كيف يمكن لـ” بايدن” أن ينقذ العلاقة بين الولايات المتحدة وتركيا؟

ديفيد ويلزول

من المقرر خلال أيام معدودة أن يُسافر الرئيس جو بايدن إلى أوروبا لعقد اجتماعات مع قادة منظمة الاتحاد الأوروبي G7 ومنظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) وقادة الاتحاد الأوروبي، وكذلك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حيث أن أولى ارتباطاته الشخصية مع نظرائه الأوروبيين ستستحوذ على قدر كبير من تركيز وسائل الإعلام، إلا أنّ الاجتماع الذي تمّ ترتيب مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بصورة حاسمة، قد يكون لقاءً أكثر أهمية على الإطلاق.

كانت العلاقات الأمريكية التركية تتدهور منذ أكثر من عقد، بسبب نهج أردوغان الإسلامي السلطوي في الحكم، والذي لا يتوافق بشكل مناسب مع الرؤية الديمقراطية الأمريكية، فمثلاً لا يوجد بلد، يسجن صحفيين أكثر من تركيا باستثناء الصين، وأيضاً احتجزت تركيا بصورة غير عادلة، القس الأمريكي “أندرو برونسون” لمدة عامين تقريباً، ثم أطلقت سراحه عام 2018، ردّاً على رفض الولايات المتحدة تسليم الداعية الإسلامية فتح الله غولان، الذي يعيش في ولاية بنسلفانيا، حيث تتّهمه تركيا بتدبير انقلاب 2016.

وعلى الجبهة الجيوسياسية، كان أردوغان داعماً لحركة حماس والإخوان المسلمين، كما أفسدت تركيا صورتها أمام الرأي العام الغربي من خلال قرارها الأحادي الجانب بغزو سوريا في تشرين الأول 2019، وكان هدفها المزعوم إنشاء منطقة حدودية عازلة ضد القوات الكردية، والتي تقاتل تنظيم الدولة الإسلامية، إذ إن هذه الخطوة كانت بمثابة الصدمة للتحالف الدولي الذي يسعى إلى تعزيز الاستقرار في شمال شرق سوريا.

أكثر ما تسبّب في تراجع العلاقات بين البلدين، هو العقوبات الأمريكية على تركيا حليف الناتو في عام 2020 لشرائها نظام الدفاع الصاروخي أرض- جو إس 400، وهي  قطعة من المعدات روسية الصنع لا يمكن دمجها في أنظمة الناتو، وهي بمثابة موطئ قدم لشراكات دفاعية روسية تركية مستقبلية، فمع وجود S-400 في متناول اليد، حُرِمت تركيا أيضاً من فرصة شراء طائرات مقاتلة أمريكية من طراز F-35.

في نيسان/إبريل هذا العام، أثارت إدارة بايدن غضب تركيا بصورة كبيرة، عندما اعترف بايدن بالإبادة الجماعية الارمنية؛ والتي ارتكبتها الإمبراطورية العثمانية ضد الأرمن خلال الحرب العالمية الأولى، حيث تسبّب هذا الاعتراف بإعلان أردوغان على أن العلاقات بين البلدين وصلت إلى مستويات متدنية، لكن التوقيت كان ذكياً، حيث سيكون من العبث حرق رأس المال الدبلوماسي من الجانب التركي، لأن القرار غير ملزم بشأن تركيا، كما جاء هذا الاعتراف في الوقت الذي لم يتبق فيه سوى القليل من الخسارة نظراً أن العلاقة في الأصل متدهورة نسبياً.

الآن، وبما أنه لا يوجد منفذ لتركيا سوى الولايات المتحدة، فإن اجتماع بايدن وأردوغان يُمثّل فرصة لإعادة ضبط العلاقات، ولكن هذا لا يضمن ما تبحث عنه تركيا، فعلى الرغم من تصريحات أردوغان الأخيرة للمديرين التنفيذيين الأمريكيين بأن اجتماعه مع بايدن سيكون “نذير حقبة جديدة”، حيث لا يزال أردوغان يُعاني من الاعتراف بالإبادة الجماعية، وقد يفكر في اتخاذ إجراءات انتقامية مثل منع استخدام أمريكا لقاعدة انجرليك الجوية بالقرب من الحدود السورية، أو عقد صفقة مع نظام بشار الأسد، وذلك للسماح له بالوصول إلى المناطق التي تسيطر عليها تركيا في  شمال سوريا.  

وفي حال افتراض أن إدارة بايدن لا تتابع المحادثات السرية مع نظام الأسد، فإن مثل هذا التشابك مع الأسد، سيكون بمثابة انتكاسة لهدف الغرب المتفق عليه والمُتمثّل في سوريا خالية من الأسد، علاوة على أن الأسد كان يُشكّل خصماً تركيّاً مكروهاً.

أولاً: ما يمكن أن يفعله الرئيس بايدن لخفض التوتر، هو الرفض العلني للدعوات في طرد تركيا من الناتو، ومن المؤكد أن تركيا كانت مصدر إزعاج، لكن الاستبعاد التام لها من الممكن أن يُضعف بشكل كبير الجناح الجنوبي لحلف الناتو، وجهود مكافحة الإرهاب والتي تخدم إحدى الأولويات الاستراتيجية العليا لفلاديمير بوتين المتمثلة في تقسيم الحلف (بغض النظر عن عدم وجود آلية إجرائية حاليًا داخل الناتو لإجبار أي حليف على الخروج)، إن رفض تركيا من قبل الولايات المتحدة وحلفائها في الناتو لن يؤدي إلا إلى استدارة تركيا بقوةٍ تجاه روسيا والصين.

ثانيًا: يجب على بايدن الاعتراف بمساعي تركيا البنّاءة لتحقيق الاستقرار الاستراتيجي، حيث يتمتع أردوغان بحب المخاطرة، وقد أثبت أنه سيتصرف عندما تتقاطع مصالحه السياسية الشخصية مع مصالح تركيا الجيوسياسية، على سبيل المثال التدخل العسكري التركي في الصراع الليبي، أو جهود التنقيب عن الطاقة المثيرة للجدل في شرق البحر الأبيض المتوسط، وأيضاً عرضت الدولة التركية استضافة محادثات السلام الأفغانية في إسطنبول، وترأست منظمة الأمن والتعاون في مهمة المراقبة الأوروبية في أوكرانيا التي مزقتها الحرب، وبدأت العلاقات الباردة مع الجيران مصر والمملكة العربية السعودية بالانهيار، لتركيا أيضًا مصلحة في منع الهيمنة الروسية على البحر الأسود.

إن التأكيد على الجهود التركية لتحقيق الاستقرار في المناطق المضطربة كمنطقة ربط بين أوروبا وآسيا، يمكن أن يساعد في استعادة الثقة، وعرقلة المسرحيات الروسية والصينية للتأثير في الشرق الأوسط.

لكن ربما يكون العامل الأكثر أهمية في تحديد مستقبل العلاقة، هي حسابات أردوغان السياسية الخاصة  خارج سيطرة الرئيس بايدن، ومع استعداد الزعيم التركي لإعادة انتخابه عام 2023 (إذا لم يدعو للتصويت عاجلاً)، فمن المؤكد أنه يدرك كيف أن قاعدته السياسية تُعاني من أزمة ديون وتضخُّم مالي، وهي مشاكل يعزوها العديد من الاقتصاديين إلى  التخلف الاقتصادي لحكومة أردوغان،  فقد حقّق Covid-19 أيضاً أثراً على الاقتصاد التركي من خلال تعطيل سلاسل التوريد وتقليص عائدات السياحة، ونتيجة لذلك، من الممكن أن يتخلّى أردوغان عن الانتقام لإعلان الإبادة الجماعية، وبدلاً من ذلك يتبنى رؤية حكيمة بغية مساعدة بلاده من أجل وقف الانحدار الاقتصادي في البلاد وجذب الاستثمار الأجنبي، ومهما تكن طبيعة مؤشرات مستقبلية حيال أكثر العلاقات الثنائية تعقيدًا من قبل الادارة الامريكية، فمن الأفضل أن يُحاول بايدن تشكيل سياسة أردوغان الخارجية لصالح أمريكا، بدلاً من إعادة خوض المعارك القديمة.

 المصدر:American Foreign Policy Council

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد