العقوبات على النظام الإيراني ليست الخيار الأمثل لدعم التغيير

إسفنديار باتمان جليج

شكلت وفاة مهسا أميني البالغة من العمر 22 عاماً في سبتمبر/أيلول 2022 والتي جاءت بعد اعتقالها وتعرضها للضرب على يد شرطة الآداب، لحظةً محورية للشعب الإيراني دفعت الإيرانيين إلى التظاهر في جميع أنحاء البلاد. كشفت التظاهرات شجاعة خاصة لدى النساء الإيرانيات، وتضامناً ظهر على الرغم من الاختلافات الطبقية والعرقية. في الأسابيع الأولى، تسبب المتظاهرون في ازدحام حركة المرور وإغلاق حرم الجامعات في عشرات المدن.
اليوم بعد أكثر من سبعة شهور على الاحتجاجات، لا يزال النظام الإيراني قائماً. على الرغم من تاريخ إيران المليء بالحركات الاحتجاجية الجماهيرية الغاضبة من السلطة، ظلت التظاهرات صغيرة ومتفرقة. كان يجب على كل أولئك الذين يؤمنون بالحاجة إلى تغييرٍ سياسي جوهري في إيران أن يستغلوا رغبة الشعب الإيراني بتغيير السلطة في البلاد، في وقتٍ لم تضاهي الاحتجاجات الإيرانية في الأعوام الأخيرة حجم الحركة الخضراء عام 2009 التي دفعت ملايين الإيرانيين إلى الشوارع.
قمعت القوات الإيرانية الاحتجاجات الأخيرة بعنف، إذ قُتل أكثر من 500 متظاهر على أيدي قوات الأمن. لكن هذه ليست المرة الأولى، فقد واجه المتظاهرون الإيرانيون وحشية قوات الأمن من قبل، ما يشير إلى أن العامل الأكثر أهمية هو الأزمة الاقتصادية المستمرة في إيران، والتي أدت إلى ارتفاع معدل التضخم وضعف الانتاج الاقتصادي بين عامي 2010 و2020. وارتفعت نسبة المواطنين الذي يعيشون تحت خط الفقر من 10 في المئة إلى 30 في المئة. أدت سنوات العقوبات الطويلة والخانقة إلى تفاقم سوء الإدارة الحكومية المحلية وجعلت معظم الإيرانيين في حالة فقر وغير قادرين على تأمين مستلزماتهم الأساسية.
على الرغم من أن الإضرابات الواسعة هي واحدة من أقوى أشكال الاحتجاج، إلا أنها لم تنطلق بعد وفاة أميني والتي تزامنت مع الدعوات المستمرة للعمال للتوقف عن عملهم، لأن الكثير من الناس، خاصةً الطبقة العاملة، لا يستطيعون ببساطة التخلي عن رواتبهم أو المخاطرة بفقدان وظائفهم. كتب أحد النشطاء الإيرانيين: «يدرك المشاركون أن التظاهرات لن تقدم لهم المال وبالتالي سيصبحون غير قادرين على تدبر معيشتهم، بالإضافة إلى فقدان الوظيفة الحكومية التي يعملون بها». وقال طالب إيراني لصحيفة «وول ستريت جورنال»: «كثير من الناس يقولون إنهم إذا قُتلوا في الاحتجاجات، فإن أسرهم ستموت من الجوع».
منذ بدء التظاهرات، دعا قادة بارزون في المعارضة الإيرانية الدول الغربية إلى الإبقاء على العقوبات الصارمة ضد طهران أو حتى تشديدها، بسبب قمع الحكومة الشرس ومبيعات الطائرات من دون طيار لروسيا لاستخدامها في حربها بأوكرانيا، فضلاً عن التعنت المستمر في المفاوضات النووية. يقول المؤيدون للعقوبات بأنه إذا ضغط الغرب بقوة كافية، فقد تنهار الحكومة. لكن المعارضة الإيرانية في الخارج فشلت في تقديرها لهذا الضغط الغربي على استمرار الاحتجاجات في البلاد، خاصةً أن الوضع الاقتصادي السيء يؤثر على قدرة الإيرانيين في العمل والاهتمام بالقضايا السياسية.
ستظل العقوبات محور السياسة الغربية تجاه إيران. لذلك، يجب على الناشطين الإيرانيين في الداخل والخارج العمل على اقتراح عقوباتٍ أقل تأثيراً على الشعب الإيراني بهدف استعادة القدرة على المشاركة السياسية. أيضاً، يجب على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إعادة تنظيم قيودهما الحالية التي تمنع الإيرانيين من تلقي التحويلات وتمنع الشركات الغربية من توظيف موظفين إيرانيين مستقلين وتجعل من المستحيل على أي شخص، باستثناء المواطنين الإيرانيين الأغنياء، تخزين أموالهم في الخارج. إن فتح قنوات مالية جديدة مع إبقاء قنوات أخرى مغلقة من شأنه أن يسمح لصانعي السياسة الغربيين بتجاوز نموذج الضغط الفاشل واعتماد نوعٍ من الضغط المدروس الذي يؤثر على السلطة في البلاد ولا يؤثر على الشعب الإيراني.

ما الذي يحتاجه الشعب؟

في بحث علمي عام 1977، جادل عالما الاجتماع جون مكارثي وماير زالد بأن «الموارد ضرورية للانخراط في الصراع الاجتماعي ويجب تجميعها لغرض جماعي إذا أريد لأي حركة أن تنجح». من وجهة نظرهما، يجب أن يكون المشاركون في الحركة يملكون القدرة على توفير المال والوقت للقضية. وكلما زادت الموارد التي يمكنهم الاعتماد عليها، زاد احتمال أن تتمكن الحركة الاجتماعية من تطوير المنظمات الرسمية اللازمة لتحقيق الهدف.
دعمت كافة التجارب التي مرت بها إيران هذه النظرية، فالحركة الخضراء عام 2009 ساعدت بنجاحٍ في الضغط على الثيوقراطيين بالسماح للإيرانيين بانتخاب رئيسٍ إصلاحي. بالمقابل، لم يكن بإمكان الطبقة العاملة سوى لعب دور صغير في تلك الاحتجاجات. كما وجد عالم الأنثروبولوجيا شهرام خسروي أن العديد من العمال الإيرانيين رفض المشاركة في الحركة لأنهم كانوا قلقين من أن تكلفهم وظائفهم أو تؤثر على معيشتهم. توصلت المؤرخة السياسية ستيلا مورجانا إلى نفس النتيجة في دراستها للنشاط العمالي في إيران.
في هذا الإطار، لا يمكن أن نتوقع من الحكومات الغربية أن تُخرج الإيرانيين من براثن الفقر. ولكن أن تساعد الأسر في تأمين سبل عيشها بطرق تمكنها من المشاركة السياسية. قد يكون القيام بذلك ضرورياً، لا سيماوأن العقوبات الغربية هي سبب المشاكل الاقتصادية في إيران.
لتطبيق ذلك، يجب على الولايات المتحدة وأوروبا أن تُسهّل على الإيرانيين في الخارج إرسال تحويلاتٍ مالية إلى عائلاتهم في إيران، في وقتٍ تمنع العقوبات المالية الأشخاص من إجراء تحويلاتٍ دولية إلى المصارف الإيرانية، حيث لا تعمل خدمات المال العالمية مثل Western Union في البلاد. نتيجة لذلك، عندما يريد المغتربون إرسال أموالٍ إلى إيران، يتوجب عليهم إما المرور عبر مكاتب صرافة غير موثوقة يُحظر على المواطنين الأميركيين استخدامها أو الذهاب إلى إيران وإعطاء أفراد عائلاتهم المال بشكلٍ مباشر، الأمر الذي يعتبر مكلفاً جداً. لذلك، ليس من المستغرب أن تكون التحويلات إلى إيران أقل بكثير من التحويلات إلى الدول المماثلة، وفقاً لتقديرات البنك الدولي. على سبيل المثال في عام 2021، بلغ إجمالي التحويلات 1.3 مليار دولار أي حوالى 50 دولاراً فقط لكل عاملٍ إيراني. بالمقابل، بلغ إجمالي التحويلات إلى مصر 31.5 مليار دولار، أي أكثر من 1000 دولار لكل عاملٍ مصري.

الالتفاف على العقوبات

يجب على الولايات المتحدة إصدار إعفاءات تسمح للأميركيين استخدام شركات خدمات الأموال غير الأميركية لإرسال الأموال إلى الإيرانيين. بالإضافة إلى ذلك، فإن المزيد من التشدد الغربي من شأنه أن يحفّز شركات القطاع الخاص على ابتكار طرقٍ لإدخال التحويلات إلى إيران، الأمر الذي يساعد الإيرانيين على مواجهة الوضع الاقتصادي الخانق في البلاد، كما يمكن أن يمنح الناس الدعم المالي الذي يحتاجونه للانضمام إلى الاحتجاجات، والسعي للعمل الجاد على تغيير النظام في البلاد.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن للحكومات الغربية مساعدة النشطاء الإيرانيين من خلال تمكين الشباب في المدن من خلال إعطائهم فرصٍ للعمل عن بعد. تفيد سياسات كهذه بشكلٍ كبير تلك الأماكن من البلاد التي عادةً ما تكون على درجةٍ عالية من التعليم والمهارة في مجالاتٍ مثل التصميم والهندسة وتحرير الوسائط المتعددة وتطوير البرمجيات. انتشرت تغريدة بسرعة كبيرة مؤخراً لمصممة غرافيك إيرانية شابة لمهاراتها في إنشاء سيرة ذاتية بإتقان، لكنها انتهت بعبارة: «أرجوكم، ساعدوني لأجد عملاً». يجب على الحكومات الغربية أن تأذن للشركات بتوظيف أشخاص مثل هذه الفتاة، إذ من الممكن أن تسمح الشركات، حتى لهؤلاء العمال، بأن يتم دفع رواتبهم من خلال نفس القنوات المالية المفتوحة للتحويلات المالية.
يخشى بعض صانعي السياسة والمحللين الغربيين من أن يؤدي فتح هذه القنوات المالية إلى تقوية النظام. لكن السياسات التي تركز على تمكين التحويلات المالية والمدفوعات المستقلة لن توفر سوى القليل من الراحة للشعب الإيراني. من المرجح أن يصل كلا الشكلين من الدخل إلى بضع مئات من الدولارات شهرياً للفرد ويمكن للحكومات الغربية حتى تحديد المبلغ، ما يحد من مقدار الأموال التي يمكن للحكومة الإيرانية جنيها. ستجعل مصادر الدخل هذه الإيرانيين أقل اعتماداً على التمويل الحكومي. في الوقت الحالي، تستفيد 90 في المئة من الأسر الإيرانية من التحويلات النقدية المنتظمة من الحكومة. ومن شأن الحد من اعتماد الأسر على هذه الأموال، أن يسهل انخراط الإيرانيين بالعمل السياسي بشكلٍ أكثر قوة.

ظروف قاسية جداً

يمكن للحكومات الغربية أن تتخذ خطوة أكثر دراماتيكية لتمكين المواطنين الإيرانيين العاديين، وهي تسهيل نقل أموالهم خارج البلاد إلى المصارف الخارجية، في وقتٍ تعمل العقوبات على إجبار المصارف الدولية على عدم التعامل مع الإيرانيين. وبسبب عدم قدرتهم على إخراج أموالهم من البلاد في ظل أزمةٍ اقتصادية متفاقمة، اشترى أفراد الطبقة المتوسطة في إيران عقاراتٍ محلية وعملات صعبة وعملات ذهبية في محاولة للتحوط من فقدان العملة الإيرانية قيمتها. لكن من خلال ذلك، ساهموا في تمكين النخبة السياسية الإيرانية التي تستثمر الجزء الكبير من ثروتها في هذه الأصول نفسها. أثبتت هذه التفاصيل أنها مفيدة بشكلٍ خاص للإيرانيين الخاضعين للعقوبات الذين لا يستطيعون عموماً استثمار ثرواتهم في الخارج.
سيكون من الأفضل أن تتمكن الطبقة الوسطى في إيران، التي تلعب دوراً مهماً في الضغط المستمر من أجل التغيير الديمقراطي، من الحفاظ على أموالها بشكلٍ موثوق والقيام بذلك من دون تعزيز القوة الاقتصادية للسلطة الإيرانية. لذلك، يجب على الحكومات الغربية مراجعة سياسات العقوبات الخاصة بها حتى يتمكن الإيرانيون من الاستثمار في الخارج، لا سيما في الاقتصادات المجاورة. يجب أن يُسمح للمواطنين الإيرانيين بفتح حسابات مصرفية أجنبية وتحويل الأموال الشخصية إلى تلك الحسابات. يمكن لواضعي السياسات الغربيين العمل مع الحكومات والمصارف الإقليمية لتشجيعهم على تقديم الخدمات للمواطنين الإيرانيين، طالما أن الحسابات تخضع للمراقبة الدقيقة وتحكمها القواعد التي تضمن إمكانية استخدام الأموال فقط ضمن الإجراءات القانونية التي يتم فيها فتح الحساب.
قد يعترض مؤيدو عقوبات الضغط على أن هذه السياسات ستساعد أيضاً النخب الإيرانية على إخراج أموالها من البلاد. لكن الحقيقة هي أن قادة إيران وجدوا منذ فترة طويلة طرقاً للالتفاف على العقوبات، بما في ذلك شراء عقاراتٍ فاخرة في مدنٍ من دبي إلى فانكوفر. إن فتح قنوات أمام رؤوس الأموال للفرار من إيران من شأنه ببساطة أن يمنح الإيرانيين العاديين ملاذاً آمناً لأموالهم.

نهج عقوبات جديد

من المؤكد أن العقوبات الغربية ستظل مفروضة على طهران، وستؤدي في الأعوام المقبلة إلى خلق أزماتٍ اقتصادية أكثر حدة. سوف تنتقل إيران من عقدٍ من الركود الاقتصادي إلى فترةٍ من التدهور البطيء ولكن المضطرد. إن الإجراءات الموصى بها هنا لن تغير هذا المسار، ولن تدعم بالتأكيد الموارد المالية للدولة الإيرانية. ستسمح التحويلات والمكاسب من العمل المستقل بتدفق الأموال إلى إيران لمساعدة الطبقتين الدنيا والوسطى، لكن التسهيلات لمساعدة الطبقة الوسطى-العليا ستجذب الأموال إلى خارج البلاد. بعبارة أخرى، ستمثل السياسات نهجاً ديناميكياً جديداً للضغط الاقتصادي، المتمثل في الحفاظ على الضغط على السلطة مع تعزيز قوة الإيرانيين العاديين.
يمكن لجميع الإجراءات التي ذُكرت سابقاً تغيير طابع الاحتجاجات المستقبلية في إيران، خاصةً أن المخاوف الاقتصادية ظهرت فيها في الأعوام الأخيرة. عندما تمكنت مجموعات صغيرة من عمال النفط من الإضراب في ديسمبر/كانون الأول، كان مطلبها زيادة الأجور وليس التحول السياسي الجذري الذي سعى إليه العديد من المتظاهرين الذين حفّزهم موت أميني. كان هؤلاء المحتجون، وهم من الطبقة العاملة، يطالبون بمزيدٍ من الدعم من الحكومة قبل مفاوضات الميزانية. حذر علماء الاجتماع الإيرانيون من أن ازدياد الصعوبات التي يواجها الإيرانيون من الطبقة الوسطى قد تدفعهم إلى الاهتمام بشكلٍ كبير بالتغيير السياسي في البلاد.
يمكن لسياسة العقوبات المعاد ضبطها أن تساعد في تجنب هذه النتيجة من خلال تخفيف القيود عن الشعب الإيراني. إن كان الغرب يريد من العمال أن يتركوا وظائفهم ويدعموا الاحتجاجات، يجب عليه توفير دعم اقتصادي يستطيعون الاعتماد عليه في معيشتهم. وإذا أراد الغرب أن يظل أصحاب الأعمال نشطين سياسياً، يجب أن يسهل عليهم إيداع أموالهم في الخارج، ما يزيل المخاوف لديهم من أن الاضطرابات السياسية ستؤثر في وضعهم الاقتصادي. عندما يتعلق الأمر باستخدام الضغط الاقتصادي للسعي لتغيير السلوك أو لتحقيق أهدافٍ سياسية، فإن الحفاظ على القوة الاقتصادية للشعب لا يقل أهمية عن السعي لتقييد القوة الاقتصادية للطبقة الحاكمة. لتأمين المستقبل الذي تصوره المحتجون الإيرانيون في شعارهم «المرأة، الحياة، الحرية»، يجب على الإيرانيين أولاً تأمين قوت يومهم.

المصدر:فورين أفيرز

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد