هل نجحت المخابرات التركية في ترهيب الحكومات الأوروبية؟

محمد كايا / ترجمة: المركز الكردي للدراسات

اعترفت الدولة التركية، عبر تصريحات صدرت من أعلى المستويات، بمسؤوليتها عن جريمة اغتيال الناشطات الكرديات الثلاثة في باريس في 9 يناير/ كانون الثاني 2013 م، مهددة بتنفيذ عمليات اغتيالات وتصفية جديدة على الأراضي الأوروبية، تستهدف ساسة ونشطاء وكتاب كرد معارضين للحكومة التركية. وعلى أثر هذه التصريحات، جدد عدد كبير من الحقوقيين والسياسيين والمدافعين عن الحريات العامة، دعواتهم ومطالبتهم الحكومات الأوروبية بالتصدي للانشطة الاستخباراتية التركية، والكشف عنها، ومعاقبة تركيا على مثل هذه الجرائم، والاضطلاع بمسؤولياتها القانونية والاخلاقية في حماية الشخصيات المستهدفة، ودرء اخطار عمليات التصفية والاغتيالات وأعمال الإرهاب التي تخطط الدولة التركية القيام بها ضد هؤلاء.وكان اسماعيل حقي بكين، المسؤول السابق في دائرة المخابرات العامة التركية، قد اعترف في وقت سابق، بأن المخابرات التركية هي التي نفذت عملية اغتيال الناشطات الكرديات في باريس، وأنه من غير المستبعد، بل ومن المفروض، أن تنفذ المخابرات عمليات اغتيال جديدة بحق مسؤولين وكوادر في منظومة المجتمع الكردستاني المقيمين في أوروبا.

وعقب هذه التصريحات الخطيرة، والاعتراف علانية بمسؤولية الدولة التركية عن قتل الناشطات الكرديات في باريس، ووجود نوايا وخطط بارتكاب المزيد من أعمال الاغتيالات بحق الساسة والنشطاء الكرد، وبمبادرة ودعوة من المعهد الكردي في بروكسل، أقيمت ندوة مختصة حول خطط واستراتيجيات الدولة التركية في تنفيذ أعمال إرهابية بحق النشطاء والكتاب والسياسيين الكرد في أوروبا على وجه التحديد.

وشارك في الندوة كل من المحامي البلجيكي جان فرمون، والمحامي الألماني فرانك جاسنسكي، والمحامي الفرنسي أنطوني كومت، والكاتب والحقوقي الكردي فردا جتين.وأدار الندوة الصحفي البلجيكي لودو بارباندر المختص بالشؤون الكردية والباحث في جرائم الدولة التركية وإرهابها في كردستان والخارج، حيث أشار بأن تصريحات بكين هي جزء من الاستراتيجية الجديدة للحكومة التركية في توسيع أعمال الارهاب والقتل والترويع بحق الشعب الكردي وحركته السياسية في داخل وخارج تركيا، موضحا بأن هناك لائحة صادرة عن وزارة الداخلية التركية تتضمن أسماء الساسة والنشطاء والكتاب الكرد المقيمين في أوروبا، والتي تصفهم تركيا بالمطلوبين لها.

وقدم الكاتب الكردي فردا جتين مداخلة ركز فيها على وجود دائرة خاصة تسمى (دائرة العمليات الخارجية) ضمن جهاز المخابرات التركية، مهمتها تصفية واغتيال الكتاب والنشطاء والسياسيين المعارضين للسياسة التركية، وموضحا بأن هذه الدائرة تعمل بشكل حثيث، وتتلقى الدعم والرعاية من أعلى المستويات في الحكومة التركية.

وقال جتين بأن دائرة العمليات الخاصة تلك تنتهك القانون الدولي وقوانين الدول الأوروبية، ولديها لوائح تتضمن أسماء المطلوب تصفيتهم، وان العديد من وسائل الاعلام نشرت مضمون هذه اللوائح في عام 2012 م، وأن هناك “مكافأت” خصصتها دائرة العمليات الخارجية هذه لكل من يقبض، أو يساهم في القبض، على المسؤولين في حزب العمال الكردستاني. حين تتراوح المبالغ المالية المعروضة من 4 ملايين ليرة لمن يعتقل أو يساهم في اعتقال مسؤول مهم في العمال الكردستاني، و 2 مليون ليرة مكافأة إذا كان هذا المسؤول من الدرجة الثانية. و”درجات الأهمية” هنا هي من وضع المخابرات التركية.

وبما انه من الصعب ان يتمكن شخص من اعتقال أوتسليم سياسي كردي مقيم في أوروبا، وصعوبة ذلك عبر الطرق القانونية المعروفة، فإن الخيار الثاني هو التصفية والقتل.وأشار الكاتب الكردي فردا جتين إلى بعض عمليات الاغتيالات والتصفية التي قامت بها المخابرات التركية ضد النشطاء والسياسيين الكرد، ومنها العملية التي اسفرت في العام 1994 م عن مقتل المواطن امداد يلماز في الدنمارك. حيث أوضحت نتائج التحقيقات التي قامت بها السلطات الدنماركية عن تورط شخص يدعى صباح كتنه يعمل في القنصلية التركية في عملية الاغتيال. وفي عام 2006 م عندما تم تصفية صباح كتنه في مدينة كركوك بجنوب كردستان، كتب الصحفي التركي أمين جولاشان مقال رثاء في صحيفة (حرييت) بعنوان “البطل المجهول”، وهو ما يظهر أهمية هذا الشخص لدى المخابرات ووجود عمليات سرية كان هو من قام بها أو أشرف عليها.

وبعيد الكشف عن تورط القنصلية التركية في عملية الاغتيال تلك، عمدت الحكومة الدنماركية إلى إلغاء الاتفاقية التي كانت قد أبرمتها في وقت سابق مع أنقرة حول مكافحة الإرهاب. وأشار جتين إلى أهمية الاجراءات العقابية التي تلجأ لها بعض الدول الأوروبية حيال تركيا، موضحا بأن فضح السياسة التركية وأعمال القتل والارهاب، ومن ثم معاقبة أنقرة دبلوماسيا او سياسيا أو اقتصاديا، أمر مهم للغاية في دفع الجانب التركي إلى وضع حد لاعمال القتل والارهاب والتصفية الخارجة عن القانون الدولي، والالتزام بالطرق الدبلوماسية والسياسية والقانونية المعترف بها دوليا حسب المعاهدات والاتفاقيات المعروفة.

وأنهى جتين حديثه بضرورة أن تعمد بقية الدول الأوروبية إلى انهاء التعاون الاستخباراتي مع تركيا، وخصوصا كل من فرنسا وألمانيا اللتان اعلنتا عن وجود اتفاقيات واتصالات على صعيد التعاون الاستخباراتي بينهما وبين الدولة التركية، سيما وأن الأدلة والوثائق المنشورة، ناهيك عن الاعترافات التركية على أعلى المستويات، باتت تشير بما لا يدع مجالا للشك إلى تورط تركيا في اعمال الاغتيالات وانتهاكاها للقوانين الدولية وقوانين الدولة الأوروبية، وتفرض اتخاذ اجراءات عقابية بحقها لتتوقف عن مثل هذه الأعمال ويتم ردعها.وقال المحامي البلجيكي جان فرمون بأن الدول الأوروبية عليها أن تضغط على تركيا باتجاه الحل السياسي والتخلي عن الرهان عن الحرب والحل العسكري، موضحا بأن حزب العمال الكردستاني ليس إرهابيا ولا يراهن على السلاح، وإنه حان الوقت لاخراج اسم الحزب من لائحة “المنظمات الإرهابية” الأوروبية.

وأشار فرمون إلى تصريحات الجنرال بكين المسؤول الكبير في المخابرات التركية، مشيرا بأن تهديد الجنرال التركي باغتيال النشطاء والسياسيين الكرد في أوروبا، أخطر بكثير من الاعتراف بقتل النساء الكرديات الثلاثة في باريس، وان تصريحاته هي فضيحة دولية، ولا يجب ان تمر هكذا مرور الكرام، بل إلى محاسبة وملاحقة قانونية من قبل أوروبا والهيئات المختصة فيها. وأضاف فرمون بأن الصمت الذي لف موقف الأوروبيين مريب للغاية، وكان من المفروض استدعاء سفراء تركيا وتقديم احتجاجات رسمية حول تصريحات بكين هذا.

ودعا جان فرمون الجهات الأوروبية المختصة لتسليط الضوء على جريمة قتل النساء الكرديات في باريس، والكشف عن لائحة الموت التي تضم أسماء العشرات من الكتاب والسياسيين والناشطين الكرد، المعارضين للحكومة التركية. وسمى ألمانيا بالاسم، داعيا برلين إلى الكشف عن ما لديها من معلومات حول خطط المخابرات التركية تنفيذ سلسلة من جرائم الاغتيالات على الاراضي الألمانية والأوروبية، ورفض السياسة التركية في تصدير حربها ضد الشعب الكردي إلى الأراضي الأوروبية، وارتكاب اعمال القتل والاغتيال في ألمانيا وغيرها.

وأشاد فرمون بقرار المحكمة البلجيكية بخصوص حزب العمال الكردستاني، واعتبار ما يجري في تركيا حربا وصراعا داخليا، موضحا بأنه يمكن البناء على هذا القرار في التوقف عن وسم النضال الكردي ب”الارهاب” أو “العصيان” أو “النزوع للكفاح المسلح تحقيقا لأهداف سياسية”. كما أشاد فرمون بقرار الشرطة الدولية (الانتربول) رفض اللائحة التي كانت الحكومة التركية قد قدمتها، وضمت أسماء من سمتهم أنقرة ب”المطلوبين” لديها، وهم كتاب وسياسيين ونشطاء معارضين للحكومة التركية، يمارسون السياسة بشكل سلمي وضمن القوانين الأوروبية المعروفة، مشددا على ضرورة رفض كل الحكومات الأوروبية علانية تسلم هذه اللائحة، واصدار مواقف رسمية رافضة لها.

ومن جهته قال المحامي الفرنسي أنطوني كومت المكلف من عائلات النساء الكرديات الثلاثة، اللواتي اغتلن على يد المخابرات التركية في باريس، بمتابعة القضية لدى الدوائر القانونية الفرنسية والأوروبية، بان المخابرات التركية هي من قامت باغتيال النساء الثلاثة في باريس، وان السلطات الألمانية استمرت في التغطية على الموضوع، ورفضت التعاون واعطاء المعلومات للجهات الفرنسية، والتي بدورها تراخت في متابعة الموضوع، رغم وجود أدلة مثل الأسلحة الفردية والوثائق التي تم تحريزها على هامش قضية الاغيتال تلك.

وتابع كومت بأن تصريحات الجنرال بكين التي ا عترف فيها بقيام المخابرات التركية باغتيال النساء الثلاثة، اعتراف رسمي واضح من جانب الدولة التركية بارتكاب اعمال الإرهاب والقتل، ولا يجب ان يمر هكذا بدون محاسبة وملاحقة.

من جانبه أشار المحامي الألماني فرانك جاسنسكي إلى انشطة المخابرات التركية في ألمانيا، مبينا بأن السلطات الألمانية تعلم مدى توغل وانتشار خلايا المخابرات التركية في كل مدن ومناطق ألمانيا، والعناوين التي تختبئ ورائها هذه الخلايا، والاهداف التي تسعى إليها. ولفت جاسنسكي إلى عنصر المخابرات محمد فاتح سايان الذي القت عليه السلطات الألمانية القبض في هامبورغ، وحكمت عليه محكمة ألمانية بالسجن سنة لاشتراكه في اعمال تجسس غير مشروعة، وجمعه معلومات عن الناشط الكردي يوكسل كوج المقيم في ألمانيا، وعن عدد آخر من السياسيين الكرد المقيمين في بلجيكا. وتابع جاسنسكي بأن السلطات الألمانية مطالبة بنشر المعلومات التي بحوزتها حول خطط ونوايا المخابرات التركية في ما يخص النشطاء والساسة والكتاب الكرد المعارضين.

وندد جاسنسكي بالسياسة الألمانية حيال الكرد والقضية الكردية والدعم الذي تقدمه ألمانيا لتركيا في حربها ضد الشعب الكردي، وملاحقتها للنشطاء الكرد، مشيرا إلى اعتقال السلطات الألمانية للعديد من النشطاء الكرد، ووسم الحركة الكردية بالارهاب، وتقديم العديد من الشخصيات الكردية إلى المحاكمة بهذه التهمة، وهو ما تطلبه وتشجع عليه الدولة التركية. بينما المطلوب من الحكومة الألمانية هو التوقف عن المشاركة في سياسة التضييق والملاحقة التركية حيال الكرد، والتحول إلى دور الوسيط المرن، بغية ايجاد حل سياسي وسلمي للقضية الكردية، ورفض سياسة الحرب والعنف التركية حيال الشعب الكردي، ومن ضمنها عمل اجهزة المخابرات، وعمليات الاغتيالات والارهاب التركية ضد الكرد في داخل وخارج تركيا.

* صحيفة (Yeni Özgür Politika) 

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد