بول سميث وشيمان زيباري / ترجمة: محمد عبدالعزيز
إن نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة ليست مؤكدة بشكل كبير، ولم تظهر استطلاعات الرأي بشأن تلك الانتخابات أي اتساق، ويبدو أنها تعتمد على التحيز السياسي لاستطلاعات الرأي أكثر مما تعتمد على محاولة صادقة لتمييز المشاعر الحقيقية والمناخ الحقيقي للناخبين.
إن استطلاعات الرأي تبدو متباينة، لذ لك من الصعب الجزم بمن سيفوز، وبالنظر إلى الاتجاهات الوطنية العامة، يبدو أن ترامب سيعاد انتخابه، ولكن الاتجاهات يمكن أن تتغير بين عشية وضحاها، فهناك العديد من الأسباب لتوقع إعادة انتخاب ترامب، والسبب الأكبر يبدو أنه يأتي من استطلاعات الرأي الخاصة في ولايات ساحة المعركة التي تظهر أن أهم المخاوف هي الاقتصاد والقانون والنظام، وهي رسائل متكررة اعتاد دونالد ترامب أن يكررها طوال الحملة الانتخابية.
ولا تزال حملة بايدن تميل نحو الرعاية الصحية وعدم الكفاءة المتصورة لإدارة ترامب، كما أنه يعتمد بشدة على افتراض أن الأمة تستهلكها قضايا الظلم العنصري. وهناك أيضاً قضية الناخبين المترددين العالقين بين كره ترامب وعدم الثقة ببايدن وسياساته، ويتردد صدى قضية الاقتصاد باعتباره القضية رقم واحد التي تحتل اهتمامات الناس وتحشد أصواتهم. وقد حاول اليسار إلقاء اللوم على ترامب في جميع المشاكل استناداً إلى افتقاره المتصور إلى القيادة في محاربة “كوفيد-19″، لكن العديد من الأمريكيين يقبلون بحقيقة أن هذا الوباء ضرب العالم بسرعة وفتك. ومن ناحية أخرى، يعرفون أيضاً أنه قبل انتشار الوباء، كان ترامب قد حقق تقدما في الاقتصاد وظروف العمل في جميع المجالات. فقد تبين أن الأمريكيين البيض والسود واللاتينيين لديهم أدنى معدل بطالة في التاريخ، فضلاً عن النمو في الأعمال التجارية بالنسبة للسود والأسبان.
لقد حبس بايدن نفسه في موقف مفاده أن الرعاية الصحية تشكل مصدر قلق كبير لمعظم الأمريكيين، وأظهر استطلاع حديث للرأي أجرته مؤسسة “بيو” للأبحاث أنه في حين أظهر 68٪ من المشاركين أن الرعاية الصحية هي عامل رئيسي في قرار التصويت، أشار 79٪ إلى الاقتصاد. ومن المؤشرات الأخرى التي يغيب عنها بايدن وتيرة البلاد أنه في التقرير نفسه، الذي صدر في أغسطس، جاءت القضايا العرقية والهجرة في الطرف الأدنى.
وفيما يتعلق بالسياسة الخارجية بشكل عام والشرق الأوسط بشكل خاص، يتعلق السؤال بكيفية تأثير المرشحين على السياسة، ومع فوز ترامب، من المرجح أن يكون هناك تغيير ضئيل. ولم يخف ترامب حقيقة أن السياسة الداخلية للولايات المتحدة هي قضيته الأولى، وهو يرى أن من الأفضل ترك القضايا الإقليمية للاعبين الإقليميين، وقد تصدر ترامب مؤخراً عناوين الصحف من خلال التوسط في معاهدات تاريخية بين إسرائيل والعديد من الدول العربية. من ناحية أخرى، تحدث بايدن كثيراً عن الرغبة في السلام، إلا أن ذلك يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالاتفاق النووي الإيراني حيث تم رفع العقوبات الإيرانية، وتم الإفراج عن مليارات الدولارات إلى إيران. ولكن لم يتم استخدام تلك الأموال لصالح الشعب الإيراني بل لزيادة الهيمنة الإيرانية. ويستثمر بايدن في إعادة الاتفاق الإيراني ورفع العقوبات التي كانت قائمة منذ أن سحب ترامب الولايات المتحدة من الاتفاق المعيب.
وفي الآونة الأخيرة، رفعت الأمم المتحدة، بسبب اعتراضات الولايات المتحدة، القيود المفروضة على بيع إيران معدات عسكرية. إن إعادة تسليح إيران وتعزيزها تشكل خطراً على الكرد في المنطقة بأسرها، ولم تكن إدارة أوباما صديقة لإقليم كردستان المستقل، ومن المرجح أن يعود الأشخاص الذين كانوا في إدارة أوباما في إدارة بايدن.
وكما قلنا، فإننا لا نرى تغييرا كبيرا في سياسة الإدارة في المنطقة، إلا أن هناك تطورات يمكن أن تفرض تغييرا. ومن أكبر المشاكل التي ستواجهها الإدارة المقبلة زيادة العداء التركي، ليس فقط في سوريا والمنطقة الكردية العراقية ولكن أيضاً في البحر الأبيض المتوسط ومع اليونان. وإذا ما استمرّت تركيا في ذلك، وهي إجراءات لفتت انتباه المملكة المتحدة وفرنسا، ستضطر الولايات المتحدة إلى الانخراط. بالإضافة إلى ذلك، إذا ما ازيدت إيران من أنشطتها، فإن إدارة ترامب ستحتاج إلى إظهار بعض التصميم. هذه مرة أخرى ليست سوى إدارة ترامب. ومن المرجح أن لا يفعل بايدن أي شيء لوقف العدوان الإيراني.
وستستمر السياسة الأمريكية في دعم بغداد. ولا تزال السياسة الأمريكية حبيسة الاعتقاد بوجود “عراق واحد”. وهذا صحيح منذ إدارة بوش وسيستمر من خلال أي إدارة أمريكية. وفي حين أن الكثيرين في الكونجرس الأمريكي يتشدقون بمفهوم استقلال كردستان، فمن غير المرجح أن يرتفع الدعم إلى درجة تغيير السياسات. إن دعم ترامب لأردوغان التركي راسخ، ومع ذلك فإن الكثيرين في الكونجرس وفي كل من وزارتي الخارجية والدفاع ينصحون بنهج مختلف بما في ذلك مايك بومبيو.
وسيكون التأثير الأكبر لهذه الانتخابات في الولايات المتحدة. وفي حين أنه من الصحيح أن جميع الانتخابات تؤثر على البلد الذي تجري فيه، إلا أن الاختلاف في المرشحين وحزبيهما، فضلاً عن الانقسام المتزايد داخل الولايات المتحدة، من المرجح أن يسبب تحولاً زلزالياً بغض النظر عن النتيجة، وقد قدمت وسائل الإعلام الأمريكية الكثير عن زعمها بأن ترامب لن يقبل النتيجة إذا خسر، وهو أمر لم يأت من ترامب قط، ولكن بالنظر إلى الطريقة التي تجري بها الانتخابات، فمن المشكوك فيه أن يتنازل بايدن وفريقه بسهولة.
ومن منظور دولي، إذا لم يتقرر الانتخاب في صناديق الاقتراع، فسيكون له تأثير شديد على الاقتصاد العالمي. وول ستريت وغيرها من الأسواق الرئيسية تمقت عدم اليقين، وهذا سوف ينعكس في أي مشكلة مع الانتخابات. ولن يكون هذا هو نفس ما كانت عليه انتخابات بوش وجور في عام 2000 حيث ان الجانبين راهنا فى هذا الوقت على ادعاء تزوير الناخبين ضد الاخر . وهناك أيضاً احتمال جيد جداً بأن يتكرر عام 2016 حيث سيفوز ترامب في المجمع الانتخابي لكنه سيخسر التصويت الشعبي. وهذا من شأنه أن يتيح لتركيا وإيران وروسيا فرصة للاستفادة من فراغ السلطة المتصور والتحرك لتعزيز السلطة في ما تعتبره مناطق نفوذها.
ويجب أن نتوقع فترة أطول من المعتاد قبل صدور النتائج. ويتجه ترامب نحو إعادة انتخابه، لكن السباق في هذه المرحلة مقيد. إن فوز ترامب سيؤدي إلى الوضع الراهن في حين أن فوز بايدن سيؤدي إلى العودة إلى موقف الولايات المتحدة الضعيف في العالم.
المصدر: بول سميث وشيمان زيباري – موقع إنتوبوليسي