برنامج حول الأوضاع والتطورات في شمال وشرق سوريا في ظل التصعيد الحالي

قدم المركز الكردي للدراسات برنامجاً حوارياً باللغة الكردية حول الأوضاع والتطورات في شمال وشرق سوريا في ظل التصعيد الحالي في منطقة الشرق الأوسط، وبشكل خاص الحرب بين حركة حماس وإسرائيل، وما ترتب على ذلك من بروز مستجدات وحراك سياسي وعسكري، وأفق ما يزال مفتوحاً على احتمالات عديدة متضاربة.
وشارك في البرنامج الذي قدمه الزميل طارق حمو، كل من الباحث والأستاذ الجامعي الكردي الدكتور آزاد أحمد علي، والزميل نواف خليل مدير المركز الكردي للدراسات.
تحدث الدكتور آزاد أحمد علي عن ما يجرى في غزة من حرب جراء هجمات حركة حماس في 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي على مستوطنات غلاف غزة، ورد الفعل الإسرائيلي، وقال إن الهدف من هذه المواجهات هو افشال خطط وبرامج الحل السلمي لصالح نشر الصراع والمواجهة، مرجحا شراسة العنف والعنف المضاد إلى وجود نزعة انتقام وثأر لدى كل من حماس وإسرائيل.
ولخص الدكتور آزاد أحمد علي السياسة التي مرت بها منطقة الشرق الأوسط في الخمس والعشرين سنة الماضية، في ثلاثة مراحل هي: المرحلة الأولى ما بعد هجمات 11 سبتمر/ أيلول 2001، والتي تميزت بالتدخل العسكري الأميركي المباشر بقيادة الحزب الجمهوري، عندما أطاحت أميركا بالنظامين القائمين في كل من افغانستان والعراق، والمرحلة الثانية وهي بقيادة الديمقراطيين وفترة رئاسة باراك أوباما، والتي يمكن تسميتها بمرحلة الربيع العربي ودعم التغيرات في البلدان العربية. أما المرحلة الثالثة فهي المرحلة الحالية والتي بدأت مع الحرب في غزة. والواضح بأن الحرب في غزة ستتواصل وتطول، وكان هجوم حركة حماس قد كشف متغيراً وهو أن قوة اسرائيل ومنعتها لم تكن بالشكل الذي تم تصويره والترويج له، وإن توطيد هذا الاحساس في المنطقة حول ضعف اسرائيل وامكانية اختراقها بهذا الشكل، سيساهم في خلق واقع جديد وسيجلب المزيد من المستجدات والتغييرات. الآن ايران تقود الحرب ضد إسرائيل، وهذا واضح منذ التصريحات الي أطلقها الرئيس الإيراني الأسبق أحمدي نجاد والتي دعى فيها إلى ازالة اسرائيل من على الخريطة. وبعد هجمات حركة حماس والحرب الحالية المندلعة في غزة، بات التفكير في كلام أحمدي نجاد يقترب من الواقعية. الآن هناك محور اسرائيل ـ أميركا ـ بريطانيا، أما الدول العربية فهي لا تريد المشاركة في الحرب، بل تسعى لخفض التصعيد والوصول إلى التهدئة والهدنة. ونحن نستخلص الميل الواضح للتهدئة وفض النزاع، من فحوى لقاء وزيري خارجية تركيا وأميركا، من خلال النقاط التي طرحوها وهي: تطويق الحرب، واطلاق سراح الأسرى، ومن ثم إيصال المساعدت الانسانية إلى غزة.
وتابع الدكتور آزاد أحمد علي بأن الصراع في غزة سيؤثر على الوضع في سوريا، فايران بعيدة عن جبهة الصراع، وفي حال عدم التمكن من احتواء الصراع، فإنه يمكن أن يتوسع ويشمل لبنان وسوريا.
الواضح بأن حركة حماس كانت تعمل منذ عشرة أعوام وتستعد لشن مثل هذا الهجوم الكبير. والآن ثمة احتمال في أن تمتد المواجهات الى الساحة اللبنانية، ويدخل فيها حزب الله، وبالتالي سوريا. ولكن لا يبدو واضحاً بأن أميركا وبريطانيا واسرائيل متفقين على شكل المرحلة القادمة. فأميركا لا تريد المواجهة الشاملة ولا ترغب في توسيع الصراع، بينما تريد اسرائيل القضاء على حركة حماس نهائيا وإزالة وجودها من غزة. وتعلم إسرائيل بأن قطاع غزة مكتظ بالسكان، ويعيش فيه مليوني إنسان، وهو يعتبر قنبلة ديمغرافية موقوتة، ومن هنا ترغب إسرائيل في تهجير نصف سكانها على الأقل. ومن الواضح بأن الولايات المتحدة الأميركية لن تسحب قواتها من المنطقة ولن تغلق مواقعها، كذلك لن تلجأ إلى توسيع الحرب والصدام المباشر مع ايران. حقيقة الأمر أن إيران هي من صعّدت مع إسرائيل وأميركا وليس العكس. حدث التصعيد والمواجهة المباشرة عبر الميليشيات التي تحركها إيران. والرهان الإيراني هو إبقاء هذه الميليشات قوية وقادرة على توجيه الضربات والتخفي. إنها سلاح إيران الأقوى.
وأضاف الدكتور آزاد أحمد علي بأنه لا يوجد أي تحضير أو استعداد كردي لاحتمال تطور الصراع وتمدده، وإن الموقف الكردي لا يزال غير موحداً ولا تنسيق أو تشاور واضح حيال التطورات والمجريات السريعة. لكنه في الوقت نفسه أشار بأن الكرد ليسوا طرفاً في هذه الحرب، وإن الصراع يتم حالياً بين أطراف تتفق في عدائها للكرد مثل إيران والنظام في سوريا والدولة التركية، وإنه على الأرجح بأن الكرد سيخرجون بموقف ودور أقوى عندما تنتهي الحرب وتفرز مجموعة من القواعد والمخرجات الجديدة. أما بشكل عام وفي الحسابات السياسية، فعلى الكرد في شمال وشرق سوريا أن يعلنوا دائماً تمسكهم بالسلام والاستقرار والتهدئة، والتأكيد للعالم بأنهم لا يريدون المواجهة مع تركيا، بل يتطلعون للسلام والتعاون. على العالم أن يعلم حقيقة أن تركيا هي من تقاتل الكرد، وتستمر في معاداتهم. من المهم أن يكون لدى الكرد تصور شامل ومتكامل لاحتمالي توسيع الحرب أو اطلاق مرحلة الحوار والحل السلمي. يجب ان نقنع العالم وكل اصدقائنا بان الشعب الكردي يفضل السلام والحل السياسي، ولا يريد التصعيد والحرب بأي شكل من الأشكال. حقيقة أن الكرد يراهنون على السلام والحل السياسي الديمقراطي والعيش المشترك، ويرفضون التصعيد والمواجهة والاعمال العسكرية. يجب ألا ننسى بأن الوضع الدولي الحالي يساعد على التدخل التركي، وعلى ممارسة الانظمة المعادية للشعب الكردي للعنف. من المهم أن تفهم تركيا وتصل إلى قناعة بانها لن تستطيع نفي وجود الكرد ومصادرة حقوقهم، ومواصلة الحرب إلى ما لا نهاية عليهم، بل من أن من مصلحتها حل القضية الكردية واغلاق هذا الملف. وراهناً يمكن للانتخابات البلدية القادمة في تركيا، من حيث خارطة التحالفات والتوازنات، أن تساهم في تغيير الحكومة التركية لسياساتها تجاه الإدارة الذاتية.
ودعا الباحث والأستاذ الجامعي الكردي الدكتور آزاد أحمد علي الادارة الذاتية في شمال وشرق سوريا إلى إحداث مراجعة، وتقوية الجبهة الداخلية، واجراء اصلاحات في ما يخص القطاعات الخدمية والاقتصادية والتنموية، وتعزيز التجربة الديمقراطية، وتوطيد المشاركة الجماهيرية بشكل أفضل. يجب محاربة مظاهر الفساد والهدر وتعزيز نظام الرقابة والشفافية. نحن نحتاج إلى انتخابات بلدية وإلى مؤسسة برلمان منتخبة قادرة على المحاسبة والمراجعة والرقابة، أي تعزيز المشاركة الجماهيرية المباشرة في الادارة والحكم. علينا تعزيز ثقافة الانتخابات والتنافس الحر. من المهم القيام باصلاحات مباشرة وملموسة في الداخل من النواحي الادارية والسياسية والاقتصادية وحتى الأكاديمية. أما في ما يخص دير الزور، فأنها منطقة مهمة جداً بالنسبة للادارة الذاتية، ومن المهم حمايتها من الاعتداءات ومن محاولات الاستحواذ والضم من قبل اعداء وخصوم الإدارة. من المهم وجود مشروع سياسي واداري يستوعب دير الزور والرقة ومنبج وغيرها، يمكن تطوير المشروع الى واقع فيدرالي ديمقراطي تشاركي حقيقي.
من جهته قدم الزميل نواف خليل مدير المعهد الكردي للدارسات شرحاً عن سياسة الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط، وقال بان السياسة الأميركية، في شكلها التقليدي، قد دخلت مرحلة جديدة بعد هجمات حركة حماس في 7 أكتوبر/ تشرين الأول، والتي دفعت الولايات المتحدة إلى تعزيز حضورها العسكري في المنطقة، وإرسال حاملات الطائرات والغواصات النووية. وركز خليل على عقيدة حركة حماس الدينية، والتي ترى بأن اسرائيل إلى زوال، وتقابلها عقيدة مشابهة لدى الاحزاب الدينية الإسرائيلية ترى بأن اليهود هم شعب الله المختار.
وفي ما يخص إيران أكد الزميل نواف خليل أن ايران تحاول تفادي المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة وإسرائيل، وهي تلجأ للرد عبر وكلائها في الميليشيات في كل من اليمن وسوريا ولبنان والعراق، وهناك رهان ايراني واضح وكبير على الحوثيين في اليمن. ايران تحاول ان تستخدم كل هذه المنظمات كأوراق خلال مفاوضاتها مع أميركا فيما يخص الملف النووي وغيرها من القضايا. ويبدو واضحاً بان حركة حماس تتلقى مساعدات كبيرة من ايران، ولا يخفى قادة حركة حماس ذلك، بل هم يشكرون إيران على دعمها لهم. الآن تركيا دخلت على الخط من خلال اطلاق التصريحات المعادية لاسرائيل، مع ابقاء العلاقات الاقتصادية والتبادل التجاري في اقوى مراحله ودرجاته. ومن الواضح إنه لا يبدو أن هناك أي خطط أميركية للانسحاب من المنطقة واخلاء القواعد العسكرية. وتحاول ايران وتركيا بكل قوة، وباستخدام جميع اوارق الضغط، ان تجبرا أميركا على الانسحاب من المنطقة، لكي يتسنى لهما التوغل العسكري والتمدد في المنطقة، لكن لن ترضخ الولايات المتحدة لهما.
وأختتم مدير المركز الكردي للدراسات الزميل نواف خليل مداخلته قائلاً: تلجأ تركيا أيضا من خلال العلاقات العامة وتمويل مؤسسات مختصة في التأثير على السياسة الاميركية، ودفعها للتحرك باتجاه الانسحاب من المنطقة، وانهاء تعاونها مع قوات سوريا الديمقراطية. وتواصل تركيا مثل هذه الاجراءات بغية الضغط وتلجأ إلى بناء لوبي يخدم مصالحها داخل اميركا. لكن التصور الاميركي العام يقول بان بقاء القوات الاميركية في مناطق الادارة الذاتية هو للدفاع عن المصالح الاستراتجية الاميركية ومحاربة الإرهاب، وإن الانسحاب يضر بأمن أميركا. تركيا تسعى لاقناع أميركا بالإنسحاب في اطار عداءها للكرد في داخل وخارج الادارة الذاتية. في الأيام الماضية منعت السلطات التركية خطب الجمعة في المساجد باللغة الكردية، وكانت قبل ذلك قد ازالت لوحات الترحيب باللغة الكردية من مداخل مدن شمال كردستان. وتحاول تركيا تخريب التجربة في الادارة الذاتية، وتسعى من أجل ذلك مستخدمة كل الوسائل العسكرية والسياسية. ولكن الكرد متمسكون بالنضال، ويبدو أن الوضع الجيو استراتيجي للكرد أفضل من أي وقت مضى، فاقليم كردستان معترف به في الدستور العراقي، في الحين الذي استقبل المسؤولون في الادارة الذاتية من قبل الرئيس الفرنسي عدة مرات، وكذلك الرئيس الأميركي السابق ترامب تحدث مرتين بالهاتف مع الجنرال مظلوم عبدي قائد قوات سوريا الديمقراطية. الكرد متمسكون بموقفهم في مقاومة حملات الانكار والتوسع العسكري التركية، وهم يبنون علاقاتهم مع الدول من منطلق التعاون والمصالح المشتركة، مع ميل واستعداد واضح للسلام والحوار مع تركيا على أرضية الحل الديمقراطي

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد