سارة شريف
مع استعداد الرئيس الجمهوري المُنتخب دونالد ترامب لبدء ولايته الثانية كرئيس للولايات المتحدة، تتلقى أنقرة إشارات متضاربة عن صيغة العلاقة مع واشنطن. فمن جهة، كانت فترة ترامب الأولى إيجابية لأنقرة التي احتلت فيها منطقة جديدة في شمال سوريا عام 2019، رغم فرض عقوبات عليها. ومن جهة ثانية، تثير تعيينات ترامب الريبة لدى تركيا بسبب شخصيات عرف عنها بتشددها في الضغط على أنقرة ودفاعها عن مكاسب قوات سوريا الديمقراطية.
سعى الرئيس التركي إلى إعادة ضبط العلاقات المتوترة مع الولايات المتحدة بدعوة الرئيس المنتخب لزيارة تركيا، وقال إن ترامب تحدث بشكل إيجابي للغاية عن تركيا خلال مكالمة هاتفية.
وقوبل فوز ترامب في الانتخابات هذا الأسبوع بترحاب في تركيا، بينما أبدى بعض المسؤولين تفاؤلاً حذراً بشأن آفاق السياسات الاقتصادية الأميركية الجديدة. وقال أردوغان للصحافيين على متن الطائرة العائدة من القمة الأوروبية في بودابست إنه يأمل أن يقبل ترامب الدعوة.
وقال مسؤول في حزب العدالة والتنمية إن أنقرة تتوقع أن تكون إدارة ترامب أكثر مرونة وتفهماً لاحتياجاتها.
ولم يقم الرئيس الأميركي المنتهية ولايته جو بايدن بزيارة تركيا خلال فترة ولايته. كما فشلت زيارة أردوغان إلى البيت الأبيض في وقت سابق من هذا العام دون تقديم أي تفسير، وهو ما يؤكد فتور العلاقات. بينما التقى ترامب وأردوغان وجهاً لوجه حوالي تسع مرات في الماضي، مقارنة بلقاءين قصيرين فقط مع بايدن.
خلال رئاسة بايدن، كان التواصل مقتصراً إلى حد كبير على وزراء الخارجية، وهو ما يمثل تناقضاً مع «العلاقة القوية» التي تمتع بها أردوغان وترامب.
وُصفت العلاقة بين ترامب وأردوغان بأنها جيدة ولكنها مُضللة في الوقت نفسه. فهي جيدة لأن لديهما تاريخ من الأحاديث المتكررة والتي وصفت بأنها نوع من التفاهم، مثل المكالمات الهاتفية والاجتماعات، ما قد يوفر مساحة للرئيس التركي لعرض سياساته بشأن القضايا التي يهتم بها ومحاولة التأثير على ترامب حيالها.
وبحسب تصريحات أردوغان، فإنه يأمل أن تؤدي (دعوته لترامب) إلى تعزيز التعاون بين تركيا والولايات المتحدة وإلى علاقة «مختلفة عن فترة ترامب السابقة»، عندما أدت الخلافات حول عدد من القضايا إلى فرض واشنطن رسوماً جمركية عقابية أضرت بالاقتصاد التركي.
وأضاف أردوغان أن تعاون أنقرة مع البيت الأبيض بقيادة ترامب قد يساعد أيضاً في حل الأزمات الإقليمية. ورغم أن أردوغان وترامب كانا يتمتعان بعلاقات شخصية أوثق خلال فترة رئاسة ترامب بين عامي 2017 و2021، لكن أيضاً كان هناك المزيد من التوترات بين واشنطن وأنقرة، بسبب الخلافات حول شراكة واشنطن مع قوات سوريا الديمقراطية في سوريا وعلاقات أنقرة مع موسكو.
ولا أحد بإمكانه أن ينسى عندما هدد ترامب بـ«تدمير الاقتصاد التركي» خلال فترة ولايته الرئاسية الأولى. كان ذلك بمثابة تذكير صارخ للرئيس التركي أن من الصعب التنبؤ بترامب، حيث جاء تهديده بتدمير الاقتصاد التركي في رسالة أرسلها إلى أردوغان في أكتوبر/تشرين الأول 2019 عندما كانت القوات المسلحة التركية تستعد للتوغل في شمال سوريا.
وكتب ترامب: «دعونا نتوصل إلى اتفاق جيد! أنت لا تريد أن تكون مسؤولاً عن ذبح الآلاف من الناس، وأنا لا أريد أن أكون مسؤولاً عن تدمير الاقتصاد التركي – وسأفعل ذلك».
في يوليو/تموز 2018، تسبب ترامب في هبوط حاد لليرة التركية عندما حذر من أنه سيفرض عقوبات كبيرة على تركيا ما لم تفرج أنقرة عن أندرو برونسون، القس الأمريكي الذي يحاكم بتهمة الإرهاب المرتبط بشبكات لها علاقة بمحاولة الانقلاب ضد أردوغان في يوليو/تموز 2016. وسرعان ما تم إطلاق سراح برونسون.
ولكن في خلال مكالمة هاتفية عام 2019، أعطى ترامب لأردوغان الضوء الأخضر لشن هجوم عسكري في شمال سوريا، ما سمح لأنقرة بالاستيلاء على أراضٍ في شمال سوريا في كل من سري كانيه/رأس العين وتل أبيض، وبالتالي محاولة التأثير في التحالف بين قوات سوريا الديمقراطية والقوات الأميركية.
وعندما فرضت واشنطن عقوبات على تركيا بسبب شرائها أنظمة الدفاع الجوي الروسية من طراز «إس-400»، اختار ترامب أيضاً أخف حزمة عقوبات قدمت له، وهو ما فُسّر على أنه تقارب بين أردوغان وترامب. ولكن في الوقت نفسه، فرض ترامب عقوبات على وزراء أتراك بسبب سجن القس الأمريكي في 2018.
يصعب وصف العلاقة بين ترامب وأردوغان، وهو ما دفع العديد من السياسيين في حزب العدالة والتنمية الحاكم وبعض كبار البيروقراطيين في الوزارات التركية ذات الصلة إلى القول إنه كان هناك دائماً صورة مضللة حول علاقة تركيا بواشنطن في ظل إدارة ترامب.
ويمكن تفسير ذلك بشكل ما بطبيعة ترامب المتقلبة وتقديمه لوعود حول صفقات لا تسفر عن أي تقدم أو متابعة. وأثناء ولاية ترامب، لطالما فشلت الوزارات التركية في العمل بشكل صحيح مع نظيراتها الأميركية بسبب التغيير المستمر للمسؤولين على الجانب الأميركي. ومن غير المؤكد أن هذه الأوضاع تغيرت الآن، بل على العكس قد يحصل المزيد من التقلب في البيت الأبيض بعد فوز ترامب.
وفي السياق ذاته، كان هناك تضارب مصالح بين ترامب وأردوغان. ففي أواخر عام 2015، أقر ترامب بأن «لديه تضارب مصالح بسيط» في التعامل مع تركيا بسبب صفقة الترخيص التي دفعت له مقابل ظهور اسمه على برجين زجاجيين في إسطنبول. وكشفت تسريبات عام 2020 لبعض إقرارات ترامب الضريبية أنه تلقى في الواقع ما لا يقل عن 13 مليون دولار، بما في ذلك مليون دولار على الأقل أثناء توليه منصب الرئيس، من خلال الصفقة. وفي وقت لاحق، مارس رجل ساعد في التوسط في صفقة الترخيص لترامب ضغوطاً على إدارته نيابة عن المصالح التركية.
ومن المتوقع أن يظهر تقارب المصالح هذا مرة أخرى بعد فوز ترامب، ما قد يدفع العديد إلى انتقاده. ولكن هل من شأن ذلك أن يردع ترامب عن القيام بخطوات إيجابية حيال تركيا؟ لا أحد على وجه التحديد بإمكانه أن يعلم ذلك.
من غير المرجح أن تشهد العلاقات التركية الأميركية تغييراً جذرياً. فالمشاكل بين أنقرة وواشنطن راسخة منذ العقد الماضي. ويرجع ذلك أساساً إلى أولويات ومصالح الأمن القومي المتباينة وعدد من الملفات التي كانت ولاتزال عالقة بين الجانبين وتمثل أزمة بين الإدارة الأميركية وتركيا مثل مصير نظام الدفاع الصاروخي الروسي «إس 400» في تركيا ودعم الولايات المتحدة قوات سوريا الديمقراطية والعلاقات التركية مع اليونان وإيران وروسيا. وتظل قضية الصواريخ المشكلة الأكثر منهجية في العلاقات التركية الأميركية. وليس واضحاً بعد ما الذي سيفعله ترامب خلال فترة رئاسته، وهو الذي أخرج تركيا من برنامج «إف-35» الذي كانت تركيا منتجاً مشاركاً فيه بسبب شرائها نظام «إس-400» من روسيا. ولا يوجد أي مؤشر على أنه سيغير هذه السياسة إذا أعيد انتخابه. وفي كل الأحوال، من المرجح أن يستمر الضغط والعقوبات على تركيا للتخلص من أنظمة الصواريخ هذه.
وتخضع أنقرة حالياً لعقوبات قانون مكافحة أعداء أميركا (CAATSA). وكان هناك اقتراح أميركي جديد نسبياً لنقل «إس 400» إلى القطاع الذي تسيطر عليه الولايات المتحدة في قاعدة إنجرليك بالقرب من أضنة. وليس واضحاً ما إذا كانت أنقرة ستقبل هذا العرض، في وقت سارعت موسكو إلى تذكير أنقرة أن شراء نظام الدفاع الصاروخي الروسي يتضمن شهادة المستخدم النهائي التي تحظر التعامل مع أطراف ثالثة دون موافقة روسيا.
قبل خمس سنوات، سمح ترامب لأردوغان المضي قدماً وغزو شمال سوريا، ما أثار صدمة في واشنطن واستدعى إدانة من الحزبين لقرار الرئيس الأميركي.
واتهمت منظمة العفو الدولية القوات التركية التي غزت المنطقة بإظهار «استخفاف مخزٍ بحياة المدنيين، وارتكاب انتهاكات خطيرة وجرائم حرب، بما في ذلك عمليات قتل بإجراءات موجزة وهجمات غير قانونية أسفرت عن مقتل وإصابة مدنيين». كانت الموافقة على الغزو واحدة من الطرق العديدة التي ساعد بها ترامب الرئيس التركي أثناء وجوده في منصبه. كما تدخل ترامب لدى وزارة العدل لمساعدة بنك تركي، «خلق بنك»، بعدما اتُهم بمساعدة إيران في التهرب من العقوبات الأميركية. وبضغط شخصي من أردوغان، ضغط ترامب أيضاً على مستشاريه، بما في ذلك مسؤولين في وزارة العدل لإسقاط قضية ضد البنك رفعها المدعون في المنطقة الجنوبية من نيويورك، وفقاً لروايات مسؤولين سابقين في إدارة ترامب.
لقد حظيت موافقة ترامب بغزو لسوريا ورد فعله على الانتقادات التي أثارها باهتمام محدود خلال حملة 2024. لكنها تسلط الضوء على العديد من نقاط ضعف ترامب في إدارة السياسة الخارجية للولايات المتحدة. ورغم الضغوط، من غير المؤكد أن ترامب سيتصرف بشكل مختلف فيما يخص سوريا. لكن مع تصريحاته حول ضرورة انسحاب الجيش الأميركي من الأماكن المتفرقة في العالم، قد لا يكون الأمر مختلف جوهرياً عن ولايته الأولى.
المأزق الحقيقي لدى تركيا هو أنها مُجبرة أن تحافظ على علاقة طيبة مع روسيا حتى لو كانت عضواً في حلف الناتو. وينطبق الشيء ذاته على علاقتها بإيران، مع حقيقة أن الدول الثلاث (تركيا – إيران – روسيا) تتنافس في هذه البقعة من الجغرافيا. كما تريد تركيا أيضاً الحفاظ على علاقاتها مع أوكرانيا، في حين يقدم حلف الناتو مساعدات لأوكرانيا.
خلال الشهور الأخيرة، أرادت تركيا أن تلعب دوراً إقليمياً أكبر في الحروب الجارية. فلطالما سعى أردوغان إلى لعب دور في إنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا، نظراً لعلاقاته الوثيقة مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وتلك المثيرة للجدل مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، وهي العلاقة التي أثارت انتقادات وشكوكاً من بعض شركاء تركيا في حلف الناتو، ولكن يبدو أن للولايات المتحدة حاجة لأن يكون هناك قناة مع روسيا فيما يخص عملية تبادل السجناء في أنقرة التي رعتها الاستخبارات التركية.
وينطبق الأمر نفسه على حركة حماس. على سبيل المثال، تناقش إبراهيم كالين، رئيس جهاز الاستخبارات التركية، وأعضاء المكتب السياسي للحركة في أنقرة بشأن تبادل الرهائن مع إسرائيل.
أما فيما يخص التوتر مع اليونان، فيبدو أن العلاقات التركية مع اليونان ومصر فيما يتعلق بالاستقرار في شرق البحر الأبيض المتوسط لن تتغير خلال الفترة القادمة.
في ظل قيادة ترامب للبيت الأبيض، من المرجح أن تظهر مرة أخرى علاقة تركية أميركية أكثر تقلباً وانتهازية بطرق مماثلة للصعود والهبوط خلال رئاسة ترامب الأولى. ربما يرى أردوغان أن ترامب سيستقبل مكالماته الهاتفية ويستمع إلى آرائه، كما فعل خلال ولايته السابقة، لكنه لن ينفذ بالضرورة ما يريد.
باحثة سياسية مصرية