مارك بيريني وفرانسيسكو سيكاردي
سواء في الجولة الأولى في 14 مايو/أيار أو في الثانية في 28 من الشهر ذاته، ستجري الانتخابات الرئاسية التركية في نهاية المطاف بين الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان وزعيم المعارضة كمال كليجدار أوغلو. إذا فاز أردوغان بولايةٍ ثالثة مدتها خمسة أعوام، سيكون المستقبل في تلك السنوات متوقعاً إلى حد كبير. على الرغم من أن القيادة التركية قد تخفف من حدة خطابها الداخلي، إلا أن التوترات بشأن توجه السياسة الخارجية لتركيا وتراجع الديمقراطية وقمع الحريات الديمقراطية ستظل عقبةً أمام أي إصلاحات، ما ينعكس على شركاء تركيا الغربيين الذي سيضطرون على التعامل مع حليفهم في حلف الناتو بوضعٍ غير مريح. لكن إذا فاز مرشح المعارضة، سيحتاج القادة الغربيون إلى مواجهة تحديات أيضاً. وعلى الرغم من أن أنقرة ستتحرك على الفور لتطبيع علاقتها مع الحلف، إلا أن بعض الخلافات سيكون من الصعب حلّها، أبرزها ملف قبرص وسوريا. لكن على صعيد آخر، ستتم إعادة سيادة القانون وتحسين العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، خاصةً فيما يتعلق بالأمن والدفاع. إذا التزم كيلجدار أوغلو بما أعلن عنه بأنه سيلعب دوراً أكثر إيجابية داخل حلف الناتو مع الحفاظ على علاقاتٍ اقتصادية قوية مع روسيا، فإن التداعيات الاستراتيجية لذلك ستكون بالغة الأهمية.
أولاً، قد تبذل تركيا جهوداً لمنع روسيا من التملص من العقوبات الغربية في عددٍ من القطاعات. ثانياً، قد تنهي أنقرة على الفور معارضتها لانضمام السويد إلى الحلف، وقد تقرر الانخراط العسكري في عمليات إعادة الطمأنينة لحلف الناتو من إستونيا إلى رومانيا. رابعاً، قد تفكر في إنهاء وجود بطاريات صواريخ «S-400» على الأراضي التركية التي اشترتها من روسيا عام 2019. وخامساً، نتيجة للخطوة السابقة، قد تشارك تركيا في مناقشات مع «الناتو» بشأن الحصول أو تطوير هيكل دفاعٍ صاروخي متوافق مع الحلف، وهذا من شأنه تسهيل تحديث أسطول مقاتلات القوات الجوية التركية.
وقد يكون هناك مناقشات بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وحلف الناتو بما يخدم أمن القارة الأوروبية، كما أنهم سيغيرون بشكلٍ جذري النظرة السياسية تجاه تركيا. وعلى العكس من ذلك، ستقاوم روسيا كل خطوةٍ من هذه التحركات، الأمر الذي من شأنه أن يولّد ضغوطاتٍ على تركيا باستخدام وسائل مختلفة، منها إمدادات الغاز والنقل، ومحطة الكهرباء التي تعمل بالطاقة النووية التي بنتها شركة «روساتوم» الروسية، إضافةً إلى تدفقات السياح الروس الذين يؤثرون على الاقتصاد التركي.
بالنسبة إلى العلاقات مع سوريا، سيكون للقيادة التركية الجديدة هدفان واضحان: المصالحة مع الرئيس السوري بشار الأسد وإعادة اللاجئين السوريين إلى وطنهم. ستكون النتيجة المباشرة للتطبيع التركي السوري زيادة صعوبة التحالف المناهض لتنظيم داعش، إذ سيكون وجود الولايات المتحدة والقوات المتحالفة في سوريا (الكرد) موضع خلاف.
في الوقت نفسه، من أجل المضي قدماً نحو التطبيع، ستتعرض أنقرة لضغوطاتٍ فورية من دمشق وموسكو لسحب قواتها من المناطق الأربع التي تنتشر فيها حالياً: إدلب وعفرين وجرابلس والمنطقة الواقعة بين تل أبيض ورأس العين (سري كانيه).
بالإضافة إلى ذلك، فإن السياسة التي تهدف إلى إعادة اللاجئين السوريين إلى وطنهم من شأنها أن تثير مسألة عدم وجود أي إطار قانوني متفق عليه دولياً لمثل هذا النقل الهائل للسكان. وهذا بدوره، سيكون له تأثيرٌ على اتفاقية اللاجئين الخاصة بالاتحاد الأوروبي مع تركيا. في الوقت ذاته، ستنأى أنقرة بنفسها عن سياسة الغرب المتمثلة في عدم التعامل مع الرئيس السوري.
كذلك ستكون قبرص نقطة خلافٍ أخرى، خاصةً مع الاتحاد الأوروبي. وبصرف النظر عما إذا كانت القيادة الجديدة في تركيا ستفضّل الخيار الحالي لحل الدولتين، فإن أي نقاشٍ حول تسويةٍ قبرصية شاملة سيظل صعباً. إذ ستظل قضايا مثل وضع المجتمع الناطق باللغة التركية والتنقيب في البحر وعواقب عدم اعتراف تركيا بجمهورية قبرص صعبة للغاية.
في هذا السياق، لن تتلاشى الاختلافات في السياسة الخارجية مع انتخاب كيلجدار أوغلو. لكن في ضوء التفاعل بين المعارضة التركية (الطاولة السداسية) وبين الغرب، ظهر عنصرٌ مهم وهو إعادة الحوار المهني بين أنقرة والعواصم الغربية. وسيشكّل ذلك مصدر ارتياحٍ لبرلين وبروكسل ولندن وباريس وواشنطن.
بعيداً عن القضايا الأمنية، سيكون هناك تحسنٌ كبير يتمثل في العودة التدريجية إلى بنية سيادة القانون، أقرب إلى المعايير الغربية. كما سيتم إطلاق سراح عدد من السجناء السياسيين من دون تأخير، وإطلاق إصلاحات تتعلق بالقضاء والإعلام والمجتمع المدني، كما ستبدأ العودة إلى النظام البرلماني.
في الواقع، إذا حصلت جميع هذه الأمور، سيشعر المواطنون والقوى العاملة في تركيا بالراحة والحرية. كذلك، ستتوفر بيئةُ خصبة للتجارة والاستثمارات. إن من شأن إدخال سياسة اقتصادية أكثر مرونة، خاصةً في المجال النقدي، أن يساهم بشكلٍ كبير في زيادة ثقة المستثمرين الغربيين. كما ستتم إعادة إطلاق الحوار مع الاتحاد الأوروبي، على وجه التحديد، وإعادة النظر في العلاقة بين الجانبين بأكملها.
يواجه السيناريو أعلاه عدداً من العقبات، منها مرونة القيادة الحالية، والخلافات المحتملة داخل الائتلاف المعارض، وإمكانية التعايش بين رئيسٍ جديد وبرلمانٍ معلّق، والاعتراضات المتوقعة من روسيا، والمشاعر المعادية للغرب أو المعادية لأوروبا داخل تركيا، وعدم وجود إجماعٍ بين العواصم الأوروبية على كيفية التعامل مع القيادة الجديدة في أنقرة.
هذه أسباب مقنعة للقادة الغربيين، خاصةً في أوروبا، للتحضير لفرضية ذلك التغيير السياسي.
المصدر:كارنيغي