يتم الاحتفال في 20 حزيران من كل عام باليوم العالمي للاجئين World Refugee Day))، تزامناً مع يوم اللاجئ الأفريقي، الذي تم إقراره في عام 2000 بقرار خاص من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة في الرابع من ديسمبر من نفس السنة، إذ نوه القرار أن تاريخ 2001 يوافق الذكرى الخمسين لإعلان اتفاقية جنيف المتعلقة بوضع اللاجئين، واحتفل به للمرة الأولى في العام 2001.
على الرغم من أن حماية المدنيين والعمل الإغاثي للأمم المتحدة كان قد بدأ عام 1948، إلا أنه تبلور ونظم بعد اتفاقية حماية المدنيين واللاجئين أثناء الحرب التي وقعت عام 1951.
الاحتفالية تشكل مناسبة لاستعراض هموم وقضايا اللاجئين ومشاكل الأشخاص الذين تتعرض حياتهم للتهديد في أوطانهم، كما تهدف إلى تسليط الضوء على معاناة جموع النازحين، وبحث سبل تقديم المزيد من العون لهم، وذلك برعاية دائمة من المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة UNHCR))، والهيئة العامة للأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها ذات الاختصاص تتكفل بتأمين حق تعليم الأطفال، حق السكن والمأوى، وحق تأمين العمل بشكل مؤقت لجميع اللاجئين في العالم.
ولكن بعد تفاقم المشكلة وتصاعد أعداد اللاجئين بنهاية عام 2014 إلى أربعة أضعاف خلال فترة أربعة أعوام فقط (2011-2014) تزامناً مع تعمق الحرب الداخلية في سوريا، لدرجة أنه بلغ عدد النازحين من ديارهم بسبب الحروب والصراعات بمن فيهم طالبي اللجوء في العالم حوالي 60 مليوناً، سنة 2016 وبلغوا 65 مليون سنة 2017، وجاوز العدد 80 مليون سنة 2020 نصفهم على الأقل من الأطفال. وقد وصل العدد الى 89 مليون (2021)، أما بعد الحرب الأوكرانية واتساع رقعة الصراعات في العالم يقترب العدد من 100 مائة مليون.
وهذا يعني أن كل إنسان على وجه الكرة الأرضية من أصل 90 شخص، بات لاجئاً أو نازحاً، هذا الرقم يكشف هول الصدمة وعظمة الكارثة البشرية، كما تبين حقيقة أن مشكلات العصر السياسية والاقتصادية والحروب وتصاعد وتيرة الإرهاب كلها عوامل تفاقم من مشكلتي النزوح واللجوء على الصعيد العالمي، كان ومازال أكبرها وأسوأها الكارثة السورية.
على الرغم من أن ميزانية الأمم المتحدة في هذا الخصوص مقبولة نسبياً، حيث بلغت لعام 2016 حوالي 4 مليار دولار، ووصلت الى (9.1) مليار دولار أميركي في عام 2021. إلا أنها غير كافية، فجهود المفوضية ومعوناتها مازالت غير عادلة في التوزيع والخدمات، وتتباين من منطقة إلى أخرى، خاصة أنها لا تلتفت إلى معاناة إقليم كوردستان العراق ومناطق الإدارة الذاتية وبشكل أخص مخيمات الشهباء، ولا تقدر حقيقة العبء الكبير الذي تتحمله جميع المناطق الكوردية جراء استضافة ملايين النازحين واللاجئين داخلياً من كافة مناطق سوريا والعراق.
ومازلت عدد من الحكومات تبتز المفوضية، وخاصة الحكومة التركية التي تستخدم ورقة اللاجئين السوريين كضغط حزبي وسياسي، ومعاناة السوريين في تركيا تتفاقم عام بعد آخر، فقد حصلت الحكومة التركية على عشرات المليارات من الدولارات في السنوات الماضية دون أن يتضح أين صرفت تلك المبالغ الهائلة وكيف؟ فهي تركز على تحقيق مكاسب اقتصادية واجتماعية لمواطنيها والحزب الحاكم في تركيا على حساب السوريين.
مع ذلك ومهما زادت المساعدات الأممية فإن مشكلة اللاجئين لن تحل، فمعاناتهم كبيرة من الناحية الاقتصادية، فحوالي 65% منهم يعيشون تحت خط الفقر، و90% منهم يعانون من المديونية، كما لم تنجح كل استراتيجيات دمجهم في المجتمعات المستضيفة، بل بات وجودهم يولد في المجتمعات المستضيفة المزيد من المشكلات الاجتماعية والأمنية، وما زالت استراتيجية تأقلم اللاجئين باهظة الثمن، خاصة في حقول عمل الأطفال، التعليم والزواج المبكر، والبغاء.
لذلك ليس ثمة حلول أنجع وأكثر فعالية من العمل الجاد والتوجه لاكتشاف ومعاجلة جذور مسألة الهجرة وعمليات النزوح التي تنتج مباشرة عن سياسات الحكومات الدكتاتورية والدكتاتوريات المتوحشة على وجه الخصوص، فضلاً عن إيجاد حلول سياسية عادلة لقضايا الأقليات والشعوب المضطهدة، وتلك التي حرمت من حقها في تقرير المصير، وفي مقدمتها شعب كوردستان المجزأ، الذي يعيش أكثر من ثلثه خارج وطنه.
إن عدم تأمين حق التعليم باللغة الكوردية أولاً، ومن ثم الحق في العمل ثانياً، وأخيراً حق المشاركة في الحياة السياسية، مازالت هي الأسباب الرئيسية لزيادة هجرة الكورد إلى خارج كوردستان واستغلالهم في دول المهجر، وهي نفسها الحقوق التي تسعى المنظمات الأممية أن تؤمنها في مكان اللجوء.
وما حدث من إبادة منهجية للكورد الايزيديين والفيليين وسكان منطقة عفرين وغيرهم طوال السنوات الماضية، سوى حلقة متأخرة وربما ليست أخيرة في مسيرة النزوح الشاقة لأبناء شعوب المنطقة، وخاصة شعب كوردستان في أجزائه الأربعة الذي يتعرض لاضطهاد سياسي واقتصادي مركب، ويعاني من خطر الإرهاب بدرجات متفاوتة، لذلك يبدو ضرورياً من زاوية إنسانية وسياسية التوجه نحو إيجاد حل نهائي وسياسي لمعاناة الكورد، وطلب رعاية الأمم المتحدة لقضيتهم، ليس في حقل تأمين حقوق اللاجئين فحسب، بل السعي لحل المشكلة من جذورها، وذلك بتأمين الحق في تقرير المصير السياسي لشعوب كوردستان والعيش مع شعوب الجوار بسلام.
المطلوب في هذه المناسبة من كل النشطاء والمنظمات الحقوقية أن تفعل من دورها وتصعد من نشاطها لوضع حد لمعاناة النزوح واللجوء على صعيد منطقة الشرق الأوسط، فلم يعد يكفي ما ردده بان كي مون بأن: “اللاجئون هم أناس كأي شخص آخر، مثلكم ومثلي، كانوا يعيشون حياة طبيعية قبل أن يصبحوا لاجئين، وحلمهم الأكبر يكمن في أن يتمكنوا من العيش حياةً طبيعية مجدداً.”
لنتذكر في يوم اللاجئ العالمي لهذا العام، إنسانيتنا المشتركة، ونحتفي بالتسامح والتنوع، ونفتح قلوبنا للاجئين في كل مكان، فالموضوع برمته يجب أن يحال إلى فعالية أممية لوضع حد لسياسات الدول والحكومات المستبدة، والجماعات المتطرفة التي تتضافر جهودها جميعا لتشريد الإنسان والنيل من كرامته وحقوقه الأساسية في العيش بكرامة في مسكنه وأرضه والتمتع بحقوق التعليم بلغته وكذلك العمل، مع توفير جميع الحقوق وممارسة الواجبات السياسية بحرية في مجتمعاتها المنكوبة.