سي إن إن
تخيلوا، إن صح التعبير، أن تنعقد غرفة لإدارة الأوضاع في الشرق الأوسط تضم أربعة من قادة المنطقة الرئيسيين الذين يراقبون المواجهة الأخيرة بين الولايات المتحدةوإيران.
على الطاولة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو؛ والقائم بأعمال رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي؛ وحسن نصرالله زعيم حزب الله حليف إيران اللبناني المتشدد.
لقد استمعوا للتو إلى ما بدا وكأنه خطاب “إنجاز المهمة” من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. معظمهم، رغم أنهم ربما ليسوا جميعا، يتنفسون الصعداء، لكنهم يخدشونرؤوسهم حول ما سيسفر عنه هذا الأسبوع المضطرب لمستقبلهم.
بالنسبة لمحمد بن سلمان، يشير الخطاب إلى تفادي خطر فوري.
صحيح أن ولي العهد كان صريحًا في السابق بشأن ما أسماه الطبيعة “الشريرة” للقيادة الإيرانية في السنوات الأخيرة، لكن السعوديين يحثون على وقف التصعيد منذأن أمر “ترامب” باغتيال الجنرال الإيراني قاسم سليماني في غارة جوية بطائرة بدون طيار في بغداد، خوفا من الانغماس في دوامة الصراع بين حليفتهم “واشنطن” وعدوهم “طهران”.
وإذا وقعت المملكة العربية السعودية في منتصف أي تبادل لإطلاق النار، فليس هناك ما يضمن أن تكون الولايات المتحدة تنوي الرد بالنيابة عنها. لم يحدث ذلك في العامالماضي، عندما تم تعطيل منشأتين نفطيتين في هجوم ألقى باللوم فيه على إيران. هذه التجربة عمقت الشك في أن السعوديين يمكن أن يعتمدوا على الرجل في البيتالأبيض، الذي بدا وكأنه يؤكد أنه لا يريد الانجرار إلى حرب أخرى في الشرق الأوسط، لذلك بدأوا استكشاف الخيارات الدبلوماسية للحد من التوترات مع إيران.
لكن مهلا، هل المعادلة تتغير؟ هل إدارة “ترامب” أكثر استعدادًا الآن للقيام بعمل عسكري في مواجهتها المستمرة مع إيران؟ أم أن سليماني، الخبير الاستراتيجيالعسكري، اتخذ خطوة خاطئة تخطت “الخط الأحمر” للأمريكيين؟
دعونا نتخيل “نتنياهو” يقول: “يجب أن نفهم الأمر من زاوية الانتخابات”، ثم تتحول المحادثة إلى الهجوم الأخير على السفارة الأمريكية في بغداد خلال احتجاج من جانبأنصار الميليشيات العراقية المدعومة من إيران. وسيدور الحوار على النحو التالي: “حسنًا، لم يصب أحد بأذى، ولم يكن هناك الكثير من الضرر، لذلك اعتقد سليماني أنهسيهرب من إرسال رسالة قوية. لكن ترامب ربما كان يفكر في أزمة الرهائن عام 1979 في الولايات المتحدة سفارة في إيران، التي أغرقت [الرئيس] جيمي كارتر. منالمرجح أنه كان يفكر في الهجوم الذي وقع على القنصلية الأمريكية عام 2012 في بنغازي، والذي انتقدت إدارة أوباما من أجله. حتى أنه كتب تغريدة أن الحادث كانإعادة لأحداث بنغازي. لم يكن يريد التوجه إلى عام الانتخابات الرئاسية وهو يبدو ضعيفًا”.
لقد برر المسؤولون الأمريكيون اغتيال “سليماني” على أنه دفاع عن النفس لمنع أي هجوم “وشيك” على المصالح الأمريكية، وإظهار الردع لإيران للإشارة إلى أن ضبطالنفس السابق للرئيس لم يكن علامة على الضعف.
من شبه المؤكد أن رئيس الوزراء الإسرائيلي يأمل أن يكون الواقع هو الخيار الأخير الخاص بإظهار قوة الردع، فقد كان الإسرائيليون يشعرون بقلق عميق إزاء عدم وجودانتقام عسكري أمريكي العام الماضي بسبب الهجمات الإيرانية المزعومة في المنطقة. وقال رئيس الأركان في جيش الدفاع الإسرائيلي الجنرال آفيف كوخافي، فيتصريحات صريحة في نهاية العام: “سيكون من الأفضل لو لم نكن وحدنا”.
“فجأة لم نعد وحدنا!”.. هكذا قال مراسل الدفاع الإسرائيلي أليكس فيشمان بعد الهجوم على “سليماني”، مضيفا: “هذه معجزة استراتيجية!” الإسرائيليون تخلصواأيضاً من عدوهم الأول.
يقول محللون إسرائيليون إن قاسم سليماني كان مؤلف ومنفذ خطة ترسيخ الوجود العسكري الإيراني -عبر الوكلاء وغيرهم- في البلدان المحيطة بإسرائيل، وهي ما يسمونه”حلقة النار”. لكن إلى حد كبير، كان المسؤولون الإسرائيليون هادئين بشأن غارة الطائرات بدون طيار، مثل السعوديين على ما يبدو، حيث يأملون في تجنب الوقوع فيمنتصف حلقة تبادل لإطلاق النار.
أما القائم بأعمال رئيس وزراء العراق عادل عبدالمهدي، فربما يشعر وكأنه قد ألقى في النار خلال الأسبوع الماضي. أسقطته الضربة الأمريكية عن الحبل المشدود الذيكان يحاول من خلاله موازنة التحالفات مع كل من الولايات المتحدة وإيران.
استدعت وزارة الخارجية العراقية سفراء كلا البلدين لرفض استخدام العراق كمعركة لهم. ولكنه يمكن أن يكون ممتنًا لأن إيران منحت الرئيس “ترامب” وسيلة لحفظ ماءالوجه لخطوة طريق الحرب، بإطلاق صواريخ على قواعد لم تسبب خسائر بشرية، لكنه مع ذلك لا يزال في المقعد الساخن.
الولايات المتحدة حليف متطلب وغير متناسق. ومع ذلك، عندما حوصر “عبدالمهدي” وجد أنه أكثر أمانًا إلى جانب القوات الموالية لإيران في العراق.
حصل السياسيون والميليشيات الشيعية القوية على شرعية جديدة بعد أشهر من الاحتجاجات الشعبية ضد قبضتهم على البلاد، فقد أدانوا انتهاك أمريكا لسيادة العراقوطالبوا بمغادرة قواتها البالغ عددها 5200 جندي هناك.
ليس من الواضح ما الذي سيحدث من ذلك، لكن تداعيات الاغتيال خلقت حالة من عدم اليقين بشأن بقاء القوة العسكرية الأمريكية في العراق. وقال “عبدالمهدي” إنه لاتوجد طريقة أخرى “وإلا فإننا نسرع نحو المواجهة”.
هذا هو هدف حسن نصر الله، فهو كواحد من أبرز الشخصيات التي بقيت ضمن شبكة قاسم سليماني الإقليمية للقوات الوكيلة -قتلت الضربة الجوية الأمريكية أيضًاالزعيم شبه العسكري العراقي القوي، أبومهدي المهندس- يشعر بثقل المسؤولية لمواصلة مهمة الجنرال والانتقام موته.
وقال إن ذلك يجب أن يركز على ضرب الأصول العسكرية الأمريكية، لكنه حتى الآن لم يذكر إسرائيل، وهي هدف حزب الله المعتاد. ربما لا يعتقد الإيرانيون أن إعادةإشعال تلك الجبهة في مقدمة كل شيء في الوقت الحالي فكرة جيدة.
ربما لا يزال حسن نصر الله يحاول تحديد المشهد الجديد -ماذا يعني هذا بالنسبة لما يسمى “محور المقاومة” الآن بعد أن رحل مهندسه الرئيسي؛ وكيف سيتدخل في هذاالاختراق بالنظر إلى الاضطرابات في لبنان التي تحدت الهيمنة السياسية الداخلية لحزب الله؟
دعونا نتخيل أنه بعد انتهاء هذا الاجتماع، يخطط زعيم حزب الله لاستشارة الرئيس السوري بشار الأسد، الذي تلقى زيارة نادرة من قبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
بدون مساعدة قاسم سليماني الحاسمة، من المؤكد أن نظام الأسد لن ينجو من الحرب الأهلية في سوريا، فقد تركت أساليب الجنرال الإيراني القاسية في مقاومة التمردالعديد من السوريين يفرحون عند وفاته. ولكن كيف ستتشكل البلاد الآن، دون ثقل يده التوجيهية؟
لا شك أن هذا ما يحاول “بوتين”، حليف إيران في سوريا، قياسه، إلى جانب السؤال الآخر: هل كانت هذه لقطة الوداع التي يلقي بها ترامب قبل الخروج من المنطقة، أمأن الولايات المتحدة عادت بالفعل إلى اللعبة؟ وهل ضرب الأمريكيون ضربة قاصمة لمدى إيران الإقليمي، أم ساعدوا عن غير قصد هدفها طويل الأجل بطرد القواتالأمريكية من المنطقة؟ترجمة: المركز الكردي للدراسات