رشاد سورغول | صحيفة (Yeni Özgür Politika)
في العالم الذي نعيش فيه، حيث تزايدت أعداد البشر إلى ما يقارب 8 مليار انسان، وتعددت طرق ووسائل الحرية والتعبير عن الذات، ما زالت قوى محددة كبرى هي التي تسيطر على المشهد العالمي، وتؤثر فيه، بل وتحدد معالمه وتركيبته. هناك عدد قليل من البشر، ممن يرى ويحلل المشهد العالمي ككتلة واحدة، بدون التدقيق في الجزئيات والمجريات الصغيرة. هناك نفر قليل يرى في أن أهمية البحث في “العائلة البشرية” الكبرى، هو الأمر الأهم، ناذرا وقته وجهده لانقاذ هذه العائلة وتحليل أوضاعها، وتقديم النصح والاشاد لها، للتخلص من الامراض والانحرافات التي تعاني منها. من هؤلاء المثقفين الكونيين: إيمانويل والرشتاين، عالم الاجتماع المهموم بقضايا البشرية والعالم، والذي رحل عن دنيانا قبل بضعة أيام.
يُعد والرشتاين من أولئك المفكرين الذين قدّرهم “أوجلان” وخصص لهم مكانا بارزا في نقاشاته الفكرية، وتعرض إلى آرائهم وهو يحلل النظام العالمي ومشاكله الاجتماعية والسياسية. ووالرشتاين كان بدوره يتابع القضية الكردية، ولديه آراء واضحة بشأنها. كانت آراء والرشتاين شاملة ترصد الظاهرة من فوق، وتفكك ارتباطاتها الاقليمية والدولية، مبدية الأهيمة الكبرى للمشهد العمومي الذي يشكل الجزئية الكردية جزءا منها. كان والرشتاين يعتقد بأن تحليل قضية الشعب الكردي بعيدا عن المشاكل الأربعة التي شخصها بنفسه وقال إن عموم النظام الدولي يعاني منها، هو تحليل قاصر وقراءة مجتزئة.
كتب والرشتاين مقدمة لكتاب “أوجلان” المعنون (خارطة الطريق)، موضحا بعض أفكاره ورؤاه حول القضية الكردية وسبل حلها. وضمّن المفكر الأممي في هذه المقدمة القصيرة، إشارة إلى المشاكل الأربعة التي يعاني منها النظام العالمي، وهي: الحكم، والدولة القومية، والديمقراطية والرأسمالية. وكان كتاب أوجلان (خارطة الطريق) يحلل بشكل دقيق ومفصل مسألة ” دمقرطة تركيا وطرق الحل في كردستان”. كتب والرشتاين المقدمة لطبعة الكتاب التي صدرت باللغة الانكليزية، وأشار فيها إلى أهمية طروحات أوجلان في الحل الديمقراطي، مبينا بأن الناحية الجيو ـ تاريخية للقضية، والتي منحها أوجلان مساحة جيدة ـ مهمة للغاية. يقول والرشتاين هنا: “أنا متأكد بأننا، وعند تتبع القضية الكردية، سوف نصطدم حتما بالنظام العالمي الحديث، حيث تفاعلات وحسابات الاقتصاد المسيّر من قبل الرأسمالية: الدول التي تبحث عن النفوذ والسيطرة، والدول التي تتأطر في الفكرة/النزعة القومية. والكل يحاول الاستفادة من قدر ما من الديمقراطية، لكن ضمن التوازن مع الاطار العام المشكل والمسيّر من الرأسمالية، ودون الاصطدام معها”.
وفي خضم الشرح للمشاكل التي يعاني منها النظام العالمي، يذكر والرشتاين بأن النقاط التي يتوقف عليها كثيرة وكبيرة، وكل منها يحتاج إلى كتاب خاص لايفاءها حقها، ولا يمكن التغطية في مقدمة صغيرة. ولكنه يكتب في تلك المقدمة: ” علينا، وأثناء البحث في القضية الكردية، الاشارة إلى القضية الكردية، معرفة دور الحركة السياسية الكردية والتغيير الذي قامت به في المجتمعين الكردي والتركي، وتحليل ذلك ضمان الاطار العالمي المتعلق بتفاعلات النظام الدولي وتوجهاته من حيث السيطرة والاقتصاد والنزعة الرأسمالية. على المشهد أن يكون دائما كاملا وأن يٌقرأ ككل، والا يتجزأ. دون ذلك لن يكون هناك تحليل صائب. الدولة التركية تحاول التغيير ضمن الاطار العام، حيث المصالح المعقدة ومحددات النظام الرأسمالي، وسطوة الدولة القومية. وهنا تكمن الحاجة إلى ايجاد اكثرية تؤمن بالديمقراطية والتغيير المجتمعي السلس، مع ضرورة وجود حركات منظمة تقود هذا التغيير وتشرف عليه. النضال من أجل الحرية والتغيير لا ينفصل عن النضال العالمي الرامي للتخلص من سطوة الرأسمالية والانعتاق من حساباتها المضادة لمصالح وتطلعات المجتمعات. النضال المجتمعي والتغيير الداخلي في تركيا سيكون ضمن نضال أعم وأشمل لوضع نظام آخر غير الرأسمالية، وهنا يأتي دور التكامل مع النضال المجتمعي في كل العالم، بحيث يتم تشكيل مد عام يضع لبنات نظام جديد يحل محل الرأسمالية القامعة”.