«داعش» يتمدد في الفوضى

طارق حمو

تتوالى هجمات تنظيم “داعش” بشكل شبه يومي في المناطق الصحراوية التي تختبئ فيها مجموعاته الصغيرة، بالموازاة مع محاولة التنظيم تشكيل خلايا مسلحة في داخل مدن ومناطق الإدارة الذاتية في إقليم شمال وشرق سوريا. وقد شهدت الأسابيع الماضية عشرات العمليات الخاطفة التي شنتها عناصر في التنظيم في البادية السورية ضد قوات الجيش السوري النظامي ومدنيين، وكذلك ضد مواقع قوات سوريا الديمقراطية في الحواضر والمدن، في كل من الرقة ودير الزور والحسكة. التنظيم الذي بدأ العمل “تحت الأرض” بعد أن أخرجته قوات سوريا الديمقراطية من مدينة الرقة، عاصمته المزعومة، في يونيو/حزيران 2017، ومن ثم القضاء عليه، رسمياً في آخر معاقله، في منطقة الباغوز في مارس/ آذار 2019، وضع استراتيجية تحرك و”تمدد” جديدة، وهي التسرب بين رمال البادية السورية، والعمل تحت الأرض هناك، بالاضافة إلى التركيز على العمل الاستخباراتي/السري، وتمويل وتأهيل الخلايا الصغيرة في مدن وقرى إقليم شمال وشرق سوريا، والتي هدفها الرئيسي التخريب والترويع، ضمن نهج واستراتيجية بث الفوضى والرعب، والحيلولة دون حدوث استقرار وتنمية وتوافق أهلي هناك.
ووفق المرصد السوري لحقوق الإنسان في تقرير نشره على موقعه يوم 21 أبريل/نيسان الجاري، فإن تنظيم “داعش” شن منذ بداية هذه السنة ما مجموعه 117 عملية، أسفرت عن مقتل 333 من قوات الجيش النظامي والميليشيات الموالية لها، و24 عنصراً من التنظيم ، و37 مدني وطفل وسيدة بهجمات في البادية السورية. وكان المرصد السوري لحقوق الإنسان قد نشر في تقرير له في نهاية ديسمبر/ كانون الأول 2023 حصيلة هجمات “داعش” في سوريا، وقال بأن العمليات التي شنها التنظيم طيلة عام 2023، وهي بالمجمل 336 عملية في مناطق النظام السوري والإدارة الذاتية، أسفرت عن قتل نحو 700 مدنياً وعسكرياً، بينما قتل 82 من عناصر وقيادات التنظيم بعمليات مضادة. وكان التنظيم قد شن عام 2022 أكثر من 171 عملية، تسببت بمقتل 624 عسكرياً ومدنياً، أغلبهم في مناطق سيطرة النظام السوري. وبالنظر إلى الأرقام الآنفة، يمكن تسجيل ملاحظتين، وهما: أولاً: إن التنظيم صعّد من عملياته، كماً ونوعاً، ويحاول دائماً أن يفرشها على أكبر قدر ممكن من الجغرافيا المحاذية للبادية السورية التي يختبئ فيها، وهي مساحة تزيد عن 4000 كم مربع، انطلاقاً من منطقة جبل أبو رجمين في شمال شرق تدمر وصولاً إلى بادية دير الزور وريفها الغربي، بالإضافة لتواجده في بادية السخنة وفي شمال الحدود الإدارية لمحافظة السويداء. وثانياً: إن التنظيم يحاول فرض واقع يسلم به، وهو خلق منطقة حمراء خاصة به، تسجل كونها دولة غير معلنة له، وهي مثلث البادية السورية بين حلب وحماة وحمص ودير الزور إلى مشارف السويداء في جنوب سوريا، يحكم فيها بالموت على كل عسكري أو مدني يمر فيها، في تفجيرات واعدامات مصورة.
من يتابع عمليات مجموعات “داعش” في البادية السورية، وكذلك في مناطق الإدارة الذاتية، سيكتشف إنها تتنوع بين الهجمات المباغتة السريعة، وتفجير الألغام والمتفجرات عن بعد، وارتكاب جرائم القتل والذبح بحق المدنيين، وهي كلها تهدف لبث الرعب وتسجيل حضور باطش، يقول بأن التنظيم ما يزال قوياً وحاضراً، رغم سحب الأرض من تحته، وانهاء مظاهر سيطرته في المناطق والمدن التي كان يسيطر عليها، ويحاول التجّذر فيها اجتماعياً واقتصادياً. التنظيم يريد، كذلك، التأثير في نفسية أعضائه ومؤيديه، سواء الأحرار منهم أو المعتقلين، بأنه قادر على الصمود والثبات، بغية تحقيق هدف العودة والتحكم مرة أخرى بالمنطقة. هو يحاول إرسال رسالة إلى المجتمع الدولي بأنه مايزال قائماً ولم يفقد قوته وشعبيته، بل إنه يسجل الضربات ضد جبهة واسعة من الأعداء تبدأ بقوات الجيش النظامي السوري، والميليشيات الإيرانية، وقوات سوريا الديمقراطية وكل مظاهر الإدارة الذاتية في إقليم شمال وشرق سوريا.
قوات سوريا الديمقراطية ترصد التطورات المتعلقة بملف “داعش” وتزايد عملياته العسكرية والأساليب الجديدة التي يلجأ إليها للنيل من تجربة الإدارة الذاتية، وبث الفوضى والتخريب فيها. وتواظب قوات سوريا الديمقراطية وكل الأجهزة الأمنية والشرطيّة المختصة في اقليم شمال وشرق سوريا، على شن عمليات وقائية للكشف عن خلايا التنظيم واعتقال عناصرها ومصادرة الأسلحة والمتفجرات، كما تمكنت من احباط العشرات من العمليات الإرهابية التي كانت خلايا التنظيم تخطط للقيام بها ضد عسكريين ومدنيين ومنشآت خدمية في اقليم شمال وشرق سوريا. وكانت قوات سوريا الديمقراطية قد أطلقت في 20 أبريل/ نيسان الجاري عملية أمنية بالتعاون مع قوى الأمن الداخلي، شملت عدة مناطق من ضواحي مدينة الحسكة، واسفرت عن اعتقال عناصر في خلايا “داعش” ومصادرة ما بحوزتهم من أسحلة ومتفجرات. وحسب بيان نشره المركز الإعلامي لقوات سوريا الديمقراطية على موقعه، فقد تم القاء القبض على 40 مشتبهاً بالانتماء إلى “داعش”، ومصادرة كميات كبيرة من الأسلحة والذخيرة والمعدات والمستلزمات العسكرية.
يحاول تنظيم “داعش” الاستفادة من حالة الفوضى في المنطقة ومن تطورات الحرب في غزة والهجمات المتبادلة بين كل من إيران وميليشياتها والولايات المتحدة الأميركية وحلفائها. ومن خلال اعتماده على المجموعات الصغيرة، سريعة الحركة، يوجه التنظيم ضربات خاطقة ومباغتة إلى النظام وميليشيات إيران، ويستفيد من حالة الارتباك والأخطاء الناتجة عن ضرورات الاختباء واعادة التموضع والانتشار، والتي تلجأ لها قوات النظام والميليشيات المحلية السورية والإيرانية، خاصة في ريف دير الزور الغربي. وفي الشق المتعلق بإقليم شمال وشرق سوريا، يستفيد تنظيم “داعش” من الهجمات التركية على البنية التحتية وعلى الأهداف العسكرية والمدنية، ويحاول اختراق الإجراءات والتدابير الأمنية في الإقليم، والتسلل بشكل خاص إلى مناطق شرق الفرات، وكذلك ضمن مناطق ومدينة الرقة، لتوجيه ضربات إلى مقار وعناصر قوات سوريا الديمقراطية وقوى الأمن الداخلي. ومن الملاحظ تزايد عمليات تنظيم “داعش” طرداً مع كل هجوم عسكري تركي واسع النطاق، يستهدف مناطق الاقليم، ومقار قوى الأمن الداخلي، أو البنية التحتية من منشآت خدمية حيوية.
تقوم استراتيجية تنظيم “داعش” على التمدد في الفوضى واستغلال الهجمات التي تشنها الدولة التركية على مناطق اقليم شمال وشرق سوريا، وكذلك الهجمات التي تشنها ميليشيات تابعة للنظام السوري في مناطق شرق دير الزور، في التصدر واستغلال حالات الانشغال والارتباك، لضرب قوات سوريا الديمقراطية ومحاولة خلق حالة من اللااستقرار والاضطراب، للتأثير في السلم الأهلي والتكاتف المجتمعي. وتتقاطع في هذه النقطة مصالح “داعش” والدولة التركية والنظام السوري، في النيل من إقليم شمال وشرق سوريا، عبر التنسيق غير المباشر، في تكثيف الهجمات وشنها على أكثر من محور ومساحة، بغية تشتيت قوة وتركيز المؤسسات الدفاعية والأمنية في الإقليم. وهنا تظهر الأهمية الكبيرة في تطوير قوات سوريا الديمقرطية قدراتها على الكشف المبكر لخلايا التنظيم، وشن العمليات الاستباقية، واحباط الهجمات والاغتيالات قبل حصولها، فضلاً عن التنسيق الاستخباراتي وتبادل المعلومات مع التحالف الدولي، والتي تهدف لابعاد خطر “داعش” عن إقليم شمال وشرق سوريا، وضرب خلاياه في مناطق الإقليم، والإشارة إلى حالة “التخادم” الحاصلة بينه وبين كل من الدولة التركية والنظام السوري/ الميليشات الإيرانية، بالاضافة إلى وضع اليد على المخططات التي يقوم عليها التنظيم عبر وسائل التواصل الإجتماعي، في تجنيد “الذئاب المنفردة” في الدول الغربية، وامدادها بالأفكار والأساليب، لشن عمليات إرهابية في شوارع مدن تلك الدول…

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد