كريم فهيم
مع اقتراب موعد الانتخابات التركية، يعمل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان جاهداً لتحسين الوضع الاقتصادي لمساعدة الأتراك الذين يعانون من التضخم والأسعار المرتفعة، لضمان أصواتهم لصالحه في الانتخابات المقبلة.
وتشمل الإجراءات التي يقوم بها أردوغان، والتي تستهدف الطلاب والعاملين وأصحاب الأعمال وغيرهم، الإعفاء الضريبي والقروض الرخيصة ودعم الطاقة وحتى التعهدات بعدم زيادة رسوم الطرق والجسور. سلّطت هذه الإجراءات الضوء على المخاطر الانتخابية لأردوغان، الذي هيمن على السياسة التركية لمدة عقدين من الزمن وتولى دور الوسيط المحوري خلال الحرب الروسية في أوكرانيا. على الرغم من مكانته في الداخل والخارج، فإنه يجد نفسه أكثر عرضةً لتحدي المعارضة أكثر من أي وقتٍ مضى، إذ يطالب الأتراك، الذين يعانون من التضخم والأزمة الاقتصادية، بالتغيير. ويقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة سابانجي باسطنبول بيرك إيسن: «الاقتصاد ينخر في قاعدته».
في الشهر الماضي، ألغى أردوغان شرط سن التقاعد، ما سمح لأكثر من مليوني عامل بالتقاعد مبكراً وتحصيل المعاشات التقاعدية، وهو إجراءٌ عارضه بشدة قبل بضعة أعوامٍ فحسب، إذ قال في نوفمبر/تشرين الثاني 2019: «لماذا التقاعد المبكر؟. لن أشارك في أي شيء يضر بأمتي، حتى لو خسرنا الانتخابات».
لكن اليوم كل شيء يتغير. عانى الرئيس وحزبه الحاكم العدالة والتنمية من تراجع الدعم الشعبي بسبب الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها تركيا والتي رافقها ارتفاعٌ كبير في الأسعار، الأمر الذي أعطى فرصةً لخصوم أردوغان السياسيين، إذ أظهرت استطلاعات الرأي أن بعض الشخصيات المعارضة تتفوق قليلاً على الرئيس في الانتخابات المقبلة.
تضمنت الإجراءات الاقتصادية التي تم الإعلان عنها في الأشهر الماضية بما أطلق عليه «بشرى سارة» رفع الحد الأدنى للأجور إلى 450 دولاراً شهرياً، وهو ضعف الزيادة عن العام السابق. كما عرض أردوغان قروضاً عقارية منخفضة الفائدة، وألغى الفائدة على قروض الطلاب، وقدم حزمة دعمٍ بقيمة 10 مليارات دولار للتجار.
وقال أردوغان إن مشروع القانون سيسمح «للمواطنين والشركات» بإعادة هيكلة الديون المستحقة للحكومة، بما في ذلك إلغاء الغرامات الضريبية الصغيرة. في الأسبوع الماضي، أعلن إلغاء غرامات رخصة القيادة لجميع المخالفات باستثناء بعض الحالات، مثل القيادة في حالة سَكر، قائلاً إنه سيتم استعادة حوالى 10000 رخصة معلقة.
ويوضح إيسن أن الاقتصاد «سيكون بالتأكيد أكبر قضية في الانتخابات المقبلة. إذا كان بإمكان أردوغان التفكير في طريقةٍ لمعالجة هذه الأزمة لإبلاغ الناخبين بأنه سينقذهم من الركام الاقتصادي، فقد يكون قادراً على إقناع قاعدته الشعبية بإعادة انتخابه». منذ أواخر الصيف، أظهرت استطلاعات الرأي ارتفاع شعبية أردوغان، بحسب إيسن، وهو ارتفاعٌ نسبه إلى إجراءات الحكومة الاقتصادية.
ومع ذلك، بالنسبة إلى كثيرين لم تغير كل هذه الإجراءات شيئاً يذكر. وتقول نورتين كايلاك، 44 عاماً، إن الحد الأدنى للأجور الذي يكسبه زوجها بالكاد يغطي إيجار شقتهما الذي ارتفع من 100 دولار شهرياً إلى 300 دولار خلال العام الماضي، مشيرة إلى أنها صوتت لأردوغان وحزبه في الماضي، في حين أنها تصويتها في الانتخابات المقبلة سيكون مختلفا.
لكن يرى إيسن أن عدم اتفاق خصوم أردوغان على تسمية مرشحهم إلى الآن وفشلهم في تقديم «بديلٍ واضح» يساعد أردوغان قائلاً: «أتيحت الفرصة للمعارضة لتوجيه ضربةٍ كبيرة لأردوغان، لكنها فشلت في توجيهها حقاً».
كما استخدم الرئيس التركي سلطاتٍ واسعة واستبدادية لقمع التحديات التي تواجه حكمه، بما في ذلك الحملة الحكومية المستمرة منذ أعوام على وسائل الإعلام بما أدى إلى عرقلة بث التقارير المستقلة. كما استهدف المدعون العامون خصوم أردوغان السياسيين، من ضمنهم الحزب المؤيد للكرد «الشعوب الديمقراطي»، وأحد المنافسين السياسيين الرئيسيين لأردوغان، عمدة اسطنبول أكرم إمام أوغلو.
في ديسمبر/كانون الأول الماضي، حكمت محكمة تركية على إمام أوغلو بالسجن بتهمة «إهانة الشخصيات العامة»، وهي اتهامات سخرت منها جماعات حقوق الإنسان باعتبارها ذات دوافع سياسية، خاصةً أن التهمة الموجهة لأوغلو، إذا أكدتها المحاكم العليا، ستمنع رئيس البلدية من تولي منصبٍ عام وبالتالي منافسة أردوغان في الانتخابات.
في الوقت ذاته، لا يزال التضخم نقطة ضعف أردوغان الرئيسية، إذ وصلت نسبته إلى أكثر من 80 في المئة في الخريف الماضي قبل أن تنخفض إلى 64 في المئة في ديسمبر/كانون الأول. ويقول أستاذ الاقتصاد في جامعة قادر هاس في اسطنبول إيرينك يلدان إنه «مع ارتفاع أسعار السلع العادية، تسبب التضخم في خسارة الأجور الحقيقية بنحو خمسة في المئة منذ عام 2019. ليس لدى الناس أي آلياتٍ وقائية ضد التضخم».
وأضاف يلدان مشيراً إلى المليارات التي تنفقها الحكومة إن «رد الحكومة يرقى إلى مستوى تدخلاتٍ عشوائية ومخصصة وغير منتظمة في سوق العمل فيما يتعلق ببرامج دعم الأجور التي يُعتبر تمويلها مشكوكاً فيه للغاية. سياسياً، تم تلوينها على أنها منحة من أردوغان. لكن من الناحية الاقتصادية، من سيدفع هذه التكاليف في نهاية المطاف؟».
ويشير متين أوزكان، البالغ من العمر23 عاماً، وهو صاحب شركة مبيعات عبر الإنترنت، إلى أن الزيادة في الحد الأدنى للأجور لا معنى لها، إذ يبدو أن الأسعار ترتفع كل بضعة أشهر، لافتاً إلى أن الإنفاق الحكومي الذي تم الإعلان عنه مؤخراً، مثل السماح بالتقاعد، شكّل عبئاً على كاهل الشباب.
وفي حي الفاتح بإسطنبول، يقول إرسين فؤاد أولكو، وهو مدير في سلسلة مطاعم يبلغ من العمر 40 عاماً، إن أي مساعدة حكومية لم تواكب الارتفاع الشديد في الأسعار، مثل تلك الموجودة في قائمته، التي زادت 13 مرة خلال العام الماضي.
ويقول أولكو: «لم تعد هناك طبقة وسطى بعد الآن. أما ثرية أو فقيرة»، مضيفاً أنه كان يخطط للانتقال إلى ألمانيا لكن زوجته ترفض ذلك، فيما هو دائماً ما يفكر في مستقبل ابنهما الصغير. ويستطرد: «سيتعين عليها الموافقة على ذلك في النهاية. فالمستقبل مظلم هنا».
المصدر:واشنطن بوست