دير الزور بين توطيد الإدارة الذاتية وفوضى الميليشيات

المركز الكردي للدراسات

مرت ثلاثة أشهر على عملية «تعزيز الأمن» التي أطلقتها قوات سوريا الديمقراطية في 17 أغسطس/آب الماضي بهدف ضرب خلايا تنظيم داعش والمتعاونين مع النظام السوري والمهربين، وما ترافق مع تلك العملية من حادثة توقيف أحمد الخبيل، القائد السابق لمجلس دير الزور العسكري، بتهم تتعلق بالفساد والتعدي على مصالح المواطنين وإهانة رموز عشائرية واجتماعية في المنطقة. وكانت تشكيلة واسعة من القوى المناهضة للإدارة الذاتية، ضمّت النظام السوري والميليشيات الإيرانية والدولة التركية، مباشرة أو عبر أدواتها في «الجيش الوطني»، استغلت العملية الأمنية وحادثة اعتقال الخبيل للتحرك والتحشيد ضد قوات سوريا الديمقراطية وصنع حراك موجه اتفقوا على تسميته بـ«هبة العشائر»، مجيّرين وسائل الإعلام، في حملة كبيرة ومتناسقة للنيل من مؤسسات ومظاهر الإدارة الذاتية في دير الزور وإحداث شقاق اجتماعي بين مكونات المنطقة، وبالتالي إحداث أكبر قدر ممكن من التخريب والفوضى.

وتناغم القصف التركي المركّز بالمسيّرات والمدفعية على أرياف منبج وعين عيسى وتل أبيض وتل تمر والشهباء، ومحاولات اختراق قام بها عناصر من «الجيش الوطني»، مع تسلل مسلحي ميليشيات النظام وإيران في 25 سبتمبر/أيلول الماضي إلى بلدتي ذيبان وهجين بقصد الاحتلال والتخريب، والتي تصدت لها قوات سوريا الديمقراطية، موقعة أكثر من 50 قتيلاً وجريحاً في صفوف المهاجمين. وبعد تطهير المناطق التي كان مسلحو النظام وإيران توغلوا فيها (تدمير محطات الكهرباء، ونهب المستوصفات والوحدات الزراعية، وسرقة الأبواب والنوافذ وألواح الطاقة الشمسية وأجهزة المكيفات)، عمدت قوات سوريا الديمقراطية إلى إطلاق حملة لبناء وإعادة إعمار ما تم نهبه، وأصدرت عفواً عاماً عن المتورطين في الأحداث. كما تم إعادة هيكلة مجلس دير الزور المدني (22 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي) وفق بنى وآليات تضمن لأهالي المنطقة صلاحيات أوسع وخدمات أكبر لمنطقتهم، في وقت واصلت ميليشيات تابعة للنظام السوري شن الهجمات التي تستهدف قواعد ومقار قوات سوريا الديمقراطية في الريف الشرقي لدير الزور، تحت غطاء أسم «قوات العشائر»، حيث شهدت الفترة ما بين مطلع شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي ومنتصف شهر نوفمبر/تشرين الثاني الجاري عشرات الهجمات التي انطلقت من المناطق التي تسيطر عليها قوات النظام السوري، واستهدفت كلها مقار ونقاط قوات سوريا الديمقراطية، إضافة إلى المنشآت الخدمية والمدنية والعاملين فيها.

تزايد الهجمات على قوات سوريا الديمقراطية ومواقع التحالف الدولي

مع التصعيد في منطقة الشرق الأوسط عقب هجمات حركة حماس الفلسطينية على معسكرات ومستوطنات إسرائيلية في غلاف غزة، والتي أسفرت عن مقتل 1400 مدني وعسكري إسرائيلي واختطاف 241 مدنياً، ومع ما ترافق من إعلان الولايات المتحدة التضامن المطلق مع إسرائيل وإرسالها حاملات طائرات وغواصات نووية إلى المنطقة، في إجراء يهدف لردع وتهديد إيران، تحوّلت مناطق سيطرة النظام السوري في دير الزور إلى ساحة مواجهات مفتوحة (القصف المتبادل بالمسيّرات والصواريخ) بين الميليشيات المدعومة من إيران والقوات الأميركية التي تحتفظ بقواعد عسكرية في مناطق شرق الفرات ضمن الحدود الإدارية لمحافظتي دير الزور والحسكة.

كما انضمت قوات النظام السوري إلى هذه المواجهات، حيث بدأت في اقتناص الفرصة والاستفادة من التواجد العسكري الإيراني ومن تعزيز طهران لحضورها بشن هجمات على مقار وقواعد قوات سوريا الديمقراطية في مناطق شرق الفرات، في محاولة منها للإبقاء على ما تسميه «هبة العشائر» على قيد الحياة وتسجيل الهجمات والعمليات التي تستهدف قوات سوريا الديمقراطية تحت عنوانها للإيحاء بأن هناك رفضاَ عشائرياً لوجود قوات سوريا الديمقراطية ومؤسسات الإدارة الذاتية في المنطقة، علماً بأن الأغلبية الساحقة من مقاتلي هذه القوات هم من أبناء عشائر دير الزور الذين حاربوا تنظيم داعش ودافعوا عن مناطقهم وأهلهم ضد هجمات خلايا التنظيم، كما تصدوا لمظاهر التمدد الإيراني.

وكانت بلدات ذيبان والجرذي والطيانة والشحيل وأبو حمام وأبو حردوب شهدت هجمات انطلقت من مناطق غرب الفرات نفذها مسلحون تابعون للميليشيات التي شكلها النظام السوري وأدرجها ضمن ما يسميه «قوات العشائر»، استهدفت مقار وقواعد قوات سوريا الديمقراطية ومبان ومرافق خدمية. وأعلنت قوات سوريا الديمقراطية في 29 أكتوبر/تشرين الأول الماضي عن إحباط مقاتليها لهجوم واسع بالمدفعية والهاون وأسلحة الدوشكا شنه مسلحون من الميليشيات التابعة للنظام السوري على بلدات أبو حردوب وذيبان وأبو حمام. ونشر المركز الإعلامي في قوات سوريا الديمقراطية بياناً على موقعه ذكر فيه أن مسلحين قادمين من بلدات ومدن صبيخان والدوير والميادين الواقعة في الضفة الغربية لنهر الفرات تحت سيطرة النظام السوري شنوا هجوماً من ثلاثة محاور على مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، وأن الأخيرة اشتبكت معهم وقتلت منهم 19 مسلحاً وجرحت 20 آخرين، بينهم المدعو مروان الفاضل أحد المسؤولين في ميليشيا «أسود الشرقية» التابعة للنظام السوري. كما كشفت قوات سوريا الديمقراطية عن هوية ثلاثة من مقاتليها فقدوا حياتهم في تلك المواجهات هم كل من: ثامر أحمد إبراهيم وجوان رمضان مراد وخالد حوران العطية.

وواصلت قوات سوريا الديمقراطية شن المزيد من العمليات الإستباقية التي استهدفت خلايا الميليشيات التابعة للنظام السوري وتنظيم داعش في المنطقة. وكانت الأسابيع الماضية شهدت عشرات عمليات الاعتقالات والمداهمات بهدف إحباط عمليات التخريب والاستهداف التي كانت عناصر من هذه الميليشيات تخطط للقيام بها ضد مواقع قوات سوريا الديمقراطية والمصالح المدنية والخدمية في المنطقة. وساهمت قوات مكافحة الإرهاب (HAT) في تنفيذ عمليات المداهمة المباغتة والدقيقة ضد المسلحين التابعين للنظام السوري وعناصر تنظيم داعش، معتقلة العشرات منهم، ومصادرةً كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر والعبوات الناسفة.

وتشهد مناطق محافظة دير الزور، منذ أكثر من شهر، هجمات متبادلة بين الميليشيات التي تستخدم الصواريخ والمسيّرات وبين القوات الأميركية التي ترد بالقصف الصاروخي والطائرات الحربية. ونقل المرصد السوري لحقوق الإنسان بأن الغارات الجوية الأميركية على دير الزور في 12 نوفمبر/تشرين الثاني أسفرت عن مقتل ثمانية عناصر من الميليشيات الموالية لإيران وجرح عدد آخر، وأن القصف طال مستودعات أسلحة وذخائر ومنصة إطلاق صواريخ في ريف البوكمال وقرى بالقرب من مدينة الميادين، حيث يتركز الوجود العسكري الإيراني. وأوضح المرصد في تقرير نشره على موقعه بأن قواعد التحالف الدولي تعرضت إلى 32 استهدافاً من قبل الميليشيات منذ تاريخ 19 أكتوبر/تشرين الأول الماضي. وتوزعت هذه الاستهدافات على النحو التالي: : 6 على قاعدة التنف، و7 على قاعدة حقل العمر النفطي، و5 على قاعدة حقل كونيكو للغاز، و1 على القاعدة الأميركية في روباربا بريف مدينة المالكية، و5 على قاعدة خراب الجير برميلان، و6 على قاعدة الشدادي، و1 على قاعدة تل بيدر، و1 على قاعدة قسرك.

وفي المجمل تحدثت مصادر أميركية عن تعرض مواقع عسكرية أميركية في كل من سوريا والعراق إلى أكثر من 45 هجوماً منذ 17 أكتوبر/تشرين الأول الماضي. وكانت ما تسمى بـ«المقاومة الإسلامية في العراق» (جهة عراقية ظهر اسمها لأول مرة في 21 أكتوبر/تشرين الأول الماضي تستهدف الوجود العسكري الأميركي في كل من العراق وسوريا)، أعلنت في موقعها عن مسؤوليتها عن هجمات بالمسيّرات والقذائف الصاروخية طالت قواعد العمر في دير الزور وخرب الجير بريف بلدة رميلان بالحسكة (آخر تلك الهجمات كانا هجومين بالمسيّرات والقذائف الصاروخية استهدفا قاعدة العمر في 16 و14 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري)، وأن هذه الهجمات أدت إلى اصابة العشرات من الجنود الأميركيين.

وتقول مصادر أميركية بأن ما تسمى بـ«المقاومة الإسلامية في العراق» هي في الحقيقة غرفة عمليات مشتركة للميليشيات العراقية المدارة من قبل الحرس الثوري الإيراني، وأن مهمتها تهديد القوات الأميركية في كل من العراق وسوريا وإفهام الولايات المتحدة بأن هذه القواعد والجنود المتمركزين فيها واقعة في مرمى نيران إيران وأذرعها. وتقول الرسالة الإيرانية لواشنطن بإن الميليشيات العراقية المسلحة المدارة من ضباط الحرس الثوري قادرة على إمطار القواعد العسكرية الأميركية بعشرات الصواريخ الموجهة والطائرات المسيّرة في كل وقت، في حال لجوء الولايات المتحدة إلى التصعيد مع طهران واستهداف مصالحها في المنطقة. ويأتي ذلك في وقت يبدو موقف الحكومة العراقية ضبابياً، حيث تحاول بغداد النأي بنفسها عن الصراع الإيراني (سواء المباشر أو بالوكالة) مع الولايات المتحد، خاصة في كل من الساحتين اللبنانية والسورية، مراعاة للتوازنات الهشة في الداخل العراقي في ظل سيطرة الأحزاب القريبة من إيران على المشهد السياسي العراقي واحتفاظها بميليشيات مسلحة تنازع الدولة القوة والنفوذ (تشكيلات الحشد الشعبي وغيرها)، التي ترتبط، بشكل أو بآخر، بإيران.

طهران تعزز حضورها العسكري وتجند عناصر محلية

وكانت الأسابيع والأيام الماضية شهدت وصول تعزيزات عسكرية إيرانية إلى مناطق دير الزور. وذكرت مصادر بأن العشرات من المقاتلين الميليشياويين من الجنسيتين العراقية واللبنانية دخلوا الأراضي السورية، وأن بلدة البوكمال الواقعة تحت سيطرة النظام السوري شهدت دخول عشرات المقاتلين التابعين للحشد الشعبي العراقي بسيارات مدنية إلى محافظة دير الزور، والذين انضموا إلى الميليشيات في المحافظة. وأكدت المصادر نقلاً عن الأهالي بأن تعزيزات عسكرية قادمة من العراق وصلت إلى مناطق البوكمال والقورية والطيبة، وأن الحرس الثوري هو من أشرف على إدخال هذه التعزيزات ونقلها إلى قواعد ومقار سرية في أرياف البلدات المذكورة. كما تحدثت المصادر عن خطط إيرانية لإرسال مقاتلين باكستانيين وأفغان إلى دير الزور، بغية الإشراف على تدريب الشباب الذين يتم اغراؤهم بالتطوع ضمن ميليشيات محلية يشرف عليها ضباط من الحرس الثوري الإيراني وميليشيات الحشد الشعبي، وأنه غالبا ما سيتم تكليف هؤلاء بمهام مهاجمة قوات سوريا الديمقراطية والقيام بعمليات تخريب في مناطق وبلدات ريف دير الزور الشرقي.

وتأتي التعزيزات الإيرانية والاجتماعات المكثفة لمسؤولين في الحرس الثوري الإيراني مع ضباط في النظام السوري ضمن محاولات إيران تعزيز موقفها في محافظة دير الزور عبر رفد ميليشياتها بعناصر مدربة من خارج سوريا، مع التركيز على تجنيد عناصر شابة محلية عبر تقديم حزمة من الإغراءات لهم مثل البطاقة الأمنية والسلاح الفردي وراتب مجز ( هناك صراع خفي بين الإيرانيين والنظام السوري على تجنيد الشباب المحلي). وتحاول الميليشيات ضم عدد كبير من الشباب المحلي بعد تدريبهم، ومن ثم إسناد مهام لهم هي غالباً تنفيذ هجمات على قواعد ومقار قوات سوريا الديمقراطية والمدنيين الذين يعملون في المؤسسات الخدمية التابعة للمجلس المدني في دير الزور. ويرجح محللون أن إيران تعتقد بأن تكثيف الهجمات على مناطق شرق الفرات سيربك القوات الأميركية وحلفائها وسيشكل ورقة ضغط وتهديد تقوّي من موقفها إزاء التهديدات الأميركية لها.
وفي الآونة الأخيرة، وضمن خطط التمويه، أعادت الميليشيات المقربة من إيران تموضعها ونشر عناصرها في مقار جديدة. ونقلت مصادر محلية في دير الزور بأن تعليمات صدرت بإخلاء العناصر التابعة لإيران لمقراتها وتسليمها للنظام وممارسة أكبر قدر ممكن من التمويه والتخفي وإزالة الرموز والصور والملصقات التي تشير إلى الحرس الثوري الإيراني والاكتفاء بتلك التي تشير إلى النظام السوري ورئيسه. كما تحدثت المصادر بان الفصائل الموالية لإيران بدأت في ممارسة ضغوطات على سكان بدير الزور للتخلي عن منازلهم. وأحياناً، تلجأ الفصائل إلى الاستيلاء على منازل المواطنين بالقوة تحت تهديد السلاح وتلفيق التهم لمن يعارض، مستغلة الأوضاع الاقتصادية الصعبة للسكان لإجبارهم على ترك منازلهم ومزارعهم لتحويلها إلى مقار ونقاط عسكرية. وتم وضع اليد على عشرات المنازل العائدة للأهالي لاستخدامها في أغراض عسكرية منذ مطلع شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إذ تم تحويل أكثر من 150 منزلاً إلى مقار وثكنات عسكرية منذ مطلع العام الجاري.

هيكلة الإدارة المدنية في دير الزور وتعزيز السلم الأهلي

مثّلت إعادة هيكلة مجلس دير الزور المدني احدى أهم المهام والإجراءات السريعة التي قامت بها الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا بعد الأحداث التي شهدتها مناطق ريف دير الزور الشرقي، بهدف تأهيل المنطقة وإعادة اعمار ما دمرته الميليشيات التابعة للنظام السوري، مع ضمان أكبر قدر ممكن من المشاركة المدنية في إدارة المنطقة، عبر إعادة هيكلة المجالس المحلية والتشريعية والتنفيذية والبلديات وتحسين الواقع الخدمي والاقتصادي وترتيب قوي الأمن الداخلي ومجلس دير الزور العسكري. وعقد في 22 أكتوبر/تشرين الأول الماضي مؤتمر «تعزيز الأمن والاستقرار نحو تطوير وترسيخ التشاركية في دير الزور» بمشاركة الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا ومجلس سوريا الديمقراطية، لمناقشة الأوضاع الاقتصادية والأمنية والاجتماعية في دير الزور. وحضر مؤتمر إعادة بناء مجالس الإدارة والمتابعة وتسيير العمل في ريف دير الزور شيوخ ووجهاء العشائر ونشطاء المجتمع المدني وإداريين وجمع من أهالي دير الزور والأرياف المحيطة بها، بالاضافة إلى مشاركة رئيسة الهيئة التنفيذية لمجلس سوريا الديمقراطية إلهام أحمد ووفود تمثل الإدارة الذاتية والأحزاب السياسية والمؤسسات المدنية والعسكرية. وشهد المؤتمر مداخلات أهالي المنطقة والإداريين فيها، تمحورت كلها حول ضرورة تعزيز الأمن وتوسيع الخدمات وتنمية المستوى الاقتصادي والاهتمام بتطوير القطاع الزراعي.

وفي الجانب السياسي تمخض المؤتمر عن مجموعة من المخرجات منها إفساح المجال أمام الأحزاب السياسية وضمان مساحة تحرك أكبر للمنظمات الأهلية وحمعيات المجتمع المدني في ما يخص العمل بين المواطنين وافتتاح المقار، بالتعاون مع المجلس التنفيذي لدير الزور، إلى حين إصدار قانون ترخيص الأحزاب في مناطق الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا. كما تضمنت توصيات المؤتمر تفعيل دور مجلس العدالة، بحيث يتمتع بكامل الاستقلالية في قراراته. وتضمن البيان الختامي للمؤتمر كذلك تشكيل لجنة من الإدارة المدنية في دير الزور والقوات الأمنية لفتح وتنظيم أربعة معابر إنسانية وتجارية وإعادة هيكلة جهاز الرقابة والتفتيش وتفعيل دوره بالتنسيق مع الإدارة الذاتية لشمال شرقي سوريا. ومن البنود أيضاً، إخراج العائلات الموجودة في مخيم الهول التي تتحدر من دير الزور بشكل منظم ودوري، وتعويض العوائل المتضررة أثناء هجمات ميليشيات النظام على مؤسسات الإدارة الذاتية ومقار قوات سوريا الديمقراطية، وتفعيل دور الإعلام. كذلك، تضمن البيان وجوب ترميم الصوامع المركزية، والاهتمام بالمشاريع الخدمية والصحية والاستثمارية والتعليمية ومنحها الأولوية خلال موازنة عام 2024.

وكانت قوات سوريا الديمقراطية دعت، في 28 سبتمبر/أيلول الماضي، المسلحين الفارين إلى مناطق سيطرة النظام السوري ممن تورطوا في عمليات التخريب والنهب في بلدات ريف دير الزور الشرقي إلى التواصل معها للبدء في إجراءات تسوية أوضاعهم والعودة إلى المنطقة خلال مدة أقصاها 15 يوماً. واستفاد أكثر من 100 شخص من العفو من الذين عمدوا إلى تسوية أوضاعهم، في وقت ما تزال عناصر آخرى موجودة في مناطق سيطرة النظام. وعمدت قوات سوريا الديمقراطية في 20 أكتوبر/تشرين الأول الماضي إلى تمديد مهلة العفو، داعية كل المواطنين الذين تورطوا في الأحداث إلى الاتصال بمقراتها والاستفادة من فرصة العفو لتسوية أوضاعهم والعودة إلى الحياة الطبيعية. كما دعت قوات سوريا الديمقراطية كل من يحمل سلاحاً إلى تسليمه والبدء بالإجراءات القانونية اللازمة، موضحة بأنها ستواصل تقديم الدعم لكل من تضرر نتيجة هجمات المسلحين على المؤسسات الخدمية وفعل كل ما من شأنه توطيد الأمن واستتباب الاستقرار في المنطقة. كما تتواصل قوات سوريا الديمقراطية مع الشخصيات الاجتماعية والعشائرية ووجهاء معروفين في المنطقة، وكذلك إداريين في مجلس دير الزور المدني، بغية ايجاد حلول للعديد من الملفات وعلى رأسها تفعيل العفو عن من تورط في أحداث الفوضى والتخريب وتواصل مع ميليشيات النظام السوري، والإسراع في تسوية أوضاع هؤلاء وتجميع الأسلحة التي بحوزتهم، بالاضافة إلى الخطط العاجلة لتنمية المنطقة وتعزيز الإدارة المحلية والمشاركة الجماهيرية ورعاية الطاقات والكفاءات بشكل أكبر.

وكخلاصة يمكن تثبيت النقاط التالية:

أولاً: تمثل دير الزور منطقة مهمة في الحسابات الاستراتيجية للعديد من القوى الإقليمية، فهي عقدة وصل والطريق البري الوحيد بين إيران والعراق وسوريا ولبنان، وتتمركز فيها بعض مظاهر الوجود العسكري الأميركي. وعلى مقربة منها في الحسكة، هناك قواعد أميركية تقع في مرمى نيران الميليشيات الإيرانية التي اعتادت طهران على استخدامها في الحرب بالوكالة مع أعدائها في المنطقة. وتزايد الاهتمام الإيراني بدير الزور بعد التصعيد الأخير بين حركة حماس واسرائيل في غزة والتهديد بمعاقبة إيران وتكثيف واشنطن، بشكل نوعي، حضورها العسكري في المنطقة.
ثانياً: تعزز إيران، حالياً، حضورها العسكري في دير الزور تحت مسميات عديدة. وبدأت بإعادة نشر الميليشيات في مناطق ريفية مختلفة ومتباعدة بغرض التمويه والتخفي، مع جلب عناصر أجنبية مؤهلة بغرض الاشراف والتدريب، في ظل بدء هذه الميليشيات شن عشرات الهجمات بالصواريخ والمسيّرات على القواعد الأميركية. هناك توجه ايراني لتأهيل الميليشيات المحلية التابعة للنظام السوري، وتوكيل مهام الهجوم على قوات سوريا الديمقراطية في ريف دير الزور الشرقي لها.
ثالثاً: يقتنص النظام السوري فرصة تعزيز إيران لحضورها العسكري لتأهيل الميليشيات المحلية وتجنيد الشباب، في محاولة واضحة للإبقاء على ما يسمى «هبة العشائر/قوات العشائر» وشن المزيد من الهجمات على قواعد قوات سوريا الديمقراطية. كما يفعّل النظام استخدامه لرموز اجتماعية من التي تورطت في العنف ووقعت في شراك الاستخبارات السورية (إبراهيم الهفل) من أجل التغلغل في أوساط الأهالي ونشر الدعاية المضادة لقوات سوريا الديمقراطية والإدرة الذاتية. والأرجح أن هجمات الميليشيات التابعة للنظام السوري ستستمر وبوتيرة أعلى في الفترة القادمة.
رابعاً: تتجه الولايات المتحدة إلى سياسة الردع وضرب التواجد العسكري الايراني بقوة. وتستخدم واشنطن في ذلك أسلحة نوعية ومتطورة (طائرات أف-35)، في رسالة واضحة لإيران بأنها لن تترك لها المنطقة ولن تدعها توطد دعائم حضورها العسكري في منطقة مهمة استراتيجياً كدير الزور، دون التعرض لهجمات مدمرة.
خامساً: تتجه الإدارة الذاتية إلى تطوير مناطق ريف دير الزور الشرقي وإعادة هيكلة مجلس دير الزور المدني، مع توسيع صلاحياته، وتنمية المنطقة من النواحي الاقتصادية والخدمية والاجتماعية، وتفعيل دور الشخصيات الاجتماعية في توطيد السلم الأهلي والتوسط مع من تورط في الأحداث للعودة وتسليم السلاح وقطع علاقاته مع ميليشيات النظام والاستفادة من العفو. في موازاة ذلك، تستمر قوات سوريا الديمقراطية في ملاحقة الخلايا النائمة لتنظيم داعش وميليشيات النظام وشن حملات المداهمة على أوكارها، وتستفيد في إنجاح هذه العمليات من الحاضنة الشعبية المؤيدة للإدارة الذاتية والرافضة لوجود النظام وحلفائه.

إشارات:

أولاً: باللغة العربية:
1ـ مقتل 19 مرتزقاً للنظام السوري في هجوم أحبطته قواتنا بدير الزور. موقع المركز الإعلامي في قوات سوريا الديمقراطية. تاريخ 29 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
2ـ في أعنف هجوم من داخل سورية..15 صاروخ أطلقته الميليشيات المدعومة من إيران على القاعدة الأميركية في حقل كونيكو. موقع المرصد السوري لحقوق الإنسان. 13 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023.
3ـ المقاومة الإسلامية في العراق تستهدف قاعدة الإحتلال الأميركي في حقل العمر النفطي بسوريا. موقع قناة المنار التابعة لحزب الله اللبناني. 15 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023.
4ـ إيران تواصل إدخال التعزيزات العسكرية إلى سوريا: تعرض مغريات على وجهاء العشائر لتطويع أبنائهم في ميليشياتها. موقع صحيفة الشرق الأوسط السعودية. 5 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023.
5ـ دير الزور..الحرس الإيراني يحوّل منازل مدنيين لنقاط عسكرية. موقع نورث بريس السوري. نوفمبر/ تشرين الثاني 2023.
6ـ مخرجات هامة عن مؤتمر تطوير وترسيخ التشاركية في دير الزور. موقع مجلس سوريا الديمقراطية. 22 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
7ـ قرارات عدة تنتج عن مؤتمر تعزيز الأمن والاستقرار بدير الزور. موقع نورث بريس السوري. 22 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
8ـ قواتنا تمدد قرار العفو عن المتورطين في أحداث دير الزور لتسوية أوضاعهم. موقع المركز الإعلامي في قوات سوريا الديمقراطية. 20 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
ثانياً: باللغة الكردية:
1- Li Dêrazorê çeteyek hat kuştin û yek jî hate girtin. Ajansa Firat ya nûçeyan. 11. Sermawêz. 2023.

ثالثاً: باللغة الألمانية:
1- Robert Wagner: Krieg in Israel könnte auf Irak übergreifen – Bagdad um Eindämmung pro – iranischer Milizen bemüht. Frankfurter Runschau. 15.November. 2023:

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد