مهمة هولير “أربيل” في الأجندات التركية

حسين عمر

تزامنت زيارة وزير الحرب التركي “خلوصي أكار” مع كامل أركان قوته التدميرية الى العراق وكردستانها قبل يومين من خروج ترامب من البيت الأبيض، ويوم واحد من الذكرى الثالثة للاحتلال التركي لعفرين الكردية السورية.

أعاد توقيت الزيارة الى أذهاننا الأحاديث التي تم تداولها منذ عدة أشهر عن نية تركيا في شن عدوان جديد على المناطق الكردية على طرفي الحدود السورية العراقية في محاولة للقضاء على المنجز في روزأفا والالتفاف على إقليم كردستان العراق من خلال احتلال شنكال الملاصقة لموصل وبالتالي تحقيق جزء من الميثاق الملي التركي الذي يعتبر كامل روزافا وكذلك كامل إقليم كردستان، من ضمنه مدينة الموصل وكركوك، جزء من الدولة التركية، تمّ اقتطاعها منها. وتستند الى ذلك على اتفاقية جالديران 23/08/1514.  

هذا المخطط العدواني الذي تعمل عليه الطبقة الحاكمة التركية وتحاول تنفيذه كلما سنحت لها الفرصة المناسبة، ويبدو أنها رأت وجود إمكانية العمل عليه في هذه الفترة، لهذا جرت الزيارة بالمستوى المذكور الى بغداد وأربيل المتخمتين بالخلافات الداخلية وكذلك الخلافات البينية بين الإدارتين المركزية في بغداد والفدرالية في أربيل على العديد من القضايا العالقة بين الطرفين، تستفيد منها تركيا لتمرير خططها، مستغلة تلك الخلافات وضعف الإدارتين المركزية والفدرالية للي اذرع الطرفين وهي تحتاج فقط الى سكوت حكومة بغداد ولهذا لم يهتم الأعلام التركي بزيارة الوفد لبغداد بقدر الاهتمام الكبير وعلى مدى أيام وحتى كتابة هذه المادة بالحفاوة والاستقبال الذي لقاه الوفد في هولير، وهو ما يوضح مدى حاجة القوة الحربية التركية لشريك كردي في تنفيذ عدوانه السابق الذكر.

ويجدر الذكر هنا أنّ مع كل زيارة لوفد حكومي تركي الى أربيل، تجري بعدها عمليات قصف جوي مدمر، أو اجتياح بري محدود.

لكن هذه المرة كان في جعبة أركان الحرب التركية خطط تدمير وتهجير وإبادة مختلفة عن سابقاتها، تبدأ من المثلث الحدودي السوري العراقي التركي، وتنتهي في قضاء شنكال، عملية كبيرة لو جرت ستمتد ساحة فعاليتها لتشمل آلاف الكيلومترات، داخل أراضي دولتين مستقلتين.

تأمل الحكومة التركية القيام بهذا العدوان قبل أن تستقر الإدارة الأمريكية الجديدة، مستفيدة من العلاقات المتوترة بين قوات سوريا الديمقراطية وروسيا من جهة، والتصعيد الحاصل من قبل النظام السوري ضد مناطق الإدارة الذاتية لشمال شرق سوريا، مع وجود حكومة عراقية ضعيفة، لا يمكنها التصدي أو منع العدوان التركي.

تعتقد الحكومة التركية أن الظروف مواتية لقيامها بعدوان سريع مخطط له جيدا، المطلوب هو تهيئة الوكيل الذي سيكون في مقدمة الهجوم، الوكيل الكردي حصرا، لان المنطقة المستهدفة غالبيتها من الكرد.

في هذا الصدد لا يمكن لتركيا الاعتماد على المرتزقة السوريين الذي كانوا رأس حربة لها في احتلال عفرين، وبقية المناطق السورية. بل يجب أن تكون الحجة على الأقل واقعية، وهي أن الكرد يرفضون الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، وفي قضاء شنكال. يجب أن يتمتع الوكيل بشعبية، ويرفع راية القومية الكردية، ولن يجد الطاقم الحربي التركي هذا إلا في الحزب الديمقراطي الكردستاني، والذي تتبع له قوات لشكري روز، وكان للقيادة العسكرية والسياسية التركية زيارات موثقة الى نقاط تمركزهم في العديد من المرات، تلك القوة التي يدعي المجلس الوطني الكردي المنضوية في الائتلاف السوري المعروف بوكالته لتركيا. تلك القوة يمكن أن تكون رأس حربة الهجوم، إذا وافق السيد مسعود البرزاني على المشاركة في المخطط الإجرامي التركي، من أجل احتلال المناطق المذكورة، وهو ما يحاول اردوغان شخصيا فرضه ليكون أكبر إنجاز سياسي وعسكري يحققه خلال فترة حكمه الطويلة.

ليست الزيارة الأولى لمسؤول تركي يحمل معه خطط لضرب الكرد بالكرد، ولن تكون الأخيرة، لأنها أحد أشكال الاستراتيجية التركية المتبعة منذ العهد العثماني، واستمرت حتى يومنا هذا، لكن الهدف التركي يختلف هذه المرة، وهو التحرك ضمن مساحة جغرافية كبيرة عابرة للحدود، وهي تشمل بعض الأطراف الحدودية السورية، وصولا لمنطقة شنكال. مما يعني أن الخطة تشمل الاعتداء على أراضي دولتين عضوين في الأمم المتحدة، لكن الحكومة التركية محصنة من قبل القوى الدولية النافذة في إبادة الشعب الكردي، وتدمير قراه وبلداته وقتل أبناء وبناته. ترتكب المجازر وتقصف القرى والمدن بجميع الأسلحة، وتُهجّر سكانها دون أن تتحرك أي دولة، ويبقى كلّ من النظامين السوري والعراقي ساكنين صامتين، ينتظران ساعة انتهاء العدوان التركي لإغلاق الملف، واتهام الكرد بالتسبب في دفع تركيا الى قتلهم وتشريدهم، في صورة تراجيدية كردية، مستمرة منذ مئات السنين.

هي زيارة “تمسّك الغريق بقشة” في محاولة منه للنجاة، يحاول اردوغان النجاة قبل أن يتم إزالة القش عن المستنقع الذي أوجد نفسه فيه، ولن يجد القشة إلا في العراق وكردستانها، أرسل طاقمه الحربي ليحصل عليها في بغداد، وعندما لكن يبدو أنه لم يجد المساندة المطلوبة، لأسباب عديدة، أولها عدم ثقة القوة المهيمنة على القرار العراقي بالنوايا التركية، والأسباب الأخرى مذهبية وتاريخية لا حاجة للدخول فيها.

لم يفقد اردوغان الأمل، لان له تجارب مع قيادة اقليم كردستان العراق التي تربطها معه علاقات متشابكة اقتصادية وسياسية وعسكرية على اعلى المستويات، بين حزب العدالة والتنمية (الحكومة التركية) والحزب الديمقراطي الكردستاني (حكومة إقليم كردستان)، وهذا غير خاف على أحد.

كانت الزيارة بروتوكولية، أكثر منها زيارة عمل، لان ثمّة لجان عسكرية بين الطرفين لا بل غرف عمليات مشتركة موجودة في هولير ودهوك وغيرها من المدن والبلدات التي هيمنت عليها تركيا منذ أعوام، هذا كله معروف للمراقبين، لكنها أوضحت امرأ مهماً، أن السيد مسعود البرزاني مازال  يقود الإقليم مع قيادته لقوات البشمركة، ومازال يمسك ملف العلاقة مع تركيا في يده دون رئيس اقليم كردستان العراق نيجيرفان بارزاني الذي كان في فترة ما موثوقاً من قبل قادة حزب العدالة والتنمية التركي حسب الصحافة التركية لكن الوضع اختلف كثيرا بعد تسلم مسرور البرزاني رئاسة الحكومة وعودة والده الى لعب الدور الأساسي في قيادة الإقليم كما كان قبل الاستفتاء.

في كل الأحوال زيارة لن تأتي بنتائج جديدة، بل هي محاولة تركية لشرعنة تواجدها واحتلالها لبعشيقة ومساحة كبيرة من منطقة بهدينان وبرزان في الإقليم الكردي- العراقي، وقد تحقق مؤقتاً، قبل تفعيل خطط الإدارة الأمريكية الجديدة في المنطقة التي يتوجس منها الطرفان “الحكومة التركية وحكومة إقليم كردستان” بسبب الحضور البارز للدبلوماسي الأمريكي بريت مكغورك الذي استلم ملف الشرق الأوسط وشمال أفريقيا المنطقتان الساخنتان في العالم، وترغب الإدارة الجديدة العودة إليهما بقوة وحفظ المصالح الأمريكية فيهما، بعد أن قلصت إدارة ترامب النفوذ الأمريكي  في المنطقة عامة وشمال شرقي سوريا خاصة وسمحت لتركيا وروسيا بالتمدّد على حساب أمريكا.

اردوغان يعلم جيدا بأن عهد بايدن لن يكون كعهد أوباما، لاسيما بغياب هيلاري كلنتون. ولا يمكن أن يكون كعهد ترامب لان المصالح الشخصية لن تلعب دورها.

خيارات تركيا وحلفائها المحليين تتقلص، لذلك يعززون التحالف بينهم في محاولة من حكومة اردوغان بوضع كامل مهامها على قوة إقليمية تنفذ لها مصالحها.

هل سيتحول الحزب الديمقراطي الكردستاني الى شبيه الائتلاف السوري يتحرك بجهاز التحكم التركي أيضا؟ هذا ما تريده انقره حتماً، لكن بالتأكيد للحزب الديمقراطي حساباته وظروفه، بالرغم تاثير الهيمنة التركية الواضحة عليه.

يبقى أمام الديمقراطي الكردستاني، فرصة ممكنة ليستعيد استقلاليته، وإن لم يفعل، سيفقد كامل قاعدته الشعبية، ويتحول الى سلطة بالوكالة مهمتها تنفيذ الأجندات التركية.

والسؤال هنا لو حصل ذلك هل ستحمي حكومة العدالة والتنمية سلطة الوكيل المفترض حزب الديمقراطي الكردستاني العراق؟

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد