محمد سيد رصاص
في عام 1924، ولد الحزب الشيوعي في سوريا ولبنان. وفي عام 1928، ولد حزب الكتلة الوطنية، وهو تجمع وطني عام له طابع ليبرالي يشبه حزب الوفد في مصر وحزب المؤتمر الوطني الهندي. كانت هذه الظاهرة لافتة، أي أن تكون الماركسية الشيوعية والليبرالية أولى مواليد الحياة السياسية السورية. في الثلاثينيات، بدأت ملامح جنين التيار العروبي ولكنه لم يولد مولوده الأول سوى عام 1947 مع حزب البعث العربي. وفي الثلاثينيات، ولد تيار قومي غير عروبي هو الحزب القومي السوري الاجتماعي. في عام 1946، تأسس الفرع السوري لجماعة الإخوان المسلمين. في عام 1957، ولد أول حزب كردي سوري هو الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا. في عام 2003، ولد حزب الاتحاد الديمقراطي- PYD ليكون ظاهرة جديدة في الحياة السياسية السورية من خلال طرحه فكرة الأمة الديمقراطية التي هي، فكرياً، خارج نطاق فكرة الأمة العربية والأمة الكردية والأمة السورية.
أنتجت كل الأحزاب المذكورة أعلاه تيارات سياسية: ماركسية شيوعية، ليبرالية، قومية سورية، إسلامية، عروبية، قومية كردية، وكذلك تيار الأمة الديمقراطية. اقتصرت بعض تلك التيارات على حزب واحد أصبح الممثل الوحيد لتياره مثل حزب الاتحاد الديمقراطي، فيما ظل الحزب الشيوعي حتى عام 1972 الممثل الحزبي الوحيد للتيار الماركسي الشيوعي قبل أن ينشق إلى حزبين. ثم جاء فصيل جديد إلى هذا التيار عام 1976 هو رابطة العمل الشيوعي الذي تحول إلى حزب العمل الشيوعي عام 1981. كذلك، ظلت جماعة الإخوان المسلمين الممثل الوحيد للتيار الإسلامي حتى انشقاقها عام 1970 إلى ثلاثة أجنحة. في النصف الثاني من الأربعينيات، انشقت «الكتلة الوطنية» وماتت بفعل تأسيس حزبين ليبراليين من رحمها هما الحزب الوطني ويتركز في دمشق وحزب الشعب ويتركز في حلب. وفي عام 1952، اتحد حزب البعث العربي مع الحزب العربي الاشتراكي الذي أسسه أكرم الحوراني عام 1950 ليصبح الاسم حزب البعث العربي الاشتراكي، قبل أن ينشقا عام 1962 ويذهب الحوراني إلى تأسيس حركة الاشتراكيين العرب، وهو ما توازى مع نشوء أحزاب عروبية مثل حزب الوحدويين الاشتراكيين عام 1961 في فترة ما بعد انفصال الوحدة السورية- المصرية في سبتمبر/أيلول 1961، ومن ثم الاتحاد الاشتراكي العربي عام 1964، وهو أول حركة سياسية سورية ناصرية تحولت في نهاية الستينيات لتحمل اسم حزب الاتحاد الاشتراكي العربي، قبل أن ينشق عنه التنظيم الشعبي الناصري بزعامة رجاء الناصر عام 1978 ليعود بعدها إلى صفوف الاتحاد الاشتراكي العربي في 1990. وفي 1965، انشق «البارتي» السوري بفعل انشقاق 1964 الذي وقع في العراق داخل الحزب الديمقراطي الكردستاني بين قيادة الملا مصطفى البارزاني وجناح إبراهيم أحمد- جلال الطالباني، ليتجسد الانشقاق سورياً في ما سمي «اليمين» بقيادة عبدالحميد درويش، وكان أقرب لأحمد والطالباني، وبين «اليسار» الموالي للبارزاني بقيادة عثمان صبري. ومن هذين الجناحين المنشقين، حدثت ولادات متسلسلة للأحزاب القومية الكردية طوال نصف قرن لاحق من الزمن. ويمكن تسمية كل منهما بتيار منفصل، ولو أن ظاهرة عبدالحميد درويش ومحي الدين شيخ آلي، سكرتير حزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا «يكيتي»، كخط وسطي ثالث بين هذين التيارين حدث مستقل في القضايا السورية والكردستانية، خاصة في صراعات الطالباني والبارزاني. من اللافت للنظر تغيير المرحوم عبدالحميد درويش، عام 1976، اسم الحزب إلى «الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا». ومن اللافت للنظر أيضاً أن تأسيس «الحزب الديمقراطي الكردستاني- سوريا» عام 2014 كاندماج بين «البارتي» وجناحين من «حزب آزادي» مع «يكيتي» كسر معادلة 1965 حينما اندمجت تفرعات من التيارين المنشقين. وكان تأسيس المجلس الوطني الكردي أواخر أكتوبر/تشرين الأول 2011 تعبيراً عن تأسيس معادلة جديدة في الوسط الاجتماعي السوري الكردي بين «المجلس»، الذي دخل الائتلاف الوطني المشكّل عام 2012 تحت رعاية الأتراك، وبين «PYD» الذي ظل حتى 7 يناير/كانون الثاني 2016 ضمن «هيئة التنسيق الوطنية» التي انسحب منها في ذلك التاريخ بعد شهر من تأسيس «مجلس سوريا الديمقراطية- مسد». ومن اللافت للنظر كذلك أن «الحزب التقدمي» انسحب من المجلس الوطني الكردي في 2015.
فيما يخص الانتقالات العابرة بين التيارات السياسية، كانت ظاهرة انتقال عروبيين في أحزاب قومية عروبية إلى التيار الماركسي في فترة ما بعد هزيمة حرب 1967 أمراً لافتاً للنظر، حيث كان تأسيس «الحلقات الماركسية» التي ولدت منها رابطة العمل الشيوعي نتيجة هجرات انتقالية أيديولوجية نحو الماركسية مارسها العديدون من حركة الاشتراكيين العرب (فاتح جاموس- أكرم البني ) ومن «حزب البعث – 23شباط» (عبد العزيز الخيّر- عصام دمشقية) ومن حركة القوميين العرب (زياد مشهور- عبدالملك عساف- عبدالقهار سعود). ولم تقتصر هذه الظاهرة على السوريين بل شملت عديدين في حركة القوميين العرب ممن اتجهوا نحو الماركسية، وتضمنت أسماء من وزن جورج حبش ومحسن إبراهيم وعبدالفتاح إسماعيل. وكان «حزب البعث اليساري» أول من بدأ بهذه الهجرة من العروبة إلى الماركسية حيث انشق عام 1964 عن حزب البعث، وهو ما قاد عام 1965 إلى تأسيس حزب العمال الثوري العربي بزعامة ياسين الحافظ. وفي بداية القرن الحالي، حدثت انتقالات من التيار الماركسي الشيوعي نحو تيار جديد يمكن تسميته بـ«الليبرالية الجديدة»، وهي غير ليبرالية حزب الشعب والحزب الوطني، إذ ماتت سورياً في فترة ما بعد 8 مارس/آذار 1963، وشملت معظم تلاميذ ياسين الحافظ وقيادات شيوعية مثل رياض الترك الذي أسس عام 2005 حزب الشعب الديمقراطي ومن ثم «إعلان دمشق». كما شملت هذه الانتقالات قيادات من حزب العمل الشيوعي، مثل أصلان عبد الكريم وأكرم البني وعصام دمشقية، وأسماء وكوادر من الحزب الشيوعي، جناح خالد بكداش، مثل عبدالرزاق عيد.
وفيما يخص انشقاق التيارات السياسية إلى أحزاب أو حركات سياسية متصارعة، أتت ظاهرة انشقاق «الكتلة الوطنية» بين عامي 1947و1948 إلى حزبين ليبراليين (الحزب الوطني وحزب الشعب) متنافسين مناطقياً (دمشق وحلب) تتوزعهما ولاءات إقليمية متباعدة للدمشقيين مع القاهرة والرياض وللحلبيين مع الهاشميين المدعومين من بريطانيا في مشروعهم لتأسيس «الهلال الخصيب». وفي فترة 1962-1964، انشق التيار العروبي بين المدارين البعثي والناصري، وسال الدم بينهما في 18 يوليو/تموز 1963 حينما قام العقيد جاسم علوان بمحاولته الانقلابية المدعومة من القاهرة ضد البعثيين الذين أمسكوا لأربعة أشهر خلت بمراكز القرار السوري. وكان لافتاً للنظر أن رموزاً بعثية كانت ضمن المؤسسين لـ«الاتحاد الاشتراكي» في يوليو/تموز 1964. بعد المؤتمر القومي السادس في أكتوبر/تشرين الأول 1963، انشق المتمركسون عن البعث بزعامة ياسين الحافظ وعلي صالح السعدي وحمدي عبد المجيد. وفي 23 فبراير/شباط 1966، انشق حزب البعث بين الجناح القطري (صلاح جديد) والجناح القومي (ميشيل عفلق ومنيف الرزاز)، ثم حسم الصراع في حزب البعث بين عامي 1968 و1970 لصالح وزير الدفاع السوري حافظ الأسد ضد صلاح جديد وأنصاره في حزب البعث بدمشق، فيما مال البعثيون العراقيون بعد وصولهم للسلطة عام 1968 إلى الجناح القومي. أيضاً، كان الحزب الشيوعي السوري ولّاداً بعد انشقاقه عام 1972 لأحزاب شيوعية عديدة: الحزب الشيوعي- بكداش، والحزب الشيوعي- المكتب السياسي. ثم ولد من جناح بكداش أحزاب عديدة، مثل الحزب الشيوعي- منظمات القاعدة عام 1979، والحزب الشيوعي- يوسف فيصل عام 1986، قبل أن يتحد الأخير عام 1991 مع منظمات القاعدة ويؤسّسا الحزب الشيوعي الموحد، ثم «تيار قاسيون» عام 2001 بقيادة قدري جميل. وقاد إنشاء رياض الترك عام 2005 لحزب الشعب الديمقراطي إلى حركة مضادة عند كوادر عديدة في الحزب الشيوعي- المكتب السياسي كان رأيها الإبقاء على اسم الحزب وفكره الماركسي مع رفضها لمراهنة الترك على عامل التغيير من الخارج بعد مجيء الأميركيين إلى العراق وطرحه نظرية «الصفر الاستعماري».
أما فيما يخص علاقات التيارات السياسية ببعضها البعض، نجد أن علاقات الحزب الشيوعي مع الكتلة الوطنية كانت وفاقية في فترة 1936-1947. وكان لافتاً للنظر هذا الوئام بين الشيوعيين والليبراليين، مع عداء عند الشيوعيين آنذاك للقوميين السوريين والعروبيين. في عامي 1955و1956، تباعد الحزب الوطني مع حزب الشعب وتخاصما بسبب حلف بغداد. وبفعل ذلك، تقرّب من حزب البعث الذي تقرّب من جمال عبدالناصر المتخاصم مع نوري السعيد في بغداد ومن ورائه البريطانيين. وشكًل الحزب الوطني والبعثيون ثالوثاً مع الشيوعيين، الذين تقرّبوا من العروبيين بحكم اقتراب عبدالناصر من موسكو منذ صفقة الأسلحة التشيكية في 1955. كان صعود قوة الحزب الشيوعي السوري في 1957 دافعاً للتفكير عند قادة بعثيين مثل الحوراني أو قادة يمينيين مثل صبري العسلي وفارس الخوري للذهاب في 1958 إلى وحدة مصر وسوريا لأنها «الطريقة الوحيدة لصد زحف الشيوعية إلى البلاد» وفق تعبير فارس الخوري لباتريك سيل (الصراع على سورية، دار الأنوار، بيروت 1968، ص423). اشتعلت النار في العراق بين العروبيين والشيوعيين بعد 14 يوليو/تموز 1958. وترجم ذلك في دمشق والقاهرة عبر اعتقال الشيوعيين السوريين والمصريين في ليلة رأس سنة 1959 وخصام عبدالناصر ونيكيتا خروتشوف الذي توازى مع اقتراب القاهرة من واشنطن واتفاقهما على تولية فؤاد شهاب رئيساً للبنان في خريف 1958 واتفاقهما ضد نظام عبدالكريم قاسم في بغداد، حتى اشتراكهما في دعم وتخطيط الجهد الانقلابي الذي أطاح به في 8 فبراير/شباط 1963. كان أحد ترجمات ذلك هو تأييد الحزب الشيوعي السوري لحكم الانفصال واقترابه من جديد من ليبراليي الحزب الوطني وحزب الشعب ضد العروبيين. ومع زيارة خروتشوف لمصر في مايو/أيار 1964 وطرح سوسلوف قبل ذلك بثلاثة أشهر نظرية «التطور اللارأسمالي» التي تدعو لتعاون الشيوعيين مع ما أسمي آنذاك «الديموقراطيون الثوريون»، وقصد بهذا المصطلح عبد الناصر وأحمد بن بيللا وحزب البعث وجواهر لال نهرو في الهند، عاد التقارب بين القاهرة وموسكو وعاد معه التقارب بين الشيوعيين والعروبيين في القاهرة (حل التنظيمات الشيوعية وانضمام أفرادها للاتحاد الاشتراكي) وبغداد (خط أغسطس/آب 1964 عند الشيوعيين العراقيين) ودمشق (دخول وزير شيوعي للوزارة بصفته الشخصية عام 1966وعودة خالد بكداش لدمشق بنفس العام). وفي مايو/أيار 1968 عندما تشكلت «الجبهة القومية الوطنية» ضد نظام 23 شباط 1966، وضمت الاتحاد الاشتراكي والبعث القومي وحركة الاشتراكيين العرب وحزب العمال الثوري العربي، رفض بكداش الدعوة للانضمام إليها، بينما كان مصير جمال الأتاسي الاعتقال، لكنهما أيدا حركة 16 نوفمبر/تشرين الثاني 1970 التي أطاحت بنظام 23 شباط 1966، وشارك في تأييدها إسلاميون مثل عصام العطار وأمين يكن.
هنا، كان الموقف من نظام حافظ الأسد أحد أسباب انشقاق الحزب الشيوعي عام 1972. وفي عام 1973، انسحب حزب الاتحاد الاشتراكي من «الجبهة الوطنية التقدمية» بسبب المادة الثامنة في دستور 1973 التي تقول بأن «حزب البعث هو القائد للدولة والمجتمع». وعندما انسحب الحزب الشيوعي- المكتب السياسي من «الجبهة الوطنية التقدمية» مطلع 1976، شكّل ذلك أساساً للقاء رياض الترك وجمال الأتاسي الذي ولد منه «التجمع الوطني الديمقراطي» أواخر عام 1979 بالتشارك بينهما مع حزب العمال وحركة الاشتراكيين العرب وبعث 23 شباط. واجتمعت هذه الأحزاب والحركات الخمس على مقولة «الديمقراطية» وطلاقها مع مفاهيم سادت لديها منذ عام 1964 مثل «التطور اللارأسمالي» و«الديمقراطية الثورية» و«الديمقراطية الشعبية»، إضافة إلى شيء جديد قام به «التجمع» وهو طرحه لبرنامج ديمقراطي تغييري وليس إصلاحياً مع سكوته عن عنف الإسلاميين في أحداث 1979-1982 السورية. هذا العنف الذي قاد إلى توحيد أجنحة الإسلاميين الثلاثة: التنظيم العام، تنظيم الطلائع بقيادة العطار، وتنظيم الطليعة في نهاية عام 1980، فيما كان تأسيس «التحالف الوطني» بين جماعة الإخوان المسلمين وبعث العراق وحركة الاشتراكيين العرب في مارس/آذار 1982 سبباً في انسحاب تنظيم الطليعة وانشقاقه عن جماعة الإخوان، وهو انشقاق كان بذرة لتأسيس تيار سياسي جديد هو السلفية الجهادية الذي نظّر له سوريون مثل أبو مصعب السوري الذي تعاون مع أسامة بن لادن وأيمن الظواهري في تنظيم القاعدة بالتسعينيات ثم كان ملهماً لأبو مصعب الزرقاوي.
أيضاً، في ربيع 1998، حاول جمال الأتاسي، بالتعاون مع قياديين في الحزب الشيوعي- المكتب السياسي مثل عبدالله هوشه ومازن عدي وأشخاص قريبين من الحزب مثل ميشيل كيلو، طرح مشروع لتوحيد «التجمع الوطني الديمقراطي» وتحويله إلى حركة سياسية واحدة بدلاً من كونه تحالف أحزاب منذ 1979. ولكن أغلبية الجسم الحزبي في الحزب الشيوعي- المكتب السياسي رفضت ذلك، وساعدها على ذلك رياض الترك الذي خرج من السجن أواخر مايو/أيار 1998. وكان رأي الترك أن «التجمع» على وشك الموت ويجب البحث عن تشكيل أوسع يكون على شكل تحالف وطني عريض يضم الإسلاميين والأحزاب الكردية وأحزاب «التجمع» لملاقاة متطلبات مرحلة سورية جديدة بحكم الوفاة المتوقعة للرئيس حافظ الأسد بسبب وضعه الصحي. وفعلاً منذ عام 1999، بدأت اتصالات مع الإسلاميين من خلال فرع الخارج في الحزب الشيوعي- المكتب السياسي ومع أحزاب كردية، وهو ما أنتج مؤتمراً عريضاً للمعارضة السورية بالخارج في لندن في أغسطس/آب 2002 ضم ممثلين عن الإسلاميين وعن الأحزاب الكردية وشخصيات ديمقراطية مستقلة إضافة لأحزاب «التجمع». وكان مؤتمر لندن النواة التي أنتجت «اعلان دمشق» في خريف 2005. ولكن الخلاف حول دور الخارج الأميركي في التغيير السوري أدى إلى ابتعاد ناصريي حزب الاتحاد الاشتراكي وماركسيي حزب العمل الشيوعي عن «إعلان دمشق» منذ أواخر عام 2007. وشكل الاتحاد الاشتراكي مع «تجمع اليسار الماركسي- تيم» نواة خط ثالث بالتشارك مع الحزب الديمقراطي الاجتماعي (يوسف سليمان) والحزب الديمقراطي الكردي «البارتي» بقيادة نصرالدين إبراهيم، علماً أن «تيم» ضم حزب العمل الشيوعي والحزب الشيوعي- المكتب السياسي والحزب اليساري الكردي وهيئة الشيوعيين السوريين و«التجمع الماركسي الديمقراطي- تمد». وكان الخط الثالث الرحم الذي ولدت منه «هيئة التنسيق الوطنية» في 2011 بالتشارك مع حزب الاتحاد الديمقراطي. ودعت الهيئة إلى رفض التدخل العسكري الخارجي وتسوية انتقالية تشاركية بين السلطة والمعارضة.
منذ الأزمة السورية في 2011، أصبحت استقطابات التيارات السياسية السورية في محورين: تحالف بين الإسلاميين في جماعة الإخوان المسلمين وليبراليي «إعلان دمشق» و المجلس الوطني الكردي تجسّد في «الائتلاف»، ومحور آخر في «هيئة التنسيق الوطنية» ضم عروبيي حزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي وحزب البعث الديمقراطي وماركسيي «تيم»، ومعهما حزب الاتحاد الديمقراطي. وعارضت الهيئة دعوات «الائتلاف» (وقبله المجلس الوطني المشكّل عام 2011) للتدخل الخارجي والعنف المسلح المعارض. ولم يحصل الفراق بين الهيئة وحزب الاتحاد الديمقراطي إلا بعد فشلها في تأمين تمثيل للحزب في مؤتمر الرياض للمعارضة السورية أواخر 2015 بسبب معارضة أنقرة وصمت واشنطن عن ذلك.
خلال سنوات ثمان مضت، هزمت المعارضة الإسلامية المسلحة بدءاً من حلب في الشهر الأخير من عام 2016، وباع الأتراك بعد ذلك المسلحين الإسلاميين في الغوطة وشمال حمص وحوران مقابل الحصول على موافقة الروس على مناطق سيطرة تركية في جرابلس- الباب- إعزاز وفي مدينة عفرين ومنطقتها وفي خط تل أبيض- رأس العين (سري كانيه). ثم طفت على السطح مظاهر كثيرة على تباعد ليبراليي «إعلان دمشق» عن الإسلاميين. التقت «مسد» و«هيئة التنسيق الوطنية» على وثيقة 24 يونيو/حزيران 2023 ثم تباعدتا بسبب «العقد الاجتماعي» الذي وافقت عليه «مسد» أواخر العام الماضي. هناك تقارب بين الهيئة وحزب الإرادة الشعبية في مواضيع كثيرة. كما أن «مسد» وحزب الإرادة الشعبية وقّعا على وثيقة تفاهم في موسكو قبل عدة سنوات. إذا أضيف لذلك ظهور مجموعات سورية في عواصم أوروبية مختلفة قبل عدة سنوات، فإن هناك مؤشرات على أن المعارضة تتجه نحو معسكرين: معسكر الإسلاميين ومعسكر ديمقراطي يضم كل المعارضين السوريين الآخرين من غير الإسلاميين، وبحيث أن هناك نواة يمكن أن يتشكل منها قطب ديمقراطي في موازاة القطب الإسلامي في جسم المعارضة السورية، فالسؤال الآن: كيف يمكن استشفاف الاستقطابات القادمة للوحة السياسية السورية؟