بين هابارد وديفيد كيركباتريك | نيويورك تايمز
شجعت الولايات المتحدة حلفائها الأكراد على تفكيك دفاعاتهم في شمال سوريا، قائلة إن ذلك سيجعل من السهل طمأنة تركيا بأن الأكراد لا يشكلون أي تهديد. لذلك في الأشهر الأخيرة، وفقًا لما ذكره ثلاثة مسؤولين أمريكيين معنيين بالأمر، قام الأكراد بتفجير أنفاق ودمروا الخنادق، تاركين أنفسهم مستضعفين لأن الولايات المتحدة وعدت بأن تحمي ظهورهم.
الآن، وبعد أسبوع من قرار الرئيس الامريكي دونالد ترامب بسحب الدعم الأمريكي عنهم، فإن الشعور بالخيانة بين الأكراد الحلفاء الموثوق بهم الذين يضطرون الآن للفرار تحت وطأة هجوم من تركيا، لا يضاهيه سوى غضبهم تجاه من يسعى للحصول على مكانتهم ومناطقهم: جنود أتراك مدعومون من قبل المقاتلين السوريين الذين سبق وأن رفضت الولايات المتحدة منذ فترة طويلة دعمهم بوصفهم متطرفين ومجرمين وبلطجية.
حسن حسن، وهو باحث سوري المولد يتتبع القتال، يقول: “هؤلاء المقاتلين هم الأسوأ في النزاع. الأسوأ من بين الأسوأ.. لقد اشتهروا بالابتزاز والسرقة واللصوصية، مثل البلطجية أكثر من المتمردين، بل المرتزقة بشكل أساسي”. يمثل التمكين المفاجئ للميليشيات السورية المدعومة من تركيا تحولا سريعا آخر في الحرب المستمرة منذ ثماني سنوات في سوريا، وقد أطلق قرار الرئيس “ترامب” بسحب القوات الأمريكية العنان لتوغل عسكري تركي.
لم تؤد المعارك الشرسة منذ ذلك الحين إلى قطع الشراكة بين الجماعة المسلحة التي يقودها الأكراد والولايات المتحدة، بل إنها سمحت للحكومة السورية وللرئيس بشار الأسد ومؤيديه الروس بالتقدم، كما أن تلك المعارك قدمت فرصة جديدة للمقاتلين السوريين الذين كانوا يعتبرون يومًا متطرفًين جدًا أو غير مستعدين لتلقي الدعم العسكري الأمريكي.
القتال الآن في شمال شرق سوريا ينحصر بين قوتين لعبتا أدوارًا مختلفة جدًا في حرب سوريا. على أحد الجانبين، الجماعة المسلحة التي يقودها الأكراد والمعروفة باسم قوات سوريا الديمقراطية، والتي شاركت الولايات المتحدة معها في قتال تنظيم “داعش”، وكانت حتى الأسبوع الماضي أهم حليف، بل الحليف الوحيد، للولايات المتحدة في سوريا، على الرغم من أن تركيا كانت تعتبرها جماعة إرهابية بسبب صلاتها بحزب العمال الكردستاني الذي شن تمردا ضد الدولة التركية. وعلى الجانب الآخر، تركيا ومجموعة من الميليشيات السورية التي تعول عليها للقيام بمعظم القتال على الأرض. لقد أطلق على ائتلاف المليشيات المدعومة من تركيا اسمًا عظيمًا هو “الجيش الوطني السوري”، بينما هو في الحقيقة يتألف إلى حد كبير من تحركات حركة التمرد التي فشلت على مدار ثمانية أعوام. وفي وقت مبكر من الحرب، عندما كانت الولايات المتحدة لا تزال تأمل في سقوط “الأسد”، سعت الاستخبارات الأمريكية والجيش الأمريكي إلى تدريب وتجهيز المتمردين المعتدلين الجديرين بالثقة، لمحاربة الحكومة و”داعش”.
شارك عدد قليل من أولئك الذين يقاتلون الآن في الشمال الشرقي في تلك البرامج الفاشلة، ولكن تم رفض معظمهم باعتبارهم متطرفين أو مجرمين للغاية، بل إن البعض منهم عبر عن مشاعر متطرفة أو متحالفة مع الجماعات الجهادية، لكن الغالبية منهم ليس لديهم إيديولوجية واضحة، ولم يلجأوا إلى تركيا سوى للحصول على راتب حوالي 100 دولار شهريا، على غرار المرتزقة.
هناك توثيقات وتسجيلات لعمليات نهب الممتلكات وتشريد المدنيين وانتهاكات أخرى جرت خلال عمليات التوغل السابقة المدعومة من قبل تركيا في سوريا، كما أن هؤلاء المقاتلين يهتفون بشكل روتيني بقسوة عنصرية ضد الأكراد، أكبر أقلية عرقية في سوريا، ويطلقون عليهم ألقاب الملحدين أو الخنازير.
في غضون أيام من موافقة “ترامب” على التقدم الأخير المدعوم من تركيا، اتهمت جماعات حقوق الإنسان الميليشيات المدعومة من تركيا بشن هجمات عشوائية على المناطق السكنية وقتل المدنيين، بمن فيهم سياسية كردية بارزة.
تقول إليزابيث تسوركوف، زميلة معهد أبحاث السياسة الخارجية: “إنهم عصابات في الأساس، لكنهم أيضًا عنصريون تجاه الأكراد والأقليات الأخرى.. لا ينبغي إخضاع أي إنسان لحكمهم”.
بالنسبة إلى الدبلوماسيين الأمريكيين وضباط الجيش الضالعين في سوريا، فإن فكرة أن “واشنطن” تسمح بفقدان شريك أمريكي مخلص الأرض لصالح الميليشيات التي تدعمها تركيا هي تطور جديد مؤلم في خيانة الأكراد، بل إنه تطور يمكن أن يتردد صداه لسنوات طويلة آتية، إن لم يكن عقودًا، وسيجعل من الصعب على الولايات المتحدة التحالف مع القوات المحلية لمحاربة الأعداء المشتركين.
وتقول دانا سترول الرئيسة المشتركة لمجموعة دراسة سوريا التي أسسها الحزبين الأمريكيين قبل عدة أشهر: “من هم الشركاء المحليون الذين سيعملون مع الولايات المتحدة الآن، بعد كل هذا؟”. كما يعبّر بعض المسؤولين الأمريكيين عن شعورهم بالعار الشديد إزاء التخلي عن الأكراد، ويقولون إن سياسة الولايات المتحدة تخلت عنهم عن غير قصد دبلوماسيًا وعسكريًا أمام الهجوم التركي.
وقال دبلوماسي يعمل في سوريا، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته: “لقد كان مدى خيانتنا خلال العام الماضي غير أخلاقي لدرجة أنها هزتني حتى النخاع.. لقد قلبنا الجميع في سوريا ضدهم، والآن نقوم بتقطيع من كانوا حلفائنا ذات مرة شيئًا فشيئًا، ونطعم القطع لأعدائهم”.
عندما تقلص تنظيم “داعش” الإرهابي وفقد آخر قطعة أرض يسيطر عليها في آذار/مارس، قال بعض مسؤولي إدارة “ترامب” علانية إن حوالي 2000 من قوات الولايات المتحدة في سوريا ستبقى، ليس فقط لمنع عودة الجهاديين، ولكن للضغط على إيران لمغادرة البلاد وعلى “الأسد” لتقديم تنازلات سياسية.
لقد فهمت قيادة قوات سوريا الديمقراطية تلك المشروعات على المدى الطويل على أنها يمكن أن تبقي القوات الأمريكية في سوريا لسنوات طويلة، وبالتالي وافقت على طلب أمريكي بتجميد المحادثات مع حكومة “الأسد”، عدو الولايات المتحدة. كما سعت الولايات المتحدة إلى تهدئة الغضب التركي من شراكة الولايات المتحدة مع الأكراد والسلطة الجديدة التي منحتها لهم في سوريا. في هذا الصيف، وضعت “واشنطن” خطة تهدف إلى إقناع تركيا بأن الأكراد السوريين لم يمثلوا تهديدًا، وقد شملت تلك الخطة مطالبة الأكراد بتفجير أنفاق وتفكيك التحصينات، ونزع مخابئ الذخيرة الموضوعة استعدادًا لهجوم تركي محتمل.
وكتب بريت ماكغورك، المبعوث الخاص السابق لقوات التحالف ضد “داعش”، الأسبوع الماضي على “تويتر”، إن قوات سوريا الديمقراطية “أزالت جميع الدفاعات من المنطقة الحدودية (بناءً على طلب الولايات المتحدة) مع التأكيد بأن تركيا لن تهاجم”. كما أجرت الولايات المتحدة دوريات جوية وبرية مشتركة مع تركيا داخل الأراضي التي يسيطر عليها الأكراد ونشرت لقطات منها على وسائل التواصل الاجتماعي.
عارض العديد من قادة الأكراد البرنامج خوفًا من أن يعرضوا دفاعاتهم ويجعلهم عرضة للخطر، لكن القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية مظلوم كوباني، طمأنهم إلى أنهم يمكن أن يثقوا في الولايات المتحدة لضمان سلامتهم، وفقا لمسؤولين من الولايات المتحدة. ولكن عندما هاجمت تركيا الأسبوع الماضي بعد أن سحب “ترامب” قوات الولايات المتحدة من الطريق، أصبحت نقاط ضعف الأكراد واضحة.
“لقد خدعتنا!”.. هكذا صاح “مظلوم” في اجتماع متوتر مع المسؤولين الأمريكيين، وفقًا لمسؤولي الولايات المتحدة الذين لديهم معرفة بالمناقشات التي جرت. وفي الواقع، ركزت تركيا توغلها على المناطق التي زارتها مع قوات الولايات المتحدة، ما أثار الشكوك في أنها استخدمت الدوريات ليس لتخفيف التوتر، ولكن للتخطيط لهجومها.
وقال نيكولاس هيراس الباحث في شؤون أمن الشرق الأوسط في مركز الأمن الأمريكي الجديد، والذي زار شمال شرق سوريا والتقى بقادة قوات سوريا الديمقراطية: “لقد أعطى ذلك تركيا القدرة على الحصول على مستوى عميق من الاستطلاع ساعد بطريقة ما في الغزو”.
عندما تصاعدت المعركة وسحبت الولايات المتحدة قواتها بسرعة من الطريق، سارعت القيادة الكردية السورية للعثور على حلفاء جدد وتواصلت مع “دمشق”، ولكن ليس من موقع قوة. ويقول “هيراس”: “لقد أضعف ما حدث من موقف قوات سوريا الديمقراطية في تقاربها مع دمشق.. في النهاية، عندما تحاول التفاوض تحت القنابل، فإن كل الجهات الفاعلة التي تحاول التفاوض معها تفترض أنك يائس”.
في يوم الجمعة الماضية، كانت هناك تقارير متضاربة حول ما إذا كان المقاتلون الأكراد السوريون قد بدأوا الانسحاب من المنطقة الحدودية، لكن المسؤولين الأمريكيين والأتراك توقعوا أن تتولى الميليشيات المدعومة من تركيا والمتهمة بارتكاب انتهاكات في مناطق أخرى من سوريا، السيطرة قريباً على تلك المنطقة. وقالت “سترول”: “إننا نحول المناطق التي كان يسيطر عليها حلفاؤنا إلى مناطق يسيطر عليها المجرمين أو البلطجية، أو في بعض الحالات الجماعات المرتبطة أو التي تقاتل إلى جانب تنظيم القاعدة.. ما يحدث خطأ استراتيجي عميق”.