حسين جمو
يراهن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، على لقاء يمكن وصفه بـ”الفرصة الأخيرة” مع الرئيس الأمريكي جو بايدن، في الـ14 من الشهر الحالي، خلال لقاء سيكون على هامش قمّة حلف شمال الأطلسي في بروكسل.
لكن هل يمكن إعادة العلاقات بين البلدين إلى مستوى يعود فيه التوافق إلى مستوى يزيح الخلافات الموجودة؟
أسلي أيدنتاشباش، وهي كاتبة تركية تعمل في المجلس الأوربي للعلاقات الخارجية، نشرت مؤخراً مقالة في مجلة “فورين أفيرز” الأمريكية عن تحولات السياسة التركية في عهد أردوغان، وهي لا تجافي الواقع بقولها إن تحول السياسة الخارجية التركية ليس مجرد انزياح غاضب من سلوكيات حلفائها في الغرب، إنما سياسة مصممة لتبقى على هذا الشكل: تتوق تركيا، أكثر من أي شيء آخر ، إلى أن تكون قوة قائمة بذاتها. من الأفضل فهم سياستها الخارجية الجديدة ليس كانجراف نحو روسيا أو الصين ولكن على أنها تعبير عن الرغبة في الحفاظ على قدم في كل معسكر وإدارة التنافس بين القوى العظمى. لقد هندس نظام أردوغان هذا التحول ومكنته بيئة دولية متساهلة – لكن لا حكومة جديدة في أنقرة ولا تحالف غربي نشط يمكن أن يعكسه”.
هذه القناعة، في أن السياسة الخارجية التركية غير قابلة للتعديل إلى حالتها الأحادية كحليف لطرف واحد، يقطع الطريق على جماعات الضغط الغربية الممولة من أنقرة، والتي ما زالت تسعى جاهدة لتصوير الأمر وكأن التوجه نحو روسيا والصين رد فعل غاضب تجاه واشنطن. والأمر الذي لا يساعد أردوغان في القول إن ما يفعله “ردة فعل” هو أن إدارة بايدن تدرك، على خلاف الإدارة السابقة، أن تحالفات تركيا تتغير لأن الحكومة التركية تعمل على ذلك وليس لأسباب متعلقة بواشنطن. وفي اللقاء المرتقب في 14 حزيران/ يونيو، سيحدد الرئيس الأمريكي ما إذا كان بالإمكان التغاضي عن ممارسة تركيا دور “جامع النقود” تحت أرجل المتعاركين (الولايات المتحدة وروسيا والصين).
الضغوط الأميركية مستمرة لتحسم تركيا قرارها باختيار طرف وعدم البقاء في الوسط، فالاستراتيجية الأمريكية ضد ما تعتبره الخصوم الاستراتيجيين لا مكان فيها لمن يضع قدماً في واشنطن وأخرى في موسكو ويداً في بكين وأخرى برلين. لعبت تركيا هذا الدور بتفهّم دولي خلال الحرب العالمية الثانية، حين اتخذت موقفاً وسطاً من جميع الأطراف، بما فيهم ألمانيا النازية، قبل أن تحسم موقفها كتحصيل حاصل حين باتت هزيمة النازية حتمية.
تجاه هذه الضغوط أطلق الرئيس التركي تحذيراً إلى الولايات المتّحدة من أنّها تخاطر “بخسارة صديق قيّم” إذا ما سعت إلى “حشر” بلاده في الزاوية. غير أنّ الرئيس التركي يعتزم خلال اجتماعه المرتقب مع بايدن أن يبذل جهوداً لتهدئة التوتّرات بين البلدين. وكان أردوغان توقّع الأسبوع الماضي أن تفتح القمة المرتقبة “حقبة جديدة” في العلاقات بين أنقرة وواشنطن. ومع ذلك، فلدى أردوغان بعض الأوراق الجديدة.
فقد حثت شركات أمريكية وتركية رئيسي البلدين على البدء في إعادة بناء العلاقات المتوترة، قائلة إن هناك أمورا كثيرة على المحك بالنسبة لتلك الشركات. وقال رئيسا مجلس الأعمال التركي الأمريكي ومجموعة آمتشام تركيا، التي تمثل غرفة التجارة الأمريكية في تركيا، “نظرا للتحديات الحالية الناجمة عن الجائحة العالمية، لدينا شعور قوي جدا بأنه حان الوقت لإبقاء الحلفاء كحلفاء بدلا من التركيز على الخلافات”. وكتبا في رسالة مشتركة إلى الرئيسين “أثبتت الشركات الأمريكية والتركية أن هناك فرصا كثيرة للنمو معا من خلال الشراكة، والكثير لنخسره إذا انجرفنا بعيدا جدا عن بعضنا”.
ويحاول أردوغان ممارسة ضغط عبر وعود للشركات الأمريكية العاملة في تركيا، رغم الصعوبات الاقتصادية الكبيرة في الوقت الحالي. وهرباً من أخبار تدهور الليرة والانكماش الاقتصادي والديون الهائلة على الحكومة والقطاع الخاص، يلجأ أردوغان إلى إعلانات متكررة عن اكتشافات نفطية وغازية في البحر المتوسط والبحر الأسود.
أما الورقة الأكبر للرئيس التركي فهي أفغانستان. ومن المرجح أن هذا الملف سيكون مرتكز قوته في لقائه مع بايدن الذي يكابد للخروج من أفغانستان دون أن يسمح بانهيار شامل للوضع الأمني. ومن المقترحات المتداولة مؤخراً عرض تركيا أن تتسلم مراكز حيوية بعد انسحاب قوات حلف الناتو، منها على سبيل المثال مطار كابول، ومقرات أمنية. ومن الممكن أن يلعب الوجود التركي دوراً كابحاً لهجمات طالبان على هذه المراكز، وبالتالي، بطريقة ما، يضمن الوجود التركي بقاء الحكومة الأفغانية.
ليس من الواضح الترتيبات الدقيقة لمثل هذا الدور المقترح، لكن من المؤكد أن بايدن سيأخذ الأمر على محمل الجد. أما ما هو الثمن؟ قد يكون أقصى ما تقدمه واشنطن إيقاف الضغوط على أنقرة لاختيار طرف والتغاضي عن لعبها دور “جامع النقود”، إلا أن أردوغان لديه قائمة طويلة من المطالب، وقد لا تصبح أفغانستان رهينة لدى تركيا لتنفيذ شروطها لدى واشنطن.