المركز الكردي يناقش “الخلافات والتطلعات السياسية بين بغداد وإقليم كردستان العراق”

قدم المركز الكردي للدراسات في العاشر من الشهر الجاري جلسة حوارية حملت عنوان (كردستان وبغداد: التطلعات والخلافات)، للنقاش حول المسارات السياسية في العراق وإقليم كردستان في ظل التدخلات الخارجية والإقليمية. واستضافت الندوة التي أدارها الزميل الباحث في المركز شورش درويش، عبر تطبيق زووم، الكاتب والصحفي والقيادي في الاتحاد الوطني الكردستاني السيد ستران عبدالله.

بدأت الندوة بالسؤال عن دور المحكمة الاتحادية التي أصبح لها ظهوراً واضحاً كجهة تحكيمية بين المركز وحكومة إقليم كردستان، خاصة بعد عام 2017 مع استفتاء الاستقلال، وأن هذا التحكيم والتدخل المباشر أثر على الاستقلال النفطي والاقتصادي للإقليم وأن البعض يرون أن أسّ المشكلة هو الخلافات الكردستانية التي أفسحت المجال للتدخل.
وبيّن السيد ستران عبدالله أن قرارات المحكمة الاتحادية الأخيرة بما يتعلق بإقليم كردستان العراق جاءت نتيجة شكوى مقدمة من الاتحاد الوطني الكردستاني على رئيس برلمان إقليم كردستان، علماً أن هذا المنصب هو من حصة الاتحاد الوطني الكردستاني، وبهذا يكون الاتحاد الوطني قد قدم الشكوى على ما يسمى بـ”بدعة نسبة تمثيل المكونات”. وأسهب في قوله بأنه “يبدو أن نسبة تمثيل المكونات (الكوتا) تصب في صالح جهة سياسية معينة وقد خرجت من معناها في إحقاق حقوق الأقليات، وتحولت إلى كونها أداة بيد بعض الجهات السياسية التي تقرر مصير تلك الأقليات مسبقاً”.
وأوضح عبدالله أن الشكوى التي تقدم بها الاتحاد الوطني يختلف فحواها عن قرار المحكمة الاتحادية بعض الشيء، ولكن النتيجة واحدة. فإقليم كردستان يمثل جزء من سلطة المحكمة الاتحادية، كما يمثل جزءاً هاماً من السلطة السياسية لجمهورية العراق الاتحادية، وأن العديد من الشخصيات الكردستانية الهامة أمثال مام جلال الطالباني والسيد مسعود البارزاني والسيد نوشيروان مصطفى وغيرهم كان لهم دوراً رئيسياً في الحقوق الحالية التي يتمتع بها إقليم كردستان ضمن الدولة المركزية، وأن ما لم يتم تحقيقه حتى الآن ربما يحتاج إلى جولة أخرى من النزال السياسي.
وأشار الكاتب الكرديّ إلى وجود مشكلة في العملية السياسية، في كل من الإقليم وبغداد على حدا سواء، وأكد أن هناك تراجعاً عن الالتزامات التي تقع على عاتق الطرفين، كما تطرق إلى مشكلة الخلافات بين القوى السياسية في الإقليم قائلاً: “نحن نعتقد ونجزم كاتحاد وطني كردستاني أن قرار المحكمة الاتحادية جاء نتيجةً لكون العملية السياسية في الإقليم أصبحت جامدة لا تتحرك من مكانها، فقد قدمنا حلولاً عديدة لأكثر من مشكلة ولكن الجمود ما زال مستمراً”.
ولفت القيادي في الاتحاد الوطني الانتباه إلى مسألة تمديد مدّة دورة برلمان كردستان، معتبراً أن الأمر قد “دبِّر بين الحزب الديمقراطي الكردستاني وممثلي الأقليات دون تواجد لممثلي الاتحاد الوطني الكردستاني” مؤكداً أنه أمر غير قانوني بشكل واضح، فالبرلمان بات يعقد اجتماعات غير معلنة في الفترة التي تلت قرار رئيس برلمان كردستان بانتهاء مدة البرلمان وضرورة الدخول في انتخابات جديدة، إلى أن جاء قرار المحكمة الاتحادية بإلغاء تمديد مدة الدورة الانتخابية لبرلمان كردستان بما فيها حكومة الإقليم وكذلك رئاسة الإقليم.
وبيّن ستران عبدالله أن ظهور المحكمة الاتحادية على المسرح السياسي وتأثيرها على إقليم كردستان جاء نتيجة “أهتراء” مؤسسات الإقليم التي ولا تستطيع أن تلعب دورها المفترض، قائلاً بأنه “لا يكفي أن يكون المرء كردياً لكي يمثل تطلعات الكرد، ولا يمكنه أن يتهم المحكمة الاتحادية لمجرد وجود العرب فيها”. كما أشار إلى النزعة الشوفينية والشيعية الموجودة في المحكمة الاتحادية والتوجهات الخطيرة في السياسة العراقية تجاه الكرد لكنه اعتبرها سبيلاً للاستفادة من الحقوق المنصوصة في الدستور العراقي، وإن تطلب الأمر سيقوم الاتحاد الوطني بالشكوى إلى الأمم المتحدة أيضاً.
وعند سؤال الزميل شورش درويش عن المشكلات الإقليمية التي تُفرّغ في إقليم كردستان والخرق المستمر لسيادة العراق، والقواعد العسكرية التركية والهجمات الإيرانية المعلنة وخرق الحالة الأمنية في الإقليم، حيث يعتقد البعض أن السبب هو عدم تناغم الأقطاب السياسية في الإقليم وعدم الذهاب بصوت واحد إلى بغداد. أشار السيد ستران عبدالله إلى ضرورة ووجوب الاتفاق الكردستاني على كثير من المسارات، وأن الخلاف بين الاتحاد الوطني والديمقراطي الكردستاني أصبح على طراز من السياسات. فالدستور العراقي يحتوي على مواد هامة تفتح المجال أمام القوى السياسية الكردية لحفظ حقوق الشعب الكردستاني دستورياً، لذلك من الضروري أن يكون الخطاب الكردي خطاباً موحداً دون أن يكون طرف سياسي تابع لإرادة طرف سياسي آخر. فالأدبيات والتقاليد السياسية التي تعتمد على مبدأ التوافقية تضمن هذا الأمر، ولكن “الغرور السياسي” يحول دون ذلك.
وبما يخص قضية كركوك، أكد “عبدالله” أن الاتحاد الوطني قد طلب من الديمقراطي الكردستاني قبل سنتين أن يذهبوا إلى بغداد بصوت واحد بشأن الانتخابات المحلية لمحافظة كركوك، ولكن الأخير قد رفض. وبيّن أن المشكلة تكمن في أن “الاتحاد الوطني الكردستاني غاب نوعاً ما عن الساحة السياسية في الإقليم، ولا نستطيع أن نقول بأن التصارع الاتحادي-الديمقراطي قد خفّ، بل أن الديمقراطي قد تسيّد الموقف مع تراجع ظهور الاتحاد”. وأكّد على الحاجة إلى إعادة تشكل حكومة للإقليم تكون متمتعة بشخصية قوية أمام بغداد وتطالب بالحقوق الكردية بقوة، بقوله “هناك فرق بين أن تقوم إحدى الجهات السياسية الكردستانية بالمطالبة باستقلال كردستان وبين مطالبتها بالاستفراد بكردستان”.
ورأى الكاتب والقيادي في الاتحاد الوطني أن المشكلة بين المركز والإقليم ومنع الرواتب عن إقليم كردستان مشكلة خطيرة وتضرب هيبة الإقليم، وأن الحل يكمن في الذهاب إلى انتخابات مبكرة، مؤكداً أنه “بدل أن ندفع بالعملية السياسية إلى تقسيم الإقليم يجب أن نعيد بناء إقليم جديد مع حكومة جديدة وبرلمان جديد وخطاب سياسي جديد”.
وبالحديث عن التصريحات الأخيرة التي أدلى بها رئيس الاتحاد الوطني السيد بافل طالباني عن عدم اعتباره حزب العمال الكردستاني حزباً إرهابياً واستحالة مجابهته عسكرياً، أكد ستران عبدالله أن هذا الموقف هو موقف كردستاني، مبيناً أن وجود مشاكل مع حزب العمال تبعاً للواقعية السياسية لا يمكن أن يؤدي إلى المعاداة. وأسهب في قوله بأنهم يعتبرون أن “مشكلة الدولة التركية ليست مع حزب العمال الكردستاني أو مع روجآفا فقط وإنما مع كل ما هو كردي، حتى وصل بهم الأمر أن يصرحوا بشكل واضح أنه إذا تأسست دولة كردية في جنوب أفريقيا سوف يعاديها الأتراك”.
وعند السؤال حول إمكانية امتلاك الاتحاد الوطني الكردستاني لذلك الخيال الذي امتلكه المام جلال الطالباني عندما لعب دوراً في مرحلة التحول في السياسية التركية تجاه الكرد في عهد تورغوت أوزال. أوضح عبدالله “أن لا أحد يستطيع أن يأخذ مكان المام جلال الآن”، وأنه حتى يستطيع الاتحاد الوطني أن يلعب ذلك الدور من جديد يجب “أن يتعافى وتتعافى العملية السياسية في الإقليم، كما يجب أن يكون هناك أدوات ناجعة ومقومات معقولة في الساحة الإقليمية”، مؤكداً أنه هناك تنمّر إقليمي مستمر على سيادة العراق وعلى إقليم كردستان.
وانتهت الجلسة بسؤال الضيف حول تصوراته عن مسألة الانسحاب الأميركي من العراق وسوريا واحتمالية تفجر الأوضاع وتقويض مكتسبات روجآفا وكردستان العراق، والسيناريوهات التي يراها. ورأى الكاتب والقيادي في الاتحاد الوطني ستران عبدالله أنه لا يمكن توقع السياسة الأميركية، ولكنه يعتقد أنه سيكون هناك تقليل من التواجد الأميركي وليس انسحاب، فتنظيم داعش الإرهابي ما زال مستمراً في المنطقة بشكل مؤرق. ومضى في قوله “هنا يجب أن نسأل أنفسنا عن مدى استفادتنا كقوى سياسية كردية من الوجود الأميركي”.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد