“أوراسيا ريفيو”: إيران وسياسات القوى العظمى في الشرق الأوسط.. ماذا بعد؟

يهدف هذا المقال إلى تقديم فكرة عامة عن دور إيران في الجغرافيا السياسية في الشرق الأوسط منذ بداية الجمهورية الإسلامية بعد الثورة الإسلامية الإيرانية في عام 1979، حيث يحلل الدور الذي تلعبه الأصولية الدينية في صياغة السياسة الخارجية الإيرانية، ويتحدث عن استراتيجية الحرب الهجينة الإيرانية التي تمارسها من خلال ميليشياتها الشيعية في المنطقة. وتركز المقالة أيضًا على دور فيلق الحرس الثوري الإسلامي وفيلق القدس التابع له في القرارات السياسية والأمنية. كما يركز المقال على علاقات إيران مع سوريا ودور “طهران” في تأمين نظام “الأسد” خلال الحرب الأهلية السورية، ودعم إيران للمتمردين الحوثيين في اليمن، والنفوذ الإيراني في السياسة العراقية ووحدات الحشد الشعبي المدعومة من “طهران”، والجناح المسؤول عن تجنيد الميليشيات الشيعية وتدخل إيران في السياسة اللبنانية من خلال “حزب الله”. وأخيرًا، يبحث المؤلف حول مستقبل إيران في الشرق الأوسط ومستقبل العلاقات الأمريكية الإيرانية.

المقدمة:

إن الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979، والتي أسفرت عن الإطاحة بالشاه محمد رضا بهلوي وتأسيس “حكم الفقيه” أو ولاية الفقيه لم تبقى محصورة في إيران. في عام 1970، بينما كان لا يزال يعيش في المنفى، قال زعيم الثورة الإسلامية آية الله علي الخميني في كتابه “الحكومة الإسلامية: حكم الفقيه”، إن كل المشاكل والصراعات التي نشأت في الشرق الأوسط ترجع إلى الانحراف عن المسار الإسلامي، حيث أعلن عزمه نشر الثورة على العالم الإسلامي بأسره(1). في أوائل الثمانينيات فقط، عندما كانت إيران تواجه حربًا مع العراق، بدأت سياستها في تجنيد وتعبئة المسلمين الشيعة وإقامة ميليشيات شيعية في جميع أنحاء الشرق الأوسط لمواجهة خصومها الألداء، عراق صدام حسين البعثي في ​​ذلك الوقت، وإسرائيل والمملكة العربية السعودية وانخراط الولايات المتحدة في الجغرافيا السياسية في الشرق الأوسط.

ظل الحرس الثوري الإسلامي وحزب الله وغيرهم من الوكلاء في العراق وسوريا وأفغانستان متورطين دائمًا، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، في كل صراع في الشرق الأوسط. وعلى الرغم من أن الصراع بين الشيعة والسنة، منذ بدايته بعد وفاة النبي محمد، لم يتسم بالعنف مثل الصراع البروتستانتي الكاثوليكي، فإن المسلمين الشيعة الذين يشكلون طائفة الأقلية في الإسلام خضعوا في كل بلد مسلم تقريبًا. إيران ليست سوى دولة إسلامية يهيمن عليها الشيعة في العالم، وعندما جاء حكم آية الله، قررت دعم كل قضية شيعية في أي جزء من العالم. ويعد دعم إيران لنظام الديكتاتور السوري حافظ الأسد، أول حليف إقليمي له ولاحقاً ابنه بشار الأسد، ودعمها للمتمردين الشيعة الحوثيين في اليمن، علامة واضحة على ذلك(2).

أحد العوامل المهمة للغاية فيما يتعلق بمدى قدرة إيران على الحفاظ على نفوذها في الجغرافيا السياسية في الشرق الأوسط يرجع إلى شبكتها المنظمة بشكل صحيح من الوكلاء وفيالق الحرس الثوري الإسلامي الفاعلة بقوة ومن بينها الفرع التابع له “فيلق القدس”. ستحلل هذه الورقة فيما بعد دور هؤلاء الوكلاء بالتفصيل لاحقًا. ولطالما استخدمت إيران هذه الجماعات خارج الحدود الإقليمية لأغراض استراتيجية، من أجل تعزيز أمنها القومي وجدول أعمالها الثوري(3). تنبع أهمية هذه الورقة من حقيقة التهديدات التقليدية وغير التقليدية الحالية التي نشأت مرة أخرى مؤخرًا، بشكل رئيسي بعد انسحاب الولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة المشتركة. ويشكل التهديد التقليدي لإيران بشكل رئيسي الولايات المتحدة وحلفائها في الشرق الأوسط، أي إسرائيل والمملكة العربية السعودية. أدت هجمات سبتمبر/أيلول الأخيرة على منشآت نفط “آرامكو” السعودية ودور إيران الذي لا يمكن إنكاره في الهجمات إلى زيادة التوترات. وهناك نوع آخر من التهديدات التي تواجهها إيران، وهو جماعات إرهابية مثل تنظيم “داعش” وتنظيم “القاعدة” في الشرق الأوسط.

بدا الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003 كفرصة عظيمة لإيران لنشر نفوذها في العراق وإقامة نظام شيعي تم إنجازه عندما عُين نوري المالكي، وهو مسلم شيعي، كرئيس للوزراء وبعد تقنين وحدات الحشد الشعبي، وهي أهم هيكل دعم لتجنيد الميليشيات الشيعية ومدعومة من قبل قيلق القدس الإيراني(4). تم إنشاء هذه الوحدات في الثمانينيات والتسعينيات كجزء من حركة المقاومة الإسلامية للإطاحة بحكومة صدام حسين، وأُعلن أنها جزء رسمي من الجهاز الأمني ​​للحكومة العراقية في عام 2016، وبعد هزيمة “داعش” وسقوط معاقله في العراق، تبرز وحدات الحشد الشعبي مرة أخرى كوسيط قوة داخل الجماعات الشيعية في العراق(5).

إذا تحدثنا عن سوريا، فإن نفوذ إيران في ميزان القوى وسياسة الشرق الأوسط قد تسارع إلى مستوى جديد بعد اندلاع الحروب الأهلية في سوريا واليمن. تعد سوريا حليفا لإيران منذ نشأة الجمهورية الإسلامية في عام 1979، وقد دعمت دائمًا الأب والابن حافظ الأسد وبشار الأسد على التوالي بسبب ولائهم للطائفة العلوية من الإسلام الشيعي(6). وقد بدأت حركة أنصار الله أو الحوثي، التي يُزعم أنها مدعومة من إيران، عام 1990 بهدف حماية المذهب الزيدي للإسلام الشيعي في اليمن(7). ظهرت أدلة على دعم إيران ومساعدتها العسكرية لمتمردي الحوثيين في عام 2012 عندما أوقفت البحرية الأمريكية سفينة شحن إيرانية تحمل 40 طناً من الترسانة العسكرية لاستخدامها من قبل متمردي الحوثيين ومن بينها صواريخ كاتيوشا وقذائف صاروخية وأرض-أرض، وبالإضافة إلى ذلك، رصدت الولايات المتحدة أيضًا قوات الحرس الثوري الإيراني التي تقدم التدريب للحوثيين في مدينة صعدة، وهي مدينة صغيرة في اليمن(8). أصبح دعم “طهران” لهؤلاء المتمردين أكثر وضوحا منذ الإنجازات العسكرية الناجحة التي قام بها هؤلاء المتمردون عام 2014 والسيطرة على العاصمة اليمنية صنعاء، وعندما وقع زعماء الحوثيين اتفاقًا لإنشاء خدمات الدعم الجوي بين طهران وصنعاء(9).

السؤال الأهم الذي يطرح نفسه هو: لماذا تريد إيران زيادة شبكة نفوذها في منطقة الشرق الأوسط؟ إن إحساس إيران بإدراك جيرانها كتهديد وجودي منذ عام 1979 هو سبب رئيسي وراء بدء الجمهورية الإسلامية لسياسة تجنيد الوكلاء في أوائل الثمانينيات. وأيضًا، لا يمكن إلقاء اللوم كله على الجمهورية الإسلامية كما حدث أثناء الحرب الإيرانية العراقية، فقد أثبت صدام حسين أنه تهديد وجودي عندما قتل مليون جندي إيراني في هجوم بأسلحة كيماوية، وقد حظي بالإشادة على تحركاته هذه من قبل الغرب وجميع الدول العربية تقريبًا، وكان هذا أحد الأسباب التي أدت إلى توحيد إيران وسوريا الأسد، وأدى ذلك إلى إنشاء أول وكيل لإيران وهو “حزب الله” في لبنان، والذي أصبح الآن ثقلًا كبيرًا في السياسة اللبنانية وتعمل إيران بشكل مستمر على تسليح تلك المجموعة عبر سوريا(10).

أصبحت هذه المجموعات التي تعمل بالوكالة نشطة للغاية بعد سقوط “بغداد” على الولايات المتحدة في عام 2003. هذه الاستراتيجية الهجينة للحرب أفادت إيران بشكل كبير، وذلك بتجنب المواجهات العسكرية المباشرة، وبالتالي إخفاء نقاط الضعف العسكرية التقليدية في إيران وإعادة تشكيل سياسات العراق لصالحها(11). من خلال هؤلاء الوكلاء، نجحت إيران في مواجهة النفوذ السعودي والأمريكي والإسرائيلي في المنطقة. ويحاول هذا المقال تحليل دور الجمهورية الإسلامية في مختلف النزاعات المستمرة في منطقة الشرق الأوسط.

التأثير الإيراني في العراق:

انتهت الحرب بين إيران والعراق في طريق مسدود بتدخل مباشر من الولايات المتحدة. خلال حرب الخليج عام 1991، لاحظ النظام الإسلامي بناء الجيش الأمريكي لتواجد قواته في المنطقة. حتى أثناء الغزو الأمريكي لأفغانستان عام 2001 وغزو الولايات المتحدة للعراق عام 2003، بدا أن الاثنين يمثلان تهديدًا عسكريًا كبيرًا للجمهورية الإسلامية. خلال “عملية عاصفة الصحراء”، كثف كولن باول من ثقل التوترات مجددا من خلال مخاطبة إيران مجددًا كـ”محور للشر” وقال إن “إيران، وليس العراق، هي العدو الرئيسي في المنطقة، وأردنا بشدة أن يكون العراق ثقلًا مضادًا لإيران”(12).

لا شك أن تأمين العراق يحتل المرتبة الأولى في قائمة أولويات إيران الإستراتيجية. الدولة التي تشترك معها في أطول حدودها هي الدولة الوحيدة التي هاجمتها في القرنين الماضيين. وفقًا لتقرير صادر عن مجموعة الأزمات الدولية(13)، فيما يلي أولويات آية الله في العراق:

– حكومة عراقية مركزية قوية مواتية لإيران، قادرة على مواجهة التهديدات الجهادية وتأمين حدودها.

– الحفاظ على السلامة الإقليمية للعراق حتى تظل البلاد مستقرة، ما يترك إيران غير متأثرة بأي تهديدات أمنية أو حدود ضعيفة.

– منع مجموعات المعارضة في العراق وأنصار “صدام” السابقين من ترسيخ أسس لهم في العراق، وبالتالي العمل ضد مصالح إيران.

اعتمدت إيران على ثلاثة بنود مهمة لنشر نفوذها في العراق، أول تأثير من هذا القبيل، كما ذكر أعلاه جاء مع الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003، وجاء المنعطف الثاني في عام 2011 بعد انسحاب القوات الأمريكية عندما قام رئيس الوزراء الشيعي بدعم من كليهما لقد تصرفت الولايات المتحدة وإيران ضد مصالح الزعماء السنّة المؤدية إلى حرمانهم من قوتهم السياسية وتهميشهم الاقتصادي، ما أدى إلى تجدد التطرف الذي عزز المصالح الإيرانية في البلاد وكان المنعطف الثالث هو صعود “داعش” في العراق، ما دفع طهران إلى تنظيم وتمكين الميليشيات الشيعية الحالية والجديدة من أجل مساعدة طهران في قتالها ضد داعش(14).

بحلول عام 2011، بعد انسحاب القوات الأمريكية وتتويج نوري المالكي كرئيس وزراء للعراق، كان لإيران تأثير كبير على السياسة والصراعات العراقية وكان لميليشياتها سيطرة رئيسية على مختلف الصناديق والوحدات العسكرية(15). يطرح صعود “داعش” في عام 2014 ونجاحه المثير تحديًا كبيرًا لوجود إيران والقبض العنيف على الموصل والمدن العراقية الأخرى، وقد طرح أسئلة جدية حول قدرات الحرس الثوري وفيلق القدس ونجاح إيران في تحقيق الاستقرار في العراق(16).

بعد مراجعة السيناريو الحالي، فإن أكثر التنبؤات الممكنة التي يمكن القيام بها هي أن التحديات التي تواجه إيران وسط الفراغ الأمني ​​وعدم الاستقرار وضعف الحكم والفساد والصراعات الطائفية هي منع ظهور تهديدات جهادية جديدة أو أي تهديد آخر من أعدائها التقليديين، إسرائيل أو المملكة العربية السعودية أو الولايات المتحدة، لضمان سيطرة السياسة الشيعية على الحكم في العراق وضمان الأموال والأسلحة المناسبة لوحدات الحشد الشعبي.

سوريا: الحليف

تعد تلك العلاقة واحدة من أقدم التحالفات في الشرق الأوسط، وهي العلاقة الدائمة بين سوريا وإيران. منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية، أقامت علاقات أولاً مع حافظ الأسد ثم تواصلت مع ابنه بشار الأسد. تعتبر العلاقة بين إيران وسوريا واحدة من أكثر العلاقات استدامة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وقد نظر قادة كلتا الدولتين إلى “صدام” على أنه تهديد وجودي، وكان لإسرائيل عدو مشترك وأراد التخلص من الوجود الأمريكي في المنطقة(17). السبب الأكثر أهمية وقوة لهذه الشراكة هو إسرائيل التي تعتبرها إيران لعنة، كما أن سوريا تظل حذرة من الدولة اليهودية بسبب الخسارة المهينة لمرتفعات الجولان خلال حرب عام 1967 التي لم تتمكن من استعادتها منذ ذلك الحين. ويعتبر السلوك العدائي للولايات المتحدة تجاه كلا البلدين سببا آخر للتعاون المتبادل.

يسيطر العلويون على سوريا، والتي وفقًا لتفسير موسع من قبل إيران، تعد جزءًا من الإسلام الشيعي الذي يعد أيضًا السبب الجذري للدعم الإيراني. انتفاضات العرب عام 2011 التي شهدت الإطاحة بالعديد من الديكتاتوريات الوحشية مثل حكم حسني مبارك في مصر، وزين العابدين بن علي في تونس، ومعمر القذافي في ليبيا، بل وهددت حتى نظام “الأسد”. اندلعت الحرب الأهلية في البلاد بعد محاولة فاشلة للإطاحة بالرئيس بشار الأسد. لقد وقفت إيران دائمًا إلى جانب نظام “الأسد” طوال الحرب الأهلية. وحتى “حزب الله”، أكبر مجموعة بالوكالة في إيران، وجد أنه يساعد النظام من خلال تدريب الميليشيات الموالية لـ”الأسد”، وغيرها من الجماعات المسلحة والعسكريين في الجيش السوري(18). تعد الأراضي السورية ذات أهمية استراتيجية للجمهورية الإسلامية نظرًا لارتباطها الجغرافي بلبنان، وهي معقل حزب الله وسوريا، ويتم نقل الأسلحة والمساعدات المالية بشكل مستمر إلى الميليشيات الشيعية اللبنانية عبر الأراضي السورية(19).

تسترشد دوافع إيران في سوريا أيضًا بالخوف من الأنظمة السورية ما بعد “الأسد”، وذلك لأن سوريا دولة ذات أغلبية سنية وإذا تولت جماعة سياسية سنية السلطة بعد بشار الأسد، فهناك فرص في الميل نحو العلاقة الأمريكية السعودية التي ستثبت بالتأكيد أنها معادية لمصالح إيران(20). يحتاج “الأسد” بشدة إلى دعم “طهران” للحفاظ على معقله على البلاد لأنه على الرغم من انتصاره على القوات المعادية لـ”الأسد”، إلا أنه يحكم البلاد التي مزقتها الحرب، والسكان الذين يعانون من أزمة إنسانية شديدة وضعف الجيش، علاوة على الانسحاب الأخير للقوات الأمريكية والهجوم التركي على القوات الكردية، واللذان تسببا في تقوية الجماعات الجهادية لأن القوات الكردية التي لعبت دورًا رئيسيًا في هزيمة “داعش” قد فقدت معقلها في شمال سوريا، وهو ما يعد مرة أخرى مشكلة كبيرة لكل من “طهران” و”دمشق”(21).

في الوقت الحاضر، فإن التحدي الأكبر أمام النظام الإيراني هو الاستمرار في العمل الخاص به في سوريا رغم تحمل العبء الثقيل للعقوبات الدولية والحفاظ على محور مقاومته.

حالة اليمن:

يمكن إرجاع الصراع في اليمن إلى أنصار الله، وهي حركة بدأت في التسعينيات بهدف الدفاع عن المذهب الزيدي للإسلام الشيعي، وبحلول عام 2000 كانت تقود تمرداً عسكريًا ضد جيش الرئيس اليمني الاستبدادي علي عبد الله صالح(22). في عام 2011، بعد الإطاحة بالرئيس السابق علي عبدالله صالح خلال انتفاضات الربيع العربي، كانت هناك آمال في انتقال ديمقراطي وكانت هذه الفكرة مدعومة حتى من قبل المتمردين الحوثيين ولكن البلاد انحدرت إلى حالة من الفوضى بعد سقوط الحكومة المؤقتة بقيادة عبدربه منصور هادي، حيث أطلقت “أنصار الله” مرة أخرى حملة عسكرية هجومية وسيطروا على العاصمة صنعاء. أدى ذلك إلى دخول تحالف مجلس التعاون الخليجي بقيادة المملكة العربية السعودية لمساعدة القوات الموالية لهادي في عام 2015. جمع هذا الصراع اليمني الذي تحول في النهاية إلى حرب سعودية يمنية الخصمين المتمردين الحوثيين وعلي عبدالله صالح ودخلا في تحالف يهدف إلى مواجهة النفوذ السعودي في اليمن(23)، ولكن هذا التحالف فشل في نهاية المطاف بعد أن اغتال المتمردون الحوثيون “صالح” في عام 2017 يتهمه بالخيانة.

يمكن بالطبع أن يكون هناك حجة مفادها أن الدعم الإيراني للحوثيين يمكن أن يكون مدفوعًا بفكرة أن حركة أنصار الله تعمل من أجل قضية الشيعة، وبالتالي يمكنها أن تساعد إيران بشكل استراتيجي إذا كان الحوثيون قادرين على الحفاظ على السيطرة الرئيسية على اليمن، ولكن حتى الآن يزعم المسؤولون الإيرانيون أن اليمن ليس مهمًا استراتيجياً بالنسبة لهم(24)، لكن لا يمكن القول ببساطة إن الصراع اليمني لم يفيد إيران لأن “طهران” حصلت على فرصة لتحقيق توازن ضد منافستها اللدود التي تدعي أنها قوضت مصالح إيران في الشرق الأوسط بشكل كبير. وخلال الحرب المستمرة في اليمن، قامت إيران والحوثيون بتحسين علاقاتهم بشكل ملموس، وهناك أدلة على تورط طهران وحزب الله ليس فقط في تقديم الدعم المعنوي والأيديولوجي، ولكن حتى التدريب العسكري وتسليم الأسلحة الاستراتيجية(25).

خلال فترة حكمه وحربه ضد الحوثيين، ادعى “صالح” أن المتمردين مدعومين من إيران، لكنه لم يقدم سوى القليل من الأدلة لدعم هذا الادعاء. لكن في عام 2012، ظهر دليل رئيسي على أن البحرية الأمريكية واليمنية أوقفت سفينة إيرانية بحوالي 40 طنا من المدفعية العسكرية والعديد من الأسلحة الاستراتيجية، بما في ذلك الصواريخ الباليستية والقذائف الصاروخية المخصصة للاستخدام من قبل الحوثيين(26). وقد ظهر دليلا آخر ظاهري في عام 2014، وأصبح دعم إيران للمتمردين أكثر وضوحًا وشفافية عندما توجه زعماء الحوثيين إلى “طهران” ووقعوا اتفاقات لإنشاء خدمة جوية بين العاصمتين وتعزيز العلاقات الإيرانية اليمنية(27).

يمكن لإيران أن تهدد بسهولة تدفق التجارة في البحر الأحمر إذا احتلت باب المندب الاستراتيجي وميناء عدن الذي يسيطر عليه الحوثيون بدعم من إيران ومع وجود مضيق هرمز بطهران. نية إيران هي فقط حرمان المملكة العربية السعودية من الانتصار على الحوثيين وكسب التقدم الاستراتيجي وردعها عن الظهور كقوة إقليمية. وقد أصبحت الحرب في اليمن كعب أخيل بالنسبة لـ”الرياض”، وترغب طهران في ضمان بقاءها كذلك، ولا يزال السعوديون يبحثون عن مخرج من هذا الصراع.

فرع طهران في لبنان:

شهدت إيران ولبنان علاقات ودية منذ بداية الجمهورية الإسلامية، ورأى القادة الثوريون لبنان كنموذج مثالي لتصدير النموذج الإسلامي خاصة بسبب كون شيعة لبنان جمهورا طبيعيا(28). وصل الوجود الإيراني في لبنان إلى مستوى جديد عندما نشر أكثر من ألف من الحرس الثوري في أعقاب الحرب الإسرائيلية اللبنانية عام 1982 وذلك عندما شكلت إيران حزب الله(29). منذ ذلك الحين، يُعتبر نموذج حزب الله الذي أصبح حتى طرفًا في السياسة اللبنانية الوكيل الأكثر نجاحًا لإيران ويظل أقوى حلفاء عسكريين من غير الدول لإيران، وقد تلقى الأسلحة والتدريب من الحرس الثوري الإيراني خلال حربه مع إسرائيل في 2006(30). وإلى جانب المساعدة العسكرية للبلاد، حافظت إيران أيضًا على روابط ثقافية مع لبنان ودربت حتى العديد من رجال الدين اللبنانيين(31).

لم ينتقد لبنان أبدًا البرنامج النووي الإيراني ووصفه دائمًا بأنه سلمي وأن الأسلحة النووية ليست حاجة ملحة بالنسبة لـ”طهران” وفي عام 2010، امتنعت الحكومة اللبنانية عن التصويت على قرار الأمم المتحدة لفرض مزيد من العقوبات على إيران(32). تمكنت إيران من زيادة اهتمامها الاستراتيجي بالشرق الأوسط بعد أن وجدت طريقة لمواجهة إسرائيل بالوكالة بعد تجربتها في غزو إسرائيل للبنان، حيث أدت مقاومة حزب الله إلى انسحاب إسرائيل عام 2000 وفوز حزب الله في حرب 2006. طورت طهران سياسة دفاعية بمساعدة لبنان، وخاصة حزب الله لأن إيران لم تكن قادرة بعد على ضرب إسرائيل من أراضيها، وبالتالي كانت تعمل على نية استخدام حزب الله لمهاجمة إسرائيل في حالة حدوث أي صراع(33).

في جوهره، فإن استخدام إيران لـ”حزب الله” كأداة استراتيجية له بعدان: القوة الصلبة والقوة الناعمة، والقوة الصلبة التي تصف القوة العسكرية للميليشيات الشيعية، وأنشطتها الإرهابية وغيرها من الأعمال الإجرامية، في حين أن القوة الناعمة التي تصف تأثير حزب الله في نشر الأيديولوجية الثورية الإيرانية وإدارة المدارس الدينية والصناديق والمستشفيات والمساجد ومؤسسات الخدمة الاجتماعية(34). أدى تشكيل “حزب الله” للسلطات شبه الحكومية الموازية لتلك التي شكلتها المنظمات الحكومية اللبنانية إلى إضعاف رأي الحكومات اللبنانية الرسمية في إدارة البلاد، وهناك أسباب كافية للقول إن البلاد يحكمها نظام “طهران” بشكل غير مباشر.

ماذا يحمل المستقبل بالنسبة لإيران:

لم تفز إيران أبداً بالحرب، لكنها لم تخسر أي منهما. على الرغم من امتلاكها لجيش تقليدي، فقد طورت القدرة على إلحاق الدمار من خلال حرب الطرف الثالث. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة وحلفائها يسيطرون على القوة الإقليمية، فإن إيران من خلال وضع سياسة دفاعية أمامية قد قلبت ميزان القوى إلى حد كبير لصالحها. أما الآن، فيمكن فك الشفرة بسهولة شديدة، وهي أن البلدان الضعيفة والهشة التي مزقتها الحروب الأهلية تقع فريسة لنفوذ إيران. وطالما أن هناك أنظمة ضعيفة ونزاعات طائفية في المنطقة، فإن ذلك سيكون في صالح إيران. وبالحديث عن العلاقات الأمريكية الإيرانية، على الرغم من توتر العلاقات بين البلدين منذ عام 1979، فقد وصلت العلاقات إلى مستوى جديد منذ انسحاب دونالد ترامب من برنامج العمل الشامل المشترك. وبعد فرض أكبر قدر من العقوبات على البنك المركزي الإيراني، فإن السبيل الوحيد لإيران من هذه العقوبات هو الوصول إلى طاولة المفاوضات للتفاوض على صفقة نووية جديدة بدلاً من تأجيج التوترات الإقليمية والعالمية.

—-

*أديتيا راج: طالب في جامعة القانون الوطني بـ”جودبور” الهندية ولديه اهتمام كبير في المجالات المتعلقة بالشؤون الدولية والسياسة الخارجية والدبلوماسية والدراسات الاستراتيجية.

*للاطلاع على النص الأصلي باللغة الإنجليزية.. اضغط هنا

—-

المراجع:

1.       Ayatollah Ruhollah Khomeini, Islamic Government: Governance of Jurisprudent, Mizan Press, (1970).

2.       Itamar Rabinovich, “How Iran’s regional ambitions have developed since 1979”, Brookings, January 24, 2019, available at https://www.brookings.edu/blog/order-from-chaos/2019/01/24/how-irans-regional-ambitions-have-developed-since-1979/.

3.       Project, “Iran’s Networks of Influence in the Middle East”, International Institute of Strategic Studies, November 2019, available at https://www.iiss.org/publications/strategic-dossiers/iran-dossier/iran-19-02-introduction.

4.       Middle East Report, “Iran’s Priorities in a turbulent Middle-East”, International Crisis Group, April 13, 2018, available at https://www.crisisgroup.org/middle-east-north-africa/gulf-and-arabian-peninsula/iran/184-irans-priorities-turbulent-middle-east. 

5.       Nicholas A. Heras, “Iraq’s Fifth Column: Iran’s Proxy Network”, Middle East Institute, October 2, 2017, available at https://www.mei.edu/publications/iraqs-fifth-column-irans-proxy-network.

6.       Esther Pan, “Syria, Iran and the Mideast Conflict”, Council on Foreign Relations, July 18, 2006, available at https://www.cfr.org/backgrounder/syria-iran-and-mideast-conflict.

7.       Charles Schmitz, “The Rise of Yemen’s Houthi Rebels”, BBC News, February 28, 2015, available at https://www.bbc.com/news/world-middle-east-31645145.

8.       Gerald M. Feierstein, “Iran’s Role in Yemen and Prospects for Yemen”, Middle East Institute, December 6, 2018, available at https://www.mei.edu/publications/irans-role-yemen-and-prospects-peace.

9.      Ibid.

10.   Middle East Report, “Iran’s Priorities in a turbulent Middle-East”, International Crisis Group, April 13, 2018, available at https://www.crisisgroup.org/middle-east-north-africa/gulf-and-arabian-peninsula/iran/184-irans-priorities-turbulent-middle-east.

11.   Project, Iran’s Network of Influence in the Middle East, International Institute of Strategic Studies, November 2019, available at https://www.iiss.org/publications/strategic-dossiers/iran-dossier/iran-19-03-ch-1-tehrans-strategic-intent.

12.   Colin Powell, My American Journey, New York, Random House, 1995, re. ed., New York, Ballantine, 2003, pp.531.

13.   Middle East Report, “Iran’s Priorities in a Turbulent Middle-East”, International Crisis Group, April 13, 2018, available at https://www.crisisgroup.org/middle-east-north-africa/gulf-and-arabian-peninsula/iran/184-irans-priorities-turbulent-middle-east.

14.   Garrett Nada, “Part 1: Iran’s Role in Iraq”, Woodrow Wilson International Center for Scholars, April 26, 2018, available at https://www.wilsoncenter.org/article/part-1-irans-role-iraq.

15.   Ishtiaq Ali Mehkri, “Religion and Politics in Iran-Iraq Relations.” Pakistan Horizon 58, no. 4 (2005): 33-41, available at www.jstor.org/stable/41394115.

16.   Missy Ryan and Loveday Morris, “The U.S. and Iran are aligned in Iraq against the Islamic State — for now”, Washington Post, December 27, 2014, available at https://www.washingtonpost.com/world/national-security/the-us-and-iran-are-aligned-in-iraq-against-the-islamic-state–for-now/2014/12/27/353a748c-8d0d-11e4-a085-34e9b9f09a58_story.html.

17.   Jubin Goodarzi, Syria and Iran: Diplomatic Alliance and Power Politics in the Middle-East, I.B.Tauris, New York, (2006).

18.   Matthew Levitt, “The Hezbollah Connection in Syria and Iran”, Council on Foreign Relations, February 15, 2013, available at https://www.cfr.org/interview/hezbollah-connection-syria-and-iran.

19.   Will Fulton, Joseph Holliday and Sam Wyer, “Iranian Strategy in Syria,” Institute for the Study of War, May 2013, available at http://www.understandingwar.org/report/iranian-strategy-syria.

20.   Karim Sadjadpour, “Iran’s Unwavering Support to Assad’s Syria”, Syria Special Issue, Volume 6, Issue 8, Combating Terrorism Center, available at https://ctc.usma.edu/irans-unwavering-support-to-assads-syria/.

21.   Randa Slim, “Why Assad’s ally with Iran and Hezbollah will endure”, Atlantic Council, February 6, 2019, available at https://www.atlanticcouncil.org/blogs/iransource/why-assad-s-alliance-with-iran-and-hezbollah-will-endure-2/.

22.   Charles Schmitz, “The Rise of Yemen’s Houthi Rebels”, BBC, February 28, 2015, available at https://www.bbc.com/news/world-middle-east-31645145.

23.   Patrick Wintour, “Why is Saudi Arabia in Yemen and what does it mean for Britain”, The Guardian, March 8, 2018, available at https://www.theguardian.com/world/2018/mar/08/why-saudi-arabia-in-yemen-what-does-it-mean-for-britain.

24.   Project, “Iran’s Priorities in a turbulent Middle-East”, International Crisis Group, April 13, 2018, available at https://www.crisisgroup.org/middle-east-north-africa/gulf-and-arabian-peninsula/iran/184-irans-priorities-turbulent-middle-east.

25.   Podcast, “Yemen: Is peace possible”, International Crisis Group, March 1, 2016, available at https://www.crisisgroup.org/middle-east-north-africa/gulf-and-arabian-peninsula/yemen/yemen-peace-possible-podcast.

26.   Gerald M. Feierstein, “Iran’s Role in Yemen and Prospects for Peace”, Middle East Institute, December 6, 2018, available at https://www.mei.edu/publications/irans-role-yemen-and-prospects-peace.

27.  Ibid.

28.   Sanam Vakil, “Distant Relations: Iran and Lebanon in the Last 500 Years”, Middle East Policy Council, available at https://mepc.org/distant-relations-iran-lebanon-last-500-years.

29.   Will Fulton, “Lebanon-Iran Foreign Relations”, Critical Threats, July 30, 2010, available at https://www.criticalthreats.org/analysis/lebanon-iran-foreign-relations.

30.   Claire Parker, “Iran has invested in allies and proxies across the Middle-East. Here’s why they matter now.”, The Washington Post, June 18, 2019, available at https://www.washingtonpost.com/world/middle_east/iran-has-invested-in-allies-and-proxies-across-the-middle-east-heres-why-they-matter-now/2019/06/18/0549200e-9152-11e9-b72d-d56510fa753e_story.html.

31.   Emile Hokayem, “Iran Primer: Iran and Lebanon”, Tehran Bureau, October 29, 2010, available at https://www.pbs.org/wgbh/pages/frontline/tehranbureau/2010/10/iran-primer-iran-and-lebanon.html.

32.   Will Fulton, “Lebanon-Iran Foreign Relations”, Critical Threats, July 30, 2010, available at https://www.criticalthreats.org/analysis/lebanon-iran-foreign-relations.

33.   Middle East Report, “Israel, Hezbollah and Iran: Preventing Another War in Syria”, International Crisis Group, February 7, 2018, available at https://www.crisisgroup.org/middle-east-north-africa/eastern-mediterranean/syria/182-israel-hizbollah-and-iran-preventing-another-war-syria.

34.   Jordan Steckler, “Iranian Influence in Lebanon: The Hezbollah model”, United against Nuclear Iran, June 2018, available at https://www.unitedagainstnucleariran.com/ideological-expansion/iranian-influence-lebanon-hezbollah-model.

ترجمة: المركز الكردي للدراسات

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد