“غارديان”: توصل “بوتين” إلى اتفاق بين “الأسد” والكرد وتركيا سيكون “صفقة القرن” الحقيقية

باتريك وينتور | ذا غارديان

أدى قرار دونالد ترامب بإعطاء الضوء الأخضر -الذي يبدو الآن  بمثابة إشارة جلية- لتركيا لدخول شمال سوريا إلى سيل من الانتقادات من العواصم الأوروبية إلى الجمهوريين في “واشنطن”، كلهم ​​أشاروا إلى أن خطوة أنقرة ستحيي تنظيم “داعش” وتتسبب في مقتل مدنيين، فضلاً عن توطيد سمعة للولايات المتحدة لا تمحى في جميع أنحاء الشرق الأوسط كحليف غير موثوق به.

ويبقى واضحًا أن الغرب بدأ يفقد جاذبيته في سوريا خلال العامين الماضيين، وربما يكون رد فعل روسيا وإيران اللتان لديهما قوات في سوريا، هو الأمر الأكثر أهمية بالنسبة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ومن ثمّ، ربما يكشف رد فعل الجانب الروسي والإيراني عن مستقبل الحرب الأهلية السورية المستمرة منذ ثماني سنوات مضت.

يُذكر أنه حتى الآن حثت كل من “طهران” و”موسكو” الرئيس التركي على ضبط النفس، لكن سيشهد كلا منها فرصًا بين الفوضى الناجمة عن اندفاع “ترامب”، ففي أبسط صورة ممكنة، سيشهد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين -الذي يسعى إلى ترسيخ نفوذ روسيا عبر الشرق الأوسط- فرصة لاستغلال ما يُنظر إليه الآن من ناحية  “خيانة ترامب للكرد”، إلى جانب أنه سيشهد رؤية الولايات المتحدة في حربها ضد “داعش”، الدرس واضح للجانب الروسي الآن، وهو عندما يكون هناك أزمة، فلن تسند الولايات المتحدة أي طرف، وعليه سيبدأ “بوتين” في المنافسة.

ولعل هذا يجعل “بوتين” يرغب في  رؤية نهاية للحرب الأهلية السورية، حيث إنه مع مغادرة الولايات المتحدة للمشهد، يحاول الرئيس الروسي صياغة “صفقة القرن” الخاصة به بين أردوغان والنظام السوري والكرد. ويمكن النظر إلى أنه منذ توجيه القوات الروسية إلى سوريا لدعم الرئيس بشار الأسد في عام 2015، كانت “موسكو” تعمل على انتزاع العملية السياسية ببطء بعيدًا عن الغرب، فقد أجبرت روسيا، على سبيل المثال، مبعوثي الأمم المتحدة على التصالح مع عملية أستانا-وهو مقترح لمستقبل سوريا بدأه بوتين كمنافس للأمم المتحدة-  وفي الواقع، كان هذا الاقتراح غير ملائمًا حينما أحرزت كلا من  روسيا و”الأسد” تقدمًا عسكريًا ثابتًا ضد القوات المعارضة.

لكن من ناحية أخرى، أدت عملية الأستانا- التي تضم إيران وتركيا وروسيا- على نحو متعثر بإنشاء لجنة دستورية سورية تدعمها الأمم المتحدة الآن، وهي الفكرة التي اقترحها “بوتين” في المرة الأولي في يناير/كانون الثاني 2018. والهدف منها كان صياغة دستور جديد لسوريا والإعداد للانتخابات.

وتتألف اللجنة المذكورة من 150 عضوًا، منقسمون بالتساوي بين حكومة “الأسد” والمعارضة والمجتمع المدني السوري، ومن المقرر أن يقود هادي البحرة المعارضة السورية. ويُذكر أن الجلسة الأولى للجنة  ستكون في مقر الأمم المتحدة في جنيف في 30 أكتوبر/تشرين الأول.

ورغم ذلك، فإن هذه العملية يُمكن أن تنتهي، حيث إن الممثلين الكرد المرتبطين بالمعارضة هم جزء من هذه اللجنة، لكن الممثلين السياسيين للقوات الكردية السورية المقاتلة، ووحدات حماية الشعب الكردي، قد تم تجاهلهم، وهذا الاقصاء أدى إلى احتجاجات خارج مكاتب الأمم المتحدة في مدينة “القامشلي”.

فضلاً عن ذلك، فإن “الأسد” غير مستعد لرؤية مقترحات من يوصفون بأنهم “انفصاليين” في المحادثات، بحجة أن “حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب الكردي يُمثلان تهديدًا لسلامة الأراضي السورية”.

في الوقت ذاته، تعد لجنة الدستور نتاج أفكار “بوتين”، ولن يرغب في رؤيتها مهددة بالقتال في شمال شرق سوريا. وبدلاً من ذلك، سيرى ما إذا كان الغزو التركي فرصة لهندسة وإدارة الوفاق غير المحتمل بين الكرد والنظام السوري. وطالما يرى بعض الكرد السوريين مؤشرات متضاربة، يجادلون بأن “ترامب” غير قادر على منحهم أمنهم مستقبلاً من أجل الوصول إلى شكل من أشكال المصالحة مع “دمشق” على أساس فيدرالية سوريا، لذا يفكر قائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم كوباني، في شراكة مع الرئيس السوري بشار الأسد، بهدف محاربة القوات التركية.

في الوقت ذاته، لن يرغب “بوتين” في الإساءة إلى “أردوغان”، أو الإشارة إلى أن المخاوف التركية من الإرهاب الكردي داخل تركيا -ذلك الإرهاب النابع من الحدود السورية- لا أساس له من الصحة، فهو كان يحاول جذب أنظار تركيا بعيدًا عن مدار الناتو، ونجح في إقناع “أردوغان” بشراء نظام دفاع جوي روسي.

والجدير بالذكر أن اقتراح “بوتين” المدعوم من الرئيس الإيراني حسن روحاني، من أجل إحياء اتفاقية أضنة الموقعة من قبل سوريا وتركيا في عام 1998، كان فكرة يسعى لها منذ ثلاث سنوات. ومن هنا يُعترف بأن لدى تركيا مخاوف مشروعة بشأن حزب العمال الكردستاني، لكن الحل ليس في منطقة آمنة تديرها الدولة التركية داخل سوريا، بل الحل يعتمد على ضمانات أمنية من الحكومة السورية للسيطرة على هذا الحزب.

وعلى نفس المنوال، فإن معالجة مسألة اللاجئين السوريين داخل تركيا لا تتمثل في نقلهم قسرًا إلى شمال شرق سوريا  للتعايش فقط في بيئة معادية، ولكن لإنهاء الحرب الأهلية. لكن في قلب المعضلة يبحث “بوتين” عن اتفاق بين الكرد و”الأسد” والأتراك، وإذا كان “بوتين” يستطيع إنجازه، فستكون هذه هي “صفقة القرن” الحقيقية، وإذا لم يستطع، فقد ينتهي به المطاف في اتفاق مع “ترامب” بأن الشرق الأوسط لا يجلب سوى الموت والدمار.

—-

للاطلاع على النص الأصلي باللغة الإنجليزية.. اضغط هنا

ترجمة: رنا ياسر

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد