سميح إيديز | المونيتور
يتزايد اعتماد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على روسيا، في وقت تتدهور فيه علاقات تركيا مع الولايات المتحدة، وتتحرك نحو ما قد يكون انفصالًا عن أبعاد تاريخية. تحول شراء تركيا لأنظمة الدفاع الروسية المضادة للصواريخ S-400 إلى القضية الرئيسية التي تكتنف هذه العلاقات، على الرغم من عدم وجود تباينات في مجالات أخرى.
تهدد “واشنطن” بفرض عقوبات وإجراءات عقابية أخرى، مثل وقف تسليم المقاتلات الحديثة من طراز F-35 إلى تركيا، إذا مضت أنقرة قدما في الصفقة الروسية. ومع ذلك، لا يزال المسؤولون الأتراك يتحدون ويواصلون التأكيد على أن تركيا لديها بدائل للولايات المتحدة.
في حلقة نقاشية مؤخرا في “واشنطن”، حددت كبيرة مستشاري “أردوغان” جولنار أيبيت، ما هو البديل الرئيسي بالنسبة لبلادها، حيث ثالت: “إذا استمرت الولايات المتحدة في سلوك اللعبة الصفرية مع تركيا، فإن الأبواب مفتوحة حاليًا لمستقبل العلاقات، ويمكن أن تتجه نحو شريك آخر، وهو روسيا”.
طمأن “أردوغان”، من جانبه، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، عندما التقيا في “موسكو” في 8 أبريل/نيسان، بأن تركيا لن تتراجع عن قرارها بشراء S-400 الروسية. ورد “بوتين” بإعلان أنه يمكن تزويد تركيا بمعدات عسكرية أكثر حداثة بمجرد الانتهاء من تلك الصفقة. أثناء عودته إلى تركيا قادماً من “موسكو”، أخبر “أردوغان” المراسلين على متن طائرته أن تاريخ تسليم صواريخ S-400، المخطط لها في يوليو/تموز، قد يتم تقديمه.
مثل هذا الكلام بمثابة “موسيقى” على وقع آذان “موسكو”، حيث أغدق المسؤولون الروس بالثناء على “أردوغان”. وقال المتحدرث الرسمي للكرملين الروسي، لقناة “روسيا 1” المملوكة للدولة في 15 أبريل، إنه “يمكن حساب عدد البلدان التي يمكنها العمل بشكل مستقل في سياساتها على أصابع اليد”، لافتا إلى أن “روسيا وتركيا ضمن هذه الفئة.. ونحن سعداء بالموقف الراسخ الذي يحافظ عليه الرئيس أردوغان”.
لكن، المحلل الروسي فلاديمير فرولوف لديه تفسير مختلف لرضا روسيا عن “أردوغان”، حيث كتب “فرولوف” في صحيفة “موسكو تايمز”: “لقد لعبت موسكو ببراعة، مستخدمةً عدم ثقة أردوغان في واشنطن، لإلقاء الطُعم إليه وربطه في قبضتها، والآن لا يتعين على روسيا إلا أن تبتلعه”.
في إشارة إلى “أردوغان” على أنه “رجلنا في الناتو”، قال “فرولوف” إن “رغبة أنقرة في تقييد حلف شمال الأطلسي كانت… ويمكن القول إنها انقلابًا أكبر في السياسة الخارجية [بالنسبة لروسيا]، من إنقاذ نظام الرئيس السوري بشار الأسد”. وأضاف “فرولوف”، أن “تفتيت حلف الناتو من الداخل وكسب 2.5 مليار دولار، هذا أمر لا يقدر بثمن”، في إشارة إلى تكلفة الصواريخ الروسية التي ستتحملها “أنقرة”.
تدرك “موسكو” بوضوح ما اكتسبته من تركيا حتى الآن، وتواصل “موسكو” اللعب على الأوتار المناسبة لـ”أنقرة”، وإن كان ذلك مصحوبا بحذر كبير. بعد يومين من لقاء “أردوغان” و”بوتين”، أخبر “بيسكوف” المراسلين في “موسكو”، أنه يمكن إنتاج بعض مكونات نظام S-400 في تركيا.
من الواضح أنه كان يحاول تزويد الجانب التركي بشيء من الدعم لمزاعم “أنقرة” بأن صفقةS-400 ، تنطوي على نقل التكنولوجيا إلى تركيا.
ولكن، ما أعطاه بيد، أخذه باليد الأخرى. وقال “بيسكوف”: “لا نتحدث عن سلسلة الإنتاج الكاملة، لأنها نوع جديد من الأسلحة. ولكن يمكن تنظيم إنتاج بعض المكونات”.
تحذير “بيسكوف” يقوض ادعاء “أنقرة” فيما يتعلق بنقل التكنولوجيا. ويقول العديد من المحللين العسكريين بأن ثقة “موسكو” في “أنقرة” -التي لا تزال عضوًا في الناتو- ليست بهذه الدرجة، بحيث يمكنها نقل التكنولوجيا الحساسة الخاصة بها إلى تركيا بشكل موثوق. وقد استخدم كاهيت أرماجان ديليك، مدير معهد تركيا القرن الحادي والعشرين، تصريحات روسية رسمية للطعن في مزاعم “أنقرة”، فيما يتعلق بنقل التكنولوجيا العسكرية الروسية الحساسة إلى تركيا. وكتب “ديليك” في موقع “يني كاج” الإخباري: “لست أنا من يقول هذا ولكن المتحدث باسم الكرملين (بيسكوف) الذي كرر قبل يومين ما قاله كثير من المسؤولين الروس من قبل”.
كان “ديليك” بذلك يشير إلى تصريحات “بيسكوف” المؤهلة حول إمكانية إنتاج بعض مكونات S-400 في تركيا. ويعتقد سونر كاغبتاي، وهو زميل كبير في معهد “واشنطن” لسياسة الشرق الأدنى، أن “أردوغان لم يترك لنفسه أي مجال للانسحاب من صفقة (إس 400).. إن بوتين يدرك تمام الإدراك أن شراء تركيا لنظام S-400 سيؤدي إلى تمزق بين أنقرة وواشنطن، مما يخلق صدعًا داخل الناتو”، بحسب ما يقوله “كاغبتاي” في مقال بصحيفة “ذا هيل” الأمريكية، مؤكدا أن “بوتين لن يسمح لأردوغان بإلغاء صفقة S-400 دون أن ينتزع رطلا من اللحم منه”.
وفي الوقت نفسه، بدأ المحللون الأتراك الموالون للحكومة يروجون لفكرة أن “أنقرة” سوف تتجه إلى روسيا بحثًا عن طائرات مقاتلة متقدمة إذا رفضت “واشنطن” تسليم طائرات “إف 35” الأمريكية. ومع ذلك، إذا أصبح هذا هو الخط الرسمي أيضًا، فسيؤدي ذلك إلى تفاقم تعقيد علاقات تركيا مع الولايات المتحدة.
نشرت محررة “المونيتور” لورا روزن، هذا الأسبوع، أن “أنقرة” تسعى إلى الوصول إلى صيغة مع الولايات المتحدة لتأمين تسليم “إف 35″، حتى إذا مضت قدما في صفقة “إس 400”.
هذا الأمر يدل على أن “أنقرة” تشعر بالقلق إزاء الاستغناء عن برنامج F-35، الذي تشارك في إنتاجه أيضًا.
العميد المتقاعد علي عير، أكد وجود مخاطر أمنية أخرى لتركيا تتعلق بـ”إس 400″. وأشار في مقابلة مع صحيفة “جمهوريت” اليومية، إلى نظام رادار الدفاع الصاروخي المتقدم (BMD) التابع لحلف الناتو في “كوريجيك”، بالقرب من مدينة “ملاطيا” في شرق تركيا.
وقد يؤدي وصول صواريخ S-400 الروسية إلى انسحاب “الناتو” من هذا النظام، وفقًا لـ”عير”، لأن “الدرع الصاروخي تم إنشاؤه ضد تهديدات الصواريخ الباليستية من روسيا وإيران”. وتنفي تركيا أن هذا النظام أنشئ ضد روسيا وإيران، وتقول إنه نظام دفاعي ضد تهديدات الصواريخ من الشرق الأوسط. ومع ذلك، كانت تركيا حريصة على الانضمام إلى برنامج BMD مع العلم جيدًا بالهدف الحقيقي له.
إذا كان “الناتو” قد أغلق رادار “كوريجيك”، فليس من الممكن ترك “أنقرة” دون خيار سوى اللجوء إلى روسيا للحصول على نظام رادار مطابق، حيث لا تملك القدرة على إنتاج ذلك بنفسها. وهذا ما يجعل صفقة S-400 لـ”أنقرة” غير قابلة للتفسير، وفقًا لـ”عير”، الذي قال: “لا يمكنني أن أجد أي تفسير اقتصادي، ناهيك عن تفسير عسكري أو سياسي، لسبب تورط تركيا في مكان آخر، رغم أنه لديها الفرصة لتتمكن من الاستمتاع بثمار الموارد الدفاعية لحلف الناتو”.
كما أن محللين أتراك آخرين يناقشون حكمة اللجوء إلى روسيا. يجادل الكثيرون بأن الولايات المتحدة، ربما تكون قد دفعت تركيا إلى هذا الموقف، لكنهم لا يزالون غير متأكدين من أن اعتماد “أنقرة” على “موسكو” له ما يبرره. على الرغم من العلاقات الاقتصادية المتنامية بين تركيا وروسيا، والكثير من الحديث عن علاقة استراتيجية في طور الإعداد، فإن الجانبين على خلاف حول مجموعة من القضايا المُلحة.
على سبيل المثال، في حين تعاون الجانبان إلى حد ما في سوريا، فإنهم لا يرون وجهاً لوجه رؤية مشتركة حول مستقبل “الأسد” أو مخاوف تركيا النهائية من رؤية الأكراد السوريين يحصلون على فرصة لإبداء رأيهم، ناهيك عن درجة من الاستقلال والحكم الذاتي في سوريا جديدة.
تعارض “موسكو” أيضًا توغلًا عسكريًا تركيًا جديدًا في شمال سوريا، وتقول إنه على تركيا تسليم المناطق التي استولت عليها من “داعش” ووحدات حماية الشعب الكردية، إلى “دمشق”. كما أظهرت محادثات “أردوغان” الأخيرة في “موسكو”، أن روسيا ليست في متناول تركيا، حيث لم يستطع “أردوغان” تأمين ما يريد في مجالين، يقدرهما بقوة: السفر بدون تأشيرة للأتراك الذين يذهبون إلى روسيا، وتخفيض سعر الغاز الروسي.
وفقًا للسفير المتقاعد سليم كونيرالب، فإن رغبة “أردوغان” في اللجوء إلى روسيا كنوع من قوة الموازنة لعلاقاته المتدهورة بالولايات المتحدة، تتحدى منطق التاريخ والحقائق التي تحكم المنطقة. وقال: “لا يمكن لروسيا أن تحل محل أمريكا أو الناتو بالنسبة لتركيا، لأن البلدين ليس بينهما مصالح استراتيجية مشتركة”، مضيفا: “إنهما لا يتفقان حتى على مسألة ذات أهمية قومية حيوية بالنسبة لتركيا، مثل قبرص، أو حول العديد من القضايا المتعلقة بمنطقة البلقان أو القوقاز أو سوريا”.
وقال “كونيرالب” لـ”المونيتور”: “لقد تميزت السنوات الـ300 الماضية بالعداء بين تركيا وروسيا”، مشددًا على أنه حتى اليوم تتمتع الحدود الأرمينية بحماية القوات الروسية ضد تركيا. وتابع: “يبدو أن الاهتمام المشترك الوحيد بين أردوغان وبوتين هو كراهيتهم للولايات المتحدة وأوروبا”.
العميد المتقاعد نعيم بابورو أوغلو، أبدى شكوكه حول هوية أسعد شخص في هذه الصورة الكاملة. وكتب “بابورو أوغلو”، في مقال لموقع “جيرسك غونديم” الإخباري: “بوتين… سعيد جدًا لدرجة أنه قد يمنح صواريخ (إس 400) كمنحة لتركيا”.
—–
*سميح إيديز: كاتب عمود في نبض تركيا بموقع “المونيتور”، وهو صحفي يعمل على تغطية قضايا الدبلوماسية والسياسة الخارجية في الصحف التركية الكبرى منذ 30 عامًا. يمكن متابعة مقالاته في صحيفة “حرييت ديلي نيوز” باللغة الإنجليزية. كما تم نشر مقالاته في مجلة “فاينانشال تايمز” و”تايمز أوف لندن”، ومجلة البحر المتوسط والسياسة الخارجية التي تصدر بشكل ربع سنوي.