في تجمعها الختامي الأسبوع الماضي، سخرت كامالا هاريس من دونالد ترامب ووصفته بأنه استثناء لا يمثل أميركا وقالت إنه «ليس ما نحن عليه».
لقد جرفت الموجة الترامبية الحمراء ليلة الثلاثاء الافتراض القائل بأن ترامب يمثل شذوذاً مكانه مزبلة التاريخ. ووفق الكاتب والمؤلف بيتر بيكر في مقال نشره في صحيفة «نيويورك تايمز»: «اتضح أن ترامب هو بالضبط من يمثل القطاعات الأوسع من الشعب الأميركي».
لم يعد بإمكان المؤسسة السياسية أن تستبعد ترامب باعتباره استراحة مؤقتة من مسيرة التقدم الطويلة، أو مجرد صدفة تسللت بطريقة ما إلى البيت الأبيض في فوز غريب لمرة واحدة في المجمع الانتخابي قبل ثماني سنوات. فمع فوزه الثاني، أثبت ترامب نفسه الآن كقوة جارفة تعيد تشكيل الولايات المتحدة بحسب رؤيته.
لقد ثبت أن خيبة الأمل الشعبوية والاستياء من النخب أعمق مما أدركه كثيرون في كلا الحزبين، وفق بيكر، فاستفادت حملة ترامب التي تحركها «هرمونات الذكورة» – على حد تعبيره – من مقاومة انتخاب أول رئيسة.
وفي حين لا يزال عشرات الملايين من الناخبين يدلون بأصواتهم ضد ترامب، فقد استغل مرة أخرى شعوراً بين قطاعات واسعة بأن البلد الذي عرفوه موطناً لـ«الحلم الأميركي» يسير إلى حتفه.
وللتغلب على ذلك، يقول بيكر، صوّت الناخبون من أجل عودة بطل فظ يبلغ من العمر 78 عاماً على استعداد لقلب التقاليد واتخاذ إجراءات جذرية حتى لو كانت تسيء إلى القواعد أو تنتهك المعايير القديمة. ونتيجة لذلك، وللمرة الأولى في التاريخ، انتخب الأميركيون مجرماً مداناً كرئيس. لقد أعادوا السلطة إلى زعيم حاول قلب انتخابات سابقة ودعا إلى «إنهاء» الدستور لاستعادة منصبه، وطمح إلى أن يكون دكتاتوراً منذ اليوم الأول وتعهد بـ «الانتقام» من خصومه.
يقول تيموثي نفتالي، المؤرخ في جامعة كولومبيا: «تصبح أميركا الحقيقية أميركا ترامب. بصراحة، سيقول العالم إذا لم يتم استبعاد هذا الرجل بحلول السادس من يناير، فهذه ليست أميركا التي عرفناها».
بالنسبة لحلفاء ترامب، فإن الانتخابات تثبت حجته بأن واشنطن العاصمة أصبحت بعيدة عن الواقع، وأن أميركا بلد سئم الحروب الخارجية والهجرة المفرطة والصوابية السياسية.
وترى ميلودي سي بارنز، المديرة التنفيذية لمعهد «كارش للديمقراطية» في جامعة فيرجينيا والمستشارة السابقة للرئيس باراك أوباما، أن «رئاسة ترامب تعكس عمق التهميش الذي يشعر به أولئك الذين يعتقدون أنهم كانوا على الهامش لفترة طويلة جداً».
وبدلاً من الانزعاج من تصريحات ترامب القائمة على الغضب على أسس العرق والجنس والدين والأصل القومي وخاصة الهوية المتحولة جنسياً، وجد العديد من الأميركيين أنها مفيدة. تبنى كثيرون قوله إنه كان ضحية للاضطهاد.
ويقول بيتر إتش وينر، المستشار الاستراتيجي السابق للرئيس جورج دبليو بوش والناقد الشديد لترامب: «كانت هذه الانتخابات بمثابة فحص بالأشعة المقطعية للشعب الأميركي. وبقدر ما يصعب قوله هذا، وبقدر ما يصعب تسمية الأمر، فإن ما كشفت عنه، على الأقل جزئياً، هو احتضان مخيف لرجل فاسد بلا حدود. لم يعد دونالد ترامب استثناء؛ إنه الآن مثال المواطن الأميركي العادي».
إن حقيقة أن ترامب كان قادراً على التعافي من العديد من الهزائم القانونية والسياسية على مدى السنوات الأربع الماضية، والتي كانت أي منها كافية لتدمير مسيرة أي سياسي آخر، لهي شهادة على مرونته وتحديه. إنه لا يقبل الاستسلام، وهذه المرة على الأقل، لم يهزم.
لكن يرجع ذلك جزئياً إلى إخفاقات جو بايدن وهاريس. كان فوز ترامب بمثابة رفض لإدارة أقرت إغاثة شاملة من الوباء والإنفاق الاجتماعي وبرامج تغير المناخ، لكنها تعثرت بسبب التضخم المرتفع والهجرة غير الشرعية، وكلاهما تم السيطرة عليهما بعد فوات الأوان.
وعلاوة على ذلك، لم يتمكن بايدن وهاريس أبداً من معالجة الانقسامات في عصر ترامب كما وعدا، على الرغم من أن ذلك ربما لم يكن ممكناً أساساً. ووفق بيكر: «لم يتمكنا من معرفة كيفية توجيه الغضب الذي يدفع حركته أو الاستجابة للتوترات الثقافية. وبمجرد أن أخذت الشعلة من بايدن، أكدت هاريس في البداية على مهمة إيجابية مليئة بالبهجة للمستقبل وتعزيز الديمقراطيين المتحمسين خلفها، لكن هذا لم يكن كافياً لكسب الناخبين غير الملتزمين. اعتمد الديمقراطيون مرة أخرى على الجدار الأزرق الذي انهار».
لقد نادت هاريس بالوحدة في الأيام الأخيرة. لكن رسالتها «نحن جميعاً معاً» لم تكن على مستوى رسالة ترامب العدوانية «قاتلوا، قاتلوا، قاتلوا». وعززت الانتخابات مدى الاستقطاب الذي أصبحت عليه البلاد وانقسامها إلى نصفين. إنها، على حد تعبير بيكر، «حقبة قبلية».
كما سلطت نهوض ترامب السياسي الضوء على جانب غالباً ما يتم التقليل من شأنه من التجربة الديمقراطية الأميركية التي استمرت 248 عاماً. وعلى الرغم من التزامها بالدستور، شهدت ديمقراطية الولايات المتحدة لحظات كان فيها الجمهور متعطشاً لرجل قوي وأظهر استعداداً لتمكين مثل هذه الشخصية بسلطة هائلة. وحدث ذلك غالباً في أوقات الحرب أو الخطر الوطني. لكن ترامب أيضاً يؤطر الصراع الحالي من أجل أميركا كنوع من الحرب.
قالت روث بن غيات، المؤرخة ومؤلفة كتاب «الرجال الأقوياء: موسوليني حتى الوقت الحاضر»: «كان ترامب يكيف الأميركيين طوال هذه الحملة على رؤية الديمقراطية الأميركية كتجربة فاشلة». وأضافت أنه من خلال مدح الدكتاتوريين مثل الرئيس الروسي فلاديمير بوتن من روسيا والصيني شي جين بينج «استخدم حملته لإعداد الأميركيين للاستبداد». واستشهدت بتبنيه للغة من المعاجم النازية والسوفييتية، مثل وصف المعارضين بـ «الحشرات» و«العدو من الداخل» بينما اتهم المهاجرين «بتسميم دماء بلادنا»، وألمح أنه قد يستخدم الجيش ضد المعارضين. وقالت بن غيات إن «انتصار ترامب يعني انتصار هذه الرؤية لأميركا».
وفقاً لاستطلاعات الرأي، كانت غالبية مؤيدي هاريس من النساء بينما غالبية مؤيدي ترامب من الرجال. ومع ذلك، على الرغم من أن معظم الاستفتاءات على حقوق الإجهاض تمت في ولايات مختلفة يوم الثلاثاء، إلا أن القضية لم تحفز النساء في أول سباق رئاسي منذ إلغاء قضية «رو ضد وايد» إلى الحد الذي توقعه الديمقراطيون وخشيه الجمهوريون.
يقول بيكر إن الصراع الحاسم في المستقبل سيكون الحرب التي يقول ترامب إنه سيخوضها الآن ضد نظام يعتبره فاسداً. إذا التزم بوعود حملته الانتخابية، فسوف يسعى إلى تعزيز المزيد من السلطة في الرئاسة وإخضاع «الدولة العميقة» وملاحقة المعارضين السياسيين «الخونة» في كلا الحزبين ووسائل الإعلام. وأثناء فعله ذلك، سوف يتمتع بالشرعية والخبرة التي لم تكن لديه في المرة الأخيرة. لقد تعلم من ولايته الأولى، ليس كثيراً عن السياسة، بل أكثر عن كيفية سحب أسس السلطة. وهذه المرة، سوف يتمتع بمزيد من الحرية.
اتضح أن عهد ترامب لم يكن فترة انتقالية لمدة أربع سنوات. بافتراض أنه سيكمل فترته الجديدة، يبدو الآن أنه سيكون عصراً ممتداً، ما يجعله في مركز الساحة السياسية بما يضاهي فترة فرانكلين د. روزفلت أو رونالد ريغان. وكما يختم بيكر مقالته، فإنها «أميركا ترامب في نهاية المطاف».
*بيتر بيكر هو كبير مراسلي البيت الأبيض في صحيفة «تايمز» وعاصر بتغطيته الصحافية آخر خمسة رؤساء، ويكتب أحياناً مقالات تحليلية تضع الرؤساء وإداراتهم في سياق أوسع وإطار تاريخي. وكتب مع زوجته كتاباً عن فترة رئاسة ترامب الأولى.