الشعوب الديمقراطي يختبر مصداقية الأحزاب المعارضة

فردا جتين

عقب إعلان حزب الشعوب الديمقراطي جملة من المبادئ المشروطة لتكون بمثابة الحدد الأدنى لأي تفاهم انتخابي مشترك مع الأحزاب المعارضة في البلاد، انصب جلى الاهتمام والنقاش على فقرة “المرحلة الانتقالية”. وقد قصد حزب الشعوب الديمقراطي من عبارة “المرحلة الانتقالية” بأن الظروف الحالية ليست عادية مطلقاً. حيث ميّز إعلان حزب الشعوب الديمقراطي بشكل واضح للغاية بين “التطبيع الأول، والمشكلات الأساسية”. إلاّ أنه ربط الحالة الأولى مع الثانية وذلك حينما شدد عبر ضرورة ” تغيير نظام الحكم الرئاسي الذي يهدف إلى مأسسة وإدامة التعسف والاستبداد، وهو بذلك المصدر الرئيسي للأزمة المركّبة والمأزق الذي نمر به، والهياكل التي تغذي هذا النظام” وهذه المقاربة تعتبر توصيفاً دقيقاً للمشكلة الأساسية.

ومن أبرز البنود التي أعلن عنها الحزب هي: حل القضية الكردية، وارساء النظام الديمقراطي التعددي، وإرادة الشعب، وتأسيس القضاء النزيه والمستقل، والحفاظ على البيئة، وانتهاج سياسة خارجية سلمية، واحترام حرية المرأة، وكتابة دستور ديمقراطي، كل هذا لن يكون ممكناً قبل التغلّب على المشكلة الأساسية، لأن هناك “نظام الرجل الواحد” الذي يحتكر ويدمر كل تلك الأمور. أن ما يسمّيه حزب الشعوب الديمقراطي “نظام الحكومة الرئاسية” هو حكومة حزب العدالة والتنمية / حزب الحركة القومية السارية في ظل دكتاتورية رجب طيب أردوغان. ليس سراً أن أردوغان هو الذي يؤسس التعسّف والطغيان.

الأولوية في بيان حزب الشعوب الديمقراطي هي الإطاحة بهذا الاستبداد. بهذه الإرادة، يحدد الحزب أيضاً الحد الأدنى المشترك لجميع الأحزاب والتشكيلات السياسية. فالأحزاب والمؤسسات والنقابات والجمعيات والتشكيلات التي تريد القضاء على هذا النظام الذي يجسّد الاستبداد والتعسف في رجل واحد، يجب أن تأخذ دعوة حزب الشعوب الديمقراطي على محمل الجد وتوضّح موقفها.

 وإذا تبنت تلك المؤسسات والاحزاب المعنيّة سياسة التسويف والمماطلة لحين موعد الانتخابات المحتملة دون الكشف عن آرائها ونواياها ومواقفها، على الرغم من هذه الدعوة الواضحة، فهذا يعني رغبتها في استمرار نظام طيب أردوغان لفترة أخرى. لذلك، فإن حزب الشعب الجمهوري وكليجدار أوغلو، اللذان يقومان بكل أنواع الحيل لعدم الظهور في نفس الإطار مع حزب الشعوب الديمقراطي في “المواقف الحساسة”، لكنهما يتذكران حزب الشعوب الديمقراطي وناخبيه عندما تبدأ معالم الانتخابات، لا يمكنهم متابعة اتّباع الحيل غير المجدية التي اتّبعوها في الانتخابات السابقة.

في الانتخابات القادمة، هل سيواصل حزب الشعب الجمهوري تأييد مواقف حكومة حزب العدالة والتنمية / حزب الحركة القومية بخلاف ما ورد في بنود إعلان حزب الشعوب الديمقراطي؟ ثم أن، ينبغي على ميرال أكشنر والحزب الجيد، الذين يعتبرون حزب الشعوب الديمقراطي وحزب العمال الكردستاني على محور واحد، أن يظهرا مدى معارضتهما لحزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية ومدى علاقتهما بهما.

في الوقت الذي يقوم فيه طيب أردوغان وحكومة حزب العدالة والتنمية/ حزب الحركة القومية باستعدادات جدّية للانتخابات، شنّ حزب الشعوب الديمقراطي حملة مناسبة وفي الوقت المناسب، ما أجبر أحزاب المعارضة الأخرى على اتخاذ موقف من دعوته.  فالإعلان هدفه الأساسي هو منع تكرار ما حدث في الانتخابات السابقة، من حيث خلق أمر واقع والدعوة إلى الانصياع له بحكم الإجبار.

ما يجعل البيان أكثر أهمية وقيمة لحزب الشعوب الديمقراطي وناخبيه هو أنّه يلغي المقاربات التي تعاملت مع الحزب كوسيلة وليس كشريك ضمن كتلة تحالفية في الانتخابات السابقة.

بهذا البيان، أعلن حزب الشعوب الديقمراطي أنه لا يدعم هذه الكتلة أو ذاك. ما يعني أن الأحزاب أو الكتل بات أمامها إما القبول بالسياسة التي طورها الحزب ووضع مبادئها أو أن تعارضها. حيث كشف دعوة الشعوب الديمقراطي، معياراً محورياً، عندما ركز على لب القضية  “سواء كان مرشح حزب الشعوب الديمقراطي أو مرشحًا آخر، نعتقد أنه من الضروري مناقشة المبادئ والأساليب بدلاً من الأسماء. ولأن التحول الديمقراطي لا يمكن أن يحدث من خلال الأفراد، وإنما من خلال التفاوض والاتفاق على المبادئ والأساليب”، وهو معياراً يقف بالضد السياسات التي تختزل الديمقراطية في الأسماء أو التمثيل.

ومع ذلك، لم يذكر الشعوب الديمقراطي شيئاً واحداً في هذا البيان، ففي الانتخابات الرئاسية المقبلة في تركيا، لن تكون أصوات حزب العدالة والتنمية، وحزب الشعب الجمهوري، وحزب الحركة القومية، ولا الحزب الجيد ، حاسمة. إذا اتفق حزب العدالة والتنمية وحزب الشعب الجمهوري على مرشح مشترك، يمكن لمرشحهم المشترك أن يفوز بالرئاسة. بخلاف ذلك، فإن العامل المحدد الوحيد هو حزب الشعوب الديمقراطي وناخبيه. وبالمحصلة، سيتم انتخاب من يدعمه حزب الشعوب الديمقراطي. فالقوة والمفتاح موجودان لدى الحزب، لذلك فإن الشعوب الديمقراطي ليس محكوماً بالتحالفات، بل التحالفات هي المحكومة به.

ولكن، عندما يتم انتخاب المرشّح المدعوم من قبل حزب الشعوب الديمقراطي، هل ستُحل جميع المشكلات؟ أجاب إعلان حزب الشعوب الديمقراطي على هذا السؤال ” نعتبر الانتخابات بداية جديدة وتطوراً يسمح بفتح طرق ديمقراطية لحل المشكلات”.

وعليه، لا يمكننا القول بإن الانتخابات والأصوات وصناديق الاقتراع والبرلمان وفصل السلطات والرئيس والعمدة ومجالس المدن، كلها ليست الديمقراطية بحد ذاتها، بل هي أدوات لإحلالها. فالنضال الحقيقي من أجل الديمقراطية هي عملية شاقة وصعبة، وتحديداً تبدأ بعد ترسيخ كل هذه المعايير.

المصدر: يني أوزغور بولتيكيا

ترجمة: المركز الكردي للدراسات

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد