الخلافات الأميركية –  الاسرائيلية في حرب غزة

محمد سيد رصاص

كشف موقع صحيفة  “يديعوت أحرونوت”، بيوم16تشرين الأول/أوكتوبر، أن وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن ” أراد من زيارته إلى اسرائيل التأكد من أنها لن تشن هجوماً شاملاً على حزب الله اللبناني”، ويبدو أن رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين ناتنياهو كان له خطة كهذه ، وفق ماكشفه ، في يوم 19 الشهر المذكور للقناة ال12الاسرائيلية ، عضو مجلس الحرب المصغر في الحكومة الاسرائيلية غادي ايزنكوت ،الذي دخل مع بيني غانتس للحكومة الاسرائيلية في يوم الأربعاء التالي لهجوم 7أوكتوبر، من أنه وغانتس ومن خلال وجودهما هناك ” قد منعا اسرائيل من ارتكاب خطأ استراتيجي فادح “، عبر وقوفهما ضد فكرة هجوم شامل كان يريد ناتنياهو شنه على حزب الله بعد أيام قليلة من هجوم حركة حماس على غلاف غزة. وفعلاً خلال ذلك الشهر ردد مسؤولون أميركيون عديدون أن الهدف ، من نشر حاملتي الطائرات الأميركيتان في البحرين الأحمر والمتوسط ، مع غواصة نووية ، هو “منع توسع الحرب خارج نطاق قطاع غزة “، مع تكرارهم القول بأن ” لادليل على تورط ايران في هجوم 7أوكتوبر” . وحتى بعد الغارة الاسرائيلية الأخيرة على القنصلية الايرانية بدمشق قال متحدثون رسميون أميركان بأن “واشنطن أبلغت طهران بأن لاعلاقة لها بالغارة ” .
يمكن لتلك الغارة أن تكون تعبيراً فعلياً عن رغبة ناتنياهو في حرب اقليمية شاملة عبر الهجوم على ” أرض ايرانية “، ودفع طهران إثر ذلك وجرها لتلك الحرب ، بعد أن تم كبت أميركي، بمعونة غانتس وايزنكوت ، لتلك الرغبة في الأيام الأولى للحرب . وليس بعيداً القول ، بأن حديث الرئيس الأميركي جو بايدن(9آذار)، لشبكة “يونيفجن” الأميركية الناطقة بالاسبانية ،عن أن مايفعله ناتنياهو “هو خطأ، وأنا لاأتفق مع مقاربته”، ثم ماأعقبه بخمسة أيام من حديث تشاك شومر ، زعيم الأغلبية الديمقراطية بمجلس الشيوخ الأميركي، أمام المجلس عن رئيس الوزراء الاسرائيلي الذي ” ضلً طريقه ” ، هو تجسيد لخلاف استراتيجي أميركي مع اسرائيل في حرب غزة ، ليس حول الحرب ومجرياتها ، فقط، بل أساساً حول قضايا كبرى ، أولها خلاف ناتنياهو مع بايدن حول سياسة الأخير من ايران ، ثم خلافه معه حول ماتطرحه واشنطن لخطة ” اليوم التالي في غزة “،حيث يريد بايدن أن تتولى السلطة الفلسطينية بمعونة دولية وعربية إدارة قطاع غزة بعد الحرب ، وعلى الأرجح أن هناك خلافاً عميقاً بين الرجلين حول “حل الدولتين”، الذي ردده المسؤولون الأميركان كثيراً بأشهر الحرب في قناعة أميركية جديدة أتت عقب (7أوكتوبر)، بعد أربعة عقود على التطبيع المصري- الاسرائيلي ثم تطبيعات عربية عديدة لاحقة ،  بأن ” التطبيع ” لايقود إلى ” السلام ” في المنطقة ،بل الطريق هو عبر “حل الدولتين:الاسرائيلية والفلسطينية ” .
هنا،يمكن تسجيل أن هذا ليس أول خلاف بين واشنطن وتل أبيب ، فقد سبقته خلافات عديدة، أولها خلاف الرئيس دوايت أيزنهاور مع رئيس الوزراء الاسرائيلي دافيد بن غوريون تجاه حرب 1956التي فوجىء بها الرئيس الأميركي، ووقف على إثرها ضد ثالوثها البريطاني- الفرنسي- الاسرائيلي، ثم كان الخلاف الثاني بين الرئيس الأميركي رونالد ريغان ورئيس الوزراء الاسرائيلي مناحيم بيغن تجاه حرب1982بلبنان ثم تجاه “مشروع ريغان للسلام”،والثالث كان خلاف واشنطن عام1991مع رئيس الوزراء الاسرائيلي إسحق شامير تجاه مؤتمر مدريد ، والرابع كان خلاف الرئيس باراك أوباما مع ناتنياهو تجاه الاتفاق النووي مع ايران عام2015.
ولكن خلاف واشنطن وتل أبيب  الذي تمظهر مع حرب غزة هو الأعمق بينهما، فهو لايتناول مجريات حرب ، كمافي عامي1956و1982، بل يصل إلى خلاف أميركي- اسرائيلي حول رؤية منطقة الشرق الأوسط برمتها عندهما ، وفي القلب من رؤية المنطقة يأتي موضوعا (ايران)و(فلسطين) عند بايدن وناتنياهو.
خلال أشهر ستة من الحرب قال ناتنياهو أكثر من مرة وفي مؤتمرات صحفية بأن القضية ” ليست أذرع ايران في المنطقة ، بل  القضية هي الرأس لتلك الأذرع “، وهو خلاف قديم يعود لعام2011 كان بينه وبين الرئيس أوباما لماأراد رئيس الوزراء الاسرائيلي عام2011شن ضربة جوية على المنشآت النووية الايرانية ومنعه أوباما في وقت كانت هناك مفاوضات بين واشنطن وطهران من أجل عقد الاتفاق النووي ، وعلى الأرجح أن حساسية  ناتنياهو العالية من هذا الاتفاق الذي وقع عام2015 لايعود فقط لكونه ترافق مع غض نظر أميركي عن التمدد الاقليمي الايراني بل عن خشيته من أن العلاقة الأميركية الاحتوائية لطهران ، التي توحيها سياسات أوباما ثم بايدن بخلاف ترامب ، ستقود إلى تهميش الدور الاقليمي لتل أبيب عند واشنطن أوتقليله ، وإلى اعتماد مراكز اقليمية عديدة شرق أوسطية عند واشنطن ، تكون فيها طهران الراهنة ،إذا تم استعادة ماقاله هنري كيسنجر عام1972عن شاه ايران بوصفه “شرطي الخليج”، في دور اقليمي أبعد من شاه ايران  ، وفق سيناريو أوباما وبايدن  ، ولكن مع واشنطن وبعيداً عن الصين وروسيا ،أي في دور اقليمي ايراني هو أبعد من نطاق “شرطي الخليج”.
على الأرجح أن هذا هو الذي يدفع ناتنياهو إلى محاولة اشعال حرب اقليمية من خلال منصة حرب غزة  وذلك لخربطة حسابات بايدن تجاه طهران ، فيما هذا هو بالذات  الذي يدفع بايدن والسيد علي الخامنئي إلى تجنب تلك الحرب الاقليمية.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد