«داعش» في سوريا.. تحديات ما بعد انهيار نظام الأسد وخروج ميليشيات طهران 

المركز الكردي للدراسات

انتعشت آمال تنظيم داعش جراء التغييرات والتطورات الكبيرة الأخيرة في منطقة الشرق الأوسط، خاصة انهيار النظام السوري ومنظومته العسكرية والأمنية والانسحاب الإيراني من سوريا، بكل ما يعنيه ذلك من اختفاء المظاهر والهياكل العسكرية للميليشيات الإيرانية وتلك المحلية المدارة من طهران، مع بروز حالة من الفراغ في مناطق شاسعة كانت طيلة سنوات عديدة قاعدة للتنظيم وملاذاً لمجموعاته المتناثرة، وما يزال بعضها للآن مخبأ وملجأ لعناصره وفلوله. وتعد البادية السورية عموماً، وبشكل خاص أرياف محافظات دير الزور والحسكة والرقة قاعدة خلفية للتنظيم، ينشط فيها ويستخدم تضاريسها الوعرة لتأهيل عناصره والانطلاق منها لقطع الطرق وشن غارات على الحواجز والمواقع والنقاط العسكرية التابعة لقوات سوريا الديمقراطية «قسد». وعلاوة على المتغير السوري الكبير، فإن «داعش» يستغل بشكل واضح ومستمر هجمات الجيش التركي والفصائل التابعة له، والتي تطال قوات سوريا الديمقراطية والبنية التحتية في مناطق شمال وشرق سوريا، في تثبت وجوده وتنفيذ عمليات التفجير والتخريب، كما استغل في الماضي هجمات الميليشيات الإيرانية ومجاميع «الدفاع الوطني» في شن العمليات المباغتة بهدف السيطرة والتمدد وإثارة البلبلة والفوضى.

حملات «قسد» المستمرة

دأبت قوات سوريا الديمقراطية، وبشكل دوري، على القيام بحملات التمشيط والتفتيش التي تطال مناطق واسعة من أرياف الحسكة ودير الزور بهدف الكشف عن خلايا «داعش» واعتقال عناصره ووضع اليد على الأسلحة التي بحوزته. وتتضمن هذه الحملات المستمرة عمليات الدهم والتفتيش المباغتة، المستندة على معلومات استخباراتية دقيقة، للمنازل والمخابئ التي تستخدمها خلايا التنظيم، في إطار استراتيجية قوات سوريا الديمقراطية الثابتة في ملاحقة فلول التنظيم ورصد خلاياه النائمة، وبالتالي التمكن من إحباط العمليات والهجمات التي يخطط لها التنظيم مستفيداً من التطورات الأخيرة في سوريا وأبرزها انهيار الجيش النظامي السوري والانسحاب الإيراني والهجمات المستمرة لتركيا والفصائل التابعة لها على مناطق في إقليم شمال وشرق سوريا.

وكانت الأجهزة الاستخباراتية في قوات سوريا الديمقراطية رصدت نشاطاً ملحوظاً للتنظيم في عموم البادية السورية، وبشكل خاص في أرياف دير الزور والحسكة، بعد شن هيئة تحرير الشام عملية «ردع العدوان» في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024 وتقهقر قوات الجيش النظامي السوري وبدء ظهور علامات انهيار نظام الرئيس السابق بشار الأسد اعتباراً من مطلع شهر ديسمبر/كانون الأول وتفكك الآلة العسكرية التابعة له جراء ترك الجنود النظاميين مواقعهم والانصراف العشوائي إلى مناطق سكناهم ولجوء قسم منهم إلى العراق. وتابعت قوات سوريا الديمقراطية كذلك انسحاب الميليشيات الإيرانية وتفكك الفصائل المحلية السورية (مجموعات الدفاع الوطني) من تلك التي كان يشرف عليها ضباط إيرانيون ويغذوها بالسلاح والمال. حاول التنظيم الاستحواذ على أكبر قدر ممكن من الآليات والمستلزمات العسكرية المتروكة ووضع اليد على مخازن الأسلحة والذخائر وملء الفراغ الذي أحدثه انسحاب وفرار عناصر الجيش النظامي والميليشيات الإيرانية ومجموعات «الدفاع الوطني» المحلية المٌدارة من الحرس الثوري الإيراني.

وفي سياق تلك السياسة والمتابعة، كشفت قوى الأمن الداخلي في إقليم شمال وشرق سوريا عن حصيلة الحملة الأمنية التي أطلقتها في ريف دير الزور اعتباراً من النصف الثاني من شهر يناير/كانون الثاني الماضي لملاحقة فلول النظام السابق والعناصر ضمن مجموعات «الدفاع الوطني» المنحل. وجاء في بيان لقوى الأمن الداخلي ألقاه اللواء علي حسن عضو القيادة العامة في قوى الأمن الداخلي بشمال وشرق سوريا أن قواتهم أطلقت الحملة بمشاركة جميع الأجهزة ذات الاختصاصات، وبدعم وإسناد من قوات سوريا الديمقراطية، لملاحقة فلول النظام البائد وعناصر «الدفاع الوطني» المنحل. وقال اللواء حسن إن «هدف الحملة هو فرض الأمن والحفاظ على الاستقرار والقضاء على تهديد فلول النظام البائد، إضافة لملاحقة خلايا داعش الإرهابية»، لافتاً إلى أن قواتهم تمكنت من «إلقاء القبض على 79 عنصراً متورطاً حاولوا العبث بأمن المنطقة ونشر الفوضى وزعزعة استقرارها وتهديد السلم الأهلي»، وأن قواتهم «ضبطت بحوزة المعتقلين معدات اتصال وكميات كبيرة من الذخيرة والعتاد العسكري».

كما أعلنت قوات الكوماندوس التابعة قوات سوريا الديمقراطية شنها لعملية دهم في 9 فبراير/شباط الجاري، وبدعم من التحالف الدولي، استهدفت خلية لـ«داعش» في بلدة مركدة في ريف الحسكة الجنوبي. وبحسب بيان للمركز الإعلامي لقوات سوريا الديمقراطية، «جرت بعد متابعة دقيقة ومستمرة من قبل قواتنا لتحركات الخلية الإرهابية. وحين استكمال عملية جمع المعلومات وتحديد مكان اختبائها، دهمت قواتنا ذاك المكان وفرضت عليه طوقاً محكماً، حيث بادر الإرهابيون إلى إطلاق النار على قواتنا، ما استدعى الرد بالمثل. وعلى إثره، اندلعت اشتباكات أسفرت عن مقتل أحد الإرهابيين، فيما فجر أمير الخلية المدعو “نواس” الحزام الناسف الذي كان يرتديه ما أدى إلى مقتله على الفور. وانتهت العملية بنجاح تام ودون أي خسارة من قبل قواتنا، حيث قتل إرهابيان وتم إلقاء القبض على خمسة إرهابيين آخرين من أعضاء الخلية». وذكر بيان المركز الإعلامي لقوات سوريا الديمقراطية أن الخلية «مسؤولة عن الهجمات الإرهابية التي استهدفت صهاريج النفط وحواجز قوى الأمن الداخلي بمناطق عدة في شمال وشرق سوريا. ونتيجة الرصد وبدعم من التحالف الدولي، تم تثبيت مكان تمركز عناصرها في بلدة مركدة لتنفيذ مخططات واسعة النطاق ومن ضمنها الهجوم على سجن بانوراما بمدينة الحسكة، والذي يحوي عناصر تنظيم داعش الإرهابي».

وفيما يخص حرب قوات سوريا الديمقراطية ضد «داعش» وحصيلة العمليات التي شنتها بالتعاون مع قوى الأمن الداخلي ضد التنظيم في عام 2024، أصدر المركز الإعلامي لقوات سوريا الديمقراطية بياناً مفصلاً تضمن العمليات والحملات العسكرية التي طالت خلايا «داعش» ومخابئ سلاحه في العديد من مناطق إقليم شمال وشرق سوريا. وقال البيان إن العمليات النوعية وحملات الدهم الدقيقة التي حدثت بالتنسيق مع قوات التحالف الدولي، أسفرت عن القاء القبض على مئات الإرهابيين بينهم أمراء ومسؤولين ميدانيين مهمين، ووضع اليد على كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر. وذكر بيان قوات سوريا الديمقراطية معلومات دقيقة بخصوص حصيلة الحملات والعمليات العسكرية التي هدفت للنيل من «داعش» وتفكيك خلاياه وهياكله التنظيمية وتجفيف منابع التمويل وخلايا الدعاية والترويج لفكره وسط الأهالي، وقال البيان إن «التنظيم الإرهابي نفذ ما مجموعه 113 عملية هجومية، تمكنت قوات سوريا الديمقراطية من إحباط 43 عملية منها وقتل 17 عنصراً من داعش، بينهم ستة من الأمراء والمسؤولين الميدانيين. فيما ألقت قوات سوريا الديمقراطية القبض على 278 عنصراً من داعش. كذلك شنت قسد ما مجموعه 98 عملية مداهمة وتفتيش طالت دور ومخابئ التنظيم، تمكنت من خلالها من مصادرة كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر والعبوات الناسفة والمواد المتفجرة».

وما تزال قوات سوريا الديمقراطية وقوى الأمن الداخلي والأجهزة الاستخباراتية المختصة تتابع تحركات «داعش» وترصد محاولات التنظيم المستمرة في ترتيب صفوفه وتأهيل مقاتليه بهدف التمدد، فضلاً عن استغلاله لكل التطورات والأحداث، وأبرزها هجمات الجيش التركي والفصائل التابعة له، في شن عمليات مباغتة وإثارة البلبلة والفوضى في المناطق والأرياف، علاوة على المحاولات المستمرة للتنظيم للهجوم على السجون والمخيمات لتحرير عناصره والعائلات الموالية للتنظيم. وتكثّف قوات سوريا الديمقراطية من تعاونها مع التحالف الدولي لإحباط هجمات «داعش» والتحرك العسكري الاستباقي ضد خلاياه. وتقوم بين الفترة والأخرى بالقيام بعمليات تمشيط واسعة عبر إشراك آلاف العناصر من كافة الأجهزة والاختصاصات، أكبرها كانت عملية «الأمن الدائم» التي نٌفذت في الفترة ما بين 7 إلى 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، للكشف عن الخلايا النشطة والنائمة التابعة للتنظيم لتفكيكها واعتقال أفرادها ووضع اليد على مخابئ الأسلحة والمتفجرات التي بحوزتها. كما تراقب قوات سوريا الديمقراطية والأجهزة المختصة نشاط العناصر السابقة في مجموعات «الدفاع الوطني» المنحل، والتي بدأت بالتحرك ضد قوات سوريا الديمقراطية والإدارة المدنية في بعض بلدات ريف دير الزور الشرقي، بغية إثارة الفوضى وابتزاز السكان المدنيين وتحريضهم ضد الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية.

تهديد السجون والمخيمات

تضم مناطق إقليم شمال وشرق سوريا ما مجموعه 26 سجناً ومعتقلاً يضم ما يقارب من 12 ألف سجين ومعتقل من عناصر «داعش» من الجنسيات السورية والعربية والأجنبية. فيما تحتجز سلطات الإدارة الذاتية ما يقارب 56 ألف شخص، بينهم ما يقارب 30 ألف طفل في 24 منشأة احتجاز ومخيميّن كبيريّن هما الهول وروج. وتقول مصادر إن هناك ما يقارب من 3000 معتقل من «داعش» يحمل جنسية أجنبية، وأن جل هؤلاء اعتقل بعد هزيمة التنظيم في آخر معاقله في منطقة الباغوز عام 2019.

وكان «داعش» شن في يناير/كانون الثاني 2022 هجوماً كبيراً على سجن الصناعة الواقع في حي غويران جنوب مدينة الحسكة استمر تسعة أيام وانتهى بمقتل العشرات من مقاتلي التنظيم ومعتقليه بالإضافة إلى ما يقارب من 140 من حراس وموظفي السجن. ورغم فشل التنظيم في تحرير معتقليه من السجن، وتمكن قوات سوريا الديمقراطية من السيطرة على الميدان والامساك بزمام المبادرة، وخصوصاً بدءا من اليوم الرابع للمواجهات مع العناصر المهاجمة، إلاّ أن الهجوم، تخطيطاً وتنفيذاً، يعتبر تحولاً في مساعي التنظيم الرامية لتحرير عناصره وقياداته من سجون الإدارة الذاتية. ومنذ ذلك الهجوم، بادرت قوات سوريا الديمقراطية والأجهزة المختصة إلى تشديد الحراسة على السجون والمعتقلات وتفعيل أجهزة الرصد والكشف ليصل مدى تغطيتها للمناطق المحيطة بالسجون، وكذلك التدقيق في هويات المدنيين ومعرفة سجلات الغرباء من غير السكان المحليين. وكل ذلك للحيلولة دون تكرار مثل ذلك الهجوم ومنع «داعش» من تحقيق اختراق يتمكن من خلاله من تحرير معتقليه، وبالتالي التأثير الإيجابي في معنويات أنصاره وبث رسالة تقول إنه ما يزال حاضراً فاعلاً وقادراً على الضرب والتأثير.

واكتسبت قوات سوريا الديمقراطية والأجهزة المختصة، وبالتعاون مع قوات التحالف الدولي، خبرة في حراسة وإدارة السجون والمعتقلات التي تضم عناصر ومقاتلي «داعش» الخطرين، في وقت تواصل الإدارة الذاتية الجهود الدبلوماسية والسياسية والاتصال مع الدول المختلفة لكي توافق على استلام مواطنيها من معتقلي التنظيم، وبالتالي التخفيف من الحمل الملقى على عاتق مؤسسات الإدارة لجهة حراسة هؤلاء والإشراف عليهم في المعتقلات والسجون. وناشدت الإدارة الذاتية المجتمع الدولي مراراً لإنشاء محكمة خاصة دولية لمحاكمة معتقلي «داعش» على الجرائم التي ارتكبوها بحق الإنسانية أثناء قتالهم في صفوف التنظيم، إلاّ أن المجتمع الدولي لم يتحرك في هذا الاتجاه ولم تحدث مبادرات دولية تهيء الأرضية القانونية لإنشاء مثل هذه المحكمة.

وفيما يخص المخيمات التي تضم عشرات الآلاف من أفراد عائلات مقاتلي التنظيم، فإن الجهود ما تزال منصبة على استحصال الموافقة من العديد من دول العالم ودفعها لاستلام مواطنيها ورعاياها من المخيمات، وبالتالي المساهمة في تبييض جزء من هذه المخيمات التي تستلزم متابعة ورعاية خاصة من جانب المؤسسات الإدارية والأمنية في إقليم شمال وشرق سوريا. ويحاول التنظيم، وعبر طرق وأساليب مختلفة، التأثير في المحتجزين في المخيمات، خاصة المخيمين الكبيرين: الهول وروج، وشحنهم بأفكاره المتطرفة ونشر الكراهية بين صفوفهم وتحريضهم على الإدارة الذاتية والطواقم التي تشرف على إدارة المخيمات. ويسعى التنظيم إلى توطيد الهياكل التنظيمية في المخيمين، خاصة ما يسمى بقسم «النساء المهاجرات» اللواتي ينكلن بكل من يحاول الخروج على تعاليم التنظيم ويمارسن العنف الوحشي، بما في ذلك ارتكاب جرائم القتل بحق من يرفضن الإذعان لتعاليم وأوامر «داعش»، وإخفاء جثث القتلى. وتشن الأجهزة المختصة حملات تفتيش دورية في المخيميّن للبحث عن الأجهزة الإلكترونية التي تتواصل عبرها خلايا التنظيم في الداخل والخارج وتدمير أوكار وأنفاق ومصادرة الأعلام والرموز الخاصة بـ«داعش»، بالإضافة إلى تفكيك الهياكل التنظيمية والإدارية وخصوصاً لما تسمى مجموعات «الحسبة النسائية» و«أشبال الخلافة». وشنت قوات سوريا الديمقراطية منذ العام 2021 أربع عمليات تفتيش وتمشيط ودهم كبيرة طالت مخيم الهول وأطرافه، وأسفرت كلها عن اعتقال العشرات من أعضاء «داعش» وتفكيك الخلايا النائمة والهياكل التنظيمية وأقسام «الحسبة» و«الشباب» التابعة للتنظيم ومصادرة كميات من الأسلحة وأجهزة الاتصالات والكشف عن جرائم القتل والإخفاء والاعتقال التعسفي داخل المخيم.

وذكرت جيهان حنان أحمد مديرة مخيم الهول في تصريحات خاصة للمركز الكردي للدراسات أن تحركات «داعش» في الخارج وتكثيفه لعملياته وهجماته تؤثر بشكل كبير على الأوضاع في داخل مخيم الهول وتمنح المحتجزين أملاً في الخروج من المخيم. وأضافت أن انهيار النظام السوري وفرار الأسد ووصول هيئة تحرير الشام إلى السلطة عبر عملية عسكرية، أنعشت آمال «داعش» في التحرك عسكرياً لتحرير أنصاره وأفراد عائلاتهم، مشيرة إلى معلومات وصلت لإدارة المخيم مصدرها التحالف الدولي والحكومة العراقية تتحدث عن وجود مخططات لـ«داعش» تتضمن شن هجمات على مخيم الهول لتحرير المحتجزين، إلاّ أن السلطات المعنية بحراسة المخيم تدخلت في الوقت المناسب واستطاعت إحباط هذا المخطط قبل أن يترجم إلى فعل وتحرك ميداني. وأوضحت مديرة المخيم أن محاولات هروب عديدة من مخيم الهول حدثت في الفترة الأخيرة، وأن السلطات المختصة تمكنت من إحباطها جميعاً والحيلولة دون تمكن أي فرد من مغادرة المخيم، في وقت زادت قوات التحالف من أعمال المراقبة والرصد باستخدام الأجهزة المتطورة، فيما نجح الضغط الدولي في دفع بعض الدول إلى استلام عائلات تحمل جنسياتها، مثل الحكومة العراقية التي تسلمت مؤخراً المئات من المحتجزين من حملة الجنسية العراقية.

تحولات إقليمية متسارعة

زادت التطورات والمستجدات الأخيرة في المنطقة من قدرة «داعش» على مواصلة أنشطته والتكيّف مع المتغيرات الأخرى، وبالتالي إدخال أساليب جديدة تمكنه من التمدد وتحقيق الاختراق في العديد من الجبهات، مستفيداً من انهيار الجيش السوري السابق والانسحاب العسكري الإيراني وحالة اللااستقرار الموجودة حالياً في سوريا والمنطقة. وتحدثت تقارير دولية عن استيلاء التنظيم على أسلحة ومعدات وذخائر خلّفها الجيش السوري المنحل والميليشيات الموالية له، مشيرة إلى أن التنظيم يعمل حالياً بوتيرة عالية على تدريب مجندين جدد وحشد قواته في البادية السورية، بهدف التأهيل وإحياء مشروعه في تحقيق دولة الخلافة الإسلامية.

وكانت الأمم المتحدة حذرت في 10 فبراير/شباط الجاري من التهديد الذي ما يزال يمثله التنظيم على السلام والأمن الدوليين، في ظل وقوع مخزونات من الأسلحة والمعدات المتقدمة في أيدي عناصره وسيطرته على منطقة البادية السورية واستخدامها كمركز للتخطيط العملياتي الخارجي. وقال فلاديمير فورونكوف، وكيل الأمين العام لمكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب، في إحاطة قدمها أمام مجلس الأمن الدولي أن قدرة «داعش» على التحرك بحرية ومرونة أكثر وسيطرته على مخازن السلاح سيؤثر على المعسكرات ومراكز الاحتجاز وغيرها من المرافق في شمال شرق سوريا، مضيفا أن 42,500 فرد لا يزالون محتجزين، ويشمل ذلك 17,700 مواطن عراقي و16,200 مواطن سوري، فضلاً عن 8600 من بلدان أخرى. كما تحدث فورونكوف عن وتيرة إعادة هؤلاء الأشخاص إلى بلدانهم قائلاً إنها انخفضت بشكل كبير خلال الفترة المشمولة بالتقرير، حيث أعادت خمس دول أعضاء فقط أكثر من 760 فرداً من العراق وسوريا، فيما أعادت حكومة العراق ما يقرب من 400 طفل عراقي من شمال شرق سوريا إلى مركز لإعادة التأهيل. وجدد المسؤول الدولي دعوة الأمين العام للأمم المتحدة للدول الأعضاء لتسهيل العودة الآمنة والطوعية والكريمة لمواطنيها الذين ما زالوا عالقين في تلك المعسكرات والمرافق.

وتحدث المرصد السوري لحقوق الإنسان في تقرير نشره في 25 يناير/كانون الثاني الماضي تحت عنوان: «قبيل انسحابها.. الميليشيات الإيرانية نقلت أسلحة وذخائر إلى مناطق انتشار تنظيم داعش في بادية دير الزور»، قال فيه إن بادية معيزيلة في دير الزور شهدت في الفترة الأخيرة، وقبل انسحاب الميليشيات التابعة لإيران من سوريا حيث ينشط التنظيم، تحركات مكثفة لتلك الميليشيات على مستوى القيادة والعناصر غير السوريين، لاسيما «فاطميون» الأفغانية و«زينبيون» الباكستانية والحرس الثوري الإيراني، وإن التحركات شملت نقل شاحنات محملة بالأسلحة والذخائر التي يتم تهريبها من العراق عبر طرق غير شرعية تحت غطاء شحنات تجارية مثل الأغنام أو المواد الغذائية. ووفقاً لمصادر المرصد السوري، فإن السلاح شمل رشاشات ثقيلة وبنادق كلاشنكوف وذخائر متنوعة، إضافة إلى كميات كبيرة من مادة «TNT» شديدة الانفجار التي استخدمها التنظيم سابقاً في عملياته ضد أهداف متعددة. بالإضافة لذلك، شهدت المنطقة اجتماعات سرية بين قيادة الجانبين دون الوصول إلى معلومات واضحة عما جرى ضمنها، لكن المعلومات تشير لتفاهمات بين الطرفين لخلق حالة من الفوضى في مناطق متفرقة من سورية لاسيما في دير الزور. ونقل المرصد السوري لحقوق الإنسان عن شهادات لسكان محليين حول ترك الميليشيات الإيرانية في بادية الميادين كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر في مواقعها قبل انسحابها دون أن تقوم بنقلها إلى العراق أو إتلافها. وقال الشهود إنهم رصدوا آليات تابعة لخلايا «داعش» تدخل تلك النقاط بعد ساعات قليلة فقط من انسحاب الميليشيات الإيرانية، حيث قامت بتحميل الأسلحة والذخائر والتوجه بها إلى عمق البادية باتجاه الحدود الإدارية بين باديتي دير الزور وحمص، مؤكدين أن السرعة التي تحرك بها التنظيم للوصول إلى هذه المواقع ومعرفته المسبق بمكان وجود الأسلحة، إضافة إلى عدم قيام الميليشيات بتدميرها أو نقلها، تشير بشكل واضح إلى وجود تنسيق مسبق بين الميليشيات الإيرانية و«داعش» لضمان وصول هذه الإمدادات إلى التنظيم.

وكانت مصادر مختلفة أشارت إلى وجود علاقات قوية تجمع الدولة التركية بـ«داعش»، وأن التنظيم استطاع، ومنذ سنوات طويلة، الاستفادة من الوجود العسكري التركي في مناطق عديدة من سوريا لممارسة التخفي بين صفوف الفصائل المنضوية ضمن ما يسمى «الجيش الوطني السوري» الموالي لتركيا، والذي يقوم حالياً بهجوم عسكري يستهدف سد تشرين وجسر قره قوزاق. وكان المرصد السوري لحقوق الإنسان أشار من خلال تصريح لمديره رامي عبد الرحمن في 29 يناير/كانون الثاني الماضي إلى أن قسماً من أفراد تنظيم «داعش» تحولوا إلى عناصر مقاتلة ضمن مجموعات «الجيش الوطني»، لاسيما «لواء الوقاص»، وأن عناصر أخرى تعمل في رأس العين، منتقداً القوى السورية التي تأوي عناصر «داعش» وتؤهلهم بدل العمل على إنهاء هذا التنظيم.

ولا يمكن الفصل بين محاربة ومجابهة «داعش» في سوريا، وهي مهمة تقع بشكل رئيسي على عاتق قوات سوريا الديمقراطية، الشريك الأهم للتحالف الدولي، وبين محاربة الدولة العراقية للتنظيم، نظراً للتداخل الجغرافي والديمغرافي بين البلدين ولاستخدام التنظيم للساحتين السورية والعراقية في التعبئة والتجهيز لعملياته التي تطال القوى التي يعتبرها عدوة له. وتواصل الأجهزة العراقية المختصة تكثيف العمليات العسكرية لملاحقة عناصر التنظيم في مناطق البادية العراقية، محاولة فصل هذه البادية عن امتداداتها الجغرافية والديمغرافية في البادية السورية. وفي حصيلة لعمليات الجيش وقوى الأمن العراقية ضد «داعش» في عام 2024، ذكر صباح النعمان المتحدث الرسمي بإسم جهاز مكافحة الإرهاب أن الجهاز نفذ ما مجموعه 341 عملية أمنية أسفرت عن مقتل واعتقال 147 عنصراً. وقال النعمان إن حصيلة العمليات العسكرية في عام 2024، أسفرت عن مقتل نحو 63 عنصراً من مستويات قيادية مختلفة وصلت إلى الصفين الأول والثاني من قادة التنظيم، بما في ذلك مقتل ما يُسمى «والي العراق» ومساعديه في جبال حمرين، وكذلك مقتل 21 مسلحاً من التنظيم في عملية نوعية للجهاز. وكان من بين القتلى ما يعرف بـ«والي الأنبار» و«والي الجنوب»، إضافة إلى المسؤول عن الملف الكيميائي ومسؤول عمليات التنظيم خارج العراق «أبي علي التونسي». وفيما يخص عمليات إلقاء القبض على عناصر التنظيم، أوضح النعمان أن جهاز مكافحة الإرهاب تمكن من اعتقال 84 عنصراً بينهم قادة كبار، فضلاً عن تدمير أكثر من 260 مقراً ومضافةً لـ«داعش» في مناطق عديدة، أهمها في عمق صحراء الأنبار العراقية.

الخلاصة

أولاً: أسفر الفراغ الذي تركه انهيار النظام السوري المفاجئ واضمحلال الجيش النظامي وخروج الميليشيات الإيرانية عن انتعاش تنظيم داعش وإحياء آماله في إعادة السيطرة على مساحات شاسعة كانت بحوزته وتحت إدارته. ومن هنا، تحرك التنظيم سريعاً لوضع اليد على مخازن السلاح والعتاد الذي تركه النظام والميليشيات الإيرانية بشكل مقصود، مع العمل على تجنيد الشباب والتمظهر، تنظيمياً وفكرياً، في مناطق كانت تحت سيطرة ونفوذ النظام السوري وحلفائه الإيرانيين.

ثانياً: تحركت قوات سوريا الديمقراطية استباقياً ضد «داعش» وعملت على سد المنافذ في وجه تمدده ضمن النطاق الجغرافي الواقع تحت سيطرتها، فشنت عمليات دهم وتفتيش واسعة النطاق على الأرياف بوصفها المساحة التي يستهدفها بالدرجة الأولى للكشف عن خلاياه وتفكيكها واعتقال أفرادها ومصادرة الأسلحة والعتاد والمتفجرات التي بحوزتهم، وبالتالي إحباط الهجمات التي يخطط لها التنظيم. واعتمدت قوات سوريا الديمقراطية على شركائها في التحالف الدولي في التغطية الجوية ورصد تحركات التنظيم والكشف عن اتصالاته، وكذلك على الأهالي في إمداد الأجهزة الأمنية المختصة بالمعلومات الميدانية.

ثالثاً: عمدت قوات سوريا الديمقراطية لتفكيك مجموعات «الدفاع الوطني» المنحل، والتي بدأت عناصر سابقة فيها بالتحرك وسط الأهالي في أرياف دير الزور والحسكة لإثارة الفوضى والتحريض ضد الهياكل والمؤسسات المدنية في الإدارة الذاتية وقوى الأمن الداخلي وقوات سوريا الديمقراطية ولمنع انضمام هؤلاء إلى «داعش»، وبالتالي التحول لخلايا تعمل لمصلحته وتروج لفكره ضمن الأهالي. لذلك، كان ضرب وتفكيك هذه المجموعات وفضح نشاطها من المهام العاجلة ضمن الحملة الأهم وهي ضرب «داعش» ومنعه من التمدد وإحباط عملياته التي يخطط لها.

رابعاً: تعمل قوات سوريا الديمقراطية على متابعة ملفات التعاون العسكري بين «داعش» من جهة وبين بقايا الميليشيات الإيرانية والفصائل الموالية لتركيا من جهة أخرى، والكشف عن تفاصيل هذا التعاون والتخادم وتفاصيل وآليات استفادة «داعش» من هجمات الجيش التركي والفصائل التابعة له على قوات سوريا الديمقراطية لجهة استغلال التنظيم انشغال هذه القوات في التصدي لهجمات تركيا وأدواتها لتحقيق للاختراق وتنفيذ الهجمات المباغتة وعمليات الاغتيال والتخريب ضد المؤسسات المدنية والأمنية التابعة للإدارة الذاتية.

خامساً: تشديد قوى الأمن الداخلي وقوات سوريا الديمقراطية الحراسة على السجون والمخيمات التي تضم مقاتلي «داعش» وأفراد عائلاتهم وتكثيفها، بالتعاون مع التحالف الدولي، بغية إحباط مخططات التنظيم للهجوم على السجون والمخيمات لتحرير عناصره وعائلاتهم. كما تشن الأجهزة المختصة حملات دهم وتفتيش داخل السجون والمخيمات لتفكيك الهياكل التنظيمية لـ«داعش» مثل أقسام «النساء المهاجرات» و«أشبال الخلافة» ومصادرة أجهزة الاتصالات والأسلحة ورموز التنظيم واعتقال المتورطين في أعمال القتل والتهديد التي تطال كل من يخرج عن تعاليمه.

سادساً: استطاعت قوات سوريا الديمقراطية، وبالتعاون مع التحالف الدولي والحكومة العراقية، إحباط العديد من محاولات الفرار من المخيمات ومنع «داعش» من تنفيذ مخططات لشن هجمات مسلحة على المخيمات لتحرير أنصار التنظيم. وتستمر الجهات المسؤولة في الإدارة الذاتية بتعزيز التعاون مع العديد من الدول بغية تبادل المعلومات والتأكيد على ضرورة استلام الدول العربية والأجنبية لرعاياها من المعتقلين في سجون الإدارة الذاتية.

سابعاً: في ظل الانهيار المفاجئ للنظام السوري وخروج الميليشيات الإيرانية وعدم اتضاح رؤية الحكومة المؤقتة في دمشق حيال ملف محاربة «داعش» والتصدي لفكره، فإن دول عديدة بدأت تعزيز تعاونها مع قوات سوريا الديمقراطية ومع الإدارة الذاتية لتحقيق المزيد من التنسيق في التصدي للتنظيم ومحاربة كل مظاهره الفكرية والتنظيمية. أكدت التطورات أهمية قوات سوريا الديمقراطية ومحورية دورها في محاربة «داعش» والحيلولة دون تمدده وإعادة سيطرته على مساحات في سوريا. كما عززت قدرة قوات سوريا الديمقراطية، ومرونتها في كشف مخططات «داعش» وتفكيك خلاياه واحباط عملياته، من هذا التعاون وجعلت منه أمراً في غاية الأهمية والضرورة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد