قراءة في “إما الأسد أو تحترق الدولة”: احتجاجات 2011 فاجأت “الأسد”.. والغرب كان بإمكانه منع العنف منذ بدايته

أنتوني دوركين | واشنطن بوست

تعد الحرب في سوريا هي الصراع الحاسم المحدد للعقد الجاري، ومنذ نشأتها في مظاهرات سلمية تطالب بالإصلاح السياسي، تطورت المواجهة بين النظام وخصومه -من خلال القمع وعسكرة وتطرف الكثير من المعارضة- إلى حرب بالوكالة الإقليمية والعالمية. لقد ارتكب النظام السوري بشكل روتيني جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ما أثار سخرية من الآمال الدولية لحماية المدنيين من الفظائع المرتكبة هناك. وفي قلب استخدام القوة الوحشي للنظام، يقبع الرئيس السوري بشار الأسد، الذي نجا من الإدانات الدولية، ليبدو في مأمن في السلطة على ما يبدو.

يقدم كتاب سام داغر “الأسد أو نحرق البلد: كيف دمر شهوة عائلة إلى السلطة سوريا”، سردا قويا وحاسما لجذور الصراع ومساره، وتضعه في سياق التاريخ الشخصي لـ”الأسد” وتوجهه إلى السلطة. سجل “داغر” هدفا ملحوظًا في هذا الكتاب من خلال الحصول على تعاون مناف طلاس، صديق عائلة “الأسد” منذ فترة طويلة والذي كان جنرالًا في الجيش السوري قبل أن ينشق إلى فرنسا في عام 2013. نشأ “طلاس” إلى جانب “الأسد” في الدائرة الداخلية للسلطة في سوريا، وكان والده مصطفى طلاس، زميلًا وشريكًا لا ينفصل عن والد “الأسد”، حافظ الأسد، الذي حكم سوريا من 1970 إلى 2000، وأشرف على وصول “بشار” إلى الرئاسة بعد وفاة والده، حيث تعطينا شهادة “طلاس” صورة داخلية ملحوظة للثقافة التي نشأ فيها “الأسد” الصغير ومساره الشخصي، أو صناعة مجرم الحرب، كما توضح رواية “داغر”.

لم يكن مقصودا أن يكون بشار الأسد رئيسًا قط، فقد تم إعداد شقيقه الأكبر “باسل” لهذا المنصب حتى وفاته في حادث سيارة عام 1994. كان بشار شابًا هادئًا أخفى مظهره الخارجي الخجول طموحًا محسوبًا وعازمًا، حيث كان يتباهى أمام “طلاس” بشأن “انفصاله وعقلانيته وبروده في التعامل مع كل الأمور، سواء كانت خاصة أو عامة”. وتعطشا إلى السلطة، قدم “الأسد” نفسه للشعب السوري باعتباره رئيس تحديثي وإصلاحي، لكنه أراد التحديث بشروطه هو، وقد أخبر “طلاس” أن الطريقة الوحيدة لحكم سوريا كانت “بالحذاء فوق رؤوس الناس”.

من الواضح أن احتجاجات عام 2011 أخذت “الأسد” على حين غرة، فقد تخيل نفسه نوعا مختلفا تمامًا عن الزعماء الأقوياء في مصر أو تونس أو ليبيا الذين كانوا في السلطة منذ عقود. ويعيد “داغر” حركة الاحتجاج إلى الحياة من خلال التركيز على عدد قليل من الأشخاص الذين اتخذوا القرار الشجاع لتحدي النظام، كما إنه يوضح كيف كان الدافع وراءهم هو الإحباط من اقتصاد المحاباة بشكل مكثف (وفقًا لأحد التقديرات، فإن ابن خال الأسد رامي مخلوف كان يسيطر على 65٪ من الاقتصاد السوري)، والآمال طويلة الأمد بالحرية السياسية التي أثارها “الأسد” عندما أصبح رئيسًا ثم تراجع عنها.

في المقابلات التي أجراها مع “داغر”، يقدم “طلاس” نفسه على أنه قال دوما إن النظام يجب أن يقدم تنازلات للمتظاهرين. ومع ذلك، فإنه يخلص في النهاية إلى أن “الأسد” وقف منذ البداية إلى جانب من يدفعون نحو استجابة متشددة تجاه التظاهرات. وفي متابعة هذا النهج، يشير الكتاب إلى أن “الأسد” كان يتبع كتيب الإرشادات الذي طوره والده في القمع الساحق بلا رحمة تجاه المعارضين، وعلى الأخص الهجوم الوحشي ضد انتفاضة في مدينة حماة في عام 1982. كانت المساهمة المتميزة لـ”الأسد” الأصغر تتمثل في إضفاء بعض الغموض حول موقفه، والحفاظ على واجهة مصممة بعناية من الاعتدال والعقلانية مع إعطاء ضوء أخضر لشن حملة عنيفة.

في رواية “داغر”، تظهر ثلاثة جوانب من الصراع الذي تلا ذلك. أولاً، يوضح كيف أدت التوترات الطائفية (قبل كل شيء بين المسلمين السنة والطائفة العلوية التابعة للأسد، وهي فرع من الشيعة) إلى تصاعد انعدام الثقة والعنف. كان “داغر”، مراسل صحيفة “وول ستريت جورنال”، الصحفي الغربي الوحيد الذي يتخذ من “دمشق” مقراً له في السنوات الأولى من الحرب. كما إنه يقدم صورة ملفتة للنظر للميليشيات الشيعية التي ظهرت لدعم النظام ومعارضة الانتفاضة السنية. ثانياً، يقدم سرداً للطريقة التي حاول بها النظام تقوية العناصر الأكثر تطرفاً بين المعارضة، وإطلاق سراح السجناء المتطرفين عن عمد وتوجيه الأسلحة سراً إلى المتظاهرين لدعم رواية الحكومة بأن خصومها إرهابيين. وأخيرًا، يروي “داغر” قصة أكثر عمقا وأهمية عن الطريقة التي جاءت بها القوى الإقليمية والعالمية لتشكيل مجرى الصراع، حيث أججت الأجندات المتنافسة لدول الخليج وتركيا الانقسامات بين المعارضة، وجاء الدعم من إيران وروسيا لتوفير العمود الفقري لقوة “الأسد”.

الكتاب مدفوع بسخط أساسي على وحشية النظام والعواقب المترتبة عليه بالنسبة لسوريا. وفي بعض الأحيان، يكتب “داغر” أن الخوف والأكاذيب هي التي أبقت النظام في السلطة، لكن في أماكن أخرى، اعترف بأن عددًا كبيرًا من السوريين يتمسكون بـ”الأسد” لأنهم رأوه حاميًا ضد العنف المتطرف. ويهاجم “داغر” الغرب كذلك بسبب إخفاقه في التدخل بشكل حاسم؛ ويقول إن الولايات المتحدة وحلفاءها كان عليهم فرض منطقة حظر جوي على أجزاء من سوريا لمنع النظام من قصف المناطق المدنية. ومع ذلك، فهو لا ينظر بجدية في المشاكل المحتملة التي قد يكون سببها هذا، وصعوبة إقامة توازن بين حماية المدنيين وتصعيد نزاع مسلح اعتقد المسؤولون الغربيون دائمًا أن تسويته عن طريق التفاوض ضرورية.

وينتقد “داغر” المحللين الغربيين والعاملين في المجال الإنساني الذين دعوا إلى قبول بقاء “الأسد” المحتمل في السلطة والسعي نحو اتفاقات محلية لوقف إطلاق النار، قائلا إنهم ساعدوا مساعي الرئيس السوري. ولكن كان هناك أيضًا حجة أخلاقية لهذا النهج، استنادًا إلى الحاجة إلى مواجهة الواقع والقيام بكل ما هو ممكن لإنقاذ أرواح المدنيين. على أي حال، تكمن الأسئلة حول سياسات الولايات المتحدة وأوروبا خارج القصة الرئيسية التي يرويها “داغر” بفعالية كبيرة. وبالتأكيد، سيستمر النقاش حول الدروس المستفادة من الحرب السورية لسنوات، وهناك عدد قليل نسبيا من السياسيين في الغرب يجادلون الآن بأن الرد الأكثر قوة كان من شأنه إنهاء العنف.

—-

*أنتوني دوركين: كبير زملاء السياسة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية وكان سابقًا المدير التنفيذي لمشروع جرائم الحرب.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد