احتجاجات شح المياه تفاقم مآزق سلطة طهران

فرناز فاسيهي

تواجه إيران موجة خامسة من تفشي وباء فيروس كورونا في ظل أزمة اقتصادية خانقة نتيجة للعقوبات الأمريكية، علاوة على أن مسار المفاوضات بشأن الاتفاق النووي متعثر إلى هذه اللحظة، سيما أن نجاح المفاوضات تعتبر حبل النجاة للأزمة التي تمر بها إيران. وفوق ذلك، تواجه البلاد في هذه الآونة أزمات مختلفة ومن ضمنها: أزمة شح المياه.

وقد أدى الجفاف المستمر وارتفاع درجات الحرارة نتيجة تغير المناخ، إلى جانب عقود من سوء إدارة الحكومة للموارد الطبيعية ونقص التخطيط إلى تفجير أزمة المياه وتحويلها إلى بيئة حاضنة للاحتجاجات والاضطرابات العنيفة.

على مدار الأسبوع الماضي، خرج المتظاهرون الى شوارع ولاية خوزستان التي تعاني من الجفاف في الجنوب الغربي من البلاد، حيث مركز هذه الاحتجاجات. وقد لجأت القوات الأمنية إلى قمع الاحتجاجات مستخدمة العنف المفرط في بعض الأحيان  _ وبعملها هذا أضحت كمن يصب الزيت على النار_ مما دفعت إلى اتساع رقعة هذه الاحتجاجات إلى أماكن أخرى.

تعد خوزستان موطناً للقومية العربية والتي تعرضت تاريخياً للتمييز العنصري والتهميش، وشكلت هذه المعاملة دوافع ظهور بذور حركة انفصالية مضطربة. بيد أن المحتجين أكدوا على أن حراكهم ليس هدفه الانفصال.

وقال محمد الذي يبلغ 29 عاماً، وهو بائع متجول من أصل عربي في مقابلة له عبر الهاتف مع صحيفة نيويورك تايمز من الأحواز، عاصمة ولاية خوزستان :” لقد كنا فقط نهتف بأننا نريد ماء، فقط  الماء، نعاني من شح المياه، فقابلونا باستخدام العنف والرصاص الحي”.

وقد هتف حشد غفير في خوزستان شعار” أنا عطشان” حيث تم تصوير الحشد من قبل هواة، ونشر مقاطع الفيديو هذه على منصات التواصل الاجتماعي  _ وطالبوا بضرورة تقديم يد العون لهم واستقالة جميع المسؤولين المحليين بالولاية، فيما ارتفعت بعض مطالب المحتجين أبعد من ذلك إلى حد استهجان المسؤولين بالهرم الأعلى في السلطة بمن فيهم المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي. وفي تعليق له إزاء ما يحدث، قال المرشد الأعلى خامنئي يوم الأربعاء عبر قناته على انستجرام :” يجب على المسؤولين معالجة مشاكل ولاية خوزستان”.

وتمثل هذه الاحتجاجات التي تراكمت أسبابها منذ فترة طويلة بمثابة تحد للسلطات،  فضلاً عن أنها تأتي قبيل أسابيع قليلة من تسلم الرئيس الجديد والمحافظ وتلميذ خامنئي، إبراهيم رئيسي سدة الحكم، إذ تشكل هذه القضية أول اختبار له في كيفية التعامل مع الاحتجاجات. ويواجه رئيسي، وهو كان رئيس مجلس القضاء السابق في البلاد، والمعروف بقسوته تجاه المعارضة السياسية، مهمة حساسة في التعامل مع المواطنين الإيرانيين الذين تتمحور مطالبهم حول قضية شح المياه.

وكشفت الاحداث الجارية بأن للمتظاهرين حلفاء بين المشرعين الإيرانيين. وفي كلمة له أمام البرلمان الإيراني يوم الاثنين صرخ مجتبى محفوظي، عضو البرلمان عن مدينة عبدان، المدينة الغنية بالنفط في ولاية خوزستان :” أنقذوا خوزستان وشعبها المغلوب على أمره! قدموا لها ما تستحق !”.

ولا يبدو الأمر مفاجئاً لدى المسؤولين الحكوميين. فقد بدأت ملامح شح المياه بالظهور على أرض الواقع. وقد حذر وزير الطاقة في أيار ( مايو) من أن إيران تواجه أسوأ وأشد صيف منذ نحو ٥٠ عاماً، حيث وصلت درجات الحرارة إلى ٥٠ درجة على مقياس سيليوس _ أي ما يعادل ١٢٢ درجة على مقياس فهرنهايت _ الأمر الذي سيؤدي إلى قطع الطاقة الكهربائية وشح المياه.

فيما حذرت أيضا وكالة الأرصاد الجوية الإيرانية في حُزَيرَان/يونيو من أن المناطق الجنوبية والغربية قد عانت من فقدان ٥٠ إلى ٨٥ % من نسبة هطول الأمطار مقابل ارتفاع درجات الحرارة، حيث ارتفعت درجتين إلى ثلاث درجات على مقياس سيليوس.

وتتربع خوزستان على ٨٠ ٪ من النفط الإيراني و٦٠ ٪ من احتياطات الغاز، وهي ركيزة أساسية للاقتصاد الإيراني. وكانت أراضي مدن خوزستان مزدهرة زراعياً ذات يوم ومليئة بأشجار قصب السكر والقمح والشعير. لكن مع شح المياه، ذبلت المحاصيل الزراعية ونفقت الماشية من شدة العطش، وعليه، تواجه الحكومة واحدة من أسوأ الأزمات على الإطلاق.

كما العادة، شكلت استجابة الحكومة في مواجهة التظاهرات بطريقة متوقعة، فقد استخدمت القوة المُفرطة ضد المحتجين رغم ما صرح به مسؤولون بأن مطالب المحتجين حول شح المياه شرعية ومحقة.

وفقاً لشهود عيان ومقاطع الفيديو التي انتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي، استخدمت القوات الأمنية وشرطة مكافحة الشغب العنف المفرط ضد الاحتجاجات في خوزستان، فقد قاموا بضرب المحتجين بالهراوات وتفريقهم باستخدام الغاز المسيل للدموع وملاحقتهم بالطائرات المسيرة، إضافة إلى استخدام الرصاص الحي.

وحسب منظمات حقوقية فأن ثلاثة شبان لقوا مصرعهم برصاص القوات الأمنية، فيما أوضحت رواية المسؤولين المحليين أن رجال قبليين هم وراء مقتل شخصين على الأقل، فيما أوردت وسيلة إعلامية مصرع شرطي برتبة ضابط.

ومن المعروف أن رفع أية شعارات أو ترديد هتافات متعلقة بالانفصال تستغله الحكومة لتسويغ استخدامها العنف، بيد أن المحتجين في الشوارع وعبر شبكة الإنترنت أكدوا أن حراكهم هذا يتمحور حول قضية جوهرية ألا وهي شح المياه، علاوة على ذلك فأن الجماعات الانفصالية لم تستغل الاحتجاجات لتحقيق مآربها.

إلاّ أنّ الإجراءات الصارمة المتخذة من قبل الحكومة قد صبت الزيت على النار ودفعت الاحتجاجات إلى حالة الهيجان المتصاعد، حيث استغلت الحكومة حالة اليأس التي تعصف بالقيادة الايرانية بغية تبرير قمع التظاهرات. بينما اتسعت في المقابل، رقعة الاحتجاجات إلى مدينتين رئيسيتين على الأقل خارج الولاية، طهران ومشهد، حيث أظهرت الجموع في هاتين المدينتين تعاطفها وتعاضدها مع خوزستان .

ففي بلدة إيذه بولاية خوزستان، ردد المتظاهرون شعارات وسط تصفيق حار :” الموت لخامنئي” و” تسقط الجمهورية الإسلامية “، وذلك وفقا لمقطع فيديو نشر على مواقع التواصل الاجتماعي، وأظهرت مقاطع فيديو للركاب في محطة مترو الانفاق في طهران، وهم يهتفون :” لتسقط الجمهورية الإسلامية” وذلك أثناء انتظارهم للقطارات، كما تعرضت مجموعة من المعارضين البارزين أمثال الناشطة الحقوقية نرجس محمدي للضرب وتم اعتقالهم لمدة يوم بعد أن تجمهروا أمام وزارة الداخلية في طهران لإعلان تضامنهم مع إقليم خوزستان ، بحسب ما أوضح زوج السيدة محمدي.

بدورها، ارسلت الحكومة وفداً لخوزستان للاطلاع وفتح التحقيق حول أزمة شح المياه، وتعهد الرئيس الإيراني المنتهية ولايته، حسن روحاني، بتقديم الإغاثة والتعويض لسكان الولاية. كما أعرب رئيسان سابقان وهما محمد خاتمي ومحمود أحمدي نجاد عن دعمهما للمحتجين وشجبا استخدام العنف ضدهم.

بَيْدَ أنّ خبراء البيئة و المياه قالوا بأن الإجراءات الترقيعية مثل نقل المياه عبر الصهاريج لن يحل المشكلة، فضلاً على أن فتح السدود وخزانات المياه ما هو إلا حل مؤقت لولاية خوزستان، بحكم أن هذه الاجراءات ستفتح أزمة شح المياه على حساب ولايات أخرى، كولاية أصفهان ومحطيها.

ووفقًا لناشط عربي واثنين من المحتجين في خوزستان، فإن الاحتجاج قد تأجج بشأن أزمة المياه عبر وسائل التواصل الاجتماعي يوم الجمعة، ولكن تبلور بشكل تدريجي منذ أسابيع.

وقد انطلقت شرارة الاحتجاجات في ٦ تَمُّوز/ يُوليُو، عندما سافر شيخ قبيلة عربية من قرية مرفانية إلى الأحواز برفقة مجموعة من المزارعين ومربي الماشية لتقديم شكوى بشأن أزمة المياه المُتفاقمة للمسؤولين في مديرية المياه والكهرباء بالولاية . وفي مقطع فيديو نشره صحيفة التايمز، صرح الشيخ خليفة مروان، الذي كان يرتدي ثوب أبيض وشماغ أزرق مزركش على رأسه، وهو يخاطب المسؤولين أثناء التجمع:” اسمعوني، سنتشبث بهذه الأرض، لقد جلبت إلينا الفيضانات والقحط لتجبرنا على الهجرة. لن تفلح خططكم هذه، إنها أرض أسلافنا”.

وانتشرت مُنَاشَدَة الشيخ هذه بين العرب على إنستجرام مما أثار اعتقادًا راسخًا بينهم بأن الحكومة المركزية قد فرضت عمدًا سياسات من شأنها أن تجبرهم على النزوح وتغير التركيبة السكانية لخوزستان.

وشارك الناس قصصهم الخاصة والصور على مواقع التواصل الاجتماعي، كما نشروا مقاطع فيديو عن المزارع التي اجتاحها الجفاف، وصورة لجاموس قد تمرغ بالوحل بعد أن جفت المياه. وقاموا أيضا بالدعوة لنشر الاحتجاجات على تطبيقي إنستجرام  وواتساب، مؤكدين على التركيز فقط على أزمة شح المياه وجعل الاحتجاجات سلمية وفق الناشطين الذين شاركوا في هذا الحراك.

وتواجه ولاية خوزستان جملة من التحديات البيئية القاسية ومنها: خزانات المياه الفارغة والمستنقعات الجافة والعواصف الغبارية القوية وارتفاع درجة الحرارة والحرائق الهائلة والتلوث الخطير الذي أصاب الهواء والماء والتربة نتيجة للمنشآت النفطية.

وقال كاوا مدني، وهو عالم المياه والمناخ في جامعة ييل، والنائب السابق لرئيس وكالة البيئة الإيرانية: ” إن الضغط الذي تعرض له النظام لمدة طويلة من الزمن هو أكبر بكثير من مقدرته البيئية، وخوزستان كبقية المدن الإيرانية تعاني في الوقت الراهن من شح بالمياه”.

وأوضح السيد مدني بأن الحكومات المتعاقبة قد تلاعبت واستنزفت الموارد الطبيعية لخلق فرص عمل. وقد عزز روايته هذه بمثال عن إقامة مشروع بغية تحويل موارد خوزستان المائية عبر أنابيب وقنوات إلى المناطق الوسطى ذات المناخ الصحراوي.

وفي وقت سابق، اندلعت احتجاجات في إيران بشأن شح المياه، تظاهر على سبيل المثال المزارعون بالقرب من أصفهان احتجاجاً على جفاف النهر الذي يعد شريان الحياة لمزروعاتهم. كما انتقدت جماعات المدافعة عن البيئة تجفيف بحيرة الملح الاستراتيجية بمدينة أرومية غربي إيران.

إن تزامن تغير المناخ والجفاف والوباء والعزلة طويلة الأمد نتيجة للعقوبات الأمريكية بصورة متداخلة، آثار المخاوف التي تؤكد عليها الاحتجاجات الأخيرة.

وقال صادق الحسيني، الاقتصادي البارز في إيران، يوم الثلاثاء خلال مناقشة أجريت بمنتدى كلوب هاوس ذو الشعبية الواسعة على الإنترنت، والذي حضره آلاف الإيرانيين: “إننا نواجه تحد خطير في ارتفاع ساعات تقنين الكهرباء وشح المياه في جميع أنحاء البلاد، وإذا لم يتحسن الطقس خلال الأشهر القليلة المقبلة فسوف تتفاقم الأوضاع نحو الأسوء”.

وعزا السيد الحسيني سبب المشكلة بأنها تعود جزئيا للدعم الحكومي والذي يقدم الكهرباء والماء بضرائب منخفضة ورخيصة مما يؤدي إلى الإفراط في استخدامها وهدرها. بيد أن فرض أية زيادة في الضرائب عليها سيخلق استياءً شعبياً في ظل معاناة نحو ٨٥ مليون إيراني من الفقر.

قد اندلعت موجة من الاحتجاجات في تشرين الثاني الماضي، حيث عمت جميع أرجاء البلاد عقب الارتفاع المفاجئ بأسعار مادة البنزين والتي تحولت سريعاً لمطالبات بإسقاط الحكومة. وقد قابلت السلطات هذه الاحتجاجات بإغلاق شبكة انترنيت لعدة أيام، واستخدمت الوسائل القمعية ضد المتظاهرين. وقالت الهيئات والجماعات الحقوقية الدولية حينها، بأنه مالا يقل عن ٣٠٠ شخص لقوا حتفهم إضافة إلى اعتقال ٧٠٠٠ آخرين. وقاد سكان ولاية خوزستان الاحتجاجات عام ٢٠١٩ وتكبدوا خسائر بشرية مرتفعة.

وقال عالم المناخ السيد مدني :” إن النظام في تعامله مع إدارة الأزمة، يقفز من أزمة إلى أخرى، بحيث يعالج كل واحدة على حدا باستخدام حلول ترقيعية، ظناً منه أن ذلك سيجدي نفعاً ولا تعود تظهر مرة أخرى”.

المصدر: نيويورك تايمز

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد