كيف أحبطت العشائر العربية مخطط الحرب الأهلية في ديرالزور؟

طارق حمو

أطلقت قوات سوريا الديمقراطية في 27 آب/ أغسطس الماضي عملية أمنية وعسكرية تحت اسم “تعزيز الأمن” في بعض مناطق ريف دير الزور الشرقي، بهدف ضرب خلايا تنظيم “داعش” واعتقال عدد من المطلوبين من تجار ومروجي المخدرات والخارجين على القانون، من الذين امتهنوا التعدي على أرزاق وأموال المواطنين. وحققت الحملة أهدافها بطرد المسلحين وعاد الاستقرار مجدداً إلى ربوع المنطقة.

وبالتوازي مع حملة “تعزيز الأمن” أوقفت قوات سوريا الديمقراطية أحمد الخبيل، القائد السابق لـ”مجلس دير لزور االعسكري”، بعد استكمال نتائج التحقيقات في التهم الموجهة إليه بالفساد والمتاجرة بالمخدرات (الكبتاغون خاصة)، وإهانته لرموز اجتماعية وعشائرية في المنطقة، واستغلاله لنفوذه ومكانته في ابتزاز وترويع المدنيين. وكانت شكاوي كثيرة قد وصلت إلى قيادة قوات سوريا الديمقراطية من أهالي ريف دير الزور حول تجاوزات الخبيل والدائرة الضيقة المحيطة به، استدعت تحقيقاً موسعّاً وجمعّاً لأدلة الإدانة من جانب قوات سوريا الديمقراطية، لحين إيجاد المسوغ القانوني لإصدار قراري العزل والتوقيف.

النظام والمعارضة يتحدان ضد قوات سوريا الديمقراطية:

وما أن انتشرت أنباء توقيف الخبيل وبعض مساعديه من المتورطين في الانتهاكات بحق المدنيين، والتجاوزات على القانون والسلم الأهلي، حتى بدأت ماكينة الإعلام في النظام، والمعارضة التابعة لتركيا، بالتحريض ضد قوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية الديمقراطية لشمال شرق سوريا. ومن هنا فقد تحركت مئات المواقع والمنصات الإلكترونية والفضائيات والمساحات المرئية التابعة للنظام والمعارضة، في حملة منسقة لتسعير خطاب الكراهية وتحريض أهالي دير الزور ضد قوات قوات سوريا الديمقراطية، فصدرا خطاباً واحدا في التأليب والفتنة، تمحور حول “هبة العشائر العربية” ضد قوات سوريا الديمقراطية، التي وصفوها بـ”الكردية” لخلق مزيد من التحريض والشحن العنصري واستنهاض همم البسطاء. كما وتحدثوا عن “بدء العشائر في تحرير المنطقة”، ليسلموها للدولة ( خطاب إعلام النظام)، وللثورة ( خطاب إعلام المعارضة التابعة لتركيا)، وظهرت البرامج المرئية المباشرة والعاجلة في الفضائيات والمنصات التابعة لكلا الطرفين، لتحقق نفس الهدف، عبر نفس الأساليب في الترويج وتزوير الوقائع، وقلب الحقائق على الأرض.

ولم تغب دعوات الحرب الأهلية عن الخطاب التحريضي ضد الإدارة الذاتية ومكوناتها. وتجاوزت عنصرية المحرضين المكون الكردي، لتطال كل أهالي المنطقة الشرقية من سوريا، الذين وصفوا بأشنع الصفات من قبل أدوات النظام والدولة التركية.

ميدانياً، بدأ النظام السوري في استنفار ميليشيا نواف البشير ( المعارض السابق، المتورط مع المسلحين في قتل جنود الجيش النظامي في سري كانيه 2012، والموالي الحالي وزعيم مليشيا الباقر الايرانية التمويل)، والإشراف على تجنيد الأهالي وتسليحهم، في الوقت الذي ظهر فيه البشير على محطات التلفزة السورية والإيرانية، والمنصات التابعة لهما، وهو يحرض الأهالي والعشائر ضد قوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية، مستخدماً قاموس النظام التخويني المعروف في هكذا حالات. ورصدت الأجهزة الاستخباراتية في قوات سوريا الديمقراطية وصول ضباط من أجهزة مختصة في النظامين السوري والإيراني إلى دير الزور، للإشراف على التحضيرات للمعارك المرتقبة ضد قوات سوريا الديمقراطية، والسيطرة على ريف دير الزور ومناطق شرق الفرات. أما المعارضة التابعة لتركيا فقد أخرجت هي أيضاً رموزها “العشائريين” من الذين استخدموا نفس الذخيرة اللغوية في التحريض والفتنة، ولكن مع بعض الانزياحات في الاستخدام، فمثلاً ” إعادة سيطرة الدولة على دير الزور” و”محاربة عملاء الاحتلال الأميركي”، في قاموس النظام، تحوّلت إلى عبارات مثل “سيطرة الثوار على دير الزور” و”محاربة قوات حزب العمال الكردستاني/ قنديل”. مع ذلك بدا التناغم كبيراً، إلى حد التطابق، بين حملات كل من الفريقين. في الحين الذي بدأت فيه مجموعات مسلحة تابعة للمعارضة المسلحة الموجهة من تركيا (ضمنها مقاتلون تابعون لهيئة تحرير الشام/ جبهة النصرة سابقاً) بشن هجمات على كل من أرياف منبج وتل تمر وتل أبيض وعين عيسى والشهباء، كما وبدأت قوات الجيش التركي في شن عمليات التوغل والقصف العشوائي للمدن والقرى (أكثر من 36 هجوماً، حسب قوات سوريا الديمقراطية)، أوقعت عشرات القتلى والجرحى في صفوف المدنيين، بينهم أطفال.

سياسياً، دخل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، على الخط، وبدأ في تحريض مكونات الشعب السوري ضد بعضها البعض، مطالباً الولايات المتحدة الأميركية بوقف دعمها لقوات سوريا الديمقراطية، ومغادرة المنطقة. ولم ينسى أردوغان الحديث عن آبار النفط في دير الزور، والتي هي، حسب خطاب حزبه وخطاب شريكه في الحكم، جزء من “الميثاق الملي”، أي إنها ملك لتركيا، ويتم استغلالها حالياً من قبل الإدارة الذاتية الديمقراطية، دون وجه حق!.

لقد أراد كل من النظام ومن ورائه إيران، والدولة التركية وأتباعها في المعارضة، وحتى “جبهة النصرة”، الاستفادة من الأحداث في دير الزور، وتحقيق المكاسب والأهداف، والتي أهمها بالنسبة لهم، خلق صراع أهلي بين الكرد والعرب يتحول لحرب أهلية مدمرة، وإضعاف قوات سوريا الديمقراطية وتدمير الإدارة الذاتية، والسيطرة على دير الزور، وتحويل أهلها إلى رعايا منتزعي الحقوق والحرية والإرادة، كما هو الحال مع بقية السوريين في الداخل، وفي المناطق الشمالية المحتلة من تركيا.

واشنطن تتمسك بحليفها وتدخل على خط الحوار:

الموقف الأميركي كان إلى جانب قوات سوريا الديمقراطية في حملة التطهير ضد خلايا “داعش”، ومحاربة تجار المخدارات والخارجين على القانون، وكذلك محاسبة بعض القيادات المحلية والعناصر المتمردة. وقدم التحالف الدولي لمحاربة “داعش”، بقيادة الولايات المتحدة، مساعدات ميدانية ولوجستية لقوات سوريا الديمقراطية، وهو ما يشير إلى يقين التحالف من قانونية اجراءات قوات سوريا الديمقراطية وخلوها من أي انتهاك أو تجاوز بحق أهالي المنطقة، كما تدعّي قنوات النظام والمعارضة. كما نظمت الولايات المتحدة عدة اجتماعات بين قوات سوريا الديمقراطية ووجهاء من عشائر المنطقة، الذين رفضوا تدخلات النظام وإيران في شؤونهم، داعين قوات سوريا الديمقراطية والجانب الأميركي، لمواصلة دعمهم للمنطقة للحيلولة دون انتشار الفوضى تسفر عن الوقوع تحت النفود الايراني.

وكان إيثان غولدريتش نائب مساعد وزير الخارجية الأميركية، والجنرال جويل فويل قائد عملية “العزم الصلب” في قوات التحالف، قد عقدوا اجتماعاً يوم الأحد الماضي مع قيادة كل من قوات سوريا الديمقراطية ومجلس سوريا الديمقراطية ووجهاء من العشائر العربية في دير الزور، للاتفاق على احتواء التوتر، ومنع التصعيد والحيلولة دون حدوث مواجهات أهلية أو مناطقية. ونقل فرهاد شامي مدير المركز الإعلامي في قوات سوريا الديمقراطية لصحيفة الشرق الأوسط اللندنية، بأن الاجتماع كان إيجابياً، وأن قوات سوريا الديمقراطية وعشائر المنطقة في صف واحد ومتفقون على ضرورة تعزيز الأمن والاستقرار، موضحا بأن وجهاء العشائر العربية الكبيرة في المنطقة أبدت مواقفاً إيجابية في إفشال الفتنة، وعدم الإنجرار وراء دعاتها، وأكدت على ضرورة استمرار ملاحقة المجموعات الدخيلة والخارجين على القانون، وكل من يحمل مشاريع الفوضى والفتنة وأجندات ضرب الاستقرار.

وقالت مصادر بأن الولايات المتحدة الأميركية خلصت إلى بلورة موقف واضح من الأحداث في دير الزور، وأصبحت تمتلك تصوراً متكاملاً حول حقيقة الأمور، وهي تؤيد مساعي قوات سوريا الديمقراطية في ضبط الأمن ومحاسبة الفاسدين، مع التعهد برعاية أكبر للمنطقة، وتوسيع الإدارة المحلية فيها، ومنح المسؤولين والمشرفين فيها صلاحيات واسعة لرعاية وخدمة الأهالي ونشر الاستقرار والأمن.

قوات سوريا الديمقراطية تحسم الأمر والعشائر تنحاز لأبنائها:

على الصعيد الميداني أعلنت قوات سوريا الديمقراطية استعادة السيطرة على كل المناطق التي انتشر فيها المسلحون، وذلك بمؤازرة الأهالي والقيادات العشائرية الرافضة لمغامرة إبراهيم الهفل.

ونقلت مصادر محلية عن غضب الأهالي من آثار التخريب والنهب الممنهج الذي قامت به المجموعات المسلحة لمرافق المنطقة ومبانيها، حيث تعرضت مؤسسات ومحطات المياه والآليات العامة ومولدات الكهرباء وأجهزة الخدمة في المستوصفات والوحدات الزراعية للنهب والتخريب من قبل المسلحين، حتى أن مزار 700 من شهداء الشعيطات الذين قتلهم تنظيم “داعش” عام 2014، الكائن في منطقة هجين، لم يفلت من بين أيدي اللصوص المسلحين، الذين دنسوا النصب وفككوا النوافذ والأبواب وألواح الطاقة الشمسية وأجهزة المكيفات والسجاد وسرقوها.

مع انتهاء هذه العملية الأمنية بأقل الخسائر الممكنة، ازدادت القناعة لدى سكان المنطقة بضرورة سيادة القانون ومنع الميليشات الإيرانية والتركية من السيطرة على مناطقهم. لقد انحازت عشائر دير الزور إلى أبنائها المقاتلين في قوات سوريا الديمقراطية، من الذين قدموا أرواحهم وحاربوا بكل بسالة بغية تخليص أهلهم من المسلحين المرتزقة. لم تنجر العشائر العربية في دير الزور والحسكة والرقة إلى دعوات الفتنة والصراع الأهلي التي أطلقها مرتزقة النظام وايران، ومرتزقة الاحتلال التركي. وكان الجنرال مظلوم عبدي القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية قد أكد بعد لقائه وفداً يمثل العشائر العربية في الرقة، ضرورة التكاتف للحفاظ على المكتسبات، ورفض كل دعوات الفتنة والاقتتال الأهلي، وكلف عبدي شيوخ ووجهاء العشائر بالاتصال مع الشيخ إبراهيم الهفل، ودعوته للعودة إلى داره، موضحاً بأن قوات سوريا الديمقراطية، وفي إطار استراتيجيتها في توطيد التآخي الأهلي وإشاعة جو التسامح والتواصل المجتمعي، تعمل حالياً على إصدار عفو عن الموقوفين.

لقد اختارت العشائر العربية في كل من دير الزور والحسكة والرقة، الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية، التي تمثلهم وتضم أبناءهم، وتدافع عن حياتهم وأرضهم، وتضمن لهم حكمهم لمناطقهم، وعدم السماح للغرباء ولقوى الاحتلال الخارجي وأدواتها باحتلال تلك المناطق وتحويلهم إلى رعايا، ومعاملتهم معاملة المحتل الغاضب.

إن أبناء العشائر العربية في شمال شرق سوريا رفضوا ويرفضون التحول لبيادق لدى الميليشيات الإيرانية، أو “الجيش الوطني”، لكي ترسلهم تركيا إلى أذربيجان وليبيا. لقد اختارت العشائر العربية الأخوة التاريخية مع بقية المكونات والتعاون على أرضية المصير المشترك، الأمر الذي يضمن لهم الحرية والكرامة، ويتيح لهم إدارة مناطقهم وثرواتهم بأنفسهم. لقد رفضت العشائر العربية دعوات الفتنة والتحريض والفوضى والاقتتال الداخلي، مفضلة الاستقرار والأمن مع بقية شركائهم، ضمن تجربتهم الوطنية: الإدارة الذاتية الديمقراطية، وتحت حماية القوات الوطنية السورية التي تعكس هوية المنطقة وإرادة أهلها.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد