ما مدى جدية الاستهدافات الإيرانية للأصول العسكرية الأميركية؟

المركز الكردي للدراسات 
بتحفّظ وحذرٍ شديدين دخلت إيران عالم ما بعد 7 أكتوبر من بابه الخلفي عبر شن المليشيات المدعومة منها هجمات على الأصول الأميركية في العراق وسوريا. منذ منتصف أكتوبر/تشرين الأول الماضي، شنت المليشيات المدعومة من إيران حوالي 50 هجوماً منفصلاً على الأصول الأميركية في سوريا والعراق، الأمر الذي أدى إلى إصابة جنود أميركيين خلال هذه الهجمات. في مقابل ذلك، شنت القوات الأميركية عمليات رد على المنشآت الإيرانية في سوريا أوقعت خسائر محققة في صفوف المليشيات التابعة لها.
تقلل وجهات النظر العسكرية والسياسية في الولايات المتحدة من شأن تلك الهجمات، فيما الرد العسكري والترقب والتحذيرات الأميركية المتكررة هي السمة الغالبة على المشهد.
كيف يمكن قراءة الاستهدافات الإيرانية؟
في ضوء تجارب سابقة، شهدت الأصول الأميركية، بما في ذلك سفارتها في بغداد وقنصليتها في أربيل، هجمات من مليشيات مدعومة من إيران. لكن بقي كل ذلك ضمن سقف محدود تحوّلت معها الاستهدافات إلى عمليات إثبات وجود تتضمن رسائل ذات بعد سياسي. ولم يكن من بين كل الهجمات ما يدعو إلى قلق الولايات المتحدة أو دفعها للسعي إلى حرب مفتوحة في مواجهة إيران وأذرعها. بعض الاتجاهات السياسية في واشنطن تصنّف تصرفات إيران بأنها «هجمات استعراضية»، لكنها يمكن أن تكون هجمات خطيرة لأن بعض الصواريخ غير دقيقة ويمكن أن تشكل تهديداً للقوات الأميركية(1).
ومع تواجد القوات الأميركية في سوريا، باتت القواعد العسكرية الأميركية بريف الحسكة والرقة ودير الزور، خاصة بعد تمكّن قوات التحالف الدولي وقوات سوريا الديمقراطية من إلحاق الهزيمة بتنظيم داعش إثر معركة الباغوز في مارس/آذار 2019، هدفاً للمليشيات الإيرانية التي تسعى إلى إرباك واشنطن ودفعها إلى مغادرة سوريا كهدف استراتيجي، وفي كثير من الأحيان لأجل إشغال القوات الأميريكية عن الأنشطة الفعلية لإيران والمتمثّلة بالإبقاء على طريق المرور البرية والحفاظ على خطوط الإمداد الإيرانية عبر العراق إلى الداخل السوري والحفاظ تالياً على الحيّز الإيراني في العراق وسوريا ولبنان.
مع الحرب التي افتتحتها حركة حماس في 7 أكتوبر الماضي، ازدادت وتيرة القصف الصاروخي وهجمات الطائرات بدون طيار على الأصول الأميركية في العراق وسوريا. تنفي إيران علاقة هذه الهجمات بها وتؤكد أن المجموعات المهاجمة تقوم بذلك «من تلقاء نفسها»، فيما رفض مسؤولون في البنتاغون وجود علاقة مباشرة بين الزيادة في الهجمات والصراع في غزة(2). نفي طهران، رغم وضوح طبيعة الارتباط العضوي لهذه المجموعات بها وإنكار واشنطن زيادة وتيرة الهجمات على قواتها بأنه مرتبط بالدعم غير المحدود المقدم لتل أبيب، إنما يكشف عن رغبة الطرفين في ضبط المشهد العام وحصر الصراع في غزة خشية تحوّل الحرب الموضعية إلى حرب إقليمية مكلفة لا يريدها الطرفان، حتى اللحظة، ويحولان دون حدوثها في المدى القريب.
الأولوية الإيرانية هي الظهور أمام الرأي العام في المنطقة كطرف يبذل جهوده للحيلولة دون سقوط حركة حماس في جبهات عديدة عبر حرب وكلائها في اليمن ولبنان وسوريا والعراق واستهداف إسرائيل والقوات الأميركية. هذا الشكل التكافلي بين إيران وحلفائها لا يبدو مقنعاً حتى اللحظة بالنسبة لحركة حماس ومؤيدي أنشطة إيران الداعمة للحركة من خارج القوس الشيعي في المنطقة، فوق أنه سلوك محفوف بالمخاطر في حال ارتكبت المجموعات الموالية لإيران أخطاءً جسيمة أو خرجت عن «النص» الذي تعدّه لها طهران.
اختبار الصبر الأميركي
أحبطت القوات الأميركية معظم الهجمات على أصولها العسكرية في العراق وسوريا، في وقت صعّدت إسرائيل هجماتها داخل سوريا، والتي بلغت خلال العام الجاري 48 استهدافاً، منها 24 منذ بدء الحرب الإسرائيلية في غزّة(3). داخل هذه الأجواء المشحونة، استهدفت المجموعات الإيرانية في العراق وسوريا قواعد التنف وكونيكو وحقل العمر والشدادي بأكثر من عشرين هجوماً منذ أواسط شهر أكتوبر/ تشرين الأول. الرد الأميركي كان عنيفاً، إذ استهدف المنشآت الإيرانية في دير الزور وأوقع إصابات محققة في صفوف المجموعات المتمركزة فيها. ووصف وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن الاستهداف الأميركي لمنشآت يستخدمها الحرس الثوري الإيراني والجماعات التابعة له في سوريا بأنه يأتي في إطار «الدفاع عن النفس»(4)، فيما جدد أوستن في مؤتمر صحافي في سول ما قاله في وقت سابق بأن «هذه الهجمات يجب أن تتوقف، وإذا لم تتوقف، فلن نتردد في القيام بكل ما يلزم، مرة أخرى، لحماية القوات»(5). واقعياً تبدو واشنطن جدّية في وضع حدّ لتحرشات المجموعات الموالية لطهران، وقد تتلاحق الاستهدافات وتشتد حال تطوّر مستوى الاستهدافات الإيرانية.
من الواضح أن واشنطن اعتمدت صيغة ضبط نفس لامتصاص الفورة الإيرانية، بل إن واشنطن دعت تل أبيب إلى وجوب عدم  «استفزاز» حزب الله والابتعاد عن كل ما قد يؤدي إلى جعل الحرب ذات منحى إقليمي متصاعد. لكن الردود الأميركية الأخيرة تدلّ على أن صبر واشنطن بدأ ينفذ مع وقوع إصابات في صفوف قوّاتها لاسيما في سوريا. تبدو إدارة جو بايدن مقيّدة بحساباتها الدقيقة في التعاطي مع إيران، على عكس إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب التي ردت على التصرفات الإيرانية باغتيال الجنرال قاسم سليماني قائد قوات فيلق القدس التابعة للحرس الثوري الإيراني في يناير/كانون الثاني 2020، دون تفكير معمّق بالعواقب. يبقى سيناريو استهداف الولايات المتحدة للحرس الثوري وقادة المجموعات التابعة في سوريا والعراق محتملاً إذا انزاحت إيران نحو المزيد من التصعيد غير المحسوب أو مواصلة الاستفزازات إلى ما لا نهاية.
يبدو الحديث عن خروج القوات الأميركية العاملة من العراق وسوريا أبعد مما كان عليه قبل أحداث 7 أكتوبر. بل يؤكّد تعزيز الحضور العسكري الأميركي أن مهام القوات الأميركية في المنطقة، وفي العراق وسوريا ضمناً، قد تطوّل إلى أجل غير مسمّى. تقوم حاملة الطائرات  «يو إس إس أيزنهاور» ومجموعة حاملة الطائرات  «جيرالد فورد» وسفن أخرى بدوريات في المياه القريبة من إيران. كما نشرت الولايات المتحدة أكثر من 1200 جندي في المنطقة لحماية القوات الأميركية في العراق وسوريا والاستعداد لمواجهة احتمال توسع نطاق الصراع في إسرائيل إذا ما حاولت المجموعات المدعومة من إيران مده إلى المنطقة، وتشمل هذه الوحدات نظام الدفاع «ثاد» و«باتريوت» و«أفينغر»(6). يؤمّن هذا التحشيد العسكري النوعي وظيفة الردع المطلوبة أميركياً، ولكنه لا يعني بالضرورة أنه تحشيد بغرض إعلان الحرب على إيران أو توجيه ضربات قاضية للمجموعات الموالية لها.
خاتمة 
في ضوء الاستهدافات المتبادلة، يظهر إلى السطح حرص إيراني – أميركي متبادل بألا تتسع دائرة الاستهدافات وتتخذ صورة إعلان حرب. في المدى القريب، ستبقى الاستهدافات الإيرانية تحمل طابعاً دعائياً و«استعراضياً»، الأمر الذي قد يدفع واشنطن لمواصلة الردّ العنيف على المنشآت التابعة للمجموعات المدعومة من الحرس الثوري الإيراني، مع احتمال توسعها لتشمل قيادات إيرانية في حال صعدت تلك المجموعات من استهدافاتها بشكل غير محسوب. وقد تساهم جدية الرد الأميركي في تقليل هامش الاستهدافات الإيرانية لأصولها في المنطقة.
المصادر
What’s an Attack? In Iraq and Syria, That’s Not Always Clear – https://2u.pw/kqwsyv3  (1)
https://2u.pw/Y7LeZxf 8more attacks on US forces in Iraq and Syria as Iranian-backed militias ramp up their attacks-CNN- (2)
(3) خلال العام 2023.. إسرائيل استهدفت سوريا 48- المرصد السوري- https://2u.pw/eqAWW4T
Secretary of Defense Lloyd J. Austin III Statement on U.S. Military Strike in Eastern Syria- https://2u.pw/FY1IsMh (4)
(5) أمريكا تلوح بمزيد من الضربات إذا لم توقف الجماعات المرتبطة بإيران هجماتها- swi- https://2u.pw/mL8qfP1
Pentagon: 38 Attacks Target US Forces in Iraq, Syria –VOA-https://2u.pw/5BwGqco (6)

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد