أنقرة ومشروع «سوريا الجديدة»: السيطرة والتتريك والإلحاق
المركز الكردي للدراسات
تسابق الحكومة التركية الزمن للاستفادة من التغيير الذي حصل في سوريا في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024 والمتمثل في سقوط النظام السوري ووصول هيئة تحرير الشام والفصائل المتحالفة معها إلى السلطة في دمشق. ومع تلاشي النفوذين الإيراني والروسي، والانقسام العربي الواضح، ترى أنقرة بأن سوريا أصبحت ساحة نفوذ مفتوحة لها، وأن لها الحق في استلام أمرها سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً، والتحول لفلك تدور حوله أي حكومة وسلطة تتسلم الإدارة في دمشق.
تهدف أنقرة لتكون هي المتحكم وصاحبة الكلمة الفصل في الدولة الجارة. ومنذ الأيام الأولى لدخول قوات المعارضة دمشق، بعد فرار الرئيس السابق بشار الأسد وانهيار النظام ومؤسساته العسكرية والأمنية، بدأت الحكومة التركية في استيعاب الحدث الكبير ومحاولة التأقلم معها بشكل سريع ما أن لاحظت بأنها هي الجهة التي وقفت عملياً وراء دعم الفصائل المعارضة وغطت طويلاً على هيئة تحرير الشام وحكومتها في إدلب، حيث مازالت تحتفظ في تلك المحافظة بعشرات القواعد والنقاط العسكرية.
السيطرة على الاقتصاد السوري
أرسلت أنقرة وفوداً رسمية تمثلت في وزير الخارجية ورئيس هيئة الاستخبارات، وتحديداً وزير الخارجية هاكان فيدان الذي زار دمشق مرتين في غضون أيام واجتمع بأحمد الشرع (أبو محمد الجولاني) في القصر الجمهوري. جاء ذلك في وقت فتحت الحكومة التركية ملفات اقتصادية كثيرة وتحدثت عن مشاريع تخص إعادة إعمار سوريا، فضلاً عن إعادة بناء سكة قطار الحجاز الذي يربط السعودية بسوريا وتركيا وشق الطرق الحديثة بين المدن والحواضر السورية وتركيا وإقامة وترميم المطارات والموانئ والتنقيب عن الغاز والنفط ومد خطوطهما الدولية والإشراف على القطاع المالي والمصرفي السوري.
وسلطت الصحافة التركية الضوء على القطاعات الاقتصادية السورية التي ترغب تركيا في الاستثمار الطويل فيها، في ظل استراتيجية أنقرة المتمثلة في السيطرة على الاقتصاد السوري والتحول إلى لاعب رئيسي في مشاريع إعادة الإعمار (دعا فيدان المجتمع الدولي إلى رفع العقوبات عن سوريا). وتحدثت تقارير عن رغبة أنقرة في الاستحواذ على كل الصفقات المتعلقة بقطاع البناء، ومنها بناء وترميم الطرق وشبكات الاتصالات والمياه والكهرباء ومحطات الطاقة. وكانت تركيا صدرت إلى سوريا في عام 2023 بضائع وسلع بقيمة 2 مليار دولار. وتعتمد سوريا بشكل رئيسي على تركيا في تلبية احتياجاتها من السلع والمنتجات المختلفة، بدءاً من المواد الغذائية ووصولاً إلى مواد البناء وقطع الغيار والتشغيل.
وكان وزير النقل والبنية التحتية التركي عبد القادر أورال أوغلو صرح بأن بلاده تهدف إلى التوصل لاتفاق مع دمشق على ترسيم الحدود البحرية في البحر الأبيض المتوسط. وتتطلع تركيا إلى استغلال الأوضاع المضطربة في سوريا وحالة اللااستقرار في تمرير اتفاق يلزم سوريا بالتخلي عن سيادتها على أجزاء كبيرة من شواطئها لصالح تركيا، وبالتالي ضياع احتياطات الغاز الكبيرة التي اكتشفت منذ 2010. وكان مسح جيولوجي أميركي جرى في نفس العام في منطقة حوض الشام من البحر الأبيض المتوسط، التي تطل عليها كل من مصر ولبنان وسوريا وإسرائيل وتركيا، قدّر وجود 3450 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي و1,7 مليار برميل نفط، وهو ما زاد اهتمام تركيا بالتوسع في أعمال التنقيب والاكتشاف خارج مياهها الإقليمية، وهو ما لاقى رفضاً قاطعاً من اليونان وقبرص وإسرائيل ومصر. وصرحت الحكومة اليونانية أن تركيا لا يحق لها إبرام اتفاقيات صحيحة من الناحية القانونية مع السلطة الانتقالية في دمشق، وأن أي اتفاق يظهر الآن يعد مطعوناً في شرعيته، مشيرة إلى نوايا تركيا في تقويض الحقوق السيادية البحرية لليونان والتعدي على المياه الوطنية في كل من جزر كريت وقبرص. وسارعت إسرائيل واليونان في 23 ديسمبر/كانون الأول 2024 إلى توقيع اتفاق لمد «الخط الأخضر» وهو عبارة عن خطوط كهرباء توتر عالي تحت البحر ستعتبر الأطول في العالم، تنطلق من إسرائيل إلى قبرص فاليونان، فبقية دول الإتحاد الأوروبي.
ويرى متابعون للسياسة التركية في الشرق الأوسط، وملف التدخل العسكري ومد النفوذ في العديد من البلدان التي شهدت حروباً أهلية وتصدعات داخلية، أن أنقرة تحاول الاستفادة من التغيير في دمشق واقتناص فرصة وجود حلفائها في الحكم بهدف تمرير اتفاقيات اقتصادية تمنحها مزايا كبيرة ومكاسب لا يمكن تعويضها. وهي هنا تحاول تكرار ما فعلته عام 2019 عندما وقت اتفاقاً بشأن التنقيب عن النفط والغاز مع «الحكومة الوطنية الليبية» برئاسة الإسلامي عبد الحميد الدبيبة، التي تسيطر على جزء من ليبيا. ومنحت تلك الاتفاقية تركيا حق التنقيب في «الساحل المشترك» على مساحة تزيد عن 7500 كيلومتر مربع، على حساب قبرص اليونانية، أي بزيادة 20% من المساحة البحرية التي عرضتها عليها اليونان. وسبق لتركيا أن رفضت التوقيع على اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982، والتي تعد المرجعية القانونية الدولية الرئيسية في ترسيم الحدود البحرية، وهي الاتفاقية التي تمنح الجزر اليونانية الحق في مناطق اقتصادية كاملة، مثلها مثل الدول تماماً، والتنقيب عن النفط والغاز في المياه الوطنية، بما في ذلك الجزر أو الكتل الصخرية غير المأهولة التي تبعد كيلومترات قليلة عن الشواطئ التركية ومئات الكيلومترات عن الشواطئ اليونانية.
كما عادت تركيا إلى الحديث عن العمل في خط الغاز القطري، والذي سيمتد من قطر عبر السعودية والأردن وسوريا إلى تركيا والدول الأوروبية. وتقول أنقرة إن هذا الخط قادر على تعويض السوق الأوروبية عن الغاز الروسي. لكن جورج تسيخمان، الباحث في معهد «بوركيل» للدراسات في بروكسل، تحدث عن عدم وجود رغبة أوروبية قوية في مشروع مد خط الغاز القطري بسبب وجود خطط طموحة لدى الاتحاد الأوروبي تذهب في التخلي نهائياً عن الغاز بحلول عام 2050 والاعتماد الكامل والكلي على الطاقة المتجددة. وقال تسيخمان لصحيفة «هاندلس بلات» الألمانية المختصة بشؤون الاقتصاد إن أوروبا ستبدأ اعتباراً من العام 2030 في رفض المساهمة المالية في خطوط إمداد الغاز الطبيعي والتركيز على تطوير وتوسيع قطاعات الطاقة المتجددة.
تتريك وقواعد عسكرية
تدخلت الدولة التركية عسكرياً في سوريا بعد تسليح الاحتجاجات الشعبية التي طالبت بالتغيير وظهور المجموعات المسلحة التي دخلت في صراع مع الجيش السوري النظامي اعتباراً من العام 2012. وقبل ذلك، احتضنت أنقرة المعارضة السورية وساهمت في توحيد قواها وتفعيل دور جماعة الإخوان المسلمين والمجموعات الإسلامية والجهادية والقومية التي تبنت الرؤى التركية لسوريا المستقبل، حيث لا اعتراف بالهوية القومية الكردية ورفض واضح لكل أشكال الإدارة اللامركزية.
وشنت الدولة التركية ثلاث عمليات احتلالية للأراضي السورية، رافقتها عمليات تطهير عرقي وتهجير سكاني بحق المكون الكردي. وسميّت عملية الاحتلال الأولى «درع الفرات»، قالت تركيا إنها استهدفت من خلالها تنظيم داعش، وأسفرت عن احتلالها لمناطق جرابلس واعزاز والباب في ريف حلب الشمالي (أغسطس/آب 2016 ــ مارس/آذار 2017). بينما وقع الاحتلال الثاني في عملية حملت اسم «غصن الزيتون» واستهدفت مقاطعة عفرين (يناير/كانون الثاني ــ مارس/آذار 2018). أما العملية الثالثة، فسميت «نبع السلام» في 9 أكتوبر/تشرين الأول 2019 واحتلت فيها تركيا منطقتي رأس العين/سري كانيه وتل أبيض/كري سبي، بمعية فصائل ضمن ما يسمى «الجيش الوطني»، وهو إطار أنشأته تركيا عام 2017 لتوحيد ميليشيات المعارضة المسلحة واستخدامها ضد الشعب الكردي والإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا. وهجّرت تركيا مئات الآلاف من المواطنين الكرد من تلك المناطق، وأحلت مكانهم مستوطنين جلبتهم من المناطق الداخلية السورية وأسكنتهم في منازل ودور الكرد. كما وزعت بساتين وأراضي الكرد على زعماء الفصائل المسلحة وقادة ميدانيين فيها.
كما أعملت سلطات الاحتلال التركي سياسات التتريك الممنهج في المناطق التي احتلتها في العمليات العسكرية الثلاث، ولجأت إلى تغيير السجل المدني للسكان الأصليين وسحبها البطاقة الشخصية والعائلية السورية من القاطنين في تلك المناطق واستبدالها بأخرى تركية، إضافةً إلى فرض التعامل باللغة والليرة التركيتين وربط خدمات الصحة والتعليم والبريد والصرافة والكهرباء والمياه والهاتف بالمناطق التركية المتاخمة. كما تم استبدال مناهج التعليم والدارسة السورية بمناهج تركية في المدارس. وافتتحت السلطات التركية فروعاً لبعض الجامعات التركية، مثل جامعة «حران» في أورفة/ روها في شمال سوريا. والواضح من خلال فرض نظام التعليم باللغة التركية أن الهدف هو خلق جيل منتم فكرياً وهوياتياً للثقافة التركية. كما تركز السلطات التركية على الرموز القومية التركية وترفع العلم التركي وصور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان فوق المدارس والمستشفيات وجميع المراكز والمؤسسات والساحات. كما عينت الحكومة التركية حاكم واحد لإدارة المناطق المحتلة في شمال سوريا بدلاً من سبعة ولاة كانت عينتهم هناك بهدف التنسيق، وهو ما يعني «توحيد» هذه المناطق السورية المحتلة إدارياً وربطها بتركيا. (انظر: الاحتلال التركي لسره كانيه/ رأس العين وتل أبيض: ترسيخ التطهير العرقي وتمرير واقع التتريك. المركز الكردي للدراسات 29 أكتوبر/تشرين الأول 2023).
وفي 30 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، أوعزت تركيا لفصائل الجيش الوطني بشن عملية عسكرية أطلقت عليها أسم «فجر الحرية» بهدف احتلال مناطق تسطير عليها قوات سوريا الديمقراطية. وأسفرت هذه العملية، التي نفذت بدعم وإسناد من الجيش التركي، عن احتلال كل من مناطق الشهباء وتل رفعت ومنبج وارتكاب المسلحين الموالين لأنقرة انتهاكات وجرائم بحق المدنيين الكرد والأهالي ممن تم اتهامهم بالتعاون مع مؤسسات الإدارة الذاتية. ومن نتائج هذه العملية، تهجير عشرات الآلاف من المهجرين الكرد من أبناء مقاطعة عفرين، ممن كانوا في مخيمات الشهباء، إلى مناطق في الرقة والحسكة. وشهدت عمليات النزوح انتهاكات وأعمال سلب ونهب ارتكبها مسلحو «الجيش الوطني» بحق المهجرين الكرد. وماتزال الفصائل الموالية لأنقرة تشن هجمات كبيرة بغية السيطرة على سد تشرين وجسر قره قوزات، بينما تواصل تركيا تحشيد قواتها مهددة بشن عملية عسكرية كبيرة لاحتلال مدينة كوباني والقرى المحيطة بها.
وفي إدلب، حيث تسيطر «حكومة الإنقاذ» التابعة لهيئة تحرير الشام، تمتلك الدولة التركية عشرات القواعد العسكرية المزودة بمئات الجنود وآليات ثقيلة وأجهزة رصد واتصالات متقدمة، فضلاّ عن عشرات النقاط العسكرية الأخرى. وساهمت الاتفاقيات بين تركيا وروسيا وظهور مناطق خفض التصعيد شمال غربي البلاد، ضمن مسار آستانة، في منح تركيا الضوء الأخضر في نشر القواعد العسكرية في مناطق عديدة من محافظة إدلب السورية. وبحسب تقرير للمرصد السوري لحقوق الإنسان، تنتشر في مناطق خفض التصعيد سبعة ألوية عسكرية للقوات التركية موزعة على 49 قاعدة عسكرية رئيسية، بواقع 13 قاعدة في ريف حلب الغربي و30 قاعدة في ريف إدلب، منها 11 في ريف إدلب الشرقي و13 في ريف إدلب الجنوبي وست نقاط في ريف إدلب الغربي وثلاث قواعد في ريف حماة وثلاث في ريف اللاذقية. وترتبط بتلك القواعد عشرات النقاط العسكرية، التي تحيط بالقواعد الرئيسية، لتأمين الدعم اللوجستي للقوات التركية، ويتألف كل لواء مقاتل من 1500 جندي. أي أن العدد الكامل للقوات التركية في تلك المناطق يصل إلى 10 آلاف و500 جندي بكامل عتادهم. وأشار التقرير إلى أن كل قاعدة عسكرية تحوي عشرات الجنود، وقد يصل العدد إلى المئات، باختصاصات مختلفة (هندسة، قوات خاصة، مدفعية وصواريخ، اتصالات وإشارة)، مدعومة بقطع مدفعية ودبابات ومدرعات ومضادات طيران وكاسحات ألغام، إضافة إلى أجهزة اتصالات عسكرية وأبراج للهواتف النقالة للشبكات التركية. وتدعم القوات التركية قواعدها في تلك المناطق بـ200 دبابة و400 عربة مدرعة و800 ناقلة جند مصفحة، إضافةً إلى عشرات الشاحنات وسيارات الدفع الرباعي. وبحسب التقرير، تتمركز غالبية القوات التركية جنوب طريق حلب- اللاذقية الدولي «إم 4» بنحو 25 قاعدة عسكرية. أي أن أكثر من نصف القواعد العسكرية التركية ينتشر بمحاذاة وجنوب الطريق (انظر: تركيا تثبت وجودها في سوريا بـ10 آلاف جندي وعشرات القواعد العسكرية، صحيفة الشرق الأوسط 3 فبراير/شباط 2023).
ومؤخراً وبعد انهيار النظام السوري وتسلم هيئة تحرير الشام السلطة في دمشق بشكل عملي، بدأت الحكومة التركية بشكل سريع في إجراء عملية تموضع جديدة وإعادة انتشار عسكري لها في سوريا، بما في ذلك الحديث عن إنشاء قواعد عسكرية في الداخل السوري. وظهر الحديث عن مدن حماة وحمص وحتى العاصمة دمشق. وكان وزير الدفاع التركي يشار غولر لفت في حديث مع صحافيين في 15 ديسمبر/كانون الأول 2024 إلى مساعي أنقرة في عقد اتفاقية شاملة للتدريب العسكري والتعاون الدفاعي مع سوريا. وبالتالي، تولي تركيا ملف الإشراف على تشكيل الجيش السوري الجديد. وتتولى الاستخبارات التركية ملف الاتصال مع السلطة الجديدة في دمشق، من جهة التعاون الأمني والإشراف على بناء قطاعات الجيش والأجهزة الأمنية التي تهدف دمشق إلى تشكيلها أو إعادة هيكلتها. وتتحدث مصادر عن فرز وزارة الدفاع التركية لمستشارين يعملون خلف الكواليس لمساعدة الحكومة السورية المؤقتة في إدارة العمليات الحكومية وإعادة بناء المؤسسات وتعزيز الحكم، وأيضاً للإشراف على دمج الفصائل في الجيش السوري الجديد، من ضمنها فصائل «الجيش الوطني» ومجموعات أخرى مثل هيئة تحرير الشام وفصائل إسلامية أخرى ما زالت ترفض حل نفسها. وبحسب الصحافي التركي سنان برهان، فإن الحكومة التركية ستنشئ قاعدة عسكرية في دمشق وأخرى بحرية في طرطوس.
الخلاصة
تسعى تركيا إلى التحول للدولة الوصي على سوريا الجديدة ورعاية النظام الجديد والتأثير فيه وتحريكه بحسب المصالح التركية العليا. وتشمل الوصاية التركية الجوانب العسكرية والاقتصادية بشكل خاص، عدا عن الجوانب الاجتماعية والثقافية، وتفعيل دور «القوة الناعمة» في التغلغل داخل المجتمعات السورية وداخل القوى السياسية والفصائل المسلحة المختلفة. تريد أنقرة سوريا الجديدة ملحقاً لها وسوقاً جديدة. وليس من المستبعد أن تنشأ الحكومة التركية وزارة جديدة تسميها «وزارة شؤون سوريا». ويمكن تثبيت النقاط التالية كخلاصة:
أولاً: ترى تركيا أنها هي من دعمت المعارضة السورية المسلحة لسنوات طويلة وحمتها واحتضنت ملايين السوريين، وهي من أشرفت على العملية العسكرية الأخيرة «ردع العدوان». وبالتالي، هي صاحبة الفضل في الانتصار العسكري وانهيار النظام السوري وهروب الأسد. ومن هنا، من تسلم السلطة في دمشق هم حلفاء أنقرة وما كانوا ليكونوا في السلطة لولا الدعم والإسناد التركي. وعليه، يجب أن تحظى أنقرة بالمكانة الأولى لدى سوريا الجديدة. وظهر ذلك من خلال زيارات وزير الخارجية ورئيس الاستخبارات لدمشق واللقاءات مع الشرع وأركان الحكومة المؤقتة والمظاهر والدلالات الاحتفالية التي رافقت تلك الزيارات.
ثانياً: سارعت الحكومة التركية إلى الحديث عن اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع الحكومة المؤقتة، استباقاً لأي تطور ليس في الحسبان. وستضمن هذه الاتفاقية لتركيا حقوقاً وامتيازات من جهة التنقيب عن الغاز والنفط لم تكن لتحلم بها قبل التغيير الأخير في دمشق، وموقفاً أقوى تجاه المنافسين لها في المجال البحري وهم اليونان وقبرص وإسرائيل ومصر. وكذلك، إقامة قواعد عسكرية استراتيجية في حماة وحمص ودمشق والإشراف على إعادة بناء الجيش السوري والأجهزة الأمنية، وبالتالي تمرير الرؤى والعقيدة العسكرية التركية إلى داخل المؤسسات السيادية السورية. وهنا، تريد تركيا تجاوز دوري إيران وروسيا والإحلال مكانهما، أي بكلام آخر بناء دولة داخل الدولة تكون قادرة من خلالها على التحكم في سوريا الجديدة.
ثالثاً: تحويل سوريا إلى ممر لخطوط الغاز وطرق التجارة الدولية، على أن تنتهي هذه الخطوط في الموانئ والمطارات التركية وتستفيد منها تركيا بشكل رئيسي وتأخذ حصة الأسد لنفسها. ويدور الحديث حالياً حول أنبوب الغاز القطري وطريق التنمية القادم من الخليج والعراق.
رابعاً: ترسيخ تركيا لواقع التتريك في المناطق التي احتلتها منذ عام 2016 وبنت فيها حكومة مؤقتة وفرض «الجيش الوطني» التابع لها على السلطة الجديدة في دمشق ونشر المراكز الثقافية التركية وفتح فروع للجامعات والمعاهد التركية في سوريا، وبالتالي التغلغل الثقافي والاستفادة من الكوادر السورية التي درست في تركيا أو في المناطق التي سيطرت عليها أنقرة في العمليات العسكرية الثلاث التي شنتها أعوام 2016 و2018 و2019.
خامساً: الحيلولة دون قبول دمشق الاعتراف بالإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا وبقوات سوريا الديمقراطية، وبالتالي المضي قدماً في الموقف العدائي لهما وعدم إشراك الكرد في الحكم ورفض الاعتراف الدستوري بالقومية الكردية في سوريا. تريد أنقرة ألا يكون للكرد أي دور في سوريا الجديدة، وهي تستمر في تحريض السلطة في دمشق والضغط عليها لدفعها إلى محاربة الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية.