“لوس أنجلوس تايمز”: “ترامب” يريد الاحتفاظ بالنفط السوري.. لكن إليكم المشكلة!

لوس أنجلوس تايمز

توجهت قافلة المركبات المدرعة الأمريكية شرقًا، وكانت الأعلام الأمريكية ترفرف في مهب الريح بينما كانت تتجه نحو وجهتها الواضحة، حقول نفط الرميلان، في أقصى الشمال الشرقي لسوريا. تصطف هناك رافعات ومضخات على جانبي الطريق المتموج لأعلى ولأسفل، بينما يتصاعد الدخان من المصافي الصغيرة إلى السماء وتنطلق النيران من منافذ الغاز الطبيعي، فيما تنتشر الخطوط الكهربائية على طول المناظر الطبيعية وتنطلق الصهاريج صعوداً وهبوطاً على الطريق السريع.

ذلك هو ما تبقى من صناعة النفط السورية المنقطعة منذ فترة طويلة، والتي أصبحت آخر مبرر لسياسة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، للإبقاء على الوجود الأمريكي في شمال شرق البلاد. “نريد أن نعيد جنودنا إلى الوطن”، هكذا قال “ترامب” يوم الجمعة الماضية، لكنه سرعان ما استدرك بالقول: “لقد تركنا الجنود لأننا سنحتفظ بالنفط. نحن نحتفظ بالنفط وقمنا بتأمينه ولن نسمح لأحد بالسيطرة عليه”.

لكن إليكم المشكلة، وهي أنه لا يوجد الكثير من النفط الذي يجب الحفاظ عليه في سوريا، حيث إن سوريا لم تكن أبدا من منتجي النفط الرئيسيين على المستوى الدولي، وكان إنتاجها في فترة ما قبل الحرب يبلغ 385,000 برميل يوميًا من النفط الخام، أي ما يعادل 0.5٪ من الإنتاج العالمي في عام 2010، وفقًا لتقرير صادر عن مؤسسة “بريتيش بتروليوم ريفيو” البريطانية، وقد كان ذلك في العام الذي سبق بدء الحرب الأهلية الطويلة في سوريا، حيث تدمرت كل موارد البلاد، بما في ذلك النفط.

المصدر الرئيسي للنفط في البلاد يقع في محافظة دير الزور في الشرق السوري، وهذا هو المكان الذي ترسل فيه “واشنطن” قوات جديدة ومركبات قتالية، في ‘إطار التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة والذي يعمل في سوريا، بينما يشارك معهم مقاتلي قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الكردن والذين تحالفوا مع الولايات المتحدة للمساعدة في هزيمة متطرفي “داعش”. ومنذ قرار الانسحاب الأمريكي، قررت قوات سوريا الديمقراطية التحالفت مع الحكومة السورية وروسيا في البداية، بعد الانسحاب الأمريكي الذي سمح للقوات التركية باقتحام الحدود إلى المنطقة التي يسيطر عليها الكرد.

محافظة الحسكة، التي تخضع بالفعل لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية، هي واحدة من مواطن مواقع إنتاج النفط المتناثرة، والتي تعتبر منطقة الرميلان أكبرها، فقد انتزعت قوات سوريا الديمقراطية السيطرة على تلك المنشآت النفطية من تنظيم “داعش” بعد سلسلة من المعارك.

ويقول بدران جيا كرد المسؤول الكردي البارز، إن هذه المعارك دمرت الكثير من الطاقة الإنتاجية، مضيفا: “تم تدمير البنية التحتية. أكثر من 75٪ من هذه المنشآت والآبار ليست جاهزة للإنتاج. السلطات المحلية ليست لديها الخبرة لإجراء إصلاحات حقيقية”. وبحسب “جيا كرد” الذي رفض إعطاء تفاصيل محددة، فإن ما يتم إنتاجه هو القليل الذي يتم استخدامه للاستهلاك المحلي أو يُعطى للتجار الذين يعيدون بيع جزء منه إلى حكومة الرئيس السوري بشار الأسد المتعطشة لموارد الطاقة. وقد أصبحت عائدات النفط شريان الحياة لشبه الدولة التي أنشأتها الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا، حيث تمول قوات سوريا الديمقراطية والهيكل الإداري الذي يبلغ قوامها 140 ألف شخص، فضلاً عن دعمها وتمويلها لعشرات من السجون المليئة بمحتجزين من تنظيم “داعش”.

يقول المسؤولون العسكريون الأمريكيون إنهم يريدون تأمين النفط لحرمان “داعش” من فرصة استعادة الحقول واستخدامها لتمويل تجدد نشاطها. وقال المتحدث باسم التحالف بقيادة الولايات المتحدة العقيد مايلز كاجينز، في مقابلة الاثنين الماضي: “إنها مجموعة فرعية من مهمة مكافحة داعش”، بعد أن كانت الجماعة المسلحة هُزمت، بعد أن سيطرت في أوجها على مناطق نفطية امتدت إلى العراق وسوريا، نتيجة هجمات تدعمها الولايات المتحدة من قبل القوات الديمقراطية السورية هذا العام.

وقال وزير الدفاع مارك إسبير، الأسبوع الماضي، إن المبرر الآخر لوجود الولايات المتحدة هو ردع القوات السورية والروسية من السيطرة على حقول النفط. وفي اليوم التالي لإعلان “ترامب”، كانت المركبات المدرعة المقاومة للألغام التابعة للجيش الأمريكي تتجه إلى الرميلان وبدأت تقوم بدوريات في المناطق الشمالية الشرقية التي صدرت إليها أوامر بالتخلي عنها قبل أسابيع فقط.

الخطوة الأخيرة التي اتخذتها الإدارة الأمريكية، والتي جاءت بعد أسابيع قليلة من إصدار الرئيس أوامره بسحب القوات الأمريكية من البلاد، أثارت الحلفاء والخصوم على حد سواء. ونظرًا لأن احتياطيات النفط محدودة، فإن حكومة الأسد -خصم الولايات المتحدة- تعتبرها بمثابة نعمة، حيث تعاني سوريا من نقص مزمن في الوقود بموجب العقوبات الأمريكية والأوروبية التي تستهدف وارداتها من الطاقة وليس لديها أموال لتمويل جهود إعادة الإعمار.

منذ تراجع “ترامب” عن قراره، حدث نوع من عمليات توزع النفوذ العسكري في سوريا، حيث تتنقل القوات الأمريكية داخل وخارج البلاد إلى العراق المجاور. وفي الأسبوع الماضي، شوهدت حوالي 150 شاحنة إمداد فارغة مصطفة خارج قاعدة أمريكية على طول الطريق السريع M4 بين بلدتي تل بيدر وشمال شرق البلاد. وترافق هذه التقارير أنباء تركية وكردية سورية عن إعادة فتح الولايات المتحدة لبعض القواعد التي كانت قد تخلت عنها الشهر الماضي.

تتمركز القوات الأمريكية ليس فقط بالقرب من حقول النفط السورية، ولكن أيضًا على طول الطرق الرئيسية، مثل M4، والتي تعتبر خطوط نقل رئيسية للنفط والوقود المكرر، ما يعني أن أي جهد لإنتاج النفط من المفترض أن يعني زيادة دوريات هذه الطرق الرئيسية، وهي مهمة معقدة في الوقت الحالي في ظل وجود القوى المتنافسة في نفس المنطقة.

كذلك، ينشط المتشددون المدعومون من تركيا في المنطقة، كما يوجد قوات حكومية روسية وسورية، وقد ازدادت دورياتهم منذ الاتفاق التركي-الروسي الشهر الماضي الذي ينص على انسحاب القوات التي يقودها الكرد في سوريا إلى ما لا يقل عن 19 ميلاً من الحدود مع تركيا.

ويقول خبراء الطاقة إنه حتى لو تمكنت القوات الأمريكية من تأمين المنطقة، فمن غير الواضح ما إذا كانت الشركات ستكون على استعداد أو حتى قادرة على الاستثمار في إعادة تأهيل الحقول. كثير من تلك الحقول مملوكة قانونيا من قبل الدولة السورية أو بالشراكة مع شركات، بما فيها “توتال” و”شل”، وستفتح أي شركة تعمل هناك قيودًا قانونية على حقوق الملكية حتى في الوقت الذي تحاول فيه تخطي العقوبات التي تتعثر بسهولة.

وقال ديفيد بوتر، وهو زميل مشارك ومحلل الطاقة في الشرق الأوسط في مركز “تشاثام هاوس” في لندن، إن “الاحتياطيات النفطية التي يتعين استخراجها، كان بالفعل في حالة تراجع قبل الحرب”.  وحتى الآن، كما قال “جيا كرد”، كانت هناك مناقشات أولية فقط مع الشركات، في وقت يدعي فيه رجل أعمال إسرائيلي يدعى موتي كاهانا، أن شركته المسماة “جلوبال ديفلوبم كورب”، أصبحت ممثلا للإدارة التي يقودها الكرد لبيع النفط، وقد شارك مع صحيفة “تايمز” رسالة من الكرد يقولون فيها إن لشركته “الحق في استكشاف وتطوير النفط الموجود في المناطق التي نحكمها”.

ورفض المسؤولون الكرد المشاركون في المنشآت النفطية توضيح الترتيبات التي تم وضعها بشأن استخراج وبيع وتسويق النفط، لكنهم قالوا إن تلك الترتيبات لم تتغير منذ إعلان “ترامب” الانسحاب والتراجع. وفي الوقت نفسه، أعطت تعليقات “ترامب” فرصة لأولئك الذين رأوا دائمًا سياسة أمريكا في الشرق الأوسط كوسيلة للاستيلاء على النفط.

يوم السبت الماضي، كرس “الأسد” لقائه مع التليفزيون السوري للثناء الساخر على “ترامب”، حيث وصفه بأنه “أفضل رئيس أمريكي”، مضيفا: ” ترامب يتحدث بشفافية ليقول إنه نريد النفط.. هذا هو واقع السياسة الأمريكية منذ الحرب العالمية الثانية على الأقل.. ماذا نريد أكثر من خصم شفاف؟”.

—–

للاطلاع على النص الأصلي .. اضغط هنا

ترجمة: أمنية زهران

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد