الخارجية الأمريكية تعاني مشكلة اسمها تركيا

بالأخذ بأي مقياس عملي، تعتبر تركيا نظاماً مارقاً. دعك من 46 عاماً من احتلالها لشمالي قبرص و التطهير العرقي فيها بالإضافة لنهب مواردها. كذلك التطهير العرقي الممارس من قبل تركيا ضد سكانها من الكرد. كان العالم على حق حينما أدان الاستهداف المتعمد الذي مارسه الرئيس بشار الأسد ضد الأحياء المدنية في حلب، ولكن الجيش التركي فعل الشيء ذاته في نصيبين، جزيرة، و سور.

سجل تركيا في دعم الإرهاب

بدلاً عن ذلك، إليكم سجلاً موسعاً للرئيس رجب طيب أردوغان:

·  من الواضح أن تركيا زودت بوكو حرام في نيجيريا بالأسلحة.

· تجاهل مذكرة محكمة الجنايات الدولية بحق الرئيس السوداني عمر حسن البشير، و مئات الآلاف من القتلى في دارفور، لأن “ليس لمسلم أن يرتكب إبادة عرقية”، ذات التعاطف يستهزء بالإبادة الأرمنية.

· عندما استولت القاعدة لمدة قصيرة على شمال مالي، دافع أحمد كافاس، المعين من قبل أردوغان عن القاعدة.

· لم يكتف أردوغان باحتضان حماس، وهي مجموعة إرهابية فلسطينية تقاتل اسرائيل والسلطة الفلسطينية، ولكن السادات SADAT، (مجموعة شبه عسكرية إسلامية خاصة يقودها أحد أبرز مستشاريه السابقين) ادعت أيضاً أنها ساعدت المجموعة الإرهابية عبر غسيل الأموال.

· أنشئ أردوغان خطة للسماح لإيران بتجاوز العقوبات، وكشفت عن جواسيس يراقبون برنامج إيران النووي، وحسب ممثل لحماس، أن أردوغان التقى بقائد فيلق القدس قاسم سليماني في أنقرة.

 تخطت علاقة تركيا مع تنظيم الدولة الإسلامية لتصبح راعية للتنظيم. فأردوغان لم يمكن التنظيم فقط عبر الدعم اللوجستي، والأسلحة، وتأمين ملاذ آمن له، بل أظهرت مراسلات بريدية مسربة لعائلته أنهم أيضاُ جنوا الأرباح لقاء ذلك. إن تواجد قائد تنظيم الدولة الإسلامية أبو بكر البغدادي في موقع لا يقل 3 أميال عن الحدود السورية والمنطقة ذاتها هي تحت هيمنة القوات التركية دليل على اللعبة المزدوجة لتركيا، مثلها مثل تواجد أسامة بن لادن في آبو آباد دليلاً على ازدواجية باكستان.

مقاتلو الدولة الإسلامية القدامى على قوائم الدفع التركية

تورط تركيا بدا أكثر وضوحاُ منذ هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية. حينما أعطيت الضوء الأخضر من قبل المبعوث الخاص الأمريكي جيمس جيفري، السفير السابق لدى تركيا، وغزت القوات التركية والفصائل بالوكالة المناطق تحت سيطرة الكرد في سوريا و بدأت مباشرة بتطهير عرقي ضدهم. حيث استنتج الجيش الأمريكي أن تركيا “دعمت بشكل نشط عدداً من الفصائل المتشددة الإسلامية و أنها انخرطت بأعمال عنف إجرامية”. بينما يرثو العالم ويتحدث عن الأطفال والنساء الإيزيديات اللواتي تم استعبادهن، واغتصابهن من قبل تنظيم الدولة الاسلامية، لا تزال الايزيدات المستعبدات يرزحن تحت العبودية في داخل تركيا والمناطق التي تسيطر عليها تركيا من سوريا.  تمارس الفصائل التي تدعمها تركيا الخطف واغتصاب النساء وهم يتمتعون بالحصانة في المناطق السورية التي يحتلونها. حيث أصدر الجيش السوري الوطني المدعوم تركياُ فتوى تجيز الاستيلاء على الممتلكات من المناهضين لهم وهي هنا، قوات سوريا الديمقراطية المتحالفة مع الولايات المتحدة الأمريكية. عملياً، توفر لهم غطاءً دينياً للتطهير العرقي الذي تمارسه المجاميع المدعومة تركياً.

عدم صدق أردوغان فيما يتعلق بتنيظم الدولة الإسلامية تؤكدها أعداد مقاتلي التنظيم المنخرطين في صفوف المجموعات المقاتلة بالوكالة والتي تدعمها تركيا في سوريا وغيرها. قبل عام، أصدر مركز معلومات روج آفا (وهي مؤسسة بحثية لم تتمكن تركيا أبدأ من ضحد أبحاثها) بيانات حول 40 مقاتلاً من داعش، هؤلاء وغيرهم من أعضاء المجاميع المدعومة تركياً هم عملاء لتركيا وتم دفع رواتبهم من قبل وزارة الدفاع التركية أو أجهزة استخباراتها.

لننظر على سبيل المثال، لسعد الشهد العنتري، وهو مترجم للقوات التركية في تل أبيض. عندما كانت الدولة الإسلامية تسيطر على المنطقة، عمل سعد في أجهزتها الاستخباراتية. عبد الله أحمد العبد الله أيضاُ عمل لدى استخبارات الدولة الإسلامية والآن يعمل مع القوات التركية في نهب صوامع الحبوب في سري كانيه. فايز العكل وهو حاكم الدولة الاسلامية في الرقة|، أيضاً حضر اجتماعات مع مسؤولين أتراك في تل أبيض حيث يذكر أنه سعى للتفاوض حول اتفاق يقدم فيها عائلته لتقود ميليشيا محلية بدعم تركي. كان بإمكان تركيا اعتقال العكل ولكنها لم تفعل بل قامت طائرة أمريكية بدون طيار باستهدافه قبل شهرين وحيدته من الميدان.

و القائمة تطول. قصي سعيد العزيز قاتل في ريف دمشق وحمص لصالح تنظيم الدولة الإسلامية: و شارك لاحقاً في التطهير العرقي الذي جرى في عفرين بالنيابة عن تركيا. ليس فقط مقاتلو تنظيم الدولة من يقاتلون لمصلحة تركيا في سوريا، بل نقل أردوغان موالين للقاعدة والدولة الإسلامية الى ليبيا ليقاتلوا هناك الى جانب الفصائل المقاتلة بالوكالة عن تركيا.

لا تعري هذه الحالات (وهي فقط جزء من العشرات من الحالات التي ظهرت) حجج تركيا في محاربة الارهاب في غزوها للادارة الذاتية في شمال وشرق سوريا إلا ككذبة، بل وتظهر أين تكمن منعطفات أردوغان الإيديولوجية. عندما دخل الجيش الوطني السوري المدعوم تركيا الى المناطق التي يسيطر عليها الكرد في سوريا، فعلوها تحت غطاء فتوىً معلنين أن السبب ليس مكافحة التطرف بل “جهاداً في سبيل الله” ضد “الإنفصاليين… والملاحدة الساخرين من الدين”.

في داخل الولايات المتحدة الأمريكية، فعلت تركيا خطة لتنفيذ عمليات تجسس من خلال شبكة من العملاء الأجانب الغير معلنة، كمثل، منظمة التراث التركية، ومؤسسة سيتا. جهودها المنصبة حول إعطال القانون الأمريكي المتعلق ب قضية “بنك الشعب”، هي بالتالي إهانة للكونغرس و القضاء الأمريكي. كما أن الهجوم على المتظاهرين السلميين في قلب العاصمة واشنطن هي أساليب متبعة سابقاً من قبل أنظمة كالجمهورية الإسلامية الإيرانية وأغسطس بينوشيت في تشيلي.

الجانب الناعم لدى الخارجية الامريكية فيما يتعلق بتركيا

تعيدنا التفاصيل هنا الى الخارجية الأمريكية. فبينما يعترف البنتاغون، والغالبية العظمى من أعضاء الكونعرس من الحزبين، ووزارة الخزانة الأمريكية والاستخبارات، بحقيقة الى تحول تركيا تحت حكم أردوغان، تواصل مجموعة من الدبلوماسيين الأمريكيين والمسؤولين في الخارجية الأمريكية وتعذر وتشرعن السلوك التركي كما وتخفف من حدة الإجراءات الساعية لمحاسبة تركيا.  

فوفقاً لبعض المسؤولين الأمريكيين وقدامى الموظفين لدى الخارجية الأمريكية بالإضافة الى بعض الدبلوماسيين والقادة الأجانب، أنهم تفاجئوا بتأييد المبعوث الخاص جيمس جيفري (ومن خلف الكواليس نائبه ريتشارد أوتزن)، لمواقف تركيا، ودفاعه عن روايات أردوغان، وإنكاره الأدلة حول الضرر التركي في المنطقة. بالنتيجة لم يؤد هذا فقط الى جدل سياسي محكم بل أنها استنزفت مصداقية الولايات المتحدة الأمريكية لدى الدول الأخرى في المنطقة. فبدلاً من تقوية الدبلوماسية الأمريكية، أضعف كل من جيفري وأوتزن تلك الدبلوماسية لصالح ليس فقط تركيا، بل كل من روسيا ولأسد أيضاً في سوريا.

ليست سوريا الملف الوحيد الذي قام اللوبي التركي داخل وزارة الخارجية بتحجيم تطبيق تلك السياسة. فخلال ثلاث أزمات (أزمة إيفروس حيث سعت تركيا لاستغلال المهاجرين كسلاح ضد الحدود اليونانية، اجتياحات تركيا للمنطقة الاقتصادية القبرصية، والتحديات العسكرية لتركيا ضد المنطقة الاقتصادية اليونانية وسيادتها على جزيرة كاستيلوريزو)، فإن مجموعة صغيرة من الدبلوماسيين المقيمين في تركيا عملوا الى تخفيف ردة فعل الخارجية الأمريكية الأولية، حيث يتبعها بيانات هزيلة للغاية بشكل أضعف حتى من بيانات الاتحاد الأوروبي. في الوقت الذي لا يخشى الدبلوماسيين الأوروبيين، غالباً، في تحديد الجهة المسؤولة، تقحم الخارجية الأمريكية العامل الأخلاقي في بياناتها عندما، وفي الحقيقة، حيثما تكون تركيا هي المعتدي أو هي الطرف الوحيد التي تنازع على الأراضي. بدا ذلك جلياً مؤخراً عندما دعت الخارجية الأمريكية تركيا أن تمتنع عن إجراء مسح زلزالي في “المياه المتنازعة عليها” عند إشارتها الى المياه اليونانية وهي حقيقة متنازعة و بدون أي أرضية قانونية، فقط من وجهة نظر الجانب التركي.

إن اتفاق الشراكة حول الطاقة والأمن في شرقي المتوسط، والذي وقع كقانون في كانون الأول الماضي يطلب من الخارجية الأمريكية تقديم ثلاث تقارير معلنة الى الكونغرس تسلط الضوء فيها على الانتهاكات التركية في بحر إيجة، واجتياحها للمياه القبرصية والمنطقة الاقتصادية الخاصة بها، والنفوذ التخريبي الآخر في المنطقة. لقد مر الوقت المخصص لتقديم تلك التقارير بينما يبدو وأن الدبلوماسيين في الخارجية الأمريكية المؤيدين لتركيا يعانون في سبيل تجهيز تلك التقارير كما ويعرقلون تقديمها، الأمر الذي يعتبر خرقاً للقانون الأمريكي. هذا التعتيم يبدو ظاهراً منذ مغادرة النائب السابق لرئاسة لخارجية ويس ميتشل، الذي عاد الى عالم الأبحاث، العام المنصرم وأبقى المسؤول في الخارجية فيليب ريكر، المساعد الأول لنائب رئاسة الخارجية للشؤون الأوربية والأوراسية ليدير الملف بشكل موسع.

سعى مساعد نائب رئاسة الخارجية للشؤون الأوربية والأوراسية، مات بالمر، للضغط على الحكومة القبرصية من أجل إنجاز صفقة الطاقة مع قبرص التركية وبتجاهل حل المشكلة الأساسية والتي هي احتلال تركيا وسيطرتها على الجمهورية التركية لشمال قبرص. في الحقيقة، هذا الأمر يقوض السياسية الأمريكية وهي تتماشى عكساً مع القانون الدولي وتؤخر السلم من خلال إقناع تركيا أنه عبر مزيد من الصبر فإن الخارجية الأمريكية ستدعم حلاً تبرر فيه لعدوانها سابقاً وفي الوقت الحالي.

إن قانون مواجهة خصوم الولايات المتحدة عبر العقوبات والذي صدر بدعم كبير من مجلس النواب ومجلس الشيوخ، فرض عقوبات على تركيا وإيران وشمال إفريقيا. أفسدت بدورها تركيا العقوبات بشرائها لمنظومة الصواريخ إس-400 من روسيا وإعلانها اختبار رادار الإس-400 عبر تعقب طائرة إف-16 أمريكية الصنع، كانت قد قدمت سابقاً لتركيا. بالرغم من هذه الانتهاكات الواضحة، لا تزال الخارجية الأمريكية تقوض تنفيذ القانون مراعاة لتركيا.

الاستنتاج

لا خلاف أن تركيا أصبحت مصدراً لعدم الاستقرار في شرق المتوسط. كذلك الأدلة ليست بدامغة حول تورط تركيا في دعم الإرهاب على المستوى العالمي. فهي تحتل أجزاء من ثلاث دول وتطمع بالمزيد في الوقت الذي يتسائل أردوغان علناً حول اتفاقية لوزان. ربما يخال لبعض من الدبلوماسيين الأمريكيين، الذين سروا بأوقاتهم التي قضوها في أنقرة وإسطنبول، أن الرضوخ لمظالم تركيا، بغض النظر عن غرابتها وعدم مبرراتها، أن بإمكانهم إعادة الشراكة التركية-الأمريكية.

ربما يفكر جيفري حقاً أنه  وبالرضوخ لكل مطلب من مطالب أردوغان أو أن خيانة الكرد الذين قاتلو جنباً الى جنب مع الولايات المتحدة لهزيمة مقاتلي الدولة الاسلامية المدعوم تركياً، أنه يستطيع بذلك تحسس النفوذ الروسي في سوريا. في الواقع، لم تكن أعمال جميس جيفري فقط هدية لأردوغان بل أيضاً للرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

بدلاً من تعزيز الأمن في شرق المتوسط، فإن مرواغة الخارجية الأمريكية قوضت ذلك الأمن. وربما يبطء وزير الخارجية مايك بومبيو من تنفيذ قانون العقوبات لمناهضة خصوم الولايات المتحدة إذعاناً للرئيس ترامب، ولكن ذلك جزء يسير من المعضلة الكبرى. لدى الخارجية الأمريكية مشكلة كبيرة وهي تركيا. والى أن تبدأ الخارجية بالعمل وفقاُ للقانون الأمريكي وحسب رغبة الكونغرس، من أجل غاية وحيدة وكجزء من السياسية الوطنية المتماسكة ووفقاً لمصالح الولايات المتحدة، سيستمر الأمن القومي للولايات المتحدة بالمعاناة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد