مقاومة الشعب الكردي تغير المعادلات الاقليمية!

تلعب القوى الدولية الكبرى دورا مفتاحيا في تشكيل السياسة الدولية. أما القوى والفواعل الاقليمية فلها دور مكمل، هذا ناهيك عن حركة نضال الشعوب ومقاومتها ضد قمع الأنظمة وظلمها.

وفي فترة رئاسة دونالد ترامب للولايات المتحدة الأميركية، تغيرت العديد من التوازنات، وانقلبت الحسابات والأولويات ضمن النظام السياسي الدولي رأساً على عقب.تعاملّ ترامب مع المشهد السياسي الدولي كولد مدلل ينتمي لعائلة غنية، بدأ يفتح علب الألعاب الصغيرة، ثم يضربها عرض الحائط بعد أن يمل منها. تعاون وتحالف ترامب مع أردوغان أثرّ بشكل سلبي جدا على منطقتنا وعلى السياسة والتوازنات الممارسة فيها.

لقد سبب هذا التحالف خسارات كبيرة واضرارا بالغة للشعب الكردي وقضيته. وتلقى أردوغان الضوء الأخضر من ترامب، فضلا عن استفادته من تحالفه مع الجانب الروسي، لاحتلال عفرين ورأس العين وتل أبيض وأجزاء كبيرة من أراضي اقليم جنوب كردستان، ناهيك عن الهجمات التي نفذتها قوات الجيش التركي على كل من شنكنال ومخمور، والتدخل العسكري والاستخباراتي في كل من كركوك والموصل. أردوغان استفاد من وجود ترامب وغياب موقف حازم من الدولة التركية في ملفات عديدة أخرى: مثل التدخل التركي في ليبيا وإرسال المرتزقة إلى هناك، والتدخل في الصراع في كاراباخ، ومناطق أخرى من أفريقيا.

وفي الوقت نفسه استغلت أنقرة صمت واشنطن والعالم وواصلت سياسة إرهاب الدولة المنظم في ولايات شمال كردستان.الآن رحل ترامب وتخلص منه الشعب الأميركي. لقد بدأت إدارة جديدة يقوم عليها خبراء ومختصون ورجال سياسة ودبلوماسية بالعمل.

ستعود الأمور إلى سابق عهدها. وهنا ترنو الأنظار إلى الدولة التركية التي تمددت في المنطقة ضمن عقلية امبريالية استعمارية، معتمدة على اقتصادها الذي تهالك مؤخرا وبات يعاني من مصاعب وأزمات كبيرة وبنيوية. وعليه، فإن الدولة التركية تحاول الاقتراب من الاتحاد الأوروبي، وترميم العلاقات معه، بغية تخفيف آثار الضغط الأميركي، وإرضاء أركان إدارة بايدن، وخلق نوع من التوازن.

وعبر هذا الاجراء، تخفف تركيا من التوتر مع الاتحاد الأوروبي، وتنصرف إلى تثبيت مواقفها في الملفات الأخرى، وهي أغلبها ملفات تدخل واحتلال وترسيخ وجود في كردستان ومناطق أخرى. ولعل زيارة وزير الدفاع التركي خلوصي آكار إلى العراق وجنوب كردستان جاءت لهذا الغرض، وكان الهدف هو تثبيت الدور التركي والحصول على مواقف مؤيدة من الأتباع والقوى المحلية، وفي هذه الحالة يمكن الحديث عن الحزب الديمقراطي الكردستاني. وهذه الزيارة تدل على مدى الضغوط الخارجية الدولية على تركيا، ومحاولة أنقرة للهروب من هذه الضغوط واللجوء إلى الاتباع لتثبيت المواقف والحصول على المكتسبات عبر تحريكها لهم، وتمرير الأجندة الاستعمارية والحصول على نوع من “شرعنة الوجود” عبرهم.

ومن اشارات الضيق وقلة الحيلة التي تشعر بها حكومة العدالة والتنمية، الزيارة السرية التي قام بها رئيس الاستخبارات هاكان فيدان إلى العاصمة السورية دمشق، والاتصالات المستمرة مع النظام الإيراني، والكلام الذي يدور حول امكانية قبول الحزب الحاكم بدور أكبر لأحزاب المعارضة في المشهد السياسي، وذلك لإحداث نوع من “التغيير” و”الانفراجة” في البلاد، لسحب بعض الملفات من يد الادارة الجديدة في الولايات المتحدة، سيما وان سياسة التضييق والملاحقة والسجن بحق قادة وكوادر حزب الشعوب الديمقراطي، لم تسفر، في المحصلة، سوى عن تقوية هذا الحزب واضعاف الحزب الحاكم، الذي لم تفلح حملته القمعية في فك الترابط العضوي بين حزب الشعوب وكتلته الجماهيرية، بل على العكس من ذلك زادت من هذا الترابط، ونفور الكرد من حزب أردوغان وسياسته القمعية القائمة على الحرب والقتل، ورفضه للحل السياسي للقضية الكردية.

وفي روج آفا واقليم جنوب كردستان، تعاني الدولة التركية من تنامي جبهة رفض ومقاومة كبيرة ضدها. اذما نجح الكرد وحلفائهم في رص صفوفهم والتحضير جيدا لمواجهة العدوان والاحتلال التركي، فان الدولة التركية ستحصد الفشل والهزيمة، ولن تنجح في التمدد والحصول على أوراق ضغط جديدة لها في الملفات الاقليمية. والتعاطف الدولي مع كل من روج آفا واقليم جنوب كردستان في مواجهتهما للعدوان التركي، يبدو كبيرا، وسيساعد على إفشال خطط الإحتلال التركية وتقوية ورفد جبهة المقاومة.

على القوى الكردية أن تعيد ترتيب نفسها ورص صفوفها وتشكيل القواعد والأطر القيادية على السواء، بغية انجاح استراتيجية الدفاع عن النفس والحاق الهزيمة بحملة الحرب والابادة التركية. فحزب الشعوب الديمقراطي، مثلا، عليه أن يطوّر استراتيجية مرنة، يتمكن من خلالها من ملئ مكان الكوادر التي تعتقلها السلطات التركية، وتثوير الشارع، ونشر المزيد من الوعي، لكي يطلع الجميع ويلموا بحقائق ودقائق سياسة الحرب والابادة السياسية التي تقوم عليها تحالف العدالة والتنمية والحركة القومية العنصرية.

على قواعد الأحزب الكردستانية رفض التحالف والتعاون الذي تبديه بعض القوى الكردية مع حكومة الاحتلال في أنقرة، وأن تثور ضد القيادات التي تتآمر مع الاعداء ضد شعبها وقوى مقاومة تحمي الشعب الكردي وتدافع عن كرامته.

ويجب التركيز على الانتصارات والمقاومة وبث روح التصدي والتكاتف في كل مكان، ورفض الخنوع والآراء الانهزامية التي تحاول تبرير الاحتلال وإلقاء اللوم على المقاومين والثوار الكرد، بدل قول كلمة الحق والاشارة بأصابع الاتهام إلى العدو التركي الذي يقاتل ويقتل الكرد في أجزاء كردستان الأربعة. الأقلام والبنادق الكردية يجب أن تتوحد وتتجه صوب جهة المحتل، وليس صوب جهة الأخ المقاوم المتشبث في خندق القتال عن الشعب الكردي، مدافعة عن وجوده وشرفه وانجازاته وسلامته.

* نقلا عن صحيفة (Yeni Özgür Politika)

ترجمة: المركز الكردي للدراسات

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد