الكردية وتهدف لتنشيط الحوار الكردي-العربي.