هنري كيسنجر لتركيا: أميركا لن تعادي الكرد أبداً!

حسين جمو
لم يدلِ هنري كيسنجر بأي تصريح مباشر بخصوص موقفه من القضية الكردية في شمال كردستان وتركيا، لكن لا شيء يدل على أي تغيير في رؤيته بخصوص تركيا قوية حليفة للغرب سوى بعض الشكوك في السنوات الأخيرة. ولدى تحليل موقفه في هذا الإطار، فإن ركيزة التحليل لا بد أن تنطلق من موقفه تجاه الغزو التركي لقبرص، والتي تضرب بتأثيرها إلى اليوم في السياسة الخارجية الأميركية. فما الذي حدث في العام 1974؟
تضليل اليونان
كان يُنظر إلى كيسنجر بالنسبة لليونانيين على أنه مسؤول إلى حد كبير عن الموقف الذي تبنته الولايات المتحدة وحلف الناتو تجاه اليونان في قضية الغزو التركي لقبرص. إن ما تم الكشف عنه في كتاب «غرفة مظلمة، 1967-1974» بقلم ألكسيس باباهيلاس، رئيس تحرير صحيفة «كاثيمريني»، يسلط الضوء على دور وزير الخارجية الأميركي آنذاك، مع خطته لإقناع المجلس العسكري اليوناني بعدم الرد على الغزو من خلال تسريب معلومات مضللة مفادها أن الجنود الأتراك أُمروا بعدم إطلاق النار، فضلاً عن تصريحه قبل الجولة الثانية من الغزو بأنه «لا يوجد سبب أميركي يمنع الأتراك من الحصول على ثلث قبرص».
وتسبب موقف الولايات المتحدة تجاه الغزو في موجة قوية من العداء لواشنطن، والتي تجلت بقوة أيضاً عبر المحيط الأطلسي من قبل المهجر اليوناني. في 18 أغسطس/آب 1974، تظاهر أكثر من 30 ألف أميركي يوناني بالقرب من البيت الأبيض وهم يهتفون «كيسنجر قاتل». اعتقد وزير الخارجية الأميركي القوي أن تأثير اللوبي اليوناني الأميركي يشكل عقبة أمام الترويج للسياسة التي يرغب فيها تجاه تركيا. بالنسبة له، بحسب الكاتب اليوناني دورا أنطونيو، فإن فرض الكونغرس حظراً على توريد الأسلحة إلى تركيا كان أيضاً نتيجة للضغوط التي مارسها الشتات اليوناني.
أثر هذا الموقف على مفاوضات اتفاقية الدفاع المشترك بين اليونان والولايات المتحدة. وفي بداية عام 1975، تم تفعيل عملية مراجعة اتفاقيات الدفاع اليونانية الأميركية في ضوء التطورات الجديدة في العلاقات الثنائية. وبينما دخلت المفاوضات في بداية عام 1976 مرحلة المراجعة النهائية، تبين أنه في الوقت نفسه كانت المفاوضات جارية بين الولايات المتحدة وتركيا بشأن اتفاقية دفاع جديدة رافقها التزام الولايات المتحدة بدفع مليار دولار لتركيا على مدى أربع سنوات. ويصف وزير الخارجية اليوناني آنذاك، ديميتريس بيتسيوس، في كتابه «ما وراء الحدود، 1974-1977» اتفاقية الدفاع الأميركية التركية وتوفير المساعدات المالية بأنها «طريقة كيسنجر للتحايل على حظر الأسلحة المفروض على تركيا الذي فرضه الكونغرس، لأنه خلال غزو قبرص، استخدمت القوات المسلحة التركية بشكل غير قانوني الأسلحة الأميركية التي تم تصديرها الممنوحة لهم لأغراض حلف شمال الأطلسي».
أجاويد تلميذ كيسنجر 
لقد استمر إرث كيسنجر في «مكافأة» تركيا باستمرار، وتحول إلى ركيزة في مكتب وزارة الخارجية الأميركية حتى اليوم، رغم وضوح كيف أن تركيا أصبحت عبئاً على الأمن الغربي أكثر من كونها رصيداً. وتواجه كل من العراق وسوريا وأرمينيا واليونان وقبرص سياسات تنمرية وتوسعية مستمرة، ووصل الأمر إلى دعم أو تنفيذ سياسات التطهير العرقي في المناطق الكردية بسوريا والأرمن في قره باغ. وعلى الرغم من كل ذلك، فإن استرضاء الغرب لتركيا مستمر أيضاً.
ويلقي الكاتب الأميركي مايكل روبين باللائمة على كيسنجر في بقاء هذا الإرث إلى اليوم منذ واقعة تأييد الغزو التركي لقبرص، بل وتضليل اليونانيين لتسهيل وتسريع الغزو وشل الاستعدادات اليونانية للمرحلة الثانية الكبرى من الاحتلال، والتي بدأت بعد شهر من الأولى الصغيرة. ويرى مايكل روبن أن أزمة شرق المتوسط التي تثار بين فترة وأخرى هي من نتاج سياسات كيسنجر في تعويم الغزو التركي لقبرص من خلال النصيحة التي قدمها للرئيس جيرالد فورد: «لا يوجد سبب أميركي يمنع الأتراك من الحصول على ثلث قبرص.. التكتيكات التركية صحيحة، وهي الاستيلاء على ما يريدون ثم التفاوض على أساس الاستحواذ». وأعطى كيسنجر الضوء الأخضر سراً للاستيلاء على الأراضي في محادثاته مع رئيس الوزراء التركي بولنت أجاويد (الذي كان طالباً سابقاً لدى كيسنجر في جامعة هارفارد).
إن الدرس الذي قدمه كيسنجر للدبلوماسية التركية مدمّر لفكرة «توازن القوى العادل» الذي لم يتنباه كيسنجر بكل الأحول وفضل بدلاً من ذلك «توازن القوى» غير العادل. ووفق تعبير مايكل روبن، فإن مشكلة أزمة شرق المتوسط وسياسات الإبادة التركية في المنطقة لا تكمن في أردوغان فحسب، «بل في أن تحركات كيسنجر أشارت للدولة التركية بأن العدوان ينجح. لقد أثنى كيسنجر على الفكرة التركية القائلة بأن الحجم مهم. وبغض النظر عن استفزازاتهم، يعتقد القادة الأتراك الآن أن واشنطن سوف تذعن لحجمهم وترمي أي دولة أصغر تحت الحافلة».
تركيا قد تنتج قذافي آخر!
رغم ذلك، هناك توصيف ملفت من جانب كيسنجر للوضع في تركيا يتجاوز الموقف اللحظي أو الموقع الجغرافي في الصراع مع الاتحاد السوفييتي، فقد قال في محضر الاجتماع مع الرئيس فورد بخصوص احتمال اندلاع حرب بين اليونان وتركيا أثناء غزو قبرص: «بالتأكيد لا نريد حرباً بين البلدين. لكن إذا وصل الأمر إلى ذلك، فإن تركيا أهم بالنسبة لنا». العبارة حتى هنا قد تبدو تحيزاً غير مقنع، لكن الوزير استكمل كلامه بوصف خطير لم يحظ بالتحليل والتوقف عنده، إذ قال إن «الأتراك في الوقت الحالي قوميون متطرفون، ولديهم هيكل سياسي يمكن أن ينتج قذافي آخر»، في إشارة إلى الزعيم الليبي معمر القذافي.
لكن هذا التبرير، أي مكافأة تركيا بشكل دائم لمنع ظهور «قذافي تركيا»، يفتقر إلى الذكاء المعهود للوزير الراحل (وربما كل ذلك ذريعة لمواصلة الدعم)، لأن هذه المخاوف تنطبق على أي نظام في العالم. والقذافي ليس أسوأ الحكام في شيء حتى يتم دعم التدخل التركي في قبرص لمنع إنتاج زعيم تركي على شاكلته.
في المحصلة فإن «نظام المكافأة» المستمر يساهم في إخفاء الشعبوية الحاكمة في تركيا منذ تأسيس الجمهورية إلى يومنا هذا. لذلك، أراد كيسنجر ألا يظهر حكام تركيا في مظهر القذافي، ونجح في ذلك.
 انقلاب 1980
في أبريل/نيسان 1982، كان كيسنجر حاضراً في ندوة بمدينة سالزبورغ حول السياسات الإقليمية والتوازنات الدولية. في ذلك الحين، لم يكن الانقلابيون في تركيا بزعامة كنعان أفرين طرحوا الدستور للاستفتاء. وكان ذلك سيحدث بعد ستة شهور من ندوة كيسنجر في سالزبورغ. تطرق كيسنجر إلى الشرق الأوسط والبلقان، ثم انتقل إلى الحديث عن المشهد الراهن في تركيا حيث التوتر في أوجه في ظل سيطرة الانقلاب العسكري والزج بالسياسيين في السجون.
وقال كيسنجر: «سيكون هناك انتقال إلى الديمقراطية في تركيا، لكنها ستكون ديمقراطية تحت الوصاية. من المحتمل أن الشخصيات البارزة التي رأيناها في السياسة قبل الحكم العسكري سيتعين عليها الابتعاد عن السياسة لفترة معينة من الزمن، وأقدر أن فترة الوصاية ستكون حوالي سبع سنوات».
هذا ما نقله الصحافي التركي المخضرم يالجين دوغان خلال حضوره الندوة، وهو من المجموعة الصحافية المقربة من الرئيس تورغوت أوزال (توفي في أبريل/نيسان 1993)، ومن المتفهمين للحركة البرلمانية الكردية في الوقت الحالي.
يضيف يالجين دوغان: «كان كيسنجر يقدم معلومات مهمة جداً، لكن كان عليّ الاحتفاظ بها لنفسي، وكان ممنوعاً كتابتها». وتساءل دوغان: «كيف عرف وزير خارجية أميركا الأسبق أنه سيكون هناك حظر سياسي؟! وقبل ستة أشهر من إعلانه!».
تعليقاً على هذه الرواية حول اطلاع كيسنجر المسبق بالمسار السياسي والقانوني لتركيا في ظل الانقلاب، وما سيحدث تالياً، وهذا ما تحقق فعلاً، كتب الصحافي محمد ألتان، وهو شقيق أحمد ألتان، مقالاً بعنوان «كيسنجر يعلم وتركيا لا تعلم»، سرد فيه رواية يالجين دوغان  وعلق عليها بالقول إنها «معلومات مهمة للغاية ينبغي تركها للتاريخ، حيث تسلط الضوء على أين، وعلى يد من، أو بالتشاور مع من، كتبت المواد المؤقتة من الدستور».
يشير ألتان بوضوح إلى احتمال تواطؤ كيسنجر في المساهمة بترتيب سيطرة الانقلابيين وتسليم الحكم للمدنيين تحت الوصاية العسكرية. ويلمح إلى احتمال مشاركة كيسنجر بنفسه في كتابة مواد الدستور المؤقت الذي وافق عليه 91.37 في المئة في الاستفتاء الذي أجري في 7 نوفمبر/تشرين الثاني 1982، وبموجبه تم فرض الحظر على السياسيين لمدة 5 إلى 10 سنوات.
ومنذ إعلان الأحكام العرفية في جميع أنحاء تركيا في 1980، لم يتم رفعها حتى 1987. وعلى الرغم من إجراء الانتخابات العامة وانتخاب أوزال رئيساً للوزراء، كان للجنود كلمة فعلية في إدارة البلاد.
لم يذكر كيسنجر ما إذا كان استبق التطورات الانقلابية في تركيا فعلاً. لكنه في كل الأحوال، أخفى أكثر مما باح به فيما يتعلق بالسياسات الأمريكية ووجهات نظره الدبلوماسية تجاه تركيا وتسرب القليل منها من خلال وثائق غير معلنة، مثل موقفه من الغزو التركي لجزيرة قبرص عام 1974.
 من البحر الأدرياتيكي إلى الصين
مطلع التسعينيات، كان نظام انقلاب 1980 صاغ الحياة السياسية التركية وأصبحت الأحزاب تحت وصاية العسكر، فظهرت عبارة تبشيرية جديدة هيمنت سنوات كعنوان للدبلوماسية التركية: «العالم التركي من البحر الأدرياتيكي إلى سور الصين العظيم»، وباتت جزءاً من برامج الأحزاب التركية في السياسة الخارجية. المثير للدهشة أن هذه العبارة كانت من إنتاج كيسنجر في 1992. كان ذلك في اجتماع مغلق مع رئيس الوزراء آنذاك سليمان ديميريل مباشرة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي في ديسمبر/كانون الأول 1991. وكان ديميريل تسلم لتوه للمرة السابعة منصب رئيس الوزراء بعد الانقلاب العسكري عام 1980. كان العالم السوفييتي ينهار، والنظام الليبرالي المدعوم من الولايات المتحدة هو صاحب السيادة. وخاطب كيسنجر ديميريل: «إنني أرى العالم التركي بأكمله من البحر الأدرياتيكي إلى سور الصين العظيم يقف متأهباً». وفي وقت لاحق، استخدم ديميريل هذه العبارة في كثير من الأحيان لتوضيح صحوة الأخوة التركية عبر أوراسيا.
على حد تعبير الكاتب التركي كوفين ساك «استحوذت العبارة على خيال الأتراك. وها نحن أمة محورية في مشروع جديد عظيم. كان ذلك في عام 1992 فقط. وكان التحول الاقتصادي في تركيا بدأ للتو في أوائل الثمانينيات، لكن البلاد كانت تتحول بسرعة من منطقة زراعية راكدة إلى قوة صناعية».
لم يكن كيسنجر يرى في المشاريع التوسعية الإيرانية سوى خطر داهم، على النقيض من النزعة التوسعية التركية التي ساهم في إنتاج نظريتها «من البحر الأدرياتيكي إلى الصين». ففي عام 2014، وصف الجمهورية الإسلامية بأنها «مشكلة أكبر» من تنظيم داعش، مشيراً إلى أن لديهم خطة «لإعادة بناء الإمبراطورية الفارسية القديمة، ولكن هذه المرة تحت التسمية الشيعية». وبمجرد وجود هذه الازدواجية واعتبار إيران خطراً أكبر من تنظيم داعش في تلك السنوات التي أرعب فيه التنظيم المجتمعات في سوريا والعراق، فإنه لا يرى مانعاً من توظيف «داعش» طالما أن إيران أكثر خطراً. وهنا، ستكون نقطة الالتقاء أيضاً بين كيسنجر وأحد السائرين على نهجه في الخارجية الأميركية وهو جيمس جيفري.
الكرد أفضل الأصدقاء!
في 31 مايو/أيار 2007، تحدث كيسنجر عن التهديدات التركية بشن حملة عسكرية جديدة ضد المعاقل الخلفية لحزب العمال الكردستاني في إقليم كردستان العراق، وحذر أنقرة من القيام بتوغل عسكري خارج حدودها. لكنه صاغ تعبيراً يعرفه الأميركيون جيداً لكنهم يتفادونه لتأثيراته السلبية المحتملة مع تركيا، وهو أن إقليم كردستان العراق هو «المكان الوحيد الذي لا يقتل فيه الجنود الأميركيون.. ولهذا فإن واشنطن لا يمكنها أن تعادي الكرد أبداً».
والواقع، ستأخذ مقولة كيسنجر أن «بلاد الكرد هي المكان الوحيد الذي لا يقتل فيه الجنود الأميركيون» مصداقية أكبر مع تأسيس التحالف الدولي ضد تنظيم داعش عام 2014، وتمركز القوات الأميركية في سوريا منذ ذلك الحين ضمن بيئة اجتماعية هي الأكثر أمناً وأماناً للجنود الأميركيين في كل الشرق الأوسط.
مرحلة «الربيع العربي»  
بعد اندلاع أحداث «الربيع العربي»، أدلى كيسنجر بتصريحات في إسطنبول خلال مشاركته بمنتدى عقدته مؤسسة «تي بي جي كابيتال» في أكتوبر/تشرين الأول 2011، وصفها الكاتب الأميركي جو باركنسون ساخراً بـ«لآلئ الحكمة لواحدة من أحدث الداخلين إلى سياسات القوى العظمى: تركيا».
كانت الفكرة الرئيسية لكيسنجر هي أن تركيا سوف تملأ جزءاً من الفراغ الإقليمي الذي خلفته الولايات المتحدة أثناء انسحابها من العراق، وفي نهاية المطاف، من أفغانستان. لكن كيسنجر قال إن أنقرة يجب أن تكون حريصة على عدم تجاوز مصالح واشنطن الحيوية في المنطقة. وذكر أن «نفوذ تركيا يتنامى في الوقت الذي تنسحب فيه الولايات المتحدة من العراق وأفغانستان، بالإضافة إلى انفتاح ليبيا – حتى تتمكن تركيا من لعب دور مهم. لا ينبغي أن يتعارض ذلك مع المصالح التي تعتبرها الولايات المتحدة ضرورية. أتوقع أن تكون العلاقات بناءة».
وكدليل على أن العلاقة بين الولايات المتحدة وتركيا ظلت على أساس سليم، على الرغم من احتمال المنافسة، أشار كيسنجر بشكل خاص إلى قرار تركيا الأخير باستضافة رادار للدفاع الصاروخي، وهو جزء من نظام مستوحى من الولايات المتحدة مصمم لحماية حلف الناتو من تهديدات إيران. ورغم ذلك، أشار إلى أن البلدين لديهما «مصالح متوازية» في بعض القضايا.
لكن مع مرور سنوات على الحروب الأهلية العربية والدور التركي في إدارتها ومفاقمتها، تحدث كيسنجر مجدداً عن الدور التركي، لكن هذه المرة بصورة متحفظة أكثر. ففي مؤتمر مارغريت تاتشر حول الأمن في يونيو/حزيران 2017، تحدث عن الفوضى والنظام العالمي في زمن مضطرب. وتتلخص حجته الرئيسية في أن الغرب لا ينبغي له أن ينخرط في صراعات العالم من دون «مفهوم جيو-استراتيجي». ثم تطرق إلى تركيا بعبارات موجزة ومركزة كعادته قائلاً: «لقد تعقدت الحسابات الغربية بسبب التحول الناشئ لتركيا، التي كانت ذات يوم ذات تأثير معتدل رئيسي، من دولة علمانية إلى نسخة إسلامية أيديولوجية.. إن دعم تركيا للقضية السنية يحدث جنباً إلى جنب مع جهودها لإضعاف الحكم الذاتي للكرد». وكان يقصد بالحكم الذاتي إقليم كردستان العراق، رغم أنه ليس من المستبعد أنه قصد أيضاً الوضع الناشئ في شمال وشرق سوريا في ظل تجربة الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية.
في الختام، تقييم إرث كيسنجر، بطبيعة الحال، يتم من وجهة نظر خاصة معنية بسياق معين من التداعيات السلبية التي خلفها الوزير وكلفت الكرد بحراً من الدماء، وما زال إرثه ضارباً بجذوره في مؤسسة الخارجية الأميركية حتى يومنا هذا. ومع ذلك، لا يمكن التغاضي عن مكانته ودقته الاستثنائية في فهم صورة السياسية كما هي. وعلى حد تعبير وزير الخارجية اليوناني الأسبق ألكسيس باباهيلاس، كان تحليله دائماً استثنائياً وواقعياً ونبوياً في بعض الأحيان. وشيء أخير يجب مراعاته، وهو أن مواجهة مرآة التاريخ والاعتراف بالأخطاء الذاتية هي من أصعب المهام التي تواجه الأمم. لذلك، فإن كيسنجر، على الرغم من كل خطاياه أو «جرائمه» كما يصف البعض، مثّل في بعض الأحيان ذريعة مكّنت من التقليل من شأن أخطاء الضحايا والصراعات الداخلية وتضييع الفرص المتاحة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد