قدم المركز الكردي للدراسات في السابع والعشرين من الشهر الجاري برنامجاً حوارياً باللغة العربية حول الذكرى السنوية السادسة للاحتلال التركي لمنطقة عفرين، وما نتج عنه من سياسات تغيير ديمغرافي وتهجير للسكان الكرد. واستضاف البرنامج الذي أداره الزميل الباحث في المركز شورش درويش كلّاً من الدكتور توماس شميدينغر الكاتب والأستاذ الجامعي النمساوي، والدكتور ثورو ريدكرو مدير القسم الانكليزي في المركز الكردي للدراسات.
وتطرق شميدينغر في بداية حديثه إلى تجربة منطقة عفرين قبل الاحتلال التركي والنسيج الاجتماعي للمنطقة الذي كان يضم كرداً وعرباً ومسلمين ومسيحيين وإيزيديين، كما أشار لحالة التطور التي كانت تعيشها خلال تلك الفترة، إذ شهدت افتتاح أول جامعة على مستوى مناطق شمال شرق سوريا، فضلاً عن العديد من الشركات التي ازدهرت في المنطقة والأعمال الصناعية التي انتقلت من مدينة حلب إلى عفرين وقال في هذا الصدد، “عفرين كانت تجربة مزدهرة ومنطقة آمنة ومستقرة، أرادت تركيا أن تزيل هذا النموذج باستخدام القوة العسكرية”، معتبراً أن هذا هو السبب الحقيقي لاستهداف تركيا للمنطقة واحتلالها إثر عملية عسكرية برية قامت بها برفقة فصائل موالية لها.
ورأى الأكاديمي النمساوي أن ما تمارسه تركيا في عفرين “أسوأ بكثير مما تمارسه السلطات الإسرائيلية في غزة”، مؤكداً في حديثه وفي أكثر من مرة أن “عفرين ليست أرضاً تركية وإنما هي منطقة محتلة”، مضيفاً أن “تركيا لا تسمح للمواطنين الأصليين العودة إلى عفرين، هذه انتهاكات وهناك محاولات كبيرة للتطهير العرقي وتغيير ديمغرافية هذه المنطقة، هي ممارسات خطيرة للغاية”.
وشدد الكاتب والاستاذ الجامعي النمساوي على خطورة هذه الانتهاكات، فخلال عقد من الزمن يمكن أن تتغير منطقة عفرين بالكامل، ومحاولات التغيير الديمغرافي يمكن أن تصل إلى مدى خطير، وعلى المدى الطويل تحاول تركيا أن تفرض سلطة الأمر الواقع وتقضم أراضي سورية وتضمها إلى أراضيها وهي تستمر بهذه الانتهاكات لأنه لا يوجد ممانعة غربية”.
من جانبه، تحدث الدكتور ثورو ريدكرو مدير القسم الانكليزي في المركز الكردي للدراسات عن كيفية تبدّل النسيج الاجتماعي في عفرين وعن الأسباب التي دفعت تركيا لاحتلال هذه المنطقة وكيفية تنفيذ عمليتها بالاعتماد على فصائل موالية لها وقال، “عفرين كانت منطقة ذات غالبية كردية وحاولت تركيا من خلال عمليتها العسكرية أن تحدث تطهير عرقي في المنطقة وتجبر الكرد لمغادرة منطقتهم، هناك العديد من الانتهاكات حدثت خلال العملية وبعدها”.
ولفت ريدكرو النظر إلى أن المجتمع الدولي بأكمله كان شاهداً على العملية العسكرية التركية ضد عفرين والجرائم التي ارتكبت منذ اليوم الأول للعملية وما زالت مستمرة حتى هذه اللحظة، “هناك اعتقالات عشوائية وحالات اغتصاب واختفاء قسري والتي تحدث من قبل العصابات المتواجدة في عفرين، هناك أحياء أزيلت بأكملها لإقامة أماكن عسكرية، كما أنهم دمروا دور عبادة في عفرين”.
واعتبر الباحث الأميركي أن ما يحدث في عفرين حالياً ما هو إلا سياسة ممنهجة تهدد المنطقة ومحاولات لضمها إلى تركيا، مشيراً إلى أن الأخيرة لا تسمح لحكومة دمشق بدخول المنطقة وتمنع الإدارة الذاتية من تحريرها وإعادتها إلى الحضن السوري.
وتعليقاً على السؤال إلى متى سيبقى سكان عفرين خارج منطقتهم يعانون في مخيمات النزوح في ظل استمرار الفصائل الموالية لتركيا بحالات الخطف والاغتصاب وقطع الأشجار في عفرين وحرق غاباتها وسرقة آثارها، تأسف توماس شميدينجر على الظروف الحالية غير المساعدة وغير المشجعة لعودة نازحي عفرين إلى منازلهم في ظل استمرار الاحتلال والانتهاكات والجرائم وانشغال المجتمع الدولي بالعديد من الأزمات وفي مقدمتها الحرب في غزة التي تأخذ حيزاً كبيراً من الانشغال الدولي.
شميدينجر حمل تركيا مسؤولية الانتهاكات والجرائم التي تحدث في عفرين باعتبارها “دولة محتلة لعفرين”، مشيراً إلى تلك الجرائم موثقة في الكثير من التقارير الدولية وتقارير منظمات حقوق الإنسان.
ونوه إلى غياب وسائل إعلامية مستقلة في عفرين لنقل وكشف وتوثيق الانتهاكات التي تحدث في تلك البقعة الجغرافية، “فتركيا تمنع المؤسسات الدولية المستقلة والمنظمات الدولية غير الحكومية لدخول عفرين وإجراء أبحاث وتحقيقات على الأرض”، لافتاً إلى أنهم يعتمدون على جمع المعلومات من الناس المحليين ووسائل الإعلام، “فمن الصعب الحصول على مستندات مستقلة تماماً حول ما يجري على الأرض”.
وتطرق الدكتور ثورو ريدكرو في نهاية حديثه إلى ازدواجية المعايير التي يتبعها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، فهو يعتبر ما يحدث في غزة إبادة جماعية وجرائم وانتهاكات ضد حقوق الإنسان وفي نفس الوقت يقوم بقصف مناطق شمال شرق سوريا ويدمر بنيتها التحتية وسبق له أن طرد الآلاف من سكان عفرين من منطقتهم دون الاعتراف بحجم الإبادة التي قام بها خلال عمليته العسكرية في عفرين.
وزاد على كلامه، “ستحاول تركيا الاستمرار بسياستها التوسعية العثمانية ومن المؤسف أن حلف الناتو غير قادر أن يوقف تركيا ولا يرغب في الضغط عليها، حتى أن المجتمع الدولي غير قادر على محاسبة تركيا على انتهاكاتها وجرائمها في عفرين”.